تقارير استراتيجية

التطور السياسي المصري

 

كتب : الدكتور عادل عامر

شهد المناخ السياسي المصري تحولات سياسية عديدة، خلال فترة اندلاع الثورة المصرية وسقوط نظام “حسني مبارك”، لا يمكن الجزم بأنها قد تقود نحو تغيرات واسعة في العقود المقبلة، ولكنه يمكن القول أن ما تشهده مصر سوف يشكل أرضية جديدة للاقتراب من دولة القانون مع استمرار الجدل حول طبيعتها وهويتها. وقد تناول هذا التقرير الملامح العامة للوضع السياسي في مصر وأبعاد الجدل حول القضايا السياسية المرتبطة بالتحول الاجتماعي والاقتصادي، وكذلك تطلع أمريكا للاتصال بإخوان مصر، عندما أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون أن الولايات المتحدة ستستأنف الاتصالات المحدودة مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر. تقتضى الممارسة الديمقراطية مشاركة أغلب المواطنين على الأقل بوعي وإيجابية في صياغة السياسات والقرارات ، واختيار الحكام وأعضاء المؤسسات التمثيلية على الصعيدين المركزي والمحلى . كما تستوجب حرية المواطنين في تشكيل الجماعــات السياســية، أو المشـاركة فيهـا، باعتبـار أن مـا لا يتــم الواجـب إلا بـه فهو واجب.

ويعد التصويتالفعلية،خابات أحد أهم المؤشرات لقياس درجة المشاركة السياسية فعن طريقها يختار الشعب قادته وحكامه ، كما أنه هو الوسيلة التي من خلالها يحاول المواطنون التأثير على السياسة العامة ، و بالتالي صنع القرار السياسي ، كما أنها تعد المصدر الذي يستمد منه النظام السياسي شرعيته . ومن الناحية الفعلية ، يكاد التصويت أن يكون الشكل الوحيد للمشاركة السياسية لمعظم أفراد الشعب.

فالانتخابات كآلية مشروعة ومقبولة لتحقيق التحول السياسي وإنجاز التغيير السياسي على نحو سلمى ، ونقل رغبات ومطالب المواطنين إلى الحاكمين ليتسنى تحويلها إلى مخرجات سياسية، وكأداة لحسم التناقضات والصراعات القائمة في المجتمع، ولمحاسبة شاغلي السلطة بشكل دوري، وكضمانة لتقاسم السيطرة على السلطة بين الجماعات المختلفة وفقاً لأوزانها النسبية، فإنها تعد بذلك أفضل صور المشاركة وأكثرها فاعلية، وتعتبر مؤشراً جيداً على مدى التطور الديموقراطى، والوسيلة الوحيدة الكفيلة ليس فقط بدفع هذا التطور فحسب وإنما بصيانته وتأمينه أيضاً، وهو ما لا تتيحه ولا تستطيعه وسائل وقنوات المشاركة السياسية الأخرى.

وخلص التقرير إلى أنه وإزاء هذه الأوضاع، خاصة ما يتعلق بالجدل حول هوية الدولة ومحاولات إقصاء الشريعة أو تجنبها، لا يرجح حدوث تقارب مع التيارات العلمانية، خاصة في ظل استنادها لمظلة التوافق مع الغرب على علمانية الدولة والقطاع الخاص، وبالنظر للقدرات المالية للدول الغربية، فإن استمرار هذا الوضع سوف يؤدي لفرض واقع سياسي يميل نحو دعم القيم المرتبطة بالعلمانية، ولذلك يعد من الأهمية إعادة صياغة العلاقات التجارية لخدمة الاقتصاد الوطني وتمويل سياسات الإنعاش قصيرة الأجل. وفيما يتعلق بفكرة الحوار بين أمريكا والإخوان المسلمين في مصر، فهنالك جدل حول مسار التحول السياسي، فالنفوذ الأمريكي في مصر يشكل واحدة من أهم القضايا الجدلية ليس فيما بين الحركات والأحزاب السياسية، بل وأيضاً داخل المؤسسات السياسية، لذا فالمتوقع أن تكون العلاقة مع الولايات المتحدة مثار انتقاد، ثم إن دخول أمريكا على خط التفاعلات السياسية سيؤدي إلى إعادة الاصطفاف، ليس على أساس الأيديولوجيا بل وعلى أساس الولاء الوطني، والانتماء للثورة

إن وجهات النظر المختلفة، أعلاه، الصادرة سواء عن أكاديميين أو ناشطين ، تعكس اختلافاً، من الناحية النظرية، في النظر إلى الثورة. وإذا ألقينا نظرة إلى المسافة التاريخية الأوسع للأحداث، يمكننا رؤية إن الأحداث لا زالت تتوضَّح للعيان؛ في حين، إذا نظرنا إلى النتائج الفورية، يمكن للمرء أن يقول إن هذه الثورة قد فشلت، في الواقع. وفي هذه الأطروحة، أجادل ضد فكرة أن للثورة بداية ونهاية واضحتين؛ فمن الأصح القول إن أولئك الذين احتجوا في يناير، عام ٢٠١١، قد عاشوا نكسات كبيرة، حتى لا نقول «نصراً حاسماً» للنظام القديم على الثورة. وهذا الوضع قد يستمر لبعض الوقت، ولكن ليس إلى الأبد. وأنا أتفق ، حول أن الثورة المصرية لم تنته بعد، على الرغم من أن الجيش أعاد فرض سيطرته، في العام ٢٠١٣.

وبالطبع، إن حصول ثورة أخرى في مصر (أو استئناف ما بدأ في كانون الثاني/يناير، بنفس الطريقة) هو أمر غير مرجح؛ فالأوضاع الثورية لا تتكرر تاريخياً بنفس الطريقة، على الأقل، في فترة قصيرة من الزمن. كما أني أتفق مع النقطة الثاقبة والقائلة إنه حين يكون ظرفٌ ثوريٌّ محدداً تحديداً تضافرياً، لا يكون النجاح الثوري محدداً بالطريقة نفسها. فهو يكتب:بمثابة تعبير عن قوى اجتماعية جديدة اصطدمت مصالحها مع العديد من السياسات القائمة وكان أشدها اختلافاً حزب اليسار الذي تبنى عدداً من التوجهات التي تختلف جذرياً مع النظام توجت بأحداث يناير 1977 والتي اتهم فيها السادات اليساريين بأنهم وراء المظاهرات والاحتجاجات التي عمت البلاد بأسرها وكادت تطيح بالنظام من رأسه واستمر الحال بين السادات والقوميين والناصريين وغيرهم من القوى السياسية الرافضة لسياساته الداخلية والخارجية انتهت بأن وقف السادات موقفاً معادياً مع كل الاتجاهات السياسية والفكرية في البلاد باستثناء بعض المنتفعين الجدد من سياسة الانفتاح الاقتصادي والإقطاعيين الذين أعاد السادات أملاكهم إليهم .

ثمة ضعف في تكوين نخبة الانتفاضات الثورية ومعارضها السياسية والدستورية والإدارية حول مراحل الانتقال في التجارب الثورية المقارنة وما هي مصادر النزاعات وكيف تم التعامل معها في تجارب التحول من النظم الماركسية التسلطية إلى نظم ديمقراطية على المثال الغربي الأزر – أمريكي، وثمة نقص في التعرف على بعض تجارب أمريكا اللاتينية أو في اندونيسيا أو جنوب أفريقيا .. الخ. نخب تكونت وساهمت في المعارضة السياسية الرسمية الشكلية والمقيدة، أو نخب كانت تعمل في علانية وسرية معاً كالإخوان المسلمين، وبعض الأحزاب السياسية المعارضة كالوفد، والتجمع الوطني التقدمي الوحدوي، والحزب الناصري وسواهم – والاستثناءات داخلهم محدودة – أو قوى جديدة / قديمة كبعض الجماعات السلفية التي تعاملت مع النظام السابق ثم شكلت أحزابها السياسية فيما بعد كحزبي النور والفضيلة.

اعتمدت هذه الجماعات على رصيدها من خبرات العمل كمعارضة رسمية في إطار قيود نظام تسلطي، سواء على مستوى نمط الخطاب المعارض التي يتفاوت من النعومة غالباً إلى بعض من الغلظة السياسية المحسوبة على مستوى الخطاب، أو في إطار احتجاج جماهيري محسوب حدوده سلفًا.

من هنا اعتمدت المعارضة على خطاب نقد السلطة شبه الإصلاحي حيناً، والإصلاحي حيناً آخر، وبعض بدائل المعارضات السياسية الرسمية والمحجوبة عن الشرعية القانونية دارت في حدود إصلاحية لم ترقى سوى إلى بعض التمثيل والحضور السياسي في البرلمان، أو بعض المؤسسات السياسية التمثيلية، أو في إطار النقابات المهنية – المحامين والأطباء والمهندسين والمعلمين .. الخ – كما في المثال المصري.

من هنا لم يكن يدور بخلد قادة الانتفاضة الثورية وأحزاب المعارضة أن الاحتجاج السياسي / الاجتماعي والديني سيتحول إلى انتفاضة، وأنهم قد يصلون إلى سدة السلطة والحكم. من هنا حدث بعض التخبط والاضطراب والقرارات السياسية الخاطئة كما حدث في الحالة المصرية من السلطة الفعلية وخارطة الطريق السياسية المختلة لمرحلة الانتقال، ولطريقة أداء السلطات المنتخبة التي اتسمت بالغموض والاضطراب مما ساعد على المزيد من عدم اليقين والسيولة السياسية والغموض، وإعادة إنتاج لبعض القوانين والقرارات وأساليب العمل التسلطية التي كانت سائدة، بل وانتهاكات السلطات المنتخبة لمبدأ الفصل بين السلطات، أو استمرارية بعض الممارسات القمعية لأجهزة الدولة الأمنية من ضرب وتعذيب وقتل لبعض الثائرين بين الشباب.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى