البرامج والمنظومات الديمقراطيةالدراسات البحثية

الانتقال الديمقراطي في المنطقة العربية واشكالية التدخل الدولي

 اعداد : د محمد عصام لعروسي  – الجامعة الأمريكية للقيادة

  • المركز الديمقراطي العربي

 

 

ليس من البديهي فهم العلاقة بين الحراك السياسي العربي و اشكالية التدخل الدولي في توجيه و ادارة المنطقة العربية وفق مخططات و أنظمة يقظة استراتيجية متقدمة تخدم توجهات عالمية تريد من جعل المنطقة وعاء جامعا للتناقضات السياسية و العرقية الطائفية مع مستويات اقتصادية متدنية و تحقيق المعادلة الحقيقية الكامنة في جعل الديمقراطية في خدمة تنمية المواطن العربي الاقتصادية و الثقافية.

حسب العديد من الدراسات، الحراك السياسي العربي، كان تعبيرا حقيقيا عن الرغبة في التغيير و العبور الى مرحلة الانتقال الديمقراطي الحقيقي، و هو صرخة اجتماعية و مظهر من مظاهر التعبير عن الاحتقان الاجتماعي و تردي الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعي، انتشار الفقر و البطالة و الاستبداد السياسي و سيطرة نخب بعينها على السلطة و الثروة، مما دفع ببعض الباحثين الى توصيف فساد هذه النخب على أنها فشلت في انتاج مشاريع وطنية ناجحة ، و أوصلت العمل السياسي في هده البلدان الى الباب المسدود، و ساهمت في انتشار اليأس من امكانية الانتقال الى مرحلة الديمقراطية عن طريق صناديق الاقتراع التي تحركها دائما أياد خفية و لا توحي دائما بالشفافية و قد لا تعطي صلاحيات التغيير للأحزاب المغشوشة و التيارات المنافقة للسلطة و التي تدور في فلكها و تقتات من موائدها و تمتهن العمل السياسي بحثا عن المصالح و الكراسي المريحة و الامتيازات الاجتماعية و اقتصاد الريع.

لم نعد ندرك الاختلاف بين البرامج و التوجهات الايديولوجية في المنطقة العربية، فقد تنقسم التيارات بين تلك المشاركة في اللعبة السياسية و التيارات المتطرفة في غياب تأثير التيارات المعتدلة و الوسطية و أيضا ضعف تأثير الطبقة الوسطى المثقفة التي كانت تحتضن مشاريع و أمال التغيير ، فالمجتمعات العربية أصبحت قاب قوسين أو أدنى من السقوط في شباك التطرف و جبهات الرفض المطالبة بقلب الطاولة على الأنظمة السياسية و اعادة هيكلة المجتمعات و انتاج قوالب و هياكل سياسية تقليدية رافضة للحداثة السياسية و للديمقراطية في شكلها الحديث.

ولهذا اتسمت الثورات العربية تجاوزا بالعفوية و التلقائية التي أنتجت واقعا هشا استغلته التيارات الاسلامية في كل من تونس و مصر و بشكل مختلف في ليبيا، التغيير الجدري لا يأتي على ظهر الدبابة و هدا ما حصل فقد هلل الكثيرون للحراك و تبنوا مقولات جاهزة تحتفي بالمد الثوري و بالأفكار المتمردة عن واقع الأنظمة التسلطية الفاسدة في المنطقة العربية.

لكن النخب الجديدة لا تتوفر على قدر كبير من لاستعداد و القدرة على بناء الدولة المدنية و خلق فضاءات جديدة للتوافق و اشراك الفعاليات المدنية التي أعطت للحراك السياسي بعدا جديدا متقدما يتقاطع فيه الافتراضي مع العالم الواقعي ، حيث استطاع الشباب و لأول مرة قيادة انتفاضات عن بعد و باستخدام تقنيات التواصل الجديدة من مواقع التواصل الاجتماعي و استغلال الشبكة العنكبوتية في تبادل الرسائل و تنظيم المظاهرات، و المثال الواضح في ذلك هو القدرة على تعبئة شباب و فئات مختلفة من المجتمع المصري للاحتجاج على النظام القائم في ساحة التحرير و تواصل الاحتجاجات التي انتقلت من المطالبة بالحقوق المدنية و الاقتصادية و الاجتماعية الى رفض استمرار السلطة السياسية في الحكم و رفع شعار ارحل الذي اختزل كل طموحات الشعب المصري و أمله في مستقبل جديد خارج سياق المؤسسة العسكرية و الثوريث الذي أراده مبارك للاستمرار في بسط يده على مقدرات البلاد و ارتهان مستقبلها.

وصول الاسلاميين الى الحكم في مصر، تونس و ليبيا لا يعني أن هذه التنظيمات انتقلت من حالة الثورة و البناء و التخطيط الاستراتيجي و الايديولوجي الى تبني فكر و عقيدة و ممارسة و تفاعل جديد محل السابق و هي مرحلة تأسيسية قد تستغرق مدة طويلة و لا تعتمد على المفاجأة و العفوية، بقدر ما تسعى الى التمكين السياسي و توطين الأفكار و شحن الجماعات و استقطاب النخب الى فكرها و رغبتها في التغيير و الثورة على الأوضاع القائمة.

في الحالة المصرية، مارس الاخوان المسلمين المعارضة لمدة تزيد عن ثمانين سنة، دون رصيد يذكر في ممارسة السلطة و اذعاناتها الداخلية و الخارجية و ما يتطلب ذلك من مكر السياسة و اقصاء المنافسين و خلق التحالفات القوية التي تقوم على أساس المصالح المتبادلة و المنفعة و لا تنحو في اتجاه خلق التنافر الايديولوجي بين أطياف المجتمع ، و فتح باب الصراع بين الليبراليين العلمانيين و الاسلاميين الذين أصبحوا يميزون بين أنصارهم الاسلاميين و معارضيهم العلمانيين، دونما الوقوف على طرح أسئلة الهوية و المواطنة على أساس أن السلطة السياسية القائمة تحكم كل المواطنين على قدم المساواة دون تمييز على أساس الاختلاف الفكري العرقى و الديني.

ان الانتقال الى مرحلة الحكم له مفرداته الخاصة و معجمه الذي ينهل منه بعيدا عن المناوشات والحسابات الضيقة و النأي بعيدا عن الصراع الفكري الايديولوجي و استبعاد فكرة أسلمة المجتمع و تكفير الآخرين من منطلق ان لم تكن معنا فانك في برزخ الخائنين و تستحق الاقصاء ، و تبقى التجربة التركية لحكم الاسلاميين خير مثال على نجاح حزب اسلامي في التعاطي مع الحكم بمنطق الاندماج و التفاعل، لان الاسلاميون الأتراك انخرطوا بكل بساطة في مشروع تركيا الوطنية، و حافظوا على البناء العلماني للدولة القائم على الاختلاف و التنوع الثقافى و الفكري و الديني، وفق منهج ماكس فيبر الذي وضع تركيا حسب تصنيفه لشكل و طبيعة الدول في خانة الدول العلمانية البيروقراطية التي نحث في اتجاه التغريب و التقليد للديمقراطية الغربية في بناء المؤسسات الدستورية و تدبير الاختلاف بين الفرقاء السياسيين، صحيح أن تركيا عرفت العديد من الانقلابات العسكرية، لكن تصحيح المسار و انتاج نموذج ديمقراطي يتطلب التوافق و التخلي عن الحكم الأوتوقراطي الذي لا يقبل باقتسام السلطة و خلق مؤسسات مواطنة بعيدا عن الايديولوجيات المدمرة و الهويات المتعصبة.

احترام ارادة الشعوب و الحق في تقرير مصيرها بواسطة صناديق الاقتراع ، لا يجيز لجهات عسكرية و أصحاب الفكر الأحادي بالعودة الى المربع الأول و احياء النظام التسلطي الأوتوقراطي و تجديد دور المؤسسة العسكرية في مصر التي ظلت تتربص بالإسلاميين و تساير منطقهم في انتظار الوقت المناسب للانقضاض على السلطة و ارجاع عقارب الساعة الى الوراء و افشال الانتقال الديمقراطي السلس ، و في تونس أيضا و بسلطة الانتخابات عادت وجوه النظام السابق لتأثيث المشهد السياسي التونسي مع فوز حزب النداء الشكل الجديد للحزب الديمقراطي في عهد بن علي و تراجع حزب النهضة الإسلامي و الحديث عن ضرورة التوافق بين أطراف المعادلة ما يعني تنازل حزب النهضة عن العديد من المواقع و المكتسبات.

هذا التراجع الممنهج عن دعم تجارب دول الربيع العربي، يوحي بوجود قوى خفية تجمع على أن عدم استمرار الاسلاميين في الحكم هو الحل السحري لمعضلات دول الربيع و عدم جدوى منطق المشاركة السياسية و التعددية، و الاجماع الدولي على فشل تجربة الاسلاميين المعتدلين، رغم عدم اتاحة فرصة الاستمرار و ربما تصحيح الأخطاء وفق المنهجية الديمقراطية و اكتساب المزيد من التجربة و التمرس لجعلها تنتقل من الحالة الجنينية الى مرحلة النضوج و التطور ، و تم مواجهتها بإفشال مخططاتها الاقتصادية و بضعف الدعم الخارجي لها، مما يعطي انطباع تام على عدم جاهزيتها و ضعف قدرتها على التفاعل و تغيير الواقع السياسي و الاقتصادي للمواطن نحو مستقبل أفضل.

في المغرب شكل الربيع العربي أكبر اختبار لتجربة الاصلاح السياسي و الديمقراطي التي بدأت قبل هذا التاريخ بتوقيع المصالحة مع الذات من خلال الاعتراف بماضي الخروقات و سنوات الرصاص و تحقيق العدالة الانتقالية و فسح المجال لتوسيع فضاء الحريات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و التركيز على التنمية الاقتصادية كقاطرة للإقلاع التنموي، و هو مسار طويل و ايجابي ساهمت المؤسسة الملكية باعتبارها في قلب الهندسة الدستورية و السياسية في تدبيره مع الشركاء السياسيين.
و كان الخطاب الملكي 9 مارس 2011 لحظة فارقة رفعت من سقف الاصلاح الدستوري عاليا و تجاوزت بشكل كبير معظم التوقعات و الرغبات الفئوية و النخبوية التي رأت في الدستور الجديد محطة تاريخية ديمقراطية تعيد الاعتبار للفاعل السياسي و المواطن المغربي بشكل عام من خلال ترسيخه لقيم المواطنة و الهوية المغربية رسم خريطة طريق جديدة لاقتسام الصلاحيات و الاختصاصات مع مؤسسة رئيس الحكومة و دسترة مؤسسات الرعاية الاجتماعية و الاقتصادية و اليات رقابية جديدة تضع الحكومة و المؤسسات الدستورية تحت مجهر المسؤولية و المحاسبة.

الربيع العربي في المغرب كان مختلفا عن مثيله في الدول العربية، فقد توشح بأكاليل الاصلاحات و خرج النظام السياسي المغربي من مخاض الحركات الاحتجاجية بقيادة حركة 20 فبراير، بانتصار سياسي اتسم بالواقعية و تنزيل اليات ضبط جديدة تفاعلت مع كل الدعوات حتى المتطرفة منها، باتباع سياسة احتواء استباقية عقلانية و معالجة أمنية تركت المجال للشارع المغربي في التظاهر و الاحتجاج و تدبير الفضاء العمومي بنوع من الذكاء و حصر كل المد الاصلاحي في مطالب اجتماعية و اقتصادية محضة ، و توج المسار بوصول حزب العدالة و التنمية المغربي الى تشكيل الحكومة بعد فوزه المرتبة الأولى في الانتخابات و تحالفه مع أحزاب لا يتقاسم معها نفس التوجهات العقائدية و الفكرية.

كما يقال للسياسة أحكام و حب البقاء في السلطة لأكبر وقت ممكن له منطقه الخاص و يفرض اتباع تدابير متناقضة في بعض الأحيان تلزم التحالف مع أعداء الأمس و الاختلاف مع أصدقاء اليوم، ليس هناك من ميزة أخلاقية و لا ايديولوجية لهذا الحزب الاسلامي في المغرب ، سوى أنه تحول الى مجرد حزب كباقي الأحزاب وضعته التجربة الحكومية أمام رهان التفاعل مع المؤسسة الملكية بمنطق تاريخاني و تقليداني كلياتي بعيدا عن مكتسبات الوثيقة الدستورية، و اعتبار الملكية حاضنة لكل المبادرات التنموية و السياسية من خلال احتكار القرارات الاستراتيجية الهامة و اكتفاء رئيس الحكومة باختصاصات تقنية و غياب اسراتيجيات وطنية لمواجهة الأزمة الاقتصادية و تقديم حلول مبدعة و الاكتفاء بسياسة رفع الأسعار المواد الأساسية.

استشعر حزب العدالة و التنمية المغربي صعوبة تنفيذ برامجه السياسية و الانتخابية، و تخلى عن الجانب الدعوي و الاصلاحي و مارس السلطة بمنطق الدولة و تماهى مع الاكراهات الداخلية و الخارجية و أهمها مواجهة الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه المغرب بعد الأزمة المالية و ضيق الخيارات الاقتصادية المطروحة، مما حدا بالحكومة الاسلامية الى اتخاذ تدابير مست بالقدرة الشرائية للمواطن المغربي باتباع سياسة رفع الأسعار و تحرير العديد من القطاعات و التخلي عن دعم المواد الأساسية كالمواد الطاقية… و يضاف الى ذلك ، ضعف تصور الحزب لمقولات الاصلاح و التورط في أحيان كثيرة في فضائح و انحرافات التدبير شأنه في ذلك شأن باقي الأحزاب السياسية، مع فارق ممارسة الشعبوية و التواصل مع الفئات الشعبية بلغة الشارع التي يفهمها القاصي و الداني بحثا عن رفع منسوب الشعبية لديه.

أما الوجه الأخر من اشكالية الحراك السياسي، يكمن في افشال التجارب الديمقراطية في بلدان ما عرف بالربيع العربي في كل من مصر، ليبيا، اليمن، و سوريا و خاصة عودة النظام العسكري في مصر كنهاية حلم التغيير عبر صناديق الاقتراع التي حملت الاخوان المسلمين في مصر و حزب النهضة في تونس لأول مرة الى سدة الحكم في 2012 و ما سبق ذلك من المصادقة على دساتير جديدة و انشاء مؤسسات لا تشتعل وفق المنهجية الديمقراطية ، و فتح المجال أمام احتمالات التدخل الدولي في الشؤون الداخلية لدول الربيع العربي و دعمها لسلطة المؤسسة العسكرية في مصر بعد أم أبدت رغبتها في التعاطي مع التغيير في المنطقة العربية و الاعتراف بحكم الاسلاميين المعتدلين، شريطة عدم التغيير في توجهات السياسة الخارجية و سلوك مصر الخارجي بما يشمل الحفاظ على الاتفاقيات الدولية الموقعة مع اسرائيل و لعب دور متوازن في المنطقة يعكس رغبة الولايات المتحدة في التماهي مع رغبات المجتمع في احداث تغيير في نمط السلطة و جعل الاقتراع الوسيلة الديمقراطية التي تحتكم لها الجماهير.

الثنائية الجامعة للاستفهام هو التأرجح بين الرغبة في تحرير الشعوب العربية و التحديث السياسي و الديمقراطي و بناء دولة الحقوق و الحريات وفق منطق التداول على السلطة و ترسيخ سلطة المؤسسات- كما أشار المفكر الألماني كارل دوتش في تعليقه على تراجع نسب المشاركة السياسية في الانتخابات الأوربية مرده اطمئنان المواطن الأوربي على طرق اشتغال المؤسسات – و وجود اجماع غربي على عدم نضج التجارب الديمقراطية في هذه البلدان و ضرورة التدخل الدولي لتوجيه أشرعة الحكم وفق مصالح الدول الغربية دون اكتراث لمدى اطمئنان المواطن لسلطة الحكم.و شرعيته و أحقيته للوصول الى السلطة.

لا شك أن الحراك السياسي العربي لم يعط في نهاية المطاف الأهداف المتوخى منه و لم يحقق الشعارات السياسية و الاقتصادية الكبرى التي كانت من وراء هذه الثورات المشكوك في صدقبتها و غائيتها و أسباب نزولها، بل ذهب بعض المحللين الى أن الحراك العربي هو خطة أمريكية تريد زعزعة استقرار المنطقة، فقد سربت منظمة أمريكية، أو ما يطلق عليها “مجمعات الخبرة” الأمريكية، وثيقة تتناول حقيقة ما سمي بالربيع العربي، فحسب “لجنة فالمي” الفرنسية التي نشرت على موقعها ما تناولته “تينك- تانك”بخصوص “الربيع العربي” الدي اعتبرته حركة بعيدة كل البعد عن عفوية الشعوب العربية المتعطشة للتغيير السياسي ببلدانها، بل على العكس من ذلك هي خطة أمريكية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق مشروع مدروس بروية وتعمد من طرف الإدارة الأمريكية والتي كان رائدها “روبرت فورد” رئيس الفريق المكلف بالمنطقة العربية في جهاز الاستخبارات الأمريكية . (CIA)
التقرير الذي سربته المنظمة، يستند على تقرير رسمي للحكومة الأمريكية حول حقيقة الشراكة مع الشرق الأوسط و يوضح تورط البيت الأبيض في الثورات العربية التي عصفت بعدة دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. حيث أن الوثيقة المذكورة، المؤرخة بتاريخ 22 أكتوبر 2010، أطلق عليها “مبادرة الربيع العربي بالشرق الأوسط: نظرة عامة “ وهي وثيقة سرية تم الوصول إليها من طرف المنظمة بفضل قانون حرية المعلومات، فالولايات المتحدة الأمريكية، حسب هذه الوثيقة، وضعت في مخططاتها الداخلية العديد من الاستراتيجيات لقلب وزعزعة الأنظمة في البلدان المستهدفة بالاعتماد على “المجتمع المدني” بعدما مهدت لذلك الأرضية عبر عدة أعمال جوهرية مستندة بالخصوص على عمل المنظمات غير الحكومية.

فقد حدد القسم المعنون “كيف تعمل مبادرة الشراكة الشرق أوسطية” بوضوح أن الأهداف الرئيسية للمبادرة هو “بناء شبكات من الإصلاحيين الذين يتبادلون معارفهم ويساعد بعضهم البعض من أجل تحفيز التغيير في المنطقة”، حسب ما جاء في الوثيقة. فالإدارة الأمريكية بقيادة أوباما لم تبخل بمنح الإمكانيات اللازمة لإنجاح التدخل في الشؤون الداخلية للدول المشمولة بالمبادرة الأمريكية. فهذه المنح المحلية ” تقدم الدعم المباشر لمجموعات من السكان المحليين، والتي تمثل ما يناهز نصف تقديرات مشاريع مبادرة الشراكة الشرق أوسطية” حسب ما أشار التقرير.

كما تقدم الوثيقة قائمة البلدان ذات الأولوية التي يستهدفها البرنامج وفق دوافع خفية للمؤسسة الأميركية؛ ويتعلق الأمر بدول اليمن، والمملكة العربية السعودية وتونس ومصر والبحرين، فيما أضيفت ليبيا وسوريا سنة واحدة بعد إعداد هذا التقرير من طرف وزارة الخارجية، أما بالنسبة لمصر فمن المعلوم أن الولايات المتحدة الأمريكية اعتمدت على جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها متوافقة مع السياسة الخارجية الأمريكية.

وجود هذه التقارير قد تسير في اتجاه تأييد التدخل الدولي في المنطقة العربية باستخدام القوة الناعمة أي احداث التغيير دون اللجوء الى القوة العسكرية و استخدام الدبلوماسية عن بعد أو التدخل بالوكالة من خلال دعم الهيئات المدنية و تجنيدها لتنفيذ أجندات خارجية مقابل تمويلات مجزية لأنشطتها مما يلغي طابع العفوية و التلقائية عن الحراك السياسي.

ما يحصل في المنطقة العربية هو بالتأكيد نتيجة التدافع الدولى لإعادة رسم معالم المنطقة على أساس طائفي و ديني و عقائدي و تدشين مرحلة الخوف من الارهاب و التطرف الاسلامي المبرر الأساسي للانقلاب عن المسار الديمقراطي و رفع شعار الخوف من الاسلاميين المعتدلين و وضعهم في سلة واحدة مع أصحاب الفكر ألاستئصالي التكفيري ، و هي مقاربة ارتدادية الهدف منها مرة أخرى الرجوع الى نقطة البداية و الزج بالمنطقة العربية في مرحلة البحث عن المرجعيات الهوياتية التي تغذي الصراعات الطائفية سواء في ليبيا، مصر، اليمن و سوريا و اطالة أمد الفوضى لاستنزاف مقدرات و خيرات المنطقة، و توظيف الفصائل و الجماعات الاسلامية المتطرفة كداعش و القاعدة لخدمة سيناريوهات التفتيت و خلق دويلات صغيرة في الشرق الأوسط و شمال افريقيا.

الانتقال الديمقراطي في الوطن العربي يحتاج الى اصطفاف الديمقراطيين في معسكر واحد خلال الفترات الانتقالية الفاصلة بين الاستبداد و اللحظة الديمقراطية و ما يتطلب ذلك من تأجيل الانقسامات القائمة على البعد الهوياتي بين الاسلاميين و العلمانيين، و مراجعة شاملة لمقومات التغيير و امكانياته و الجدوى منه من داخل منظومة الاصلاح و المراجعات المتكررة للأخطاء و توحيد الرؤى داخل الدولة المدنية التي بالإمكان تحقيقها اذا ما اجتمعت شروط بناء مجتمع سياسي تعددي يحتكم لقواعد اللعبة الديمقراطية بكل ما لها و ما عليها و تدبير الاختلاف بالطرق الديمقراطية، انهاء الصراعات الطائفية و الدينية في المنطقة و توحيد القوى الحية للمجتمع العربي و فعاليات المجتمع المدني لإصلاح أعطاب التهافت على السلطة السياسية، و منع التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للمنطقة العربية، و المراهنة على التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و تحسين شروط الاستقرار و العيش الكريم و تحقيق معادلة الأمن، الحرية السياسية و الاكتفاء الذاتي الاقتصادي كمطالب حقيقية للشعوب العربية.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى