تحليلات

الجزائر بين البراكين الاجتماعية والتهديدات الإرهابية

أعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عن سلسلة من التغييرات السياسية والاقتصادية على رأس الحكومة والشركات الكبرى. الهدف: استيعاب غضب الشارع الذي لا يزال يتخبط في مشاكل اجتماعية رغم الطفرة النفطية التي عرفتها البلاد طيلة عشر سنوات. المعارضة ترى في قرارات بوتفليقة مناورات سياسية هدفها البقاء في السلطة رغم مرضه.

في وقت انخفضت فيه مداخل الجزائر المالية ب41 بالمائة في الفصل الأول لعام 2015 بسبب تراجع أسعار النفط، وفي ظل استمرار محاكمة عدة مسؤولين سياسيين واقتصاديين كبار في قضايا فساد، حاول الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة كسر الجمود السياسي الذي وقعت فيه الجزائر، معلنا عن سلسلة من المبادرات السياسية والاقتصادية هدفها لفت نظر الرأي العام الداخلي والخارجي بأنه لا يزال الرجل الأقوى في البلاد، وأنه يتابع جميع التطورات عن كثب رغم معاناته المرضية.

وتمثلت المبادرة الأولى في فرض تعديل وزاري واسع النطاق على حكومة سلال التي تواجه انتقادات حادة من طرف المعارضة والمجتمع المدني، بسبب عجزها عن حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يتخبط فيها الجزائريون، وذلك رغم الإمكانيات المالية الهائلة التي كان يتمتع بها هذا البلد قبل سنتين فقط.  وشمل التعديل عدة وزراء، بعضهم من المقربين من الرئيس نفسه مثل وزير الداخلية طيب بلعيز الذي ترك منصبه ليصبح مستشارا في رئاسة الجمهورية، ووزير الطاقة يوسف يوسفي، ووزيرة الثقافة نادية لعبيدي التي اتهمت بتمويل شركتها الخاصة بالإنتاج السمعي والبصري بأموال القطاع العام. ووزير الشباب والرياضة محمد تهمي الذي فشل هو أيضا في إقناع “الكاف” باختيار الجزائر لاستضافة كأس أمم أفريقيا في 2019، إضافة إلى وزراء آخرين فشلوا في المهمات التي وكلت لهم.

ولم يقتصر تدخل عبد العزيز بوتفليقة على التعديل الحكومي فقط، بل قرر أيضا أمس الأحد تبديل مدراء شركات جزائرية كبرى، مثل سونطراك النفطية وشركة الخطوط الجوية الجزائرية وقطاع الجمارك والبنوك، إذ كشف عن أسماء جديدة لإدارة هذه المؤسسات التي تعد القلب النابض للاقتصاد الجزائري. ويتوقع أن يعلن أيضا على تعيينات جديدة تمس مؤسسات وقطاعات كبرى أخرى.

.ورغم استيقاظ بوتفليقة من سباته السياسي العميق، إلا أن المعارضة ترى أن خطوة الرئيس لن تغير شيء من وضع الجزائر المتردي، بل تؤكد مرة أخرى حسب عبد العزيز رحابي، وهو وزير اتصال سابق ومقرب من المعارض على بن فليس، غياب “الانسجام في هرم السلطة وعدم وجود خط سياسي حقيقي وثابت في صفوف الحكومة”.
وفي تصريح لجريدة “الوطن” قال رحابي:”النظام الجزائري على وشك النهاية. لقد أصبح يتخبط أكثر من أي وقت مضى وهذا يدل على أن الأزمة التي تطال هرم الرئاسة الجزائرية أصبحت أكثر خطورة وقساوة”.

نفس التحليل قام به حزب القوى الاشتراكية، وهو أقدم حزب سياسي معارض في الجزائر أسسه الزعيم حسين أيت أحمد في 1963، الذي أكد أن التعديل الحكومي ما هو إلا ترجمة للصراعات السياسية التي تدور في أروقة النظام والجيش، منتقدا إياه (التعديل) بحجة أنه لن يأتي بأية نتيجة إيجابية في المستقبل القريب.
وقال يوسف أوشيش، الناطق الرسمي باسم الحزب:” البلاد ليست بحاجة إلى تعديل حكومي ولا يمكن أن نقوم بتغيير من أجل التغيير فقط. والذين يقولون بأن الحكومة الجديدة هي حكومة تكنوقراطية مخطئون لأن كل حكومة لها دلالاتها السياسية وتوجهاتها وتخدم خيارات الرئيس سواء كانت من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية”.

كما تساءل أيضا محسن معزوز من حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (حزب علماني) كيف يمكن أن نجري تغييرا حكوميا في غضون خمسة أيام فقط؟” مجيبا:” التغيير الحكومي يدل على أن الرئيس بوتفليقة غير قادر على ممارسة مهماته الدستورية وعاجز على متابعة الملفات الداخلية والخارجية”، وموضحا أن السؤال “من يحكم حقا الجزائر بات سؤال مطروح اليوم أكثر من أي وقت مضى”.
“بوتفليقة هو الذي تسبب في هذا الخراب”

أما بالنسبة لسفيان جيلالي، زعيم حزب “الجيل الجديد” المعارض، فيرى أن الجزائر “باتت في خطر وأن الأزمة التي مست جميع مؤسسات البلاد أصبحت تطال اليوم هرم السلطة أي رئاسة الجمهورية ذاتها”.
وقال:” رئاسة الجمهورية أصبحت تشبه ذلك المنزل المفتوح الذي تعصف عليه رياح التغيير والغضب. لا يوجد بداخلها لا مسؤول ولا حاكم”. وأضاف: “بوتفليقة هو الذي تسبب في هذا الخراب”. ودعا سفيان جيلالي عبد العزيز بوتفليقة إلى الرحيل ” لأن زمنه ولى”.

وبالإضافة إلى الانسداد السياسي الذي وصلت إليه الجزائر، فلم يتمكن بوتفليقة من تعديل الدستور كما وعد به غداة انتخابه للعهدة الرابعة. فقد أراد الرئيس أن يقصر مدة العهدات الرئاسية إلى عهدتين فقط، وخلق منصب نائب الرئيس. لكنه لم يتمكن من الوصول إلى هدفه بسبب رفض المعارضة في المشاركة في المحادثات. والمعارضة لا تزال تطالب عبد العزيز بوتفليقة بالتنحي والرحيل بحجة أنه لا يتمتع بصحة جيدة، وأنه ليس هو الذي يدير شؤون الجزائر، بل مقربين منه مثل أخيه سعيد وبعض أفراد عائلته.

وما زاد الطين بله ورفع من حدة المخاطر التي تحدق بالجزائر، استمرار أنشطة بعض الحركات الإرهابية في المناطق الجبلة وإعلان “جند الخلافة” مبايعة زعيم تنظيم الدولة الإسلامية البغدادي.

وإذا كان الجيش الجزائري مجند لمجابهة هذا الخطر بفضل التجربة التي اكتسبها خلال سنوات الإرهاب (1992-2000)، إلا أن عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي وتراكم قضايا الفساد تجعل هذا البلد عرضة لهجمات إرهابية واسعة النطاق في أي وقت وفي أي مكان.
أضف إلى ذلك عدم الاستقرار الذي يميز المناطق الحدودية وتنامي الجماعات الإرهابية في ليبيا وتونس وفي منطقة الساحل عموما.
ويرى متتبعو الشؤون الجزائرية بأن هذا البلد وصل إلى منعرج خطير، ويعيش على بركان اجتماعي قابل للانفجار في أية لحظة، في حال عدم استجابة السلطة لمطالب الشعب، فضلا عن الخطر الإرهابي الذي بدأ ينسج خيوطه في البلاد بدعم من تنظيم الدولة الإسلامية.أ ف ب نص طاهر هاني

 

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى