المرأة و تولي مقالد الحكم
بقلم: أحمد المهداوي – باحث في الدراسات الإسلامية
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) هذا الحديث خلق لغظا و جدلا بين مختلف اﻷطياف و الشرائح الدينية منها و السياسية، و وضع تولية المرأة للدولة على المحك، و اتخذه الإسلاميون أو بعض ممن ينتمون إلى تيار الإسلام السياسي ذريعة من أجل إقصاء المرأة عن الساحة السياسية، و عن مزاولة المهام داخل أجهزة الدولة و مؤسساتها ، و لكن الحديث المذكور آنفا مرتبط بحادثة غير قابلة للتعميم و ليس كما يصوره الإسلاميون على أنه عام و يمكن إسقاطه على كل النساء في كل زمان و مكان، و أنه ينطبق على كل حكم نسائي للدول و يصفه بعدم الفلاح و الصلاح، و هذا منافي لسياق الحديث، فالحديث لا دلالة له على المنع من تولي المرأة رئاسة الدولة و إدارتها حيث أنه مرتبط بالواقعة التي قيل فيها، و هي تولي ابنة كسرى للإمبراطورية و قد صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم فقد سقطت في عهدها الدولة ﻷنها تولت رأس هرم الدولة لا لكفاءتها و لكن ﻷنهم لم يجدوا من يصلح للحكم، فالحديث المذكور على هذا يكون قد أخرج عن سياقه و إطاره، ثم أعيد ذكر الحديث على لسان أبي بكرة في موقعة الجمل لما قادت أم المؤمنين الجيش السائر إلى علي رضي الله عنه و حدثت المعركة و انتهت بعقر جمل أم المؤمنين و هزيمة الجيش، هنا نطق أبوبكرة و قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) و يبقى الحديث رهينا هو الآخر بالحادثة المذكور في سياقها، مع العلم أن من كبار الصحابة – طلحة، الزبير،…. – من كان في جيش أم المؤمنين رضي الله عنها و لاشك أنهم يعلمون بالحديث فكيف اتبعوها إذا ؟!
ثم إلى جانب هذا فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يستشير أم سلمة و لعل في خبر صلح الحديبية ما يغني عن التداول في ذلك، ثم إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعطى لإمرأة من قومه تدعى ” الشفاء ” حسبة السوق و لعل هذه الولاية يقاس عليها ولاية المرأة و تسييرها لشؤون الدولة، فلماذا يتم حرمان المرأة باسم الدين من مزاولة و ممارسة السياسة و التعاطي للحكم و القيادة و هي كائن كامل اﻷهلية يتمتع بالمواصفات العقلية و الشخصية التي تجعله كفئا للمنصب ؟!
و لعل الدولة في هذا العصر هي دولة مؤسسات، و لم تعد المرأة وحدها المسؤولة عن تسيير و تدبير شؤون الدولة، إذ هنالك سلطات تنفيذية و تشريعية و قضائية تتظافر من أجل إدارة الدولة، و إلى جانب هذا و ذاك يبقى أنه لايوجد نص صريح في القرآن أو السنة يحرم تولي المرأة شؤون البلاد، حيث أن القرآن الكريم نفسه أثنى على ” بلقيس ” ملكة سبأ و قال في خبرها حكاية عن الهدهد : { إني وجدت امرأة تملكهم و أوتيت من كل شئ و لها عرش عظيم } فكيف لإمرأة لاتصلح للحكم أن يكون عرشها و ملكها بهذا الوصف، و الذي لم يستغرب و لم يستنكر منه سليمان عليه السلام و لم يعقب على قول الهدهد إلا في مسألة عبادتها و قومها للشمس وترك عبادة الله وحده لاشريك له، و يثني القرآن على هذه المرأة و يتحدث عن رشدها، و حكمتها، و ذكائها، و حسن تدبيرها، و ديموقراطيتها، و عدم تفردها بالرأي بقوله سبحانه : { قالت يا أيها المﻷ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون
● قالوا نحن أولوا قوة و أولوا بأس شديد و اﻷمر إليك فانظري ماذا تأمرين
● قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها و جعلوا أعزة أهلها أذلة و كذلك يفعلون } فالقرآن قد مدح حسن مشورتها و تداولها مع أهل مشورتها في قضية كتاب سليمان عليه السلام لهم، ثم أثنى على حنكتها و حسن تدبيرها و عدم التسرع و الثبات الذهني الذي اتسمت به، ففي الوقت الذي اغتر رجالات الدولة بقوتهم و لم يحسبوا حسابا لقوة العدو و عدته، كانت هي ثابثة، كيسة، و قدمت الحيلة على الحرب، و سلكت مسلك الديبلوماسية مع الخصم، و قدرت العواقب قبل وقوعا، و قديما قيل : الناس ثلاثة : حازم، و أحزم منه، و ضعيف الحيلة، فالحازم من يستطيع التصرف عند الوقوع في المأزق، و اﻷحزم منه من يستطيع تقدير البلاء قبل وقوعه، أما اﻷخير فلا داعي لتوضيحه، و لعل بلقيس هنا كانت أكثر حزما حيث قدرت العواقب و قالت : { إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها و جعلوا أعزة أهلها أذلة و كذلك يفعلون } و في هذا الصدد يقول الطنطاوي في ” الوسيط ” : يحكي القرآن هنا لنا ما كانت عليه تلك المرأة من دهاء و كياسة و ايثار للسلم على الحرب و اللين على الشدة – انتهى كلامه -.
- فكيف يعقل أن يثني القرآن على هذه المرأة و حكمها الرشيد و لا يقبل أن تكون المرأة على رأس الدولة أو رئيسة وزراء ؟!
و في اﻷخير أنبه على أن المسألة ليست مسألة رجل أو امرأة في الدولة، و لكن مسألة كفاءة و حسن تدبير، و حنكة و تخطيط، فالمرأة مادام لها من الكفاءة، و حسن الإدارة، و التجربة ما يؤهلها لتسيير شؤون الدولة فما المانع إذا في توليها ؟!
و إذا كان القرآن و السنة لم يرد فيهما نص صريح على تحريم تولي المرأة فلماذا يتم حجر و مصادرة حقها في الولاية ؟!
و لعل بعض الدولة التي تقودها بعض النساء بمعية مؤسسات الدولة، و هياكلها، و أجهزتها أبانت عن جدارتها، و تقدمها، و عن كفاءتها و حسن صنيعها.
و المغرب يجب أن ينحى هذا المنحى و أن يعطي عنوانا للديمقراطية بتعيين رئيسة حكومة للبلاد عوض رئيس حكومة، قد خبرنا ما قدمه الرجل من رؤساء الحكومات و شهدنا صنيعهم، اليوم نحن بحاجة إلى ضخ دماء جديدة في ديموقراطية لازالت في طور النمو بتعيين امرأة رئيسة للحكومة من أجل فتح باب التغيير و السير بخطى ثابتة في طريق الديموقراطية و المساواة.