البرامج والمنظومات الديمقراطيةالدراسات البحثية

صناعة صورة الرئيس الأمريكي: مقاربة في مفهوم التسويق السياسي وإستراتيجياته

اعداد الدكتور : مراد بن عيسى بوشحيط – جامعة الجزائر 03 – المركز الديمقراطي العربي

 

 

مقدمة :

يرتكز هذا المقال الخاص بالتسويق السياسي على ثلاث مباحث هامة مترابطة فيما بينها فالأول عن تطورات ومراحل التسويق السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، والهدف منه هو معرفة التطور الذي حصل للتسويق السياسي في المفهوم والشكل والأداء، والثاني عن صناعة صورة الرئيس ضمن أعرق مؤسسة ديموقراطية في الولايات المتحدة وهي الأحزاب السياسية، والهدف منه معرفة الطرق التي تؤدي بالمرشح للرئاسيات إلى البروز ضمن منظومة الحزب السياسي، والثالث عن صناعة صورة الرئيس ضمن دوائر خاصة تعرف بجماعات الضغط وأمراء الدعاية ومراكز الدراسات الإستراتيجية التي تساهم في صياغة القرارات الحاسمة.

ويندرج حديثنا عن التسويق السياسي ضمن منظومة سياسية وإعلامية وإجتماعة خاصة هي الولايات المتحدة الأمريكية بما شكلته مفرزات التاريخ والتطور السياسي والتقني من آثار واضحة على السلوك الأمريكي بالكامل، وبالتالي سوف نقوم في هذا البحث بالتعرف على السياق السياسي الذي ترعرع فيه هذا المفهوم الجديد من خلال التطور المفاهيمي المتلاحق أو من خلال المراحل التي شكلت تطورات مفصلية في أدائه أو من خلال أسسه المعاصرة.

المطلب الأول : السياق المفاهيمي للتسويق السياسي:

إن الحديث عن صناعة صورة الرئيس لا ينبغي له أن يكون إلا ضمن سياقه المكاني والزمني والمفاهيمي المناسب، ونقصد بالسياق المكاني الدولة الديمقراطية التي تنتهج الانتخابات كأسلوب لاختيار الرؤساء، وبالتالي تسمح بالتنافس الذي يؤدي لانتهاج أسلوب صناعة المرشحين، وأما السياق الزمني فنقصد به السنوات التي عرفت انفجار الثورة الإعلامية بدء بظهور الصحافة الجماهيرية فظهور السينما والإذاعة والتلفزيون وانتهاء بتوظيف الإنترنت ومختلف الوسائط المتعددة.

قبل التطرق إلى السياق المفاهيمي للتسويق السياسي يمكن تحديد بعض المصطلحات ذات الصلة وهي: المصطلحات التالية: الديمقراطية، الانتخابات، الإتصال السياسي.

  • الديموقراطية: تعرف الديمقراطية وفق أبسط تعريفاتها بكونها : “النظام السياسي الذي يكون فيه الشعب مصدرا للسلطات، وسيدا يعطي لمن يمثله تفويضا فينوب عنه وفق نظام تداولي في سياسة المجتمع، ولا يتم ذلك إلا بطريقة الإنتخابات التي تعتبر قلب الأنظمة الديمقراطية الحالية “.[1] وبحسب تعريف قاموس أكسفورد فالديمقراطية: “نظام لحكم الشعب عبر انتخاب أعضاء شرعيين”، أو “أي نظام للحكم يمثّل أغلبية الشعب”، وهي تطبيق مبادئ العدالة أو المساواة الإجتماعية”.[2]

إن كل هذه التعاريف تقودنا على مفهوم واحد وهو نظام للحكم يضمن أن تدار شؤون البلاد عبر منتخبين في انتخابات حرة تمثّل إرادة الشعب، ويتميز أي نظام ديمقراطي بدستور هو بمثابة عقد اجتماعي بين الحكام والشعب معبّر عن تلك الإرادة الشعبية، وبحماية لحقوق الإنسان وبالمساواة بين الناس أمام القانون، ويصبح من يدير شؤون البلاد نائبا عن الناس بصفته المنتخبة لإدارة مصالحهم وفق ما يقتضيه ذلك الدستور.

  • الإنتخابات: أما الانتخاب فهو حق وواجب بالنسبة للمواطنين في الدولة الديمقراطية، فهو يضمن السير الحسن للنظام السياسي، وذلك يتطلب أن يتحصل الناخبون على قدر كاف من المعلومات الخاصة بالعملية الانتخابية، والتي تمكنهم من فهم الرهانات المطروحة التي تفرضها المنافسة الديمقراطية على هذا التمثيل[3].
  • الإتصال السياسي: لا يوفر هذه المعلومات الخاصة بالعملية الانتخابية إلا النظام الاتصالي فهو القطار الذي يصل هؤلاء الذين يريدون تمثيل الشعب بهذا الشعب، الذي يريد أن ينيب عن نفسه من يمثله في مختلف مؤسسات الدولة الديمقراطية ومن أهمها الرئاسة.

إن الاتصال السياسي هو إحدى ثلاث عمليات سياسية متداخلة في العملية السياسية هي:       (القيادة، التنظيمات، الاتصال)، ويقصد بذلك الوسائل التي تعمل على إحداث التأثيرات السياسية والتفاعل ما بين المؤسسات الحكومية والسلوك السياسي لدى المواطنين .

وهنا ينبغي التفريق بين الاتصال السياسي باعتباره أحد أشكال الاتصال الاجتماعي وبين الاتصال السياسي باعتباره علما له نظرياته ومجالاته الدراسية، حيث أن الأخير هو العلم الذي يدرس مجموعة الأنشطة والفعاليات التي يزاولها القائمون بالعملية الاتصالية من أجل تحقيق أهداف سياسية، وهو بذلك ينصب على إحداث التأثيرات وتغيير الاتجاهات والآراء لدى الجمهور المستقبل، لتحقيق أهداف محددة يسعى لها القائم بالعملية الاتصالية.

أما الاتصال السياسي باعتباره نشاطا اتصاليا فقد تعددت تعاريفه، ويمكن إجمالها في التالي: [4]

– عرّف “شودسون” الإتصال السياسي بأنه ” أية عملية نقل لرسالة يقصد بها التأثير على إستخدام السلطة أو الترويج لها في المجتمع.”

– وعرّفه “جون ميدو” بأنه الطريقة التي تؤثر بها الظروف السياسية على تشكيل مضمون الاتصال وكمياته أو أنه الطريقة التي تقوم فيها ظروف الإتصال بتشكيل السياسة.

– عرّف “ماكنير” الاتصال السياسي بأنه إتصال هادف حول السياسة، ويتضمن هذا التعريف ما يلي:

  1. كل أشكال الاتصال التي يقوم بها الفاعلون السياسيون لتحقيق أهداف معينة.
  2. الاتصال الموجه إلى السياسيين من غير المشتغلين بالسياسة، كالناخبين وكتاب الأعمدة الصحفية وغيرهم.
  3. الاتصال الذي يتناول الساسة وأنشطتهم، كما تتضمنها التقارير الإخبارية والافتتاحيات وغيرها مما تتناوله وسائل الإعلام للسياسة.

ويؤكد “ماكنير” من خلال ما سبق أن تعريفه للاتصال السياسي يشمل جميع أنواع الخطاب السياسي، حيث أنه أخذ في الاعتبار من خلال التعريف ليس فقط الرسائل المكتوبة أو المنطوقة بل أيضا المظاهر المرئية التي تعطي دلالة مثل شكل الوجه والملبس لأن هذه الأشياء وغيرها من الرموز الاتصالية قد تشكل وتكون الهوية السياسية.

تعددت المداخل النظرية لدراسة الاتصال السياسي متأثرة بعاملين أساسيين هما:[5]

  1. تعقد الظاهرة السياسة وارتباطها القوي بالعديد من الأنشطة والظواهر الأخرى في المجتمع.
  2. اختلاف المنظور البحثي للظاهرة السياسية بين الباحثين، حيث تركت الخلفيات العلمية تأثيراتها على الكيفية التي نظر بها الباحثون إلى الظاهرة السياسية بوجه عام والاتصال السياسي بوجه خاص.

ومن أهم مداخل الاتصال السياسي مدخل العملية، مدخل الإستخدمات والإشباعات، مدخل نشر المعلومات، والمدخل البنائي:[6]

  1. مدخل العملية: وينظر أصحاب هذا المدخل إلى الاتصال السياسي باعتباره جزءا من عملية دائمة التغيير يصعب تحديد بدايتها أو نهايتها أو تتبع جزئياتها المختلفة.
  2. مدخل الإستخدمات والإشباعات: ويولي هذا المدخل أهمية خاصة للوظائف التي يؤديها الاتصال السياسي بالنسبة للجمهور المشارك في عملية الإتصال في ضوء ما لديه من دوافع أو توقعات أو إشباعات.
  3. مدخل نشر المعلومات: وقد اهتم أصحاب هذا المدخل بالإجابة على عدة تساؤلات من أبرزها : هل يؤدي إنتشار الرسائل إلى تأثيرات في السلوك الإنساني؟ وما النتائج والآثار الكامنة الناتجة عن أنماط انتشار المعلومات السياسية؟
  4. المدخل البنائي: يفتح هذا المدخل مجالا لمزيد من الفهم للأسئلة البحثية ومن أهمها كيفية فهم الأفراد للرسائل السياسية، ومنه يقترح العديد من الوسائل لمعالجة العديد من القضايا مثل تأثير الإتجاهات السياسية على السلوك.

في المخطط التالي تظهر العلاقات المتشابكة بين المفاهيم الخاصة بهذه الدراسة، فالشعب يريد رئيسا يمثله، فيلجأ إلى أسلوب الانتخابات الذي يستقي معلومات عن المنافسين فيه من خلال الاتصال السياسي بدرجة أولى، والرئيس يريد الحصول على السلطة فيتنافس في الانتخابات  راكبا قطار الإتصال السياسي لإيصال رسالته للناخبين وذلك لا يتأتى له إلا بامتلاك تقنيات التسويق السياسي، والانتخابات نظام يعتمد على الشفافية والمصداقية فهو بحاجة إلى وسائل الإعلام لتبيان ذلك، أما الإعلام فنظام معقد يبحث دائما عن صناعة القصص الإخبارية وتعتبر الانتخابات المادة الدسمة له.

مخطط رقم 01 : مخطط العلاقات المتشابكة بين المفاهيم الخاصة بهذه الدراسة- المصدر الباحث

والحقيقة أن وسائل الإعلام تلعب دور مزدوجا:

  • الدور الإيجابي: وهو تفعيل العملية الديمقراطية بنقل انشغالات الشعب والتقرب من احتياجاته ومتطلباته وإيصال برامج المرشحين وشرحها للناخبين بطريقة موضوعية.
  • الدور السلبي: وهو التأثير على العملية الديمقراطية من خلال توجيه الرأي العام نحو أو ضد طرف معين وبالتالي إحداث نوع من الاحتشاد أو الاستقطاب.

لكن العملية باعتبارها منافسة بين المرشحين فهي تحتكم إلى قواعد المنافسة والمتمثلة بالفوز، وامتلاك المهارات والأدوات اللازمة لذلك، وهو المجال الذي تقدمه لنا إدارة الحملات الانتخابية والتي تعرف في علم السياسة الحديث ” بالاتصال والتسويق السياسي “.

المطلب الثاني: مراحل التسويق السياسي لصورة الرئيس الأمريكي:

بدأت “صناعة صورة الرئيس” في الظهور فعليا تحت مصطلح “التسويق السياسيle marketing politique” مع مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، ومنذ ذلك الحين توضحت الخطوط الأساسية لهذا الفن .[7]

تطورت صناعة الصورة الرئاسية تطورا مرحليا تصفه الكاتبة والخبيرة الفرنسية ” ماري لورا” بعمر الإنسان إذ بدأت هذه الصناعة وليدة فصبية فمراهقة قبل أن تصبح اليوم سيدة  ناضجة. [8]

وتتضح منذ الوهلة الأولى، حينما نستعرض أهم هذه التطورات العمرية، الصلة الوثيقة بين تطور هذه الصناعة وتطور وسائل الإعلام الجماهيرية، غير أنه وبعد التدقيق، سيتبين لنا أنها صلة لا تقف عند حدود الارتباط فقط ، وإنما تتعداها إلى تطورات جوهرية حصلت في المفهوم والأداء أيضا.

بمعنى آخر لا يمكننا تقسيم الفترات العمرية التي مرت بها صناعة صورة الرئيس حسب تطور الاختراعات التقنية مثل ظهور السينما، ثم الإذاعة، فالتلفزيون، على الرغم من التأثير الواسع الذي ألحقته هذه التطورات بالصناعة، ولكن يجب أن نقلب المعادلة وهي أن نبحث في التحولات العميقة التي طرأت على هذه الصناعة ومن ثم نكتشف مراحلها العمرية بدقة فنلحقها بتلك التطورات التقنية.

وفيما يلي استعراض لأهم تلك الحقب المفصلية، والتي يمكن تقسيمها إلى خمس مراحل  :

  1. المرحلة الأولى: ما قبل البدء
  2. المرحلة الثانية مرحلة التشكل والولادة.
  3. المرحلة الثالثة: مرحلة الطفولة.
  4. المرحلة الرابعة: مرحلة المراهقة والنمو.
  5. المرحلة الخامسة: مرحلة النضج.

وسنحاول في هذا المطلب أن نجمع وفق تسلسل تاريخي، الملامح المختلفة التي رافقت نمو فن صناعة صورة الرئيس في الولايات المتحدة الأمريكية، مبرزين ارتباطها بعنصرين هامين وهما تطور وسائل الإعلام، وتطور التسويق السياسي في المفهوم والأداء.

1- المرحلة الأولى: ما قبل البدء

تعد الصحيفة والمطبوعة بشكل عام المجال الأول الذي ولدت فيه صناعة صورة الرئيس، وفي الحقيقية تعتبر الصحف والمجلات الأمريكية حسب الباحثين نتاجاً للنظام الأمريكي بكل جوانبه، وهي تعكس صورة هذا النظام وتؤثر وتتأثر به، وتساعد السياسة الأمريكية على تحقيق أهدافها عن طريق العمل ضمن إطار المصالح الأمريكية، والدعوة لهذه المصالح و الترويج لها ، وتغطية أنباء مختلف فعاليات السياسة الأمريكية على نطاق واسع، وتختار لذلك اللغة المفهومة للجمهور الإعلامي، والأسلوب والمنطق الإعلامي المقبول لدى الجمهور الذي تتوجه إليه، لكنها أيضا لعبت دور الرقيب على أفعال السلطة من خلال النقد السياسي لمجمل الخيارات المتخذة خاصة من قبل الرؤساء المتعاقبين.[9]

لقد ظلت، ولعقود طويلة، صور الرؤساء ترسمها الصحف والمطبوعات فقط كأول وسيط إعلامي، إذ حاول المحررون تثبيت سمات الصورة الرئاسية لدى جماهير القراء، من خلال الكلمة المكتوبة، سواء كانت مادة إخبارية، أو تعليقات وآراء.

ثم تطورت العملية مع الصور الفوتوغرافية، فتعددت الرسائل تبعا لنوعية الصورة من حيث حجـمها و شكلها وزاوية تصويرها ونوعيتها أيضا، وما يصاحب كل ذلك من تعاليق خاصة ما تعلق بنشاطات الرئيس أو خطاباته السياسية.[10]

2- المرحلة الثانية: مرحلة التشكل فالولادة:

تمخضت صناعة الصورة الرئاسية في البيئة الأمريكية بحسب شهادات الكثير من الباحثين في المجال، وتشكلت عبر مسار طويل من الممارسة الديمقراطية والإعلامية في تلك البيئة التي تميزت بكثير من المميزات جعلتها فعلا أرضا خصبة لذلك الميلاد.

يرى البروفيسور “فيليب ماراك” في كتابه القيم “الاتصال والتسويق لدى الرجل السياسي “، أن:  ” الولايات المتحدة الأمريكية تشكل تفردا بين الدول في مجال الديمقراطية، وهذا التفرد هو الذي يغري الباحثين دائما للغوص في مزاياه و البحث عن مكنوناته و أسبابه.

لقد ابتدعت لنفسها نظاما سياسيا مختلفا عن نظيره الأوروبي، وهو يقوم بالدرجة الأولى على نسبة إجبارية من “الاتصال الديمقراطي la communication démocratique  “، إذ يفرض هذا النمط ضمن أجنداته الانتخابية المختلفة ، فصلا قائما بحد ذاته، يجبر المرشحين للرئاسة على مزاولة قسط مهم من الاتصال بالطبقة الناخبة، قصد استمالتهم إليه حتى قبل آن يستلم وظيفته.

نذكر في هذا المقام، الرحلة التاريخية التي لا يزال معمول بها إلى اليوم، والتي يقطع فيها المرشحون للرئاسة عبر القطار البلاد بعرضها، حتى يلاقوا جمهورهم من الناخبين في الغرب الأمريكي، وهو أسلوب في الإتصال السياسي يعرف بالاتصال المباشر، غير أنه لم يكن معتمدا في بداياته إلا على تقنيات الخطابة و توزيع المنشورات و التجمعات الانتخابية .

في هذه المرحلة أيضا، لم تكن صورة الرئيــس فنا قائما بذاته، ولكنها كانت تمارس من خلال الأحزاب و التكتلات السياسية، لكن مع انطلاقة الصورة بدأ عهد جديد في المجال.”[11]

في هذه المرحلة الأولى من التشكل يمكن ملاحظة استخدام وسيلتين هامتين يطلق عليهما مصطلح وسائل الإعلام الجماهيرية وهما السينما والإذاعة:

  1. السينما ورسمها لصورة الرئيس :

هل استخدمت السينما منذ بدايتها في صناعة صورة الرؤساء ؟ وهل كانت الشاشة الكبيرة بقسميها التسجيلي و الروائي واحدة من الأدوات التي سعى من خلالها السياسيون والخبراء، إلى تلميع صورة الرؤساء وتجنيد الرأي العام حيال مواقفهم ؟

كان القائمون على الحملات الانتخابية للرؤساء، مدركين منذ انطلاقة السينما لأهمية مخاطبة الجماهير  عبر  قاعات الشاشة الفضية، وأهمية الوعاء الانتخابي لجمهور السينما المتعطش .

ففي العام 1906 م كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحصي لوحدها أكثر من 8000 قاعة سينما والأكيد أن ذلك عد بالنسبة للرجل السياسي في حينه مصدرا أساسيا لإيصال الخطاب الانتخابي الذي يريده . و من الأمثلة التي يمكن أن تدرج ضمن هذا الإطار، بعض من الأفلام الوثائقية و الروائية  المبكرة ، والتي أنجزت مع بدايات هذا الاختراع، وشكلت فيها الشخصية الرئاسية محورا أساسيا.

ففي عام 1896 م ( وهو العام الفعلي لجماهيرية السينماتوغراف ) أنتجت شركة بيوغراف فيلما تسجيليا عن الحملة الانتخابية للرئيس “ويليام ماكينلي ” وعرضته أمام جمهور السينما الذي بدأ لتوه يكتشف هذا الإختراع العجيب . [12]

  1. الإذاعة أو تحديد ملامح الرؤساء بالصوت:

كانت الإذاعة فتحا جديدا في مجال الاتصال السياسي، لقد سارع الرؤساء المرشحون والمنتخبون إلى التوجه عبر الميكروفون لمداعبة مشاعر المستمعين حتى ولو كان ذلك بأثمان باهظة، إذ تذكر المراجع التاريخية أن الرئيسين “جون دايفيز” و” كالفين كوليدج”  اشتريا مساحات زمنية عبر الإذاعة لبث خطبهما السياسية بدءا من العام 1924 م، لكن الإشهار السياسي، كما هو معروف لدينا اليوم، لم يسمع في الإذاعة الأمريكية إلا في عام 1928م.

في العام 1932 م إستخدم الرئيس الأمريكي ” ف.د.روزفلت ” أمواج الإذاعة وبث خطابا على المباشر مخاطبا 62 % من الأمريكيين يملكون جهاز مذياع. و تذكر المراجع التاريخية انه في نهاية عهدته تطور حجم استعمال الراديو إلى حدود % 90 من الأمريكيين.

ويعتبر روزفلت الرئيس الأمريكي الأكثر شعبية من خلال الإذاعة، و ما ساعده في تحقيق شعبيته ورسم صورته عبر الإذاعة، هو صوته الجهوري المميز ، والذي كان يتسم بالدفء و القوة ، حيث تشير المصادر  أن 79 % من الجمهور الأمريكي تابع خطابه الشهير في 09 ديسمبر 1941 م، مما خلق له صورة ذهنية لدى المستمعين، استمرت حتى بعد وفاته.

لا يزال التقليد الأمريكي في مخاطبة الجمهور من خلال المذياع تقليدا قائما إلى اليوم، فالرئيس يتوجه بخاطب شهري على المباشر كل يوم ثلاثاء.

وفي الحقيقة هناك تقاطع يجب أن يذكر ، وهو أن القائمين على صناعة صورة روزفلت لم يقتصروا على حدود الصوت ، بل إنهم طرقوا مرات عديدة أبواب السينما، ويعتبر فيلم المحراث للمخرج “باري ليفنسون” والمنتج عام 1936 م ، بمثابة بلوغ سن الرشد بالنسبة للفيلم الوثائقي الأمريكي حسب قاموس الأفلام ، وكان الفيلم من إنتاج وزارة التعمير ، و ظهر  فيه الرئيس “روزفلت” ليقدم كما يقول المؤرخ “آرثر نايت” : ” تقرير ا شاملا للشعب الأمريكي موضحا له جهود حكومته ” .[13]

3- المرحلة الثالثة : مرحلة الطفولة:

وتبدأ هذه المرحلة فعليا في العام 1952م وتنتهي العام 1968م، ويمكن أن نلاحظ فيها جملة من الميزات أهمها:

  • صورة الرئيس بالصوت والصورة في كل البيوت الأمريكية :

ففي العام 1952 م، دخل التلفزيون غمار المعركة ، لقد انتهت العهدة الثانية للرئيس الديمقراطي “ترومان”، وبما أن الدستور الأمريكي لا يتيح له الترشح لعهدة ثالثة، أستغل خصومه الجمهوريون المبعدون من البيت الأبيض منذ 20 سنة ذلك الأمر ، فحركوا ترسانة إعلامية ضخمة وظفت أساليب الإشهار التلفزيوني لأول مرة بصورة واضحة وجلية.

أدار فريق من الخبراء حملة الرئيس الجمهوري المنافس له “دوايـت إيزنهاور”، ونجحوا في استغلال 18 مليون جهاز تلفزيون تزودت به المنازل الأمريكية، ليحركوا من خلالها اتجاهات الناخبين، تماما كما كانوا يحركونها في مكاتبهم الإشهارية النيويوركية التي روجت منتجات الاستهلاك الخاصة بمواد التنظيف.

لم يكن هؤلاء المشرفون، سوى مجموعة من الخبراء و التقنيين المعروفين اختصارا باسم BBDO وكانوا يديرون شركات إعلانية عن مواد التنظيف في مدينة نيويورك. [14]

إعتبر هؤلاء صورة الرئيس المرشح مطابقة لصورة المنتج الموجه للاستهلاك، فطبقوا عليه قواعد تلك الصناعة التي تمرسوا فيها، واضعين بذلك أسس هذا الفن الذي نحن بصدد الحديث عنه.

ومن الحوادث التي تروى عن هذا المكتب، والتي ذكرها الرئيس ” إيزنهاور” نفسه في مذكراته، أنه في أول حديث تليفزيوني يقدمه، فوجئ بجيش من الفنيين يعتقلونه، حسب تعبيره، ولمدة ساعتين كاملتين، وذلك لإجراء الماكياج المناسب له، فهناك من قام بتخطيط جديد لرموشه وحواجبه وفتحتي عينيه، وآخرون وضعوا المساحيق المختلفة على وجهه، بينما اهتم اثنان بتصفيف شعره القليل على رأسه، وفى تلك الأثناء كان هناك مخرج يتلو عليه تفاصيل الدور الذي سيقوم به، كما لو كان ممثلا في الأستوديو، معطيا له بعض التعليمات : كيف يبتسم؟ ومتى يرفع حاجبيه؟ ومتى يقطب جبينه؟ وفى أي وقت يمكن أن يحرك يده اليمنى أو يده اليسرى وكيف تكون تلك الحركة أصلا ؟ .

الأمر الذي جعل “أيزنهاور” يصيح وهو ينظر إلى المرآة عقب هذه المعركة القاسية: ” يا إلهي هل هذا هو أيزنهاور الذي ستنتخبه الجماهير؟ إني لا أعرفه”. [15]

إن ما قاله جنرال الحرب السابق والرئيس الأمريكي لمدة ثمانية سنوات في الخمسينيات يعبر، وربما بشكل رمزي عن ملامح أكبر وأهم صناعة في أمريكا اليوم هي صناعة الرئيس.

  • صورة الرئيس صناعة تنافسية تكتمل :

في العام 1960  م تدخل صناعة صورة الرئيس فصلا جديدا من خلال اكتمال الأسس،  وذلك في الحملة الانتخابية التي قادها خبراء دعموا صنعوا صورة الرئيس المستقبلي للولايات المتحدة الأمريكية ، وهو الشاب الطموح ذو الابتسامة المفرحة ” جون فيتزرالد كينيدي ” والمعروف اختصارا باسم ” JFK ” .

الفكرة بسيطة وهي إضافة عنصر جديد في سياق البحث عن أسلحة جديدة ترسم ملامح المرشحين، وكانت هذه المرة المناظرة التلفزيونية واحدة من الأساليب الإبداعية في إخراج الصورة الذهنية عن الرئيس المحتمل.

يعتبر كثير من المؤرخين السياسيين المناظرة التلفزيونية التي كانت بين الرئيسين كينيدي ونيكسون لحظة ميلاد حقيقية للتسويق السياسي  وبداية فعلية لصناعة الصورة  الرئاسية.

فهم القائمون على حملة المرشح كنيدي، أحاسيس الجمهور فقدموه على طبق من ذهب، باعتباره شابا طموحا جذابا وأنيقا، ظهر أمام صورة منافسه الهرم المتعب  والمتضايق، واستطاع بفضل طلته عبر التلفزيون أن يكسب ود الناخبين ويصل إلى سدة الحكم

4- المرحلة الرابعة: مرحلة المراهقة فالنمو:

تتشكل مرحلة المراهقة و النمو الحقيقي في صناعة صورة الرئيس من خلال الملامح الرئيسية التالية :

  1. الترويج السياسي السلبي
  2. اللقطات التلفزيونية القريبة
  3. إتحاد النص مع الصورة

بالإضافة إلى الإستعانة بالأسلوبين المعروفين سابقا وهما :

  1. الأسلوب الإخباري
  2. أسلوب المناظرات التلفزيونية

وسنحاول فيما يلي تفصيل هذه الملامح الثلاث واكتشاف ما شكلته من تغييرات في منهجية العمل لدى العاملين في مجال التسويق السياسي:

أ-الترويج السياسي السلبي:

ويقصد به الترويج ببث الجوانب السلبية التي يحمله الخصم السياسي،  من خلال التركيز على أخطائه في الخيارات و الأفعال.

كان العام 1964م عاما فاصلا في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية ، ليس لأنه عام فقط من بعد اغتيال الرئيس الرمز ” كينيدي “، ولكنه أيضا بطرحه مخاوف عديدة من احتمال تدهور العلاقات العالمية خاصة مع الإتحاد السوفياتي، هذا ما استغلته الحملة الانتخابية للرئيس “ليندون ب . جونسون” و التي أنتجت وبثت الشريط القصير ” الطفلة دايزي ” والذي كان نقطة انعطاف في عمر التسويق السياسي.

تظهر في الشريط الدعائي الذي لا يتجاوز ستين ثانية الطفلة “دايزي” ذات الأربع سنوات في المروج وهي تحسب من الرقم واحد إلى الرقم عشرة وريقات زهرة الأقحوان على خلفية من زقزقة للعصافير، وحين يكتمل عد الطفلة نسمع عدا عكسيا بصوت رجل من الرقم 10 إلى الرقم 0 ثم تقترب الكاميرا بلقطة الزوم إلى عين الطفلة و هنا نشاهد انفجارا كبيرا لقنبلة ذرية ثم نسمع صوتا خلفيا قويا يقول:

” هذه هي الرهانات : خلق عالم يستطيع فيه كل أطفال الرب العيش بسلام ، أو الذهاب إلى الظلام الدامس ، يجب علينا محبة بعضنا البعض أو الموت ”

ثم ينتهي الشريط بعبارة دعائية : ” انتخب الرئيس جونسون في 3 نوفمبر ”

لم يبث هذا الشريط إلا مرة واحدة خلال البرنامج الأكثر متابعة على قناة CBS ( وهو برنامج سهرة الاثنين في السينما) ، وبعد بثه تهاطلت عشرات المكالمات الهاتفية الغاضبة من حملة المنافس وأعتبر المرشح الجمهوري للرئاسيات “باري غولدواتر” أن خصمه المرشح الديمقراطي” جونسون ” قد تجاوز كل الخطوط الحمراء في ما يعرف بـ ” الترويج السلبي “.

الشريط لم يبث بعد ذلك إطلاقا، وصرح الديمقراطيون أنفسهم أن هدفهم قد تحقق ببثه ولو لمرة واحدة، معترفين أن مرادهم كان إزعاج الطرف الآخر وأن الشريط يتنافى تماما مع قواعد الروح الرياضية.

لقد حقق هذا الشريط هدفه حين اتهم الرئيس الجمهوري بقرب تفجيره قنبلة ذرية في الحرب واستطاع خصمه الديمقراطي اصطياد أكثر من 50 مليون مشاهد تابعوا النداء وتفاعلوا مع براءة الطفلة ” دايزي”، وخطف بفضلها جونسون 61.1  % من أصوات الناخبين ويعتبر هذا أقوى فوز لرئيس منذ العام 1820م.

استغل القائمون على صناعة صورة الرئيس جونسون مبدأ الصورة السلبية ” l’image négative ” التي ظهر بها خصمه الجمهوري، و بالتالي حققوا ظهوره بصورة ناصعة، فالخصم صرح أكثر من مرة تصريحات نارية ضد الإتحاد السوفياتي مما أربك الجماهير الأمريكية التي رأت في انتخابه تهديدا صريحا بنشوب حرب ذرية .

ب-إستعمال الصورة التلفزيونية القريبة (GP):

ساهمت هذه التقنية التلفزيونية في إظهار المرشح بصورة قريبة من المشاهدين، مما مكن من التعرف على هواجسه و مخاوفه و تطلعاته من خلال الدقيق في تقاسيم الوجه وحركات العينين والشفتين وحتى الحاجبين، وكلها أمور بصرية تحيل المشاهدين على جملة من الانطباعات أهمها الألفة مع الوجه الرئاسي.

ظهر الرئيس “رتشارد نيكسون” لأول مرة عبر هذه تقنية تلفزيونية في التصوير والتي تسمى باللقطة القريبة ، وقد عرفها الخبراء بأنها اللقطة المأخوذة للشيء المراد تصويره من وضع قريب، وتبدو عندما تعرض على الشاشة في حجم كبير، وهي بنسبة للإنسان تمثل الرأس أو الوجه أو حتى إلى الكتفين ، ويرمز لها عادة بالاختصارات التالية  (close up  : ل. ق : Gros Plan ) .[16]

وقد جاء ذلك العام 1968 م من خلال النصائح القيمة التي قدمها المستشار الإعلامي والمتخصص في تقديم النصح الخاص بالمظهر “روجيه إيلاس” والذي عمل كمدير عام لمؤسسة “فوكس نيوز”.

سارع الرئيس القادم ليدرك خطأه الفادح الذي إرتكبه في حملته الفاشلة ضد الرئيس “ج.ف كينيدي” سابقا، فبدل طريقة عمله  تماما، بعدما كان يعتمد على أقطاب حزبه الجمهوري، ولجأ في النهاية إلى خبراء التزيين والتجميل والإشهار، ليقود حملة ناجحة أوصلته إلى البيت الأبيض. [17]

ج-إتحاد النص مع الصوت و الصورة:

حملت الحملة الانتخابية لرئاسيات عام 1972م مزيدا من التقنيات في صناعة صورة المرشحين للرئاسة، وهذه المرة مع خصم “ريتشارد نيسكون” المرشح ” ماك غوفرن “.

لقد وضعت بين أيدينا حملة هذا الأخير أسلوبا دعائيا جديدا يتمثل في إضافة النصوص المكتوبة على الومضة البصرية الإشهارية لترشحه لتلك الرئاسيات مثل الأرقام الاقتصادية المحبطة، أسعار المنتجات الباهظة، بالإضافة إلى خاتمة صادمة تمثلت في العبارة التالية والتي كانت فعلا محبطة للجماهير:

“هل تملك المزيد من الإمكانيات لإعطاء فرصة أخرى من أربع سنوات للسيد “نيكسون” ، واعتبرت تلك العبارة بمثابة حث على عم التصويت على الرئيس المرشح.

د- المرحلة الخامسة: مرحلة النضج:

وتبدأ هذه المرحلة في العام 1980 م إلى بداية الألفية الثالثة، وإذا حاولنا تحليل التسويق السياسي خلال عشرين سنة في الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن نقف عند أربع ملامح هامة: [18]

  • ظهور مهنة “السبين دكتور” و تفردها في مجال الاتصال والتسويق السياسي:

وهم الخبراء المسؤولون عن صناعة الصور وتقديم المعلومات لوسائل الإعلام كما سنرى في الفصول القادمة .

  • أسبقية وأولوية الاستخدام التلفزيوني:

عاد التلفزيون في هذه الفترة ليحتل مكانة كبيرة ضمن إستراتجيات التسويق، من خلال المناظرات التلفزيونية الحاسمة.

  • التأثير العاطفي واستعمال الدين لأغراض سياسية:

لعبت الجانب الديني دورا بارزا بعودته على الساحة سواء في الخطاب أو الرموز المتخذة في الحملات الانتخابية.

  • الاتجاه نحو قياس الرأي أو استطلاعات الشارع:

شكلت أدوات قياس الرأي العام عاملا حاسما في صناعة الشعبية من خلال بث الأرقام عن حجم التأييد في موضوعات محددة، وقد عملت شركات ضخمة على الاستثمار في مجال قياس الرأي العام.

كما شكل الإتجاه نحو شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي أحد أهم المنعطفات الحاسمة في هذه المرحلة وهو محل مبحث خاص في الفصول القادمة.

المطلب الثالث: أسس التسويق السياسي الأمريكي المعاصر:

يقوم المخططون العاملون في مجال التسويق السياسي المعاصر في الولايات المتحدة الأمريكية بتطبيق العلوم التسويقية في الحملات الانتخابية بوضع أهداف رئيسية لنشاطات جهازهم التسويقي والتي يمكن تلخيصها بخمسة أهداف رئيسية:[19]

  • إشباع حاجات ورغبات كافة شرائح المجتمع أو شرائح محددة منه.
  • النجاح في الانتخابات عبر تطبيق الحملة التسويقية.
  • الترويج للأفكار التي يؤمن بها المرشح.
  • خلق صورة ذهنية إيجابية حوله وحول الحزب الذي ينتمي إليه.
  • جذب أكبر شريحة من المؤيدين من كافة شرائح المجتمع.

ومن اجل ذلك يستخدم المسوقون السياسيون المعاصرون في الولايات المتحدة الأمريكية المزيج التسويقي الموسع في تصميم الخطط والحملات الانتخابية وهي تضم على التوالي ما العناصر السبع التالية:[20]

  • المنتج: وهو المنتج السياسي المتكون من الوعود الإنتخابية والسياسات والأجندات التي تمس النواحي الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والتي يقدمها المرشح وحزبه إلى المجتمع الذي يقوم بالتصويت مقابل هذه الوعود المستقبلية.
  • التسعيرة: ويمكن اعتبار التسعيرة بمثابة الدعم الانتخابي أي عدد الأصوات من كل عائلة أو جماعة أو طائفة.
  • الترويج: ويضم الترويج السياسي، المزيج الترويجي نفسه مع تعديلات تناسب المرشح وطبيعة التسويق السياسي الخاصة، ومنها: التسويق الالكتروني عبر استخدام البريد الإلكتروني، التسويق المباشر، ترويج المبيعات، العلاقات العامة وذلك من خلال الخطابات، البيع الشخصي من خلال المتطوعين في العمل الانتخابي، الدعاية والإعلان وذلك من قبل الكتاب المحترفين.
  • التوزيع: ويتم توزيع المعلومات التسويقية للمرشح في الأسواق المختلفة من خلال انتقاله شخصياً بين الولايات ومن خلال نشر المعلومات عبر وسائل الإعلام المختلفة والإعلانات المخصصة ويتم تعديل كل ذلك حسب أذواق كل منطقة جغرافية مع المحاولة على الحافظ على الرسالة الأساسية.
  • العمليات: وهي جميع الخطوات المستمرة التي يقوم بها الجهاز التسويقي من تحليل البيئة السياسية وإدارة الفرق التسويقية وإعطاء الحكم على البيئة وتوجيه المرشح نحو القرارات التسويقية الصائبة التي تصب في مصلحة السياسيين النهائية.
  • الأشخاص: وهي تضم جميع الأشخاص المشاركين في العملية التسويقية، ابتداء من السياسي والكادر المساند له، والمتطوعين والمصوتين النهائيين.
  • الدلائل المادية: وهي تضم التصميم الداخلي للصلات الانتخابية وما تحتاج إليه من لافتات وإعلانات، والتي من خلالها يشاهد المصوتون ويتواصلون مع المرشح.

1- أدوات التسويق السياسي المعاصر:

يقوم المسوقون باستخدام مجموعة من الأدوات التي تساهم في جمع معلومات قد تفيد المرشح في حملته التسويقية وهي:[21]

  • استبيانات الرأي العام:

وهي تقوم على أساس دراسة الرأي العام للمجتمع و ذلك لوضع رسالة الأحزاب و السياسيين على أساسه.

  • استبيانات ما قبل الانتخابات:

وهي تقوم بدراسة مدى الإقبال على الانتخابات.

  • استبيانات أثناء الانتخابات:

وهي تدرس التطورات الجارية أثناء الحملة الانتخابية.

  • استبيانات ما بعد الانتخابات:

وهي تدرس ردود فعل الرأي العام ما بعد الانتخابات، وذلك لمعرفة مدى تراجع أو تقدم عدد المؤيدين للسياسي و الحزب.

  • دراسات الحالة:

وهي عملية البحث عن الدروس المفيدة من الحالات العملية الموثقة و ذلك في فترة زمنية سابقة لاستخلاص الدروس و تطبيق الطرق و الأفكار الناجحة بعد تعديلها بما يتوافق مع الموقف المدروس.

  • المقابلات الشخصية:

ويقوم بها المختصون في التسويق وذلك من أجل معرفة ودراسة الحالة النفسية والاجتماعية والفكرية للمجتمع ودراسة الحاجات والاتجاهات.

  • الخطابات المحلية:

ويقوم بها السياسيون أنفسهم، وذلك ضمن بيئة يتم التحكم بها، ضمن قاعات أو أماكن مفتوحة تحت حراسة مشددة، بإلقاء خطابات تحفيزية وتشجيعية للجمهور الذي أنتخبهم، و ذلك كنوع من المكافأة والتقرب والتلاحم.

كما يقوم المختصون بالتسويق بتقسيم السوق السياسي حسب المعايير الملخصة في التالي:

 

حيث يتم التقسيم حسب وظيفة الأشخاص كالموظفين والعمال والرأسماليين، وحسب المنطقة الجغرافية والتي تضم، التقسيم حسب المقاطعات وحسب المحافظات وحسب المدن الكبيرة ومدى كثافة السكان فيها، وأيضاً يتم تقسيم منطقتي الريف والمدينة بسبب اختلاف وتباين المشاكل والحاجات والتوجه للحياة، وحسب الفئة العمرية، إذ يتم التقسيم هنا بين فئة الشباب وبين فئة كبار العمر بسبب الاختلافات الشاسعة فيما بينهما لمنظور الحياة نفسها، وحسب التوجه السلوكي من خلال التقسيم حسب درجة توجه الأشخاص نحو التغيير، أو ابتعادهم عن التغيير، وبين ميلهم إلى المحافظة وميلهم نحو التحرر، بالإضافة إلى تقسيم حسب المستوى التعليمي ويتم التقسيم هنا حسب المستوى التعليمي للأشخاص من متعلمين وأميين وأصحاب المستويات التعليمية العالية.

2- الاستراتيجيات الناجحة في التسويق السياسي:

تتبع المنظمات التسويقية والمختصين التسويقيين المساندين للسياسي في حملاته الانتخابية مجموعة من الاستراتيجيات التي تم تطبيقها والتي أثبتت كفاءة تطبيقها عبر الزمن وهي:[22]

  • صناعة الصورة الذهنية للسياسي من الصفر:

يتم تصميم الصورة الذهنية للسياسيين من الصفر عندما لا تتوفر لدى السياسيين أي شيء مميز يميزهم عن منافسيهم، أو عندما يكون لديهم ماض غير لامع و بالتالي تكون صناعة الصورة من الصفر، هي كطي صفحة جديدة في حياتهم السياسية.

  • بناء فريق إعلامي مختص يضم اختصاصيين من مجالات متباينة:

ويتم بناء هذا الفريق من أجل الاستفادة من القيمة المضافة للعمل الجمعي و الاستفادة من تعدد وجهات النظر مما يضيف أبعاداً إبداعية جديدة و يزيد من فرص النجاح.

  • بناء مركز إعلامي خاص بالحملة الانتخابية ” war room”:

ويتم بناء المركز لاحتواء الفريق و المعدات و الموظفين و الكادر الإعلامي، و خلق بيئة مركزية تزيد من دقة التنسيق وتقلل من الأخطاء التنفيذية.

  • بناء خطة متكاملة للتواصل مع الجماهير عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي:

وبما أن هذا العصر يعتبر العصر الرقمي بامتياز، فإن عدم التواجد على جميع منصات التواصل الاجتماعية يعتبر نقطة ضعف كبيرة.

  • إتباع أسلوب فرق العمل في تنظيم الكوادر البشرية:

وهو الأسلوب الحديث في التنظيم حيث كل فريق يتكون من 5 أشخاص، يرأسهم مشرف، وهذا يضمن تنفيذ الأعمال وبسرعة.

  • وضع خطة لزيادة الوعي التطوعي لدى المصوتين:

إن كلمة سر السياسة هي التطوع، فإن الحزب السياسي و السياسي القدير يجب أن يحاول بشتى الطرق والوسائل جمع أكبر عدد ممكن من الأشخاص الراغبين بالعمل مجاناً من أجل حملته، وذلك لتوفير التكاليف وتحقيق أكبر انتشار للسياسي وتضمن بذلك نجاح حملته التسويقية.

3- التسويق السياسي المعاصر في الولايات المتحدة الأمريكية:

يقوم التسويق السياسي المعاصر في الولايات المتحدة الأمريكية على عدة أسس منها: [23]

  • التأثير الإعلامي من خلال الاستخدام التلفزيوني:

وذلك من خلال رصد ميزانيات معتبرة لشراء حصص إشهارية للمرشحين على أشهر القنوات التلفزيونية واختيار أوقات الذروة أين تكثر نسبة المشاهدة مع تكرار الومضات الدعائية.

وقد تميز الأداء التلفزيوني هنا بميزة الاختصارات وتفادي الكلمات التلفزيونية المطولة والتي كانت تدوم 30 دقيقة، والتي ظلت مستخدمة من قبل الخصوم، وتعويضها بالومضات القصيرة في حدود 20 ثانية إلى 60 ثانية على الأكثر.

إن أهم موعد يتم استغلاله بشكل كبير هو موعد المناظرات التلفزيونية الشهيرة التي تعد فاصلة في العملية الانتخابية وذات تأثير رهيب على العملية برمتها، وقد امتد استخدام أسلوب المناظرات التلفزيونية ليشمل حتى نواب الرئيس بعد اقتصارها فيما سبق على المرشحين الأساسيين للدخول إلى البيت الأبيض.

  • التأثير العاطفي:

من الملامح الهامة أيضا في عمر ” صناعة الصورة ” إستخدام العوامل المؤثرة في صناعة الصورة بشكل عاطفي، ونقصد بها التأثيرات العاطفية الدينية على رغبات الناخبين والمواطنين بالدرجة الأولى، واستغلال الشعور الديني في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال خطتين اثنتين :

  • الخطة الأولى: تنمية الوازع الديني واستغلال الصحوة الدينية.
  • الخطة الثانية : تقوية الأواصر مع الطائفة اليهودية.

هذا هو الوصف الذي أطلقه بعض الباحثين على الحملة الانتخابية للرئيس “رونالد ريغان” إذ في عام 1984 تم استغلال الشعور الديني الذي كان متناميًا في تلك الفترة، لمواجهة حركات التحرر الشبابية المعروفة بإسم “الهيبيز” وغيرها من الحركات الأخرى بأمريكا، وذلك في رسم صورة الرئيس “ريغان”، وقد لعب مستشاره في الاستطلاعات “ريتشارد ريزلن” دور كبيرًا في ذلك “[24].

وفي سعيه لكسب الأصوات اليهودية حرص “ريغان” على زيادة الروابط مع المؤسسات اليهودية الصهيونية في الولايات المتحدة قبل موعد الانتخابات الرئاسية، وقام “ريغان” بتعيين اليهودي “مارشال بيرغر” مسؤولا عن التنسيق بين لجنة الحملة الانتخابية والمجموعات اليهودية في الولايات المتحدة، وعين كذلك اليهودي “ألبرت شبيغل” رئيسا لحملته الانتخابية، وأخذ “شبيغل” يعرض لليهود سجل “ريغان” المؤيد لـ(إسرائيل)، ومنها حضوره تجمعات مؤيدة لها خلال حرب الأيام الستة في عام 1967م عندما كان حاكما لكاليفورنيا.

وخلال حملته الانتخابية زار “ريغان” المنظمة اليهودية “بناي برث” في واشنطن العام 1980م، وألقى خطابا قال فيه: “إن (إسرائيل) ليست أمة فقط بل هي رمز، ففي دفاعنا عن حق (إسرائيل) في الوجود إنما ندافع عن ذات القيم التي بنيت على أساسها أمتنا”.

وبعد سقوط الشاه الإيراني، وقبل انتخابات الرئاسة الأمريكية، أدلى “ريغان” بتصريح إلى “الواشنطن بوست” في 15 أوت 1979م جاء فيه: “إن أي منظمة إقليمية مؤيدة للغرب لن تكون لها أية قيمة عسكرية حقيقية دون أن تشترك (إسرائيل)  فيها بشكل أو بآخر”.

وكان أهم موضوع في الحملة الانتخابية للمرشح ريغان هو مزاعمه بعجز إدارة الرئيس الأسبق “جيمي كارتر” في تقدير أهمية (إسرائيل) كرصيد استراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ففي مقالة له في “الواشنطن بوست” أيضا ذكر “ريغان” بأن وضع الولايات المتحدة سيكون أضعف في المنطقة بدون الأرصدة السياسية والعسكرية التي توفرها (إسرائيل) كقوة مستقرة وكرادع للهيمنة الراديكالية.[25]

  • التأثير الاجتماعي من خلال استطلاعات الرأي:

سبر الآراء هي الوسيلة المفضلة لقياس اتجاهات الرأي العام وصناعة الرؤساء ، فقد جاء في مدونة الحملة الانتخابية التي كتبها الخبير الفرنسي ” فرانسوا ثريثار” أن : ” سبر الآراء تقنية إحصائية هدفها تقدير مختلف الاتجاهات الشعبية تجاه قضية معينة، وهذه التقنية تنطلق من معالجة بيانات يتم جمعها انطلاقا من عينة جزئية تعبر عن تمثيل نسبي لتلك الشعبية أو الجماهيرية، بمعنى آخر التعبير بالجزء عن اتجاهات الكل.”[26]

اعتمد صناع صورة الرئيس في هذه المرحلة على قياسات الرأي العام، التي تلعب دوراً أساسياً في تغيير الصورة التي يجب أن يظهر عليها الرئيس في كل مرحلة من مراحل رئاسته. كما حرص هؤلاء الخبراء على أن تشمل استطلاعات الرأي أداء الرئيس كل فترة، ليتم على أساس ذلك قياس النتائج و من ثم تعديل البرامج الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وفقاً لمتطلبات كل مرحلة ، وأيضًا لإزالة أية محاولة لتشويه الصورة، خصوصاً مقابل مؤسسات رصد واستطلاع رأى مضادة، تتصيد الهفوات والأخطاء، وتكشف عن الخفي منها، وتقوم بتضخيمها في محاولة لإسقاط الرؤساء.

وتجدر الإشارة هنا  إلى أن استطلاعات الرأي يمكن أيضاً التلاعب في نتائجها، لخلق صورة أكثر شعبية، أو التهوين من شعبية أي منافس أخر، كما يتم تمرير أخبار وإحصاءات موجهة، لزيادة شعبية الرئيس وتحسين صورته في المراحل التي تتعرض فيها صوره لأي اهتزازات من قبل معارضيه، وكل هذا يقوم به أيضًا خبراء صناعة الرئيس.

وقد أعد معهد العلوم السياسية بجامعة بيرن السويسرية كراسا خاصا بعملية سبر الآراء تحت عنوان ” سبر الآراء والاتصال السياسي ” حلل فيه الطريقة التي تؤثر بها عملية الاستطلاعات على مسار الاتصال السياسي من خلال تأثيرها على العمل السياسي في حد ذاته أو تأثيرها على السياسيين ثم وسائل الإعلام وأخيرا  المواطنين وهم المستهدفون من العملية .

  • التأثير التفاعلي من خلال الوسائط الحديثة:

كثير من المراقبين، حسب د محمد لعقاب في كتابه “تأثير الإنترنت على العمل السياسي”، يعتبرون انتخابات 2008 م بمثابة أول انتخابات إلكترونية، وذلك للدور النشط غير المسبوق الذي لعبته الإنترنت في حشد المناصرين والمتطوعين في صفوف المرشحين “باراك أوباما” و”جون ماكين”، مستخدمين الإنترنت في تنظيم أنفسهم وتمويل حملاتهم الانتخابية وتوسيع دوائر علاقاتهم و اتصالاتهم، ونشر أخبار مرشحهم المفضل والتفاعل معها  .[27]

[1] PHILIPPE J.MAAREK, LA COMMUNICATION POLTIQUE DE LA PRESIDENTIELLE DE 2007, paris : l’harmattan, 2009, p19

[2] قاموس أكسفورد العالمي، مادة ديموقراطية، على الموقع http://www.oxforddictionaries.com/definition/english/democracy
تاريخ الدخول 21 مارس 2012 م، تاريخ المعاينة 05 سبتمبر 2015 م.

[3] FRANÇOIS TRETARRE, Campagnes Electorales, Paris:Gualino, 2012, p 15

[4]  صابر عبد ربه، الاتجاهات النظرية في تفسير الوعي السياسي، الإسكندرية: دار الوفاء، 2002، ص 44

[5]  محمد حمدان المصالحة، الاتصال السياسي مقترب نظري تطبيقي،عمان: وائل للنشر، 2002، ص 13

 نفس المرجع ، ص 14 [6]

[7] SERGE ALBOUY, Marketing et Communication Politique, Paris : L’Harmattan,1994,p14.

[8] MARIE LORA, Marketing Politique : Mode D’emploi, Paris : Studyrama perspectives, sans année d’édition, p 26.

[9]  محمد علي العويني، الإعلام الدولي بين النظرية والتطبيق، القاهرة : مكتبة الأنجلو،1990، ص 116

[10] نعيد التذكير هنا بالدراسة الهامة التي قام بها ” غابريال تارد ” القانوني والسوسيولوجي والفيلسوف الفرنسي في مؤلفه الشهير ” الرأي والحشود” لعام 1901 م، والتي تناول فيها التأثيرات المحتملة للصحافة الشعبية على الرأي العام، من خلال تحليلاتها اليومية للخطابات السياسية  للرؤساء آنذاك.

[11] PHILIPE J.MAAREK, Communication et Marketing de l’Homme Politique, paris : lexisnexis, 2007, p 12.

[12] PHILIPE J.MAAREK, OP.CIT, p 12.

[13]  آرثر نايت، قصة السينما في العالم، ترجمة سعد الدين توفيق، القاهرة: دار الكاتب العربي، 1976م ، ص 67 .

[14] FRANCOIS TRETARRE, OP.CIT, p 16

[15] PHILPPE J. MAAREK, OP.CIT, p 14

[16] المصطلحات العلمية والفنية، مجمع اللغة العربية في القاهرة، صفحة منشورة على موقع الوكيبيديا على الرابط التالي : WWW.WIKIPEDIA.COM

  [17] FRANCOIS TRETARRE, OP.CIT, p 179

[18] PHILPPE J. MAAREK, OP.CIT, p 16

 نورهان باليان، التسويق السياسي: دراسة مستفيضة، دمشق: منشورات سورية للتسويق 2014 ، ص 14 [19]

 المرجع نفسه ، ص 16 [20]

 نورهان باليان، مرجع سابق الذكر ص 17 .[21]

[22] Bruce L. Newman, A Review in Political Marketing: Lessons from Recent Presidential Elections , http://www.bus.umich.edu,01/02/2014.

  نورهان باليان، مرجع سابق الذكر ص 18 .[23]

[24]  محمد عيسى ووفاء فراجصناعة الرئيس، مقال بمجلة الأهرام العربي، بتاريخ 02/07/2012.

    http://ar.wikipedia.org/wiki/ معلومات من الموسوعة الإلكترونية الحرة على الرابط : رونالد_ريغان[25]

[26]    FRANÇOIS C. TREATRRE, OP.CIT, p 52

[27]   د.محمد لعقاب، تأثير الإنترنت على العمل السياسي أوباما نموذجا، الجزائر: دار الصباح،2009، ص87.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى