الدراسات البحثيةالعلاقات الدوليةالمتخصصة

البعد التاريخي والحضاري للتكامل المغاربي: دراسة في مقومات البناء وعناصر الإخفاق

اعداد : د.عباش عائشة – أستاذة بكلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية –جامعة الجزائر 3-

  • المركز الديمقراطي العربي

 

ملخص:

نتطرق في هذا المقال إلى مجموعة المؤهلات الجغرافية والتاريخية التي ساهمت في بلورة الوحدة المغاربية خاصة قبل الاستقلال ، وقد جاء مشروع اتحاد المغرب العربي لمحاولة الحفاظ على تلك الوحدة في زمن عرف بعصر التكتلات الاقتصادية والسياسية والعسكرية…، غير أن الواقع السياسي والاقتصادي للدول المغاربية بعد الاستقلال أفرز معطيات مغايرة أثرت سلبا على الطموح المغاربيحيث طغت عناصر الإخفاق على مقومات البناء ..

مقدمة:

في ظل التوجه الدولي نحو التكتلات الإقليمية نشأ اتحاد المغرب العربي يحمل طموحات وأراء إيجابية  حول إمكانية التكامل بين دول المنطقة ، مراهنا على التجربة النضالية التي جمعت بين الشعوب المغاربية خلال فترة الاستعمار من جهة ، وكذا المقومات الاجتماعية والثقافية التي جعلت المغرب العربي يمتلك ذاتا حضارية متميزة بالرغم من انتماءاته للعالم  العربي والإسلامي والإفريقي من جهة أخرى.

و من هذا المنطلق تأتي دراستنا لتأكيد البعد الاندماجي لدى شعوب المنطقة ، من خلال قراءة الذاكرة التاريخية للمنطقة وتحليل بعض تفاصيلها وكذا التأكيد في ذات الوقت على الخصوصية الحضارية للشعوب المغاربية ،  خصوصا وأن المسألة التكاملية غير مرتبطة بالتحول في العناصر المادية للدول ، بل كذلك بالأسس والمنطلقات المعنوية لأنساقها الفكرية والقيمية.

وهو ما نسعى لمعالجته من خلال الإشكالية التالية:

-ماهي الفرص المتاحة أمام الدول المغاربية حتى تجسد عمليا التكامل من خلال تفعيل اتحاد المغرب العربي في ظل الضغوطات المتعددة الأبعاد ؟ .

  • بالإضافة إلى طرح مجموعة من الأسئلة حول ماهي  المقومات الاجتماعية والثقافية للدول المغاربية؟
  • وماهي التحديات التي تواجه مشروع التكامل المغاربي؟

وهو ما نتاوله في العناصر التالية :

  • 1-الخصوصية الحضارية لدول المغرب العربي
  • 2-البعد التاريخي والاندماجي للدول المغاربية
  • 3-اتحاد المغرب العربي: ما جمعه التاريخ فرقته السياسة

1- الخصوصية الحضارية لدول المغرب العربي:

إن دراسة الخصوصية الحضارية للمغرب العربي لا يمكن فهمها خارج السياق الحضاري الإسلامي والعربي ككل الذي يمثل مصدر البناء الحضاري لها سواء من ناحية الدينية أو اللغوية، غير أن للمنطقة المغاربية لها خصوصيتها التي تميزها عن باقي الدول العربية ، فهي خصوصية منحتها إياها الجغرافيا، من خلال جملة المعطيات كما ساهم التاريخ في بلورتها.

وعلى هذا الأساس سنركز في دراستنا هذه انطلاقا من المعادلة التي بنى عليها مالك بن نبي” الحضارة = إنسان + تراب + زمن. وهي- حسبه- تشكل العدة الدائمة إذ لما يتحرك رجل الفطرة ويأخذ طريقه لكي يصبح رجل حضارة، فإنه لا زاد له سوى التراب والوقت وإرادته لتلك الحركة [1].

1-2- المقومات الاجتماعية والثقافية لدول المغرب العربي :

إن البحث في هوية مجتمع ما يستوجب علينا النظر إليها على أنها في حالة دائمة من التطور والتكون والتحول ،و أنها كينونة مستمرة شكلا ومضمونا ، أي أنها نسبية وليست أزلية  بل قابلة للتعديل و التكيف والتفاعل مع الهويات الأخرى [2]، إذ فقد انتشر الدين الإسلامي وانتصر في بلاد المغرب ككل ، في القرن الثامن واكتسب الفتح الإسلامي دواما وتواصلا ميزه عن الغزو البيزنطي أو الغزو الروماني الذي سبقاه وبدأت تقوم شيئا فشيئا حضارة جديدة لغتها العربية ومنطقها الدين الإسلامي في إفريقيا وخاصة في عاصمتها القيروان التي عرفت ازدهارا ماديا وثقافيا بعيد المدى [3].

و عليه فقد تحددت معالم الهوية المغاربية في ظل الحضارة الإسلامية وفي السياق أو الفضاء المغاربي ككل، من خلال الدين الإسلامي واللغة العربية وأصل السكان .

1-2-1  أما الدين الإسلامي:

فرغم أن انتشاره ببلاد المغرب قد استغرق وقتا طويلا يزيد عن ثلاثين سنة (على عكس بلاد الشام ومصر ثلاث سنوات والعراق أربع سنوات ، وبلاد الفرس سبع سنوات ) حيث ارتد المغاربة أكثرمن اثنان وسبعون مرة  ، وهذا يؤكد قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما خاطب جنده (إياكم وإفريقيا فإنها فرقت المسلمين). لكن بعدما تأكد المغاربة أن الدين الإسلامي ليس إيديولوجية لسلطة خارجية اعتنقوه ودافعوا عنه رغم اطلاعهم الجزئي عليه1.وتبنوا المذهب المالكي المخلص في جوهره للقرآن والسنة و النافر من كل تأويل، ولعل هذاالمذهب كان أقرب إلى نفوس المغاربة الذين يخشون الخوض في متاهات الجدال والابتعاد عن أراء الخوارج و المعتزلة، وبذلك انتشر المذهب المالكي في المغرب العربي حتى أصبح مالك بن آنس يحكم غيابيا إفريقية بموطئه ومخلصيه2.

1-2- 2- اللغة العربية :

لقد كانت اللغة البربرية هي السائدة في المغرب العربي ككل قبل الفتح الإسلامي وهي لغة شفوية لا توجد حروف لكتابتها بالرغم من بعض المحاولات لكتابتها3، أما بعد الفتح الإسلامي فقد اختلط السكان الأصليون بالعناصر الوافدة من اليمن والحجاز …وهو ما نتج عنها الانتشار الواسع للغة العربية على حساب اللغة البربرية التي تقلصت في بعض المناطق، دون أن تدخل في صراع أو مناقشة مع  اللهجات الأمازيغية التي وجدت منذ القدم ،وإنما تبوأت مركز الصدارة منذ البداية بصفتها لغة القرآن والعبادات ،أي أنها لغة مقدسة، كما أنها لم ترتبط في ذهن المغاربة بفكرة امبريالية أو استعمارية كاللغة اللاتينية و القرطاجية ، ولم تنتشر بقرار من السلطة أو المخزن ،وإنما فرضت نفسها كلغة دينية وكلغة للتنظيم والإدارة1.

وقد كان ولازال القطر التونسي أشد تعربا من الأقطار المغاربية الأخرى ،فإن كانت اللهجات البربرية يستعملها أهل المغرب و الجزائر فإنها في تونس أقل انتشارا .وهذا يقودنا للحديث عن مقوم آخر للهوية التونسية وهو:

1-2-3- أصل السكان:

مثلما سلف وأن ذكرنا فقد تعاقبت عدة حضارات على بلاد المغرب العربي ،إلا أن السكان الأصليون هم البربر ،وهو اسم أطلقه الإغريق على من  يتكلمون بلغة غير لغة الإغريق ، أما البربر أنفسهم فيطلقون على أنفسهم اسم “الأمازيغ ” وهي تعني في لغتهم ” الأحرار”.

أما عن نسب تواجدهم وانتشارهم في الأقطار المغاربية نجد حسب دراسة إحصائية حول ذات الموضوع أجراها الباحث “سعد الدين إبراهيم” في تسعينات القرن العشرين توصل أن عددهم يفوق 15مليون نسمة ،أي ما يوازي خمس سكان الإقليم، فهم يشكلون 30% من سكان المغرب الأقصى ،ومابين 20-25%من سكان الجزائر  إضافة إلى توزعهم في عدة قرى بالجنوب التونسي ،وفي الركن الجنوبي الليبي2. وفي هذا الصدد نشير إلى سعي السلطات الاستعمارية إلى خلق نوع من التضاد والصراع داخل الأقطار المغاربية ، من خلال جهود المدرسة الاستعمارية التي توصلت إلى وضع نظرية “الأنصاف الشهيرة” القائمة على أن النظام الاجتماعي ليس محفوظا بواسطة الحكم المركزي  وإنما قائم أساسا بمأسسة التضاد بين الوحدات الاجتماعية ، “اللف” “Leffs ” في المغرب الأقصى و “الصف ” Seffus” في تونس والجزائر وصورتها في حالة صراع دائم حيث ينفي بعضها البعض بلعبة الأحلاف ، وذلك تماشيا مع مبدأ فرق تسد الذي عملت السلطات الاستعمارية على بثه في أوساط الشعوب المغاربية ،  كما عملت الجامعات الفرنسية على الترويج لفكرة مفادها أن القبيلة المغربية ، كوحدة منافية للدولة تماما 1.

فقد عكف مفكري الغرب (سوسيولوجيون ، أنتربولوجيون ،مؤرخون ، وجغرافيون،…) منذ الستينات على دراسة المجتمعات المغاربية لإثبات أطروحات  التحليل الانقسامي لمجتمعات المغرب العربي خاصة في المناطق الناطقة بالبربرية  في المغرب الأقصى والجزائر ، أما في تونس فإنها لا تتوفر على قبائل ناطقة بالبربرية لأنها خضعت منذ عهد بعيد لسلطة مركزية كان لها دور  أقوى مما عرفته باقي المناطق المغاربية الأخرى . إذ فقد ساعد الاستعمار الفرنسي على القضاء النهائي على الحرية النسبية التي كانت تتمتع بها آخر الفصائل القبيلة ، وقد عبر “برطلون ” عام 1984 عن استيائه من هذه الظاهرة في مقال صدر له << بالمجلة التونسية >> : << لقد وجدنا بين قابس وليبيا ما يشبه دويلة بربرية ، تعيش في شبه استقلال ، وكان من الأولى بنا أن نحافظ لها على خصوصيتها واستقلالها عوض أن نخضعها لنفوذ الباي ، إنها تعرب الآن بسبب ما فعلناه، لقد وحدنا منطقة نفوذ حكم الولاية، وحيث أننا تغافلنا عن مبدأ “فرق تسد”، فإنا هذا التوحيد لن يتم إلا على حساب مصالحنا >>.

وعليه وانطلاقا مما سبق ذكره نخلص إلى أن هذا التمازج ما بين الأصل البربري و الدين الإسلامي و اللغة العربية نتج عنه هوية مغاربية مميزة ومتماسكة 2.

وقد دافع عن ذلك “د.طاهر لبيب” الذي يرى أن الخطاب السائد حول المغرب العربي مسكون بالخصوصية ، وهذه الخصوصية تحولت من بديهية علمية إلى معتقد إيديولوجي يتجول المغربي بين شرفاته ليرى منها أبعاد مغربه تتعدد ، تمتد وتتقلص، وليواجه بها الآخر شرقا وغربا ، وهي تعني تميزا عربيا عن الغرب ومغربيا عن العرب1.

وهو ما أكده “د.محمد عبد الباقي الهرماسي” الذي يرى أن المجتمعات المغاربية مندمجة بطريقة غير موجودة في المشرق فهي متجانسة على المستوى الديني و المذهبي (إسلامية-مالكية) وأكثر من ذلك فالمغرب ينتمي بطريقة حضارية لا تقبل التقسيم ، لأنه من الناحية الجيوستراتجية هو عبارة عن منطقة حدودية ، وتاريخيا أن الثقافة في المناطق الحدودية تكون عضوية ،فهي لا تستسهل اعتبارات التميز لأنها تقف باسم المبادئ الأساسية الموجودة في العالم العربي الإسلامي2.

وإن هذه الخصوصية مابين شعوب المنطقة سوف تتطور في الفترات اللاحقة خصوصا إبان الفترة الاستعمارية ، حيث ينتقل هذا التلاحم من مجرد شعور وجداني وتقارب جغرافي أملته الطبيعة إلى مرحلة التأسيس وتأكيد الذات المغاربية التي صنعها التاريخ عبر فترات متلاحقة ،وهو ما يعبر عنه ب :

2-البعد التاريخي والاندماجي للدول المغاربية:

مثلما كان للثقافة والجغرافياأثر في تشكيل الهوية المغاربية فإن للموروث التاريخي هو الأخر دورا مماثلا في ذلك .

فبالرجوع  إلى المبادرات الأولى  الداعية إلى الاندماج والوحدة المغاربية نجد علي باشا حمية (أحد مناضلي الحركة الوطنية التونسية )أول زعيم دعى إلى ضرورة توحيد المغرب العربي في ميدان الكفاح وهو ما أكده عام 1915في برلين1.

إذ فقد عرفت دول المنطقة عدة محاولات للوحدة والنضال المشترك ،وبذلك برهنت فكرة المغرب العربي عن فعاليتها في الميدان السياسي وأصبحت بمثابة إطار مرجعي للحركات التحررية المغاربية ، وتدعيما لتلك الفكرة فقد دعى “”طلبة شمال إفريقيا “” في المؤتمر الخامس بتلمسان في نوفمبر عام 1935 إلى ضرورة تأسيس الوعي المغاربي ، الذي ليتأتى إلا بتوحيد التعليم ومما جاء في البيان <<يجب أن لا بقال أننا نعمل على إنشاء وحدة منفصلة ، كلا وألف كلا،إننا نعمل إلا على بعث وحدة عتيدة سجلها التاريخ وهو ضامنها>> ، وبالتالي فقد رافقت فكرة الوحدة المغاربية الكفاح الوطني للشعوب ، وكان عام 1958ميلادها الرسمي 2. واستمرت حتى بعد الاستقلال حيث ظهرت إرهاصات تجسيد الوحدة ميدانيا من خلال المعاهدات الثنائية رغم بعض التوترات والخلافات الحدودية، إلى غاية عام 1989 حيث تم الإعلان عن قيام اتحاد المغرب العربي3.

فالقدر في منطقة المغرب العربي لا يتوقف على الجغرافيا فقط ، وإنما هناك وحدة تاريخية بين شعوب ودول المنطقة، إذ فقد تقاسم سكان المغرب العربي الوحدة التاريخية والجغرافية إلى الحد الذي أقنعهم بحتمية صناعة المستقبل المشترك .ذلك المستقبل الذي يستند إلى مرجعيات الماضي والاعتقاد والدين والتضحيات التاريخية ومن ثم جاءت فكرة البحث عن آليات لإيجاد منظمة إقليمية تعمل على تكريس ذلك الإرث المشترك ماضيا وتؤسس لروح جديدة تصنع صورة المستقبل وتفرض أسلوبا جديدا في التعامل مع بقية العالم على أساس أنها رقعة واحدة متحدة في عناصر التكوين ومتحدة في حسابات المستقبل  والمصير[4]1 .

هذه الخلفية الفكرية والسياسية التي أوجدت منظمة اتحاد المغرب العربي، وهي المنظمة التي رأى فيها قادة المنظمة أنها وفاء منهم لتضحيات التاريخ ورأت فيها شعوب المنطقة إمكانية الانصهار داخل منظمة الاتحاد المغرب العربي.

3-اتحاد المغرب العربي: ما جمعه التاريخ فرقته السياسة

إن تلك النظرة التفاؤلية التي كانت سائدة بشأن الوحدة المغاربية أخذت تتلاشى مع مرور الوقت ، وأصبحت من الذكريات الخالدة التي حفظها التاريخ ،فإلى جانب مقومات التكامل المغاربي ، هناك العديد من  العوامل التي ساهمت في إخفاق الحلم المغاربي ، ولعل أبرزها الخلافات الثنائية بين الدول المغاربية التي استفحلت بعد الاستقلال ، سواء بسبب الحدود مثلما هو الحال بين الجزائر والمغرب والجزائر وليبيا والمغرب وموريطانيا، بالإضافة إلى القضية الصحراوية ، والتي تمثل بؤرة توتر كبيرة بين الجزائر والمغرب الأقصى 2 .

كما شكلت  قضية لوكاربي أهم القضايا التي انعكست سلبا علاقات التعاون المغاربي ، حيث بعد اصدرا مجلس الأمن القرار 774 في 31 مارس 1992 والقاضي بفرض  حضر جوي على ليبيا ، وكذا اصدرا القرار 883 بتاريخ 11 نوفمبر 1993 والذي تضمن عقوبات جديدة على ليبيا، حيث تم توسيع الحظر الجوي والعسكر ي والدبلوماسي عليها[5]3 ، ومن ثم طالبت ليبيا الدول المغاربية الوقوف إلى جانبها استنادا لما تنص عليه المادة 14*،إلا أن الدول المغاربية طبقت الحظر الجوي على ليبيا وفي ذلك دلالة واضحة على هشاشة البناء المغاربي.

وتأسيسا عم سبق إن ماتميزت به الفترة الممتدة من الحرب العالمية الأولى إلى الاستقلال بتكافل المناضلين الوطنيين المغاربة وتضامنهم نابع من وجود ثقافة واحدة تجمعهم في نضالهم ضد لاستعمار ، أما بعد الاستقلال فقد تراجع هذا المد النضالي نظرا لنهاية أسطورة وحدة المصير التي شحذت همم المناضلين هذا من جهة ، وكذا وجود مشاكل داخلية على مستوى الأقطار المغاربية مما جعل اهتمام النخب الحاكمة منصبا على مشارعها القطرية من جهة أخرى1.

إلا أن  الانعكاسات  السلبية  لبرامج التعديل الهيكلي التي الذي تبنته جل الدول المغاربية ، جعلها تسعى إلى إحياء مشروع البناء الوحدوي كبديل لأزمة الخيار القطري ، ومن ثم حسب –د.علي الكنز –أن العودة للمشروع المغاربي لا تعبر عن اختيار استراتيجي للأنظمة ، بقدر ما هو رد تكتيكي على أزمة الدولة القطرية ، فمنذ البداية ظهرت الخلافات بين الأنظمة في فهمها لمحتوى المشروع ، فبالنسبة للبعض المغرب العربي سيكون سوقا لفائضهم التجاري ، وبالنسبة للآخرين سيعطي هذا البناء دفعا للنضال ضد عنف الحركات الدينية ، في حين يرى البعض أن البناء المغاربي  هو خطوة على طريق الوحدة العربية[6]

فهذه الأسباب وغيرها هي التي أخمدت المشروع ولم يبقى منه سوى بعض اللجان التي تدرس بعض القضايا التقنية .

وكل ذلك نابع من  نظرة القادة السياسيين لمسألة اتحاد المغرب العربي الذي ترى فيه مجالا لممارسة الهيمنة والريادة للدولة المتزعمة له ،وقد أذكت هذه النظرة في أوساط شعوبها التي أصبحت تتمسك بالخصوصيات الوطنية بعدما كان الانتماء القومي يسمو على الانتماءات القطرية1، وخلق هوة مابين “مغرب الشعوب ومغرب الدول ” ، ولازالت لعبة الأشخاص هي التي تشكل أو تفكك المجموعات بعيدا عن الشعوب المغلوبة عن أمرها2.

ومن ثم فرغم جلالة مبدأ الوحدة وجاذبيتهالذي يتحدى المنطق و المعقول ، مثلما يرى “د.جلال الكعبي”،فإن بعض زعماء النضال في المغرب العربي ،لم يأبهوا بمجرد أن أمسكوا بمقاليد الحكم بعد الاستقلال من الازدراء بالعواطف الوحدوية الجياشة التي كانت تفيض بها صدور شعوبهم ،ولم يترفقوا في استعمال كل منطق ومعقول ، وكل الضغوط أحيانا للحد من تفاعل جماهيرهم مع الشعارات الوحدوية المنطلقة هنا وهناك وخصوصا من مصر بعد  ثورة ماي 1952.

وبالفعل هذا ما سعت إليه النخب المغاربية التي سعت إلى بناء دولة قطرية حددت معالمها وفق توجهاتها الإيديولوجية في محاولة لتأسيس مجتمع بمقاييس وخصوصيات مغايرة.

إذ فلأنساق الفكرية للقيادات السياسية في المغرب العربي ، أو مايمكن  تسميته بالمرجعيات الإدراكية تنظر بنوع من الشك والخوف تجاه ما يصدر عن الآخرين من سلوكيات وأفعال ، وهذا راجع –حسب د.حسينبوقارة-بالدرجة الأولى إلى الانغلاق الشديد الذي يميز تلك الأنساق الفكرية المتناقضة ، مما يشكل عائقا جوهريا عند محاولة بناء تجربة تكاملية حقيقية في المنطقة، فالتكامل يتطلب مرونة وقدرة القيادات السياسية في الوحدات المعنية على تغيير أولوياتها و مرجاعياتها من أجل الاستجابة لمنطق التكامل1.

وكذا الاستثمار في مقومات الوحدة فكرا وممارسة بالاعتماد على الاعتبارات و المعطيات الجغرافية وبالاستناد إلى الخلفيات التاريخية والثقافية وبالرجوع إلى الخبرات السياسية التي اكتسبتها الدول المغاربية قبل وبعد الاستقلال.

قائمة المراجع:

1- مالك، بن نبي، شروط النهضة، سوريا:دار الفكر، 2009، ص 27

2- حليم ، بركات ،المجتمع العربي في القرن العشرين ،بحث تغير الأحوال والعلاقات ،بيروت :معهد دراسات الوحدة العربية،2000،ص62 ) ،

3- ابراهيم ،الشريف،تاريخ تونس من عصور ماقبل التاريخ إلى الاستقلال(تر:محمد، الشاوش ومحمد ،عجينة ) تونس: دار سراس،1980،ص39-66

4 – الصادق ، الخوني (من ملامح شخصية المغرب العربي:العصور الوسطى ) سلسلة الدراسات الاجتماعية،العدد09،سنة 1983،ص147. ،تونس:دار سراس،1980،ص 39-66

5-Camille;Lacoste et Dujardin ;LiteratureBerbers :des trèsore  d’oralite Maghreb, Paris: edition  la decoverte, 1995,p180-181

6-محمد،زنيبر،(دور الثقافة في بناء المغرب الكبير)في مصطفى ، الفيلالي وآخرون، تطور الوعي القومي بالمغرب العربي،ط1،بيروت:مركز دراسات الوحدة العربية،1986.

7-محمد عبد الباقي،الهرماسي، المجتمع والدولة في المغرب العربي،ط3،لبنان: مركز دراسات الوحدة العربية،1999.

8-محمد،أركون،(الفضاءالاجتماعي والتاريخي للمغرب العربي)،في محمدعابد،الجابري وأخرون،وحدة المغرب العربي،بيروت: : مركز دراسات الوحدة العربية،1987.

9-طاهر،لبيب،(المغرب العربي بين وحدة الخصوصية وخصوصية الوحدة)، في محمد عابد، الجابري وأخرون،وحدة المغرب العربي،بيروت: : مركز دراسات الوحدة العربية،1987

10-محمد عبد الباقي، الهرماسي،(الوعي القومي في المغرب العربي ) ندوة من تنشيط محمد عبد الباقي، الهرماسيي ، في مصطفى ،الفيلالي وأخرون ،تطور الوعي القومي بالمغرب العربي،ط1،بيروت:مركز دراسات الوحدة العربية،1986.

11- علال،الفاسي، الحركات الإسلامية في المغرب العربي،المغرب:دار الطباعة المغربية،د،س.

212- محمد عابد،الجابري،<<فكرة المغرب العربي أثناء الكفاح من أجل الاستقلال>>،في محمد عابد،الجابري وآخرون، وحدة المغرب العربي،بيروت: : مركز دراسات الوحدة العربية،.1987

13-جمال عبد الناصر،مانع،اتحاد المغرب العربي ،دراسة قانونية سياسية،الجزائر:دار العلوم للنشر والتوزيع،61-112.

14-مصطفى ،الفيلالي،المغرب العربي نداء المستقبل،ط3،بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية،2005،ص24-47.

15-منتدى الأزبكية، اتحاد المغرب العربي الوحدة  التاريخية والجغرافية ، الإمارات العربية المتحدة: مركز زيد للتنسيق والمتابعة،يونيو 2001 ، ص5-6

16-عادل ، مساوي وعبد العلي ، حامي الدين ، المغرب العربي : التفاعلات المحلية والإقليمية والإسلامية، ص380

17-لعجال أعجال ، محمد لمين ،”معوقات التكامل في اطار الاتحاد المغاربي وسبل  تجاوزها” ، مجلة المفكر ، العدد 05 ، د.س ، ص 5

  • 18-علي ، الكنز ، المغرب العربي من أسطورة لأخرى ، في سمير ،أمين المجتمع والدولة في الوطن  العربي  في ظل السياسات الرأسمالية الجديدة ، المغرب العربي ، القاهرة : مكتبة مدبولي ، 1997 .

19- مصطفى ،الفيلالي،<<مفهوم المغرب العربي:تطوره تصورا وممارسة وعلاقته بالوعي القومي>>، في مصطفى ،الفيلالي وآخرون ،،تطور الوعي القومي بالمغرب العربي،ط1،بيروت:مركز دراسات الوحدة العربية،1986.

20-بشير، بومعزة،<<تأملات فكرية حول المغرب العربي>> في محمد عابد،الجابري وآخرون،وحدة المغرب العربي،بيروت: :مركز دراسات الوحدة العربية،.1987

21-حسين ، بوقارة ، إشكاليات مسار التكامل في المغرب العربي ، الجزائر: دار هومة ،2009 .

[1]1- مالك، بن نبي، شروط النهضة، سوريا:دار الفكر، 2009، ص 27

[2]2-حليم ،بركات ،المجتمع العربي في القرن العشرين ،بحث تغير الأحوال والعلاقات ،بيروت :معهد دراسات الوحدة العربية،2000،ص62) ،

[3]3- ابراهيم ،الشريف،تاريخ تونس من عصور ماقبل التاريخ إلى الاستقلال(تر:محمد، الشاوش ومحمد ،عجينة )تونس: دار سراس،1980،ص39-66

1– الصادق ، الخوني(من ملامح شخصية المغرب العربي:العصور الوسطى ) سلسلة الدراسات الاجتماعية،العدد09،سنة 1983،ص147. ،تونس:دار سراس،1980،ص 39-66

2– نفس المرجع،63.

3-Camille;Lacoste et Dujardin ;LiteratureBerbers :des trèsore  d’oralite Maghreb, Paris: edition  la decoverte, 1995,p180-181

1محمد،زنيبر،(دور الثقافة في بناء المغرب الكبير)في مصطفى ، الفيلالي وآخرون، تطور الوعي القومي بالمغرب العربي،ط1،بيروت:مركز دراسات الوحدة العربية،1986،ص144-145

2محمد عبد الباقي،الهرماسي، المجتمع والدولة في المغرب العربي،ط3،لبنان:مركز دراسات الوحدة العربية،1999،ص19

1-  محمد عبد الباقي ، الهرماسي ، مرجع سابق ،ص13-14.

22-محمد،أركون،(الفضاءالإجتماعي والتاريخي للمغرب العربي)،في محمدعابد،الجابريوأخرون،وحدة المغرب العربي،بيروت::مركز دراسات الوحدة العربية،1987،ص32.

11-طاهر،لبيب،(المغرب العربي بين وحدة الخصوصية وخصوصية الوحدة)، في محمد عابد، الجابري وأخرون،مرجع سابق،ص81

22-محمد عبد الباقي، الهرماسي،(الوعي القومي في المغرب العربي )ندوة من تنشيط محمد عبد الباقي، الهرماسيي ، في مصطفى ،الفيلالي وأخرون ،مرجع سابق،ص73

1-علال،الفاسي، الحركات الإسلامية في المغرب العربي،المغرب:دار الطباعة المغربية،د،س،ص44

22-محمد عابد،الجابري،<<فكرة المغرب العربي أثناء الكفاح من أجل الاستقلال>>،فيمحمد عابد،الجابري وآخرون،مرجع سابق،ص19-23.

3لمزيد من التفاصيل راجع:

-جمال عبد الناصر،مانع،اتحاد المغرب العربي ،دراسة قانونية سياسية،الجزائر:دار العلوم للنشر والتوزيع،61-112.

-مصطفى ،الفيلالي،المغرب العربي نداء المستقبل،ط3،بيروت:مركز دراسات الوحدة العربية،2005،ص24-47.

1-منتدى الأزبكية، اتحاد المغرب العربي الوحدة  التاريخية والجغرافية ، الامارات العربية المتحدة:مركز زيد للتنسيق والمتابعة،يونيو 2001 ، ص5-6

2-عادل ، مساوي وعبد العلي ، حامي الدين ، المغرب العربي : التفاعلات المحلية والإقليمية والإسلامية، ص380

 3-لعجال أعجال ، محمد لمين ،”معوقات التكامل في اطار الاتحاد المغاربي وسبل  تجاوزها” ، مجلة المفكر ، العدد 05 ، د.س ، ص 5

-” إن كل اعتداء تتعرض له دولة من الدول الأعضاء يعتبر اعتداء على الدول الأخرى”.*

  • 1-علي ، الكنز ، المغرب العربي من أسطورة لأخرى ، في سمير ،أمين ،المجتمع والدولة في الوطن  العربي  في ظل السياسات الرأسمالية الجديدة ، المغرب العربي ، القاهرة : مكتبة مدبولي ، 1997 ، 23،26

-نفس المرجع السابق الذكر ، 33-342

11-مصطفى ،الفيلالي،<<مفهوم المغرب العربي:تطوره تصورا وممارسة وعلاقته بالوعي القومي>>، في مصطفى ،الفيلالي وآخرون ،مرجع سابق،ص16-17.

 2-بشير، بومعزة،<<تأملات فكرية حول المغرب العربي>>فيمحمد عابد،الجابريوآخرون،مرجع سابق،ص141-147.

-حسين ، بوقارة ، إشكاليات مسار التكامل في المغرب العربي ، الجزائر: دار هومة ،2009 ، ص 62-63 -1

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى