الاقتصاديةالدراسات البحثية

التهديد الاقتصادي للهيمنة الأمريكية “تكتل مجموعة دول البريكس أنموذجاً”

أعداد الباحث : د. حسن سعد عبد الحميد
كلية العلوم السياسية \ جامعة النهرين
-المركز الديمقراطي العربي

 

تمهيد:
تعد دول البريكس ( Brics ) من الاقتصاديات الناشئة الأسرع نمواً وأقلها تأثراً بتداعيات الإزمة الاقتصادية العالمية ، فهذه الدول استطاعت من تجاوز حالة الركود العالمي على نحو أفضل من الاقتصاديات المتقدمة كأقتصاد الولايات المتحدة مثلاً ، إذ تزايد الاهتمام الدولي بهذه الدول بعد تجاوزها الازمة المالية وتحقيق معدلات نمو مرتفعة رغم ظروف الازمة ، حتى أصبح العالم اليوم يتابع كل خطوة تتخذها تلك الدول وما يصدر عنها من قرارات وتوصيات على الصعيد الاقتصادي الدولي .
ونحن هنا بصدد التساؤل حول مدى امكانية مجموعة البريكس على مواجهة وتشكيل تهديد حقيقي للهيمنة الاقتصادية الامريكية وتحديد مصير النظام الاقتصادي العالمي في ظل تشابك وتعقد الادوار والفواعل الدولية فيه ، وما أذا كانت قادرة على مواجهة الولايات المتحدة كقوة اقتصادية تسيطر على المنظمات الاقتصادية العالمية كالبنك والصندوق الدوليين ، بيد أن تاسيس مجموعة البريكس وحجم تنميتها السريع قد ينافس الولايات المتحدة وهيمنتها الاقتصادية في العالم ، وتعمل على أعادة التوازن الاقتصادي العالمي المتعدد الاقطاب .

مفهوم البريكس:
برز مصطلح البريك لأول مرة سنة ( 2001م ) واستخدم من قبل الاقتصادي ( Jim Oneill ) ، حيث ترمز كلمة البريك إلى الاحرف الأولى لتسميات الدول الاربعة المكونة له وهي ( البرازيل ، روسيا ، الهند ، الصين ) ، وبعد أنضمام ( جنوب أفريقيا ) سنة ( 2009م ) تم أضافة حرف ( S ) لتصبح البريكس* ، وكان من أسباب قبول ( جنوب أفريقيا ) لهذا التجمع عائداً لجملة من الأسباب أهمها :-
_ سيفتح قبول جنوب أفريقيا الباب لرأس مال شركاتها لدخول أسواق البريكس .
_ أن دول البريكس ستحتاج أسواق جنوب أفريقيا كبوابة للدخول لأفريقيا .
_ قد تستغل جنوب أفريقيا وبقية دول البريكس الفرص الاقتصادية بشكل مشترك في كل المناطق الأخرى في العالم .
وفي سنة ( 2009م ) عقدت البريكس مؤتمرها الأول في روسيا حيث تمركزت المباحثات حول تداعيات الأزمة المالية العالمية وكيفية مواجهتا والحد من آثارها ، ثم عقدت مؤتمرهم الثاني في البرازيل سنة ( 2010م ) ليضعوا ملامح وآليات التعاون بين هذه الدول ، ثم عقدت قمة ثالثة سنة ( 2011م ) في الصين والذي خصص حول آفاق التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين دول البريكس ، ثم عقدت قمة رابعة في الهند سنة (2012م ) حول مسائل التعاون ومعالجة أقتصاد العالم وإنشاء بنك خاص بهم للتنمية لتعزيز أقتصاديات الدول النامية والناشئة . ومن خلال قراءة بسيطة لواقع تلك المؤتمرات وما تبعها في
* Brazil , Russia , India , Chine , South Africa .
السنوات اللاحقة بأن اقتصاديات هذه المجموعة ستتفوق بشكل كبير على اقتصاديات المؤسسات الاقتصادية العالمية وعلى اقتصاد الولايات المتحدة بحلول سنة ( 2025م ) ، وسيصبح أسم البريكس رائجاً في التحليلات الاقتصادية الدولية على الرغم من ان دول البريكس لا يشملها تحالف سياسي شبيه بالاتحاد الأوربي(1) .
وعلى الرغم من أن دول البريكس لا يشملها تحالف سياسي إلاَ أنها تنسق فيما بينها للتأثير في الاتفاقيات التجارية الأساسية ، فهذه الدول لديها القدرة على تشكيل تكتل أقتصادي قوي خارج أطار المجموعة الصناعية السبعة ، فدول البريكس أكثر تطوراً في المجال الاقتصادي في العالم والذي سنثبته لاحقاً ، وهذه الفرضية تدعمها فكرة أن البرازيل عملاق أمريكا اللاتينية من أكثر الدول المزودة للمواد الخام ، أما روسيا فهي مصدر عالمي للطاقة الكامنة ، والهند مصدر مهم لتكنولوجيا المعلومات ، أما الصين فلها موقع انتاجي وديمغرافي متقدم ومتطور ، وجنوب أفريقيا منطقة تعدين مهمة عالمياً ، هذه الركائز المهمة تتمتع بها دول البريكس على الرغم من أرتفاع نسبة الأمية في بعض أعضائها كالهند مثلاً حيث نسبة الأمة فيها ( 30% ) ، إلاَ ان هذه الدول استطاعت تجاوز هذه الصعوبات بأصلاحات سياسية كي تتمكن من دخول الاقتصاد العالمي ، إذ ركزت هذه الدول بصورة دقيقة على التعليم والاستثمار الخارجي والمشاريع الصناعية المحلية الضخمة ، مع دعمها بوزن دبلوماسي أكبر على الصعيد الدولي(2) .

مقومات القوة الاقتصادية لدول البريكس:
أن المكانة الاقتصادية التي حظيت بها البريكس والتي شكلت تهديداً صريحاً للهيمنة الاقتصادية الامريكية لم تاتي من فراغ بل جاءت اعتماداً على جملة من الركائز وهي
أولاً : ركيزة المال البشري
تتميز مجموعة البريكس بتفوق ملحوظ في العنصر البشري كأحد مقومات قوتها الاقتصادية ، إذ تشكل حوالي ( 42% ) من سكان العالم ، فالصين عدد سكانها حسب احصاءات التعداد السكاني الرسمية لسنة 2010م يتجاوز المليار و (370) مليون نسمة أي ما يعادل 19,9% من سكان العالم ، والهند حسب الاحصاءات الحكومية لسنة 2011م والمنشور على موقها الرسمي يبلغ عدد سكانها مليار و (210) مليون نسمة بما يشكل (17%) من سكان العالم(3) ، أما البرازيل فيبلغ عدد سكانها (190) مليون نسمة حسب
1) عبد الله رزق ، اقتصاديات ناشئة في العالم : نماذج تنموية لافته ، دار الفارابي ، بيروت ، 2009م ، ص 28 ، ص 29 .
2) غسان علي سلامة ، الحكومة في ظل العولمة ، أوراق ندوة عولمة الغدارة في عصر المعرفة ، جامعة الجنان ، لبنان ، 2012م ، ص 11 .
3) government of India, ministry of home affairs , http://www.censusindia.gov.in\2011 census…
احصاءات 2010م التي نشرها المعهد الجغرافي والاحصاء البرازيلي (IBGE)(1) ، حيث تعد ثالث دولة
بالسكان في دول البريكس ، ثم تليها روسيا بعدد سكان قدره (143) مليون نسمة حسب احصاءات وزارة العدل والضمان الاجتماعي الروسي لسنة 2014م(2) . أما جنوب أفريقيا فهي الأقل عدد بالسكان في دول البريكس ، إذ يقدر عدد سكانها حوالي (52مليون) نسمة حسب احصاءات رسمية لسنة 2013م .

ونفهم من هذه الارقام أن عدد سكان البريكس يشكل ( 42 % ) من سكان العالم ، والملاحظ على هذه النسبة السكانية المرتفعة أن دول المجموعة استطاعت توظيفها في المجال السياسي والاقتصادي والثقافي ، فاغلب هذه الدول تركز بالاساس على استغلال أكثر من نصف سكانها في النشاط الاقتصادي ، بأستثناء جنوب افريقيا حيث لم يتجاوز عدد العاملين في النشاط الاقتصادي سوى ( 36% ) ، وهذا يدل على مدى اعتماد هذه الدول على قوتها البشرية لتنفيذ سياساتها الاقتصادية(3) .

أن هذه الارقام تدل على أن دول البريكس لها وفرة كبيرة في العنصر البشري العامل خصوصاً على المدى المتوسط والبعيد وبأكثر من ما تحتاج اليه اسواق العمل وبتكلفة عمالة أقل من ما تحتاج اليه الدول الصناعية الكبرى ، ففي الهند مثلاً يبلغ أجر العامل في صناعة الملابس كدولة في مجموعة البريكس حوالي (38) سنت بالساعة ، بينما نظيره في الولايات المتحدة يبلغ (9) دولار بالساعة(4) . وعلى هذا الأساس شهدت دول البريكس تدفق هائل غير مسبوق من الاستثمارات الاجنبية بعد الأزمة المالية العالمية لسنة (2008م) ، بسبب حجم السوق الذي يغطي (40%) من العالم في ظل انخفاض تكاليف الأيدي العاملة وقيمة العملات وغيرها من المقومات المادية الاخرى .

ثانياً : الركيزة الجغرافية
هنالك معادلة اقتصادية يتفق عليها أغلب الباحثين والمتخصصين والتي تقول ( أنهُ كلما زادت مساحة الدول الجغرافية زادت حظوظها في الحصول على الموارد الطبيعية المتنوعة والثرورات الباطنية التي تحتاجها في تنمية اقتصادها ، ولو اخذنا هذه الفكرة وطبقناها على البريكس لوجدنا أن روسيا الاتحادية هي أكبر دولة من حيث المساحة في العالم وفي البريكس ، حيث تقدر مساحتها الاجمالية حوالي (17،1) مليون\كم2 ، ثم البرازيل (8،5) مليون\كم2 ، ثم الهند بواقع (3،3) مليون\كم2 ، وجنوب افريقيا (1،2)
1) http://www.ibge.gov.brlenglish\2010\defcult.shtm .
2) Russia federation statistics servise\www.gks.ru\beg\regl\b13-12 .
3) Brics Report \joint statistical publication , Durban , south Africa , 2013 , p \ 29 \ .
4) غريغوري كلارك ، الاقتصاد العالمي نشأته وتطوره ومستقبله ، ت\امين الايوبي ، الدار العربية للعلوم ناشرون ، بيروت ، 2009م ، ص 25 .

مليون\كم2 ، وتشكل هذه النسبة حوالي ربع مساحة العالم من اليابسة(1) ، وبالتالي فأن حجم مواردها
الاقتصادية وثرواتها الطبيعية تفوق ما تمتلكهُ الولايات المتحدة الامريكية بكثير .

ثالثاً : الموارد الطبيعية ( المعدنية )
تحتل دول البريكس الصدارة الدولية في الكثير من الموارد المعدنية ، ففي البرازيل مثلاً كأحد دول مجموعة البريكس تمتلك احتياطي هائل من الحديد والمغنسيوم وغيرها من المعادن ، فضلاً عن اليوارانيوم والماس الصناعي والاحجار الكريمة ، وهذه المعادن ساهمت في دفع عجلة التنمية الاقتصادية فيها ، كما اقتربت البرازيل من حالة الاكتفاء الذاتي من الأغذية ، حيث يساهم قطاع الزراعة بنسبة (23،8%) من الناتج القومي الاجمالي حسب احصاءات (2005م) ، أما الثروة الحيوانية فيها فهي كبيرة ويعمل فيها ربع القوة العاملة في البرازيل وتنشط فيه أكثر من ستة ملايين مؤسسة زراعية .
أما روسيا فتمتلك تركيبة جيولوجية معقدة جداً وتمتلك مساحات جغرافية هائلة بصورة سهول وغابات وأنهار وصحاري ، ولديها القدرة على أنتاج الالمنيوم والزرنيخ والبوكسيات والماس والنحاس والذهب والبترول والبلاتين ، فضلاَ عن (20) معدن حيوي آخر ، كما تشكل أيرادات النفط والغاز (52%) من ايرادات موازنتها الاقتصادية(2) .

أما الهند فهي الأخرى تمتلك ثروة معدنية ضخمة من فحم وبترول وغاز ومناجم ذهب بما يؤهلها أن تؤدي دوراً فاعلاً في الاقتصاد الدولي ، فضلاً عن ان قطاع الزراعة فيها يوفر فرص عمل لأكثر من (60%) من السكان ، وهي بذلك قادرة على اشباع غالبية احتياجاتها الغذائية من الانتاج المحلي ، أما اللحوم فهي من اكثر البلدان المصدرة لها ، في حين نجد ان الصين هي اكبر منتج للطاقة المتجددة (الخلايا الشمسية) وتوربينات الرياح في العالم ، وقطاع الزراعة لديها متقدم ويعمل به (48%) من السكان ، كما لديها ثروة حيوانية هائلة(3) .

ونجد في جنوب افريقيا احتياطي من البلاتين بمقدار (95%) من الاحتياطي العالمي ، والذهب (12%) والمنغنيز (24%) والكروميت (42%) والالمنيوم (10%) من الاحتياطي العالمي ، أما الزراعة فتحتل جنوب افريقيا المرتبة (32) عالمياً من بين الأكثر انتاجاً في الزراعة(4) .
1) John luck & Jeffrey D. sachs , Geography and Economic development , working paper for
I national development , Harvard university , march , 1999, p\7\ .
2) U.S.A. Energy Information administration , Russia Energy , ELA report , march , 2014 , p\1\ .
3) David Shan Baugh , china go global , the partial power , newyork : oxford university press , 2013 , p\125\ .
4) south Africa ,birec torate statistics and economic analysis , 2013 , p\1\ .

ويفهم من هذا ان دول البريكس تمتلك من المقومات ما يؤهلها لكسر الهيمنة الامريكية وان تؤدي دوراً أكبر في الاقتصاد الدولي من خلال أمداد العالم بالموارد التي تزدهر بها ، وأن قناعتنا ازاء قدرة هذه المجموعة على مواجهة النفوذ الاقتصادي الامريكي تزداد إذا ما عرفنا أن روسيا مثلاً تصدر للولايات المتحدة من سلع وخدمات بملايين الدولارات حسب احصاءات (2007م) ، أما البرازيل فتصدر للولايات المتحدة من سلع وخدمات بمقدار (27،6) مليار دولار ، أما الصين فهي الشريك الأول ضمن البريكس مع الولايات المتحدة بتجارة تبلغ (562) مليار دولار سنة (2013م) ، أما الهند فتصدر للولايات المتحدة سلع وخدمات بتكلفة (86) مليار دولار سنة (2011م) ، أما جنوب أفريقيا فتصدر للولايات المتحدة بما يقارب (67،6) مليون دولار امريكي من سلع وخدمات حسب احصاءات (2014م)(1) .

كما تنافس دول البريكس الولايات المتحدة من حيث حجم الحصص المالية وحصص التصويت داخل صندوق النقد الدولي ، ويتوقع بعض الباحثين بأن تتفوق دول البريكس على الولايات المتحدة بهذا المجال في السنوات القادمة ، إذ تمتلك الولايات المتحدة نسبة (17،11) من اجمالي حصص الصندوق ، أما البريكس فتمتلك نسبة (11،5) من حصص التصويت(2) . اما على صعيد التجارة العالمية فنجد ان دول البريكس استطاعت من دعم مرشحها ( روبرت أزيفيدو ) البرازيلي لرئاسة منظمة التجارة الدولية كشخصية من مجموعة البريكس وبالتنسيق مع الدول النامية من اجل التصويت له للأطاحة بالمرشح (بلانكور) المدعوم امريكياً .

وازاء مواجهة النفوذ الاقتصادي الامريكي شرعت دول البريكس لأنشاء صندوق خاص بها كبديل للمؤسسات التي تهيمن عليها الولايات المتحدة ، وهو بنك متعدد الاقطاب يسير بعيداً عن الدولار واليورو العملة المعتمدة في صندوق النقد الدولي ، حيث تم الشروع ببناء هذا البنك برأسمال قدره ( 100 ) مليار دولار من احتياطي العملات التي تمتلكها تلك الدول ، والذي يعد بمثابة شبكة امان للحالات الطارئة ، فضلاً عن ان تاسيس هذا البنك سيؤدي بالنفع على الدول الاعضاء ، وسيقدم وصفات علاجية ممتازة للتخلص من عبودية الدين التي تؤسس لها المؤسسات المالية الدولية ، وبالتالي تحرير العالم من نفوذ تلك المؤسسات التي تسيطر عليها الولايات المتحدة سواء في الأدارة أو السياسة المالية أو اتخاذ القرار .

ونفهم من كل ما سبق أن النظام الاقتصادي العالمي يعيش مرحلة انتقالية تعيد ترتيب اوراقه دول البريكس بعيداً نوعاً ما عن اللاعبين التقليديين وتعزيز الاقتصاد العالمي ، وان تاسيسها لبنك خاص بها يمكن ان يواجه نفوذ الهيمنة الاقتصادية الامريكية على الاقتصاد الدولي وبالتالي اجبار الاخيرة على تغيير
(1)للمزيد ينظر إلى ، http://www.census.gov\foreign-trad\balabce\c4621\.html .
2) Francesca beau sang , why the brics will not rule the world for long , united kingdom , 2012 , p\85\ .
سياساتها في صندوق النقد الدولية والمؤسسات المالية العالمية الاخرى ومؤسسات التصنيف الائتماني للدول.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى