مقالات

عبدالمجيد أبوالعلا يكتب: “ملاحظات حول المناظرة الأولى”

شهدت جامعة هوفسترا مساء الاثنين 26سبتمبر ولمدة ساعة ونصف المناظرة الرئاسية الأولى بين مرشحي الرئاسة الأمريكيين الديمقراطية هيلاري كلينتون والجمهوري دونالد ترامب .

ظهرت كلينتون في اولى مناظراتها بملابس حمراء يمكن تفسيرها على اكثر من اتجاه فاللون الأحمر من ناحية إحدى الألوان المميزة للعين والجاذبة للانتباه كما يعد لونا أكثر إشراقا من الأسود فضلا عن انه إحدى الألوان المميزة للنساء وهي المرشحة لأن تكون أول رئيسة للولايات المتحدة كما أن اللون الأحمر كان متفقا مع حديثها وانحيازاتها للطبقة الوسطى وفرض الضرائب على الأغنياء مما حمله البعض إيماءات سياسية تعبر عن اتجاهاتها الاقتصادية فضلاعن كونه أحد ألوان العلم الأمريكي .

من ناحية اخرى ارتدى ترامب رابطة جأش زرقاء وهو لون فوق وقاره وجاذبيته يشكل أحد ألوان العلم الأمريكي مع اللونين الأحمر والأبيض .

تناظر المرشحان على الماضي أكثر مما تحدثا عن المستقبل فاتهمت هيلاري ترامب بالعنصرية ضد السود بسبب تصريحاته ضد اوباما لكنه دافع عن ذلك بشكل غير مباشر بحديثه عن أن المهاجرين لامريكا اصبحوا يشكلون خطرا على الأمن وعلى السود بشكل خاص .

تسييد حديث الماضي يخدم ترامب أكثر مما يضره فمن ناحية شدد التذكير بمسؤلية كلينتون كوزيرة للخارجية عن إخفاقات السياسة الخارجية خاصة في منطقة الشرق الاوسط وفي مجال مكافحة الارهاب ومن ناحية اخرى حملها كديمقراطية مسؤلية إخفاقات ادارة اوباما .

في مواجهة حديث ترامب العصبي-وان كانت عصبية اقل من المتوقع- لم تتخل كلينتون عن ابتسامتها التى تعبر عن ثقة كبيرة في أدائها وردودها وما تقدمه في مقابل مرشح تراه فارغ من الأفكار وهو ما أوضحته بقولها أن ترامب لا يمتلك خططاً .

في الحديث عن الضرائب والاقتصاد حاولت كلينتون ان تطرح نفسها كمرشحة لخدمة الطبقة الوسطى مقابل ترامب مرشحا لطبقة الأغنياء وكبار رجال الأعمال وهو بذلك إذا أصبح رئيسا فسيكون ابناً لطبقته وخادماً لمصالحها وهو ما تجلى في تصريحاتها عن الالتزام بتحصيل الضرائب مقابل تصريحات ترامب بخفضها من35% الى10% لصالح رجال الأعمال واستثماراتهم بينما ركزت هيلاري على وعودها برفع الاجور وفي السياق ذاته اشارت كلينتون الى عدم تسديد ترامب لرواتب العاملين لديه وهو ما قصدت منه التلميح لاتباع ترامب -اذا ما وصل للرئاسة- لسياسة تخدم رجال الاعمال على حساب العمال .

حاولت كلينتون ان تطرح نفسها كإبنه لأحد أبناء الطبقة الوسطى الذي كان يمارس عملا شاقا من اجل الانفاق على أسرته بينما أوضحت أن ترامب بدأ حياته الاقتصادية بملايين والده في اشارة تكررت كثيرا للفروق الطبقية واختلافات الانحيازات بين المرشحين.

انتصرت كلينتون على ترامب في قدرتها على طرح نفسها كإبنة للمبادئ والافكار الامريكية مقابل تقارب بين ترامب والقيادة الروسية او اعجاب ترامب بالتطور الروسي مقابل ما وصفه بالثبات الامريكي .

كمرشحة لأن تكون أول أمريكية تحكم البيت الابيض حاولت كلينتون استغلال ميزة كونها أنثى جيداً تارة عندما أكدت أنه في بدايات حكمها ستحاول رفع أجور المرأة وزيادة الامتيازات الموجهة لها كما ذكرت عنصرية ترامب تجاه النساء .

طرح ترامب نفسه كممثل لعهد جديد ينقلب على كل اخفاقات الماضي فانتقد السياسة الخارجية الامريكية ونتائجها وزيادة الديون والمعاهدات التجارية الخارجية والانفاق العسكري على الشرق الاوسط وحالة البنية التحتية الامريكية التى شبهها بدول العالم الثالث .

من النقاط الهامة في التوجهات الخارجية لترامب انه بدا على استعداد للقطيعة مع الماضي من ناحية مراجعة الاتفاقيات التجارية والاقتصادية والعسكرية كما ألمح إلى ضرورة ان تستفيد أمريكا من التدعيم العسكري والسياسي التى تقدمه لحلفائها خاصة في الناتو وأنه على تلك الدول ان تدفع أموالا مقابل خدمات الولايات المتحدة بينما أبدت هيلاري التزاماً بالاتفاقيات والمبادئ الموروثة والتى تدرك كوزيرة سابقة للخارجية أهميتها على المستوى السياسي والدولي .

خلفية كلا المرشحين أثرت في نظرتهم للأمور فثمّن ترامب كل خدمة وكل تعاون دولي بأموال تستفيد منها الولايات المتحدة في بناء اقتصادها ورأت كلينتون أن أمن حلفاء الولايات المتحدة أمن قومي أمريكي وان حلف الناتو ضرورة,والشرق الأوسط أحد الأماكن الهامة للسياسة الخارجية وانه في عالم السياسة ليس كل شئ يقاس بالمال .

صحيح ان هيلاري حسمت المناظرة بخبرتها الطويلة وذكائها كأحد أبرز الساسة المحنكين في العالم لكن حسب استطلاعات الرأي المتفاوتة في تقديراتها وبحساب متوسطها فإنه وإن كانت الكفة تميل قليلا لزوجة الرئيس الأمريكي الأسبق لكن المناظرة الاولى لم تكن حاسمة في ترجيح كفة احد المرشحين على الآخر أو تغيير قناعات المواطنين .

الأمريكيون يدركون أن هيلاري لديها رؤية وخبرة وانها سياسية محنكة لكنهم يشكّون في مصداقيتها وهو الأمر السلبي الذي يجب ان تعمل على إزالة آثاره السلبية لدى المواطن الأمريكي خلال مناظرتين قادمتين أما ترامب فعليه أن يحافظ على هدوئه بشكل أكثر انضباطاً وأن يدعم هجومه على السلبيات التاريخية لكلينتون وللحزب الديمقراطي بطرح خطط ورؤى تؤكد للمواطن الأمريكي أن هذا المرشح يحمل تصورا مخططا بدقة لولايات متحدة أفضل في عهده كما انه عليه ان يخرج من الإطار الطبقي والعنصري الذي وضعته فيه هيلاري كلينتون ببراعتها .

جولة أخرى من المناظرات الرئاسية الأمريكية ستعقد في التاسع من أكتوبر وستفتح ملفات أكثر سخونة ربما تؤثر في الرأي العام أكثر من تلك المناظرة الأولى التى بدا فيها كل مرشح يحاول استكشاف ثبات الآخر وإبراز سلبياته وماضيه السيئ على استحياء والتي لم تؤثر كثيرا في من لم يحسموا أمرهم واختلفت الاستطلاعات حول نتائجها .

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى