الدراسات البحثيةالمتخصصة

الفضاء العمومي الالكتروني والتعبئة السياسية الذكية

The electronic public sphere and the smart political mobilization

 

العدد الثاني مارس لسنة “2017 ” من مجلة العلوم السياسية والقانون

احدى اصدارات المركز الديمقراطي العربي

اعداد : حجيبة قاوقو – باحثة في علم الاجتماع – جامعة محمد الخامس – كلية الآداب و العلوم الإنسانية – الرباط

 

ملخص المقال:

إذا ما أردنا تحديد تسمية واصفة بدقة للحقبة التي تعيشها المجتمعات الراهنة اليوم فلن نجد أدق من “الحقبة الرقمية”. إذ أضحت الرقمنة صبغة عامة تطغى اليوم  على مختلف مناحي الحياة بما في ذلك الحياة السياسية. لذا يندرج هذا العمل في هذا السياق، حيث نروم من خلاله مقاربة إشكالية تحول مفهوم الفضاء العمومي الذي اكتسى بدوره صبغة رقمية و أمسى فضاء بديلا للممارسة السياسية. لم يعد الحديث عن الفعل السياسي يكتمل إذن إلا عبر بطه بهويات رقمية . هويات يتموقع أصحابها إزاء مختلف القضايا المطروحة على الساحة الوطنية أو الدولية ويحددون مواقفهم تجاهها جاعلين بذلك المنصات الالكترونية كفضاءات للديمقراطية المفتوحة في وضع أشبه بالأغورا اليونانية القديمة. يتعلق الأمر ب”ميدان” جديد حيث يبنى الرأي و يعبأ الأفراد.  وحيث ينطلق الحراك الرقمي ممهدا لفعل الاحتجاج في إطار نوع خاص من الحركية  توجهها “حشود وميضة” تظهر و تختفي لكن أثرالتغيير الذي تحدثه يظل مستمرا.

Abstract:

If we want to choose a label which describes precisely the current societal age, we will not find a better one than the “digital era”. This title sums up the force which overwhelms all aspects of our lives, including the political one.

Our paper is based on the reality of this pervasive digital context. It aims to tackle the problematic shift in the public sphere, which nowadays must contend with an alternative sphere of political activity: the digital world. In this virtual space people can express themselves through their digital identities. They can convey their thoughts about the different subjects raised in the national and political level. Therefore, electronic platforms have become a place of “open democracy”, similar to the ancient Greek Agora. We can talk, in this way, about a new square where public opinion will be built, a square where people will be mobilized and where digital action starts paving a path to protest. This kind of public manifestation of political engagement is evident in a special type of mobility oriented by flash mobs. These appear and disappear but their effects remain.

تقديم :

عندما نتأمل ظاهرة شيوع الإنترنيت في المجتمعات المعاصرة نجد أن هذا الشيوع غالبا ما كان يحيل ولا يزال على محمول شاع معها والتصق بها وهو “المقهى”، حيث نربط الموضوع بالمحمول لنستعمل تسمية “مقاهي الانترنيت” في إحالة إلى أماكن عمومية كان  الأفراد يمارسون فيها التواصل في البداية بكيفية خصوصية. لكن ما يوحد بين المحمول و الموضوع هو حد التواصل وتحقيق الربط بين عناصر كانت متفرقة سواء جرى الربط بشكل خصوصي أو عمومي. هذا الصنف الثاني هو الذي ارتبط تاريخيا بصورة المقهى في بعده الأكثر تقدمية على نحو يعيد من خلاله إنتاج صورة الأغورا اليونانية كفضاء للممارسة الديمقراطية المفتوحة. ولئن ” كانت المقاهي العمومية  اليوم، تختصر في كونها فضاء للتواصل الاجتماعي و الترويح عن النفس؛ فإنها فرضت نفسها في القرن التاسع عشر كفضاء عمومي اجتماعي و سياسي بديل  لنسج علاقات اجتماعية و للتعبير عن الرأي و النقاش وتبادل الحوار، و كمجال للتعبير عن الهوية؛ فضاء يعاد فيه بناء العالم عبر التفاعل مع ما تنشره الصحافة بشكل يغذي النقاش العمومي[1]، فيحول مجراه و يوجهه نحو ما يمليه اشتغال العقل في الفضاءات العمومية.

لكن حقبة الفضاء العمومي البورجوازي العزيزعلى “هابرماس” Jürgen Habermas قد راوحت مكانها و بدأت، منذ عقد منصرم من الزمن حقبة الفضاء العمومي الرقمي الذي يشكل في الوقت نفسه امتدادا وتوسيعا للفضاء الأول، وتحويرا و تحويلا له. إذ أضحى يتحدد عبر الإحالة إلى أشخاص في فضاء خصوصي يستعملون عقلهم استعمالا عموميا، بل يستعملون كل شيء على نحو عمومي و مشاع. لقد غدا الفضاء العمومي فضاء شاسعا، وأضحت الفضاءات الرقمية وعلى غرار مقاهي القرن التاسع عشر مجالا مفتوحا أمام الجميع؛ فكل فرد يمكن أن يلج إليها ويجول فيها و يقرأ ما يكتب داخلها؛ يقرأ       ويناقش لأجل مواجهة الآخر وفهمه. إنها ذلك المكان حيث يبنى و يخلق الرأي [2].

يعرف “جويل دو روزناي”Joel de Rosnay، في هذا الإطار، الفضاء الرقمي أو”الفضاء السيبيري” cyberspace بوصفه فضاء يجمع بين مكونين هما : الفضاء و الزمان الالكترونيين. فضاء تم خلقه بواسطة شبكات التواصل التي أقيمت بين الحواسيب ” [3]. و يحيل إلى صورة شبكة عالمية تربط بين كل الأدمغة الفردية المرتبطة على المستوى العالمي والتي تشكل ما يسمى ب”الدماغ الكوني” « cerveau planétaire » ، كما يدعوه “جون روزناي”؛ دماغ هجين ، بيولوجي  وإلكتروني[4]. إنه فضاء للشبكات الآلية و العضوية المترابطة فيما بينها بشكل لا متناهي، بلا حدود[5].

إن هذه الأمكنة الهجينة التي لا تنطبق عليها مقولات الفيزياء الغاليلية، و لا تتحدد بمقاييس مكانية من شأنها جعل حدودها الفيزيقية معروفة و حركة الأجسام   فيها محسوبة؛ هي ما يشكل مقاهي الزمن الراهن، حيث يكون الفرد صحبة الغير و لا يكون في الوقت نفسه. حيث يوجد و لا يوجد. حيث يختبر الوجود الاجتماعي و الفردانية في الآن نفسه دون تناقض قد يرفع الثالث بينهما، فكل الاحتمالات ممكنة.

لكل زمان، إذن، مقاهيه التي تترجم عقلية ولغة وثقافة الزمن الذي أنشئت فيه، و مقدار الأشواط التي قطعها العقل في تقدمه ليصل إليها. لذا فلئن كان للقرن التاسع عشر مقاهيهه التي استوعبت النقاش العمومي الدائر بين مواطني تلك المرحلة، فإن الفضاء الهابرماسي بمعناه الكلاسيكي كفضاء فيزيقي قد غير شكله وتلبس بملامح الحقبة الرقمية. إذ أضحت الفضاءات العمومية ترسم حدودها بأسلاك إلكترونية، و أمست المقاهي و النوادي أيضا بصيغة رقمية، تتحدد داخل فضاءات أثيرية، لا مجالية، أساسها روابط توجهها كائنات افتراضية تختزل الزمن، و تذيب المسافة، وتجعل الكل يتحرك في عالم افتراضي، لا يخضع لمقاييس المكان “الغاليلي”، لكنه يمضي بعيدا  بالزمن “الاينشتايني”.

إن هذه  اللامجالية التي تعد أخص خصائص الفضاء الالكتروني، و هذا الرابط غير المسبوق تاريخيا الذي يمنحه فرادته وتميزه، يجعلاننا في الوقت نفسه بمواجهة واحدة من أهم الإشكالات المطروحة في هذا الباب و هي؛ كيف يمكن لفضاء لا مجالي أن يصبح مجالا يجول فيه الأفراد افتراضيا فيغيروا من طبيعة مجتمعاتهم عبر روابط أثيرية يستعصي الإمساك بها ؟ كيف يمكن لمجتمع لا مادي مطبوع بالتعدد الهوياتي والوجود الاستعاري أن يخلق جماعات افتراضية تبحث عن الاجتماع داخل مجتمع افتراضي؛ فتروم إحداث التغير و قلب موازين القرارات السياسية  من داخله نحو خارجه ؟.

تسمح لنا العلوم الاجتماعية اليوم أن نميز على المستوى التنظيمي بين نوعين من الجماعات الافتراضية. تتخذ أولاهما شكل جماعات واقعية- فعلية réelles جرت ” فرضنتها ” virtualisées،       بينما تتمظهر الثانية عبر جماعات افتراضية نشأت داخل الشبكة العنكبوتية تم ولجت الحياة الواقعية الفعلية بمجالاتها المختلفة، الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية أو الفنية[6]،  لتستكمل حياتها داخلها. يفيد هذا التمييز بأن الحدود بين العالمين تتميز ب” النفاذية”[7]، كما لو أننا بصدد عملية ” تصدير واستيراد” للجماعات بين الواقعين الفعلي والافتراضي بحيث أن كل واحد منهما يعبر نحو الآخر ليمده ببعض من مكوناته ويأخذ منه في إطار عملية تبادل شبيهة بما يقع بين المجموعات الافتراضية داخل الشبكات الاجتماعية.

يصدق كلا التعريفين على الجماعات السياسية الافتراضية التي تتخذ الشكلين معا. وعليه فإن نفاذية الجدران بين الصنفين تجعلنا نقف على حقيقة كون الجماعات السياسية الافتراضية لا تنشأ بمعزل عن الواقع السياسي الفعلي أو خارجه، بل تشكل إما “امتدادا له” أو ” امتدادا نحوه”. فإما تنطلق منه مستمدة بذلك أساسها الأنطولوجي من وجوده الفعلي، أو تنطلق إليه، فتكون آنذاك مستمدة أساسها الأنطولوجي من ذاتها لتعبر به لاحقا نحو الواقع السياسي الفعلي. يفضي بنا هذا الأمر إلى أن نقر مبدئيا بوجود جسور للتواصل بين الواقعين على نحو يكون كل واحد منهما يغذي الآخر، ويتغذى منه . تأتي من هنا ضرورة التساؤل عن شكل هذا التواصل، و شكل هذه التغذية.

فإذا كانت الجماعات السياسية الافتراضية منفتحة على  المشهد السياسي وعلى ما يدور داخله بشكل فعلي، فما طبيعة هذا الانفتاح؟ وما هي  تجلياته؟ كيف تبني ذاتها  وتؤسس لوجودها انطلاقا منه؟ وكيف تعمل بالمقابل على تغذيته و التأسيس له؟ وما شكل الدينامية التي تعرفها الجماعات السياسية الافتراضية     والتي يمكن أن تؤثر من خلالها على الواقع السياسي الفعلي؟ وهل هذه الدينامية تحوز ما يكفي من القوة التي تؤهلها لأن تصبح آلية تعبوية داخل العالم الافتراضي وخارجه، أم أنها تظل محدودة الأثر والمفعول؟.

سوف نعمل على مناقشة هذه الإشكالات على مستويين. سنركز في المستوى الأول على رصد العلاقة القائمة بين الواقعين السياسيين الفعلي والافتراضي من خلال الانفتاح على نتائج الدراسة الميدانية التي أجريناها اعتمادا على موقع  الفايسبوك، بينما سننتقل في المستوى الثاني إلى مقاربة إشكالية التعبئة السياسية والاحتجاج داخل الفضاء العمومي الالكتروني، وانعكاسات ذلك على المشهد السياسي.

نشير في هذا الإطار إلى أن النتائج المقدمة في هذا الباب تندرج ضمن دراسة سوسيولوجية للشبكات الاجتماعية تركزت حول شبكة الفايسبوك من خلال نموذج لإحدى المجموعات السياسية الفايسبوكية المغربية التي تحمل اسم “تقشاب سياسي”. و قد شكلت هذه المجموعة العينة الأساسية للدراسة، حيث عملنا على جرد وتحليل محتواها الرقمي المنشور في الفترة الممتدة ما بين يناير و غشت 2013. هذا مع انفتاحنا على صفحات بعض المجموعات الفايسبوكية الأخرى لتطعيم الدراسة ك”صفحة 20 فبراير” و”13 أبريل”، و”صرخة الشعب المغربي”، و”الهاكرز المغاربة” وغيرها. كما حرصنا على دعم النتائج المحصل عليها عبر تعزيزها ببعض المقابلات الموجهة التي همت عينة مختارة من رواد صفحة الفايسبوك. وسنعمل فيما يلي على مناقشة الإشكالات التي يطرحها موضوع الفضاء العمومي الرقمي كفضاء للاحتجاج والتعبئة السياسية من خلال عرض أبرز النتائج المتوصل إليها في هذا الباب.

1- الواقع السياسي الفعلي والواقع السياسي الافتراضي أي  علاقة؟:

يقودنا الحديث عن المجتمع الافتراضي إلى حلقة وسطى تتموقع بين ما هو “محض اختلاق” وما هو موجود بشكل فعلي، وهي حلقة تؤسس لها الاستعارات أكثر مما تؤسس لها الحقائق، إذ يتعلق الأمر بعالم تختلق فيه الأسماء والرموز والصور و الهيئات والمهن، إنها باختصار حلقة بينية، هويتها “الإمكان”، حيث يكون بالإمكان اختلاق كل شيء وإعادة بنائه. هكذا نتكلم عن الأسماء والرموز والهويات المستعارة. “يتعلق الأمر، إذن، بعالم مستعار”[8]. لكن على الرغم من هذه الخصوصية التي تميز  العالم الافتراضي  فإنه يظل مع ذلك “متجذرا في الواقع- الفعلي”[9]، لأنه حتى النعوت   والصور والهويات المستعارة تعود بأصلها إلى هذا الواقع، فهي وإن لم تكن تحيل على اسم صاحبها الحقيقي، فإنها تحيل على أسماء شخوص أو كائنات أخرى لها وجود متحقق بشكل فعلي.

ولئن كان الأمر على هذا النحو فيما يخص بناء هويات الأفراد، فإن هذه الواقعية تظهر بشكل جلي فيما يتعلق بالمحتوى المنشور على صفحات المجموعات الافتراضية، إذ يدين بأصله إلى الواقع الفعلي لا الواقع الافتراضي. وهذا هو ما تبيناه من خلال تتبع ما ينشر على صفحة مجموعة “تقشاب سياسي”. وسنعرض فيما يلي لبعض النماذج التي سنحاول من خلالها أن نقف على علاقة التفاعل هذه  القائمة بين الواقعين السياسيين الفعلي والافتراضي.

نشير بداية إلى أننا في عملية الجرد قمنا بالاشتغال على المحتويات السياسية التي جرى نشرها في الشبكة منذ انطلاقها في 10 فبراير 2012 إلى حدود شهر غشت 2013. و سنركز في هذا المستوى الأول على نماذج لثلاث فترات هي شهر يناير ثم أبريل و ماي، بالنظر إلى كونها كانت الأشهر الأكثر غنى على مستوى حركة النشر.

رسم مبياني رقم 1 : اللحظات المجرودة في الفترة الممتدة ما بين 1 يناير إلى  14 ماي 2013

مجموع اللحظات المجرودة =332 لحظة

نلاحظ انطلاقا من المبيان أعلاه بأن شهر أبريل يتموقع في المرتبة الأولى من حيث كثافة لحظات النشر ب 122 لحظة نشر متبوعا بشهر يناير ب 91 لحظة نشر، ثم شهر ماي ب 74 لحظة نشر، بينما يأتي شهر مارس في المرتبة الأخيرة ب 18 لحظة نشر مسبوقا بشهر فبراير الذي رصدنا فيه 27 لحظة نشر. كيف تفسر إذن حركية النشر هذه المسجلة داخل هذه الفترات الزمنية المتابينة، وما هي دلالتها ارتباطا بالأحداث السياسية التي شهدها المغرب في هذه الفترة ؟.

تفهم هذه الحركية على ضوء الأحداث التي طبعت الساحة السياسية المغربية خلال هذه الأشهر. إذ كل شهر من الأشهر الثلاثة تميز بحضور حدث سياسي مركزي أو مجموعة أحداث حازت حصة الأسد فيما يتعلق بلحظات النشر التي خصصت لها. فإذا عدنا مثلا إلى شهر يناير سنجد أن الحدث المركزي كان مشاركة المنتخب الوطني المغربي في إقصائيات كأس إفريقيا و الذي تم تناوله كحدث سياسي لا كحدث رياضي. كما واكبت المنشورات الرقمية لهذا الشهر بعض قضايا التشهير التي شغلت بال الرأي العام آنذاك والتي كان أبطالها شخصيات سياسية حكومية اتهمت بإهدار المال العام. وتم بموجب ذلك شن حملات إعلامية إلكترونية ضدها. هذا فضلا عن مواضيع أخرى مختلفة تهم التدبير الحكومي وقضايا البرلمان والتي حظيت ب 34 لحظة نشر.

إن ما يمكن استخلاصه في هذا الصدد، هو كون ما ينشر على صفحة المجموعة السياسية الافتراضية يسير بكيفية متزامنة مع ما يقع على مستوى الواقع السياسي الفعلي في مواكبة للأحداث البارزة على الساحة الوطنية والتي تستأثر باهتمام المواطن. تتضح لنا بشكل جلي هذه المواكبة والتتبع للمشهد السياسي اليومي من خلال الانتقال إلى لحظات الجرد الخاصة بشهر أبريل، وبالضبط الفترة الزمنية التي تم فيها الإعلان عن القرار الأممي القاضي بتوسيع مهام “المينورسو” في الصحراء، وما تلا ذلك من تداعيات على المستويين الوطني والدولي. إذ استأثر هذا الموضوع ب17 لحظة نشر متموقعا بذلك في المرتبة الأولى مقارنة بغيره من المواضيع. وقد تركزت هذه اللحظات في الفترة المتراوحة ما بين 17  و 23 أبريل، وهي فترة ما بين اندلاع الأزمة وانتهائها، أي الإعلان عن القرار والتراجع عنه.

ويضاف إلى قضية الصحراء، حدث آخر جاء في المرتبة الثانية فيما يخص عدد لحظات النشر وهو زيارة الرئيس الفرنسي “فرانسوا هولاند للمغرب” وما تلاه من تداعيات جراء بث القناة الفرنسية “كنال بليس”Canal Plus لبرنامج تلفزي اعتبره رواد العالم الأزرق يسيء إلى رموز المملكة، حيث استأثر ب 9 لحظات نشر. كما عرف هذا الشهر شن مجموعة من الهاكرز المغاربة والعرب لهجمات إلكترونية على عدد من المواقع الإسرائلية وهو الموضوع الذي خصصت له 4 لحظات نشر، هذا فضلا عن عدد من القضايا الأخرى المتعلقة بالحكومة والتي استأثرت بحوالي 22 لحظة نشر.

وإذا ما انتقلنا إلى شهر ماي خاصة الأربعة عشر يوما الأولى منه، فإننا نلاحظ أن هذه الفترة على الرغم من قصرها فقد عرفت تسجيل 74 لحظة نشر. حاز فيها موضوع “انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة” نصيب الأسد ب 15 لحظة نشر، متبوعا بقضايا الإعلام المغربي العمومي عبر انتقاد المواد التي يقدمها و التي اعتبرها المشاركون في الصفحة تشكل تهديدا للقيم المغربية، وهو الموضوع الذي حاز7 لحظات نشر. هذا فضلا عن بعض القضايا الحكومية الأخرى المختلفة التي  همت تحركات الحكومة و سياسية الحزب الحاكم ، وهي المواضيع التي تم التطرق إليها في 9 لحظات نشر.

وإن كانت لحظات النشر هذه تكشف عن خصوصية ما فهي بروز التوجه الأيديولوجي لمدير الصفحة وكذا عدد من الناشرين الذي يساهمون معه في هذه العملية من خلال المقالات والتعاليق التي تخصص لهذا الغرض. و يتضح ذلك خاصة في انتقاد للتوجه الإعلامي والفني  استنادا إلى خلفية دينية يحكمها توجهين؛ إما توجها “عدليا” أساسه القاعدة الأيديولوجية ل”جماعة العدل و الإحسان”، كما يبدو من طبيعة الموارد المنشورة و تعليقات متواترة لعدد كبير من المعلقين، أو توجها ثانيا أساسه القاعدة الأيديولوجية لحزب ” العدالة والتنمية “.

ويضاف إلى كل ذلك فئة ثالثة من المشاركين غير منضوية في أي من هذين التيارين، ولكن تكشف عن ثقافة محافظة محكومة بخلفية دينية إسلامية ، تندرج داخلها فئة عريضة من المعلقين الذين ينساقون وراء الناشر في نقده هذا، لكن بخلفية مختلفة. إذ لا نعاين سوى نسبة ضئيلة من المشاركين الذين يخرجون عن هذا التوجه الناقد للإعلام ارتباطا بموضوع “العري” الذي يثار بشكل مكثف وفي مناسبات مختلفة    و يتم ربطه هو الآخر بسوء تدبير الحكومة للقنوات العمومية التي تمول من أموال المواطنين على حد تعبير بعض المعلقين .

إن ما يمكن أن نستشفه انطلاقا مما سبق هو مدى وثاقة العلاقة التي تربط بين الواقع السياسي الفعلي،       والواقع السياسي الافتراضي كما هو منشور على الصفحات الفايسبوكية  التي لا تعدو كونها مجرد مرآة تعكس مشاهد الواقع عبر الصورة و الصوت و النص المكتوب، بل هي تصوير للمشهد السياسي وحكي له. إلا أن هذا الحكي لا يتم بشكل محايد، بل يأتي ممزوجا بخلفيات الناشرين و المعلقين  و المؤولين الذين يختارون أن ينتقوا موردا دون آخر و صورة دون أخرى ونصا دون الآخر. ويختارون التركيز على زاوية أو رمز أو كلمة دون غيرها، فتختلف بذلك قراءاتهم وفهمهم لهذا الواقع المرصود تبعا للزوايا التي قدم بها، والقراءة التأويلية الخاصة للمبحر على الصفحة.

إن هذه المواكبة التي نعاينها للمشهد السياسي على واجهات الصفحات الرقمية  هي التي أشار إليها عدد من المبحوثين الذين أكدوا في هذا الصدد بأن “هناك يقظة مستمرة، و تتبعا دائما للأحداث السياسية”،     و بأن “الواقع يشكل المرجع الدائم لهذه الصفحات التي تنطلق منه لتعود إليه. لذلك فالعالم الافتراضي هو تجل للواقع الذي ينكشف عبر عدد من الأحداث التي تليها موجة من التعليقات و المساءلات” على حد تعبير أحد المستجوبين. لذا يشكل الواقع السياسي الفعلي المعين الذي ينهل منه الواقع السياسي الافتراضي  ومن دونه لن يجد مادته الخام التي عليها يؤسس خطابه.

يظهر الفضاء الالكتروني إذن، بوصفه مكانا تنكشف من خلاله ردود الفعل بخصوص ما ينشر في الفضاءات الرسمية  و على الخصوص في وسائل الإعلام، إذ أصبح المبحرون يجعلون منه مكانا لتداول الأفكار السياسية و مواجهة بعضها ببعض. فضاء تجتمع فيه كافة الأحزاب لتبادل النقاش بناء على قاعدة نظرية متساوية[10]، فيحضر كل حزب عبر بعض ممثليه و مناضليه و أيضا عبر معارضيه. هي إذن تيارات سياسية متعارضة حولت وجهتها من الفضاء العمومي الفعلي نحو نظيره الافتراضي باعتباره الفضاء البديل للتعبير عن ممارسة سياسية جديدة  تؤكد حضورها عبر التواجد افتراضيا في العالم.

تسمح الشبكات الاجتماعية إذن من خلال صفحاتها السياسية “بتوسيع مجال الفضاء العمومي”[11] عبر مد جسوره من الواقع السياسي الفعلي في اتجاه الواقع الافتراضي، و فتح مساحات إضافية تملأ الفراغات التي يخلفها الإعلام الرسمي و السياسة الرسمية. لأن ” المجتمع السياسي يفترض شيئا أكثر من مجرد ثلاثين دقيقة يوميا على القنوات التلفزية أو ثلاثين صفحة على الجرائد “.[12] و لأن المواطن منظورا إليه ككائن سياسي مدعو للمشاركة و الانخراط الفعال في الدائرة العمومية.

نستنتج إذن انطلاقا مما عرضنا له أن الدخول إلى العالم الافتراضي و التموقع داخل صفحاته السياسية لا يعني الخروج من الواقع السياسي الفعلي و لا يعني الانسحاب منه، بقدر ما يفيد التغلغل داخله و الانغماس فيه. فأن تكون افتراضيا معناه أن تكون راهنيا و آنيا في مواكبتك للحدث، أن تكون في قلبه، وتشارك في صنعه عبر التعليق عليه، والتداول بشأنه، و توزيعه و نشره  بل حتى تحويره  و معاودة إنتاجه بصيغتك الخاصة. لأن درجة النفاذية بين الواقعين الفعلي و الافتراضي أصبحت كبيرة إلى الحد الذي صارت معه المعلومة  تصل إلى الصفحات الرقمية قبل وصولها إلى صفحات و شاشات الإعلام الكلاسيكي.

لذا فإننا ونحن نتأمل محتويات الشبكات الافتراضية و ما ينشر على صفحاتها  نقف على حجم الجسور القائمة بين الواقعين، بحيث لا يشكل المرور من الحياة السياسية نحو الشبكة الافتراضية قفزة انتقالية تؤسس للقطيعة بين عالمين منفصلين، بل مجرد لحظة عبور على ممر يربط بين واقعين يشكل أحدهما انعكاسا للثاني و إثراء له. لذا فسيناريو الحدث وهو في لحظة البدء و التطور ثم إدراك نقطة النهاية كل ذلك ينعكس على صفحات المجموعات السياسية لحظة بلحظة، بالصورة و الصوت و الكتابة كما حدث في فضائه الطبيعي، مع فارق واحد، هو أن الحدث داخل العالم الافتراضي تصبح له حياة أخرى حالما ينشر و تبدأ لحظة التفاعل معه حيث تتوالى التقاسمات والتعليقات و التأويلات والانتقادات منتجة خطابات في غايات التنوع و التضارب تستمر في الاغتناء و الحركية إلى الحد الذي قد تخلق حراكا من نوع آخر يولده المحتوى المنشور والخطاب الذي يبني على هامشه.

تتبدى لنا هذه اللحظات التي سقناها و نحن نتأمل معطيات جداول تفريغ لحظات النشر[13]حيث نلاحظ كيف أن بعض الأحداث السياسية البارزة التي طبعت الساحة الوطنية، كان حضورها داخل الواقع السياسي الفعلي يوازيه حضورا مماثلا داخل الفضاء الافتراضي. يمكن أن نستحضر في هذا السياق قضية الصحراء ثم حدث انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة وغيرها من الأحداث الأخرى التي عاشت لحظة الانطلاق و التطور، ثم لحظة انفراج الأزمة ، وهو مسار يتم تتبعه داخل صفحة المجموعة لحظة بلحظة كما يعكسه التسلسل الزمني للتواريخ، وتسلسل الأحداث على مستوى مضمونها.

ويوازي هذه المواكبة للأحداث على مستوى النشر، مواكبة أخرى للمشاركين على مستوى التفاعل مع ما ينشر، إذ لا تمر هذه اللحظات صامتة، بل تمر مصحوبة بتدفقات من التعليقات، تؤشر على أن مواطني العالم الرقمي لا يكتفون بتأكيد حضورهم عبر هويات مستعارة، بل يتعدون ذلك إلى التعبير عن حضورهم عبر إثبات مواقفهم إزاء ما ينشر بالموافقة أوالرفض وتقديم الحجة متى لزم الأمر ذلك والإعلان عن كونهم مواكبين لراهنية الحدث.

فإذا كان الفضاء العمومي الالكتروني يشكل انعكاسا للواقع السياسي الفعلي الذي ينهل منه موارده على اختلاف أشكالها مؤرخا بذلك لأهم لحظاته التي يسجلها ضمن ذاكرته الرقمية؛ و إذا كان مواطنو هذا الفضاء يثبتون حضورهم عبر التفاعل و المشاركة في النقاش العمومي الالكتروني حول الموارد المنشورة؛ فهل هذه الدينامية التي يشهدها هذا الفضاء تظل منحصرة ضمن المجال الافتراضي؛ أم تتعداها إلى الواقع الفعلي؟ وهل يصدر الفضاء الرقمي هذه الدينامية وهذا الخطاب الذي ينتجه  نحو الفضاء السياسي الفعلي، كما يستورد منه أم أنه يأخذ دون أن يعطي؟ وهل ما ينشره من موارد بين مرتاديه وما يخلقه من حركية في النقاش بينهم كافية لأن تعبئ القوى نحو الفعل وخلق التغيير، أم أن المكتوب     والمنشور يظل حبيس الصور والسطور؟.

2- الشبكات الافتراضية كفضاء  عمومي للاحتجاج و التعبئة السياسية:

يتحدد الفضاء العمومي بوصفه ذلك الفضاء الذي يجري فيه تبادل خطابات فاعلين متعددين يشكلون مجتمعا، إنه ذلك الفضاء الذي يتم فيه التعبير عن الآراء بكيفية عمومية  وحرة من طرف الأشخاص الذين يستهدفون من وراء ذلك التأثير في الأنشطة التي تقوم بها حكوماتهم. يمكن  القول استنادا إلى هذا التعريف بأن هذه الفضاءات العمومية قد تكون فعلية كما هو الحال في احتجاجات سياتل وكيبيك، كما يمكن أن تكون افتراضية كما هو الحال في الفضاءات العمومية الجديدة [14] والتي أضحت ملتقى يجتمع فيه الأفراد لتبادل النقاش بشكل إلكتروني حول القضايا السياسية الراهنة التي تهمهم سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

لقد أصبح الفضاء العمومي، إذن، يتخذ بعدا جديدا بفعل تزايد عدد المجتمعات الافتراضية، وأضحى في اتساع دائم[15]، لكن بقدر اتساعه، بقدر ما يلحقه من تشظ جراء تعدد الجماعات التي تنشط داخله، وتوزعه فيما بينها. لذا  فهذا الامتداد و التشظي جعل البعض يستشعر خطر هذا الوضع على عملية التفاعل و التبادل الإنساني، الأمر الذي حدا بباحث ك” كاس سونستاين “Cass.R.Sunstein إلى الحديث عن “نهاية مفهوم الفضاء العمومي” بالنظر إلى كون الأفراد عوض أن يرتبطوا بأشخاص آخرين داخل فضاء عمومي فسيح، فإنهم يرتبطون بأقربائهم، أو أولئك الذين توجد أشياء مشتركة يشاطرونهم إياها[16]، فيغلقون على أنفسهم داخل فضاءات رقمية صغرى تعزلهم عن غيرهم من المنتمين إلى جماعات افتراضية أخرى.

يتضح هذا الأمر من خلال فضاءات المدونين التي تهتم بالمجال السياسي، و التي تتجه نحو الالتفاف حول نفسها و الاجتماع مع بعضها البعض عوض الانفتاح على الخارج، وهو ما يؤدي إلى خلق ما يسميه “سونستاين” ب”شرنقات المعلومة”، فكل فرد أصبح لديه القدرة على أن يشكل عالمه الخاص الذي يؤسسه بناء على رغباته الخاصة و ميولاته وأذواقه و اتجاهاته إلى الحد الذي يستغني فيه عن الحاجة إلى الوسيط التقليدي، أي الارتباط بالآخرين على نحو يظهر الانتماء إلى مجتمع ما[17]  بمعناه الواسع الذي يقتضي الانفتاح والارتباط بجماعات متعددة و متباينة من حيث اتجاهاتها واهتماماتها وميولاتها.

يفضي هذا الأمر إلى إقرار نوع من الانغلاق الهوياتي داخل جماعات افتراضية تنكمش كل منها على نفسها، وتحتكر ما تنتجه أو ما تحصل عليه من معلومات ضمن حدودها الخاصة دون الانفتاح على غيرها من الجماعات الأخرى، وهو ما من شأنه أن يقلص من هامش التعبئة و الانخراط السياسي الذي يتعزز عبر الولوج إلى المعلومة وتقاسمها  ونشرها على أوسع نطاق تمهيدا للمباشرة في الفعل . يستلزم منا هذا الأمر أن نعيد مساءلة هذه الجماعات السياسية الافتراضية قصد الوقوف على مدى رجاحة هذا الرأي الذي يقول به “سونستاين”، لنرى إن كانت تكرس بالفعل مبدأ الانغلاق الهوياتي الذي يجعل التعبئة مؤجلة،     و يحول دون بروز دينامية سياسية حقيقية.

فإلى أي حد يمكن الذهاب بأطروحة “شرنقة المعلومة” هذه؟ وهل تسمح لنا دينامية حركة النشر والتفاعل مع المحتويات السياسية داخل الجماعات الافتراضية بإقرار وجود نظام “شرنقي” مستمر، يجعلها دائمة الانزواء على ذاتها دون إمكانية الانفتاح على الواقع السياسي الفعلي، أم أن هذا النظام لا يعدو كونه مرحلة عارضة ومؤقتة تسبق التحضير لبداية التحرك والفعل داخل الميدان؟ وهل بإمكان نظام الشرنقة هذا أن يفضي إلى إنتاج تعبئة فعلية وانخراط حقيقي يتجاوز حدود الفضاء العمومي الرقمي نحو نظيره الفيزيقي ليؤثر فيه و يعيد صنع قرارته؛ أم أنه يظل حبيس شرنقته شأنه في ذلك شأن “اليرقات” غير كاملة النمو التي تنتهي حياتها داخل بيتها المؤقت؟.

سنعمل على مقاربة هذه الإشكالات من خلال الانفتاح على نتائج الجرد في مرحلة زمنية ثانية تتموقع في  الفترة الممتدة ما بين 1 و 7 غشت 2013  لنقف على الحركية التي عرفتها الصفحة خلال هذه الفترة في إطار التفاعل مع أحد الأحداث الهامة التي طبعت المشهد السياسي المغربي عقب صدور قرار العفو عن الاسباني “دانيال فينو غالفان” الذي سبق و حوكم بقضية اغتصاب 11 طفلا بمدينة القنيطرة، وصدرت في حقه عقوبة سجنية ممتدة لثلاثين سنة نافذة. وقد خلفت قضية العفو هذه ردود فعل قوية داخل الصفحة تمثلت في حركية غير مسبوقة لم تعرف لها مثيلا منذ بدايتها، بحيث وصل عدد لحظات النشر الخاصة باليوم الواحد إلى أرقام مرتفعة لم تسجل في أي وقت سابق. ونعرض فيما يلي لنتائج الجرد

الخاصة بهذه الفترة.

رسم مبياني رقم 2 : لحظات النشر الخاصة بموضوع العفو عن الاسباني دانيال كالفان

مجموع لحظات النشر= 186

يتبين لنا انطلاقا من معطيات المبيان أن عملية النشر غطت أسبوعا بأكمله  منذ الإعلان عن خبر  العفو  يوم 1 غشت و هو اليوم الذي شهد  أكبر عدد من حيث لحظات  النشر التي وصلت إلى 54 لحظة، لتتقلص بعد ذلك في اليومين المواليين مسجلة 20 لحظة في اليوم الثاني من غشت، و39 لحظة في اليوم الثالث، ثم تعاود الارتفاع مجددا يوم 4 غشت لتصل إلى 48 لحظة، لتبدأ بعد ذلك في الانخفاض وصولا إلى اليوم السابع  حيث ستتوقف عملية النشر حول الموضوع وتتجه نحو مجالات أخرى.

ما يلاحظ في هذا الإطار هو مدى التركيز الذي شاب التعامل مع هذا الموضوع. إذ ما عيناه هو أنه منذ انطلاق  صفحة تقشاب سياسي لم تفرد فترة بأكملها للنشر في موضوع معين مهما بلغت درجة أهميته، بل كانت الفترة التي يطغى عليها حضور موضوع معين تتخللها بشكل مستمر لحظات نشر تخصص لمواضيع أخرى مختلفة تنتمي إلى مجالات متباينة. لكن الأمر اختلف فيما يتعلق بطبيعة التعاطي مع هذا الموضوع والذي استأثر بجميع لحظات النشر على امتداد أسبوع بأكمله.

ولقد وقفنا من خلال تتبعنا لسيرورة النشر على امتداد هذا الأسبوع على مرحلتين أساسيتين يمكن التمييز بينهما داخل هذه السيرورة. الأولى وهي مرحلة التعبئة الرقمية أي ما قبل احتجاج الشارع  ثم المرحلة الثانية و هي التي تم بموجبها الانتقال نحو الاحتجاج الفعلي. حيث تأهب مدير الصفحة وعدد من المدونين والناشرين والمعلقين لأجل خلق حركة تعبوية افتراضية  لدفع الأفراد إلى نقل الاحتجاج من الفضاء الافتراضي إلى الساحات العمومية الفعلية قصد الضغط على الجهات العليا لأجل إعادة النظر في القرار المتخذ.

فانطلقت حملة على موقع الفايسبوك في 1 من غشت تحت شعار “لا للعفو عن مغتصب الأطفال” مع الدعوة إلى المشاركة فيها عبر الهاشتاغ   #‏لا_للعفو_عن_مغتصب_الأطفال#.  كما تم خلق عريضة إلكترونية لجمع توقيعات الفايسبوكيين الرافضين لقرار العفو . واستمرت دعوات المشاركة في الهاشتاك لمدة أربعة أيام متتالية، بلغت ذروتها في اليوم الرابع ب 34 دعوة، حيث وصل مجموع الدعوات المنشورة على الصفحة 111 دعوة توقفت مع صدو ر بلاغ  الديوان الملكي القاضي بمراجعة  قرار العفو في اللحظة 158.

لذا فإن كنا قد وقفنا في المحور السابق على حقيقة كون الفضاء العمومي الافتراضي يتغذى على ما يستورده من موارد يستجلبها من الفضاء العمومي الفعلي والتي تشكل مادته الخام التي عليها يبني مناقشاته وعلى ضوئها ينتج خطاباته الالكترونية، فإن ما نصل إليه انطلاقا من هذا النموذج المقدم هو كون الفضاء العمومي الإلكتروني يعمل بدوره على تغذية الواقع السياسي الفعلي عبر هذه الموارد التي ينشرها، والخطابات التي ينتجها. وتلعب هذه الموارد و الخطابات المنتجة دورا تعبويا للكائنات الرقمية التي تتفاعل معها، وتؤكد هويتها السياسية على ضوئها من خلال تبني مواقف إزاء ما ينشر وما ينتج. فتتهيأ بذلك للفعل باعتباره أوج المرحلة التي يصل إليها الخطاب الإلكتروني عندما يدفع بمناضليه إلى مغادرة الشاشات الرقمية الافتراضية و الخروج إلى الساحات و الميادين الفعلية.

إن هذا يعني أن المتخيل الموصول بالشاشة، بحسب ما يرى”لوبرتون” D.Le breton, في كتابه “الوداع للجسد”، ليس مجرد حلم منفصل عن الأشياء و لكنه يشكل مبدأ للواقع، فهو يغذي العلاقة بالعالم، بل هو أقوى من الحياة التي يعيشها الفرد في الواقع، ذلك أنه يتحقق داخل دائرة يتحكم فيها الفرد بشكل كلي وإرادي”[18]، فهو الذي يقرر الانخراط بشروطه الخاصة، وبناء على رغبته الذاتية من دون أي إملاء خارجي. ينخرط وهو في بيته وعبر فعله على المنصات الرقمية من دون الحاجة إلى بطاقة هوية رسمية. هكذا تكون دوافعه أقوى نحو الخروج بفعله من مستوى الكمون إلى مستوى الانكشاف ك”ظاهر” يتم التعبير عنه بشكل فعلي  يثبت من خلاله وجوده ككائن فاعل،  يتجاوز حضوره مستوى الواقع الافتراضي إلى الواقع المادي.

لا تحيل إذن الحياة السياسية داخل الواقع الافتراضي على مجرد حياة مجردة أو صور هلامية تتغذى على الخيال والاستيهام، بقدر ما هي حياة متجذرة داخل الواقع، تنطلق منه و تعود إليه. وقد أكد المبحوثون على هذا الأمر حين ذهبوا إلى الإقرار بأن الفايسبوك يقدم فكرا يؤثر على الواقع، وخير مثال على ذلك في نظرهم هو ما حدث في ” الربيع العربي” حيث أن الكثير من الأحداث و تواريخها، وخطواتها النضالية تحددت على صفحات الشبكة الفايسبوكية التي غيرت الأوضاع في مصر وعبأت الشباب، ونجحت في القيام بما عجزت عنه الآليات التقليدية التي لم تعد قادرة على التأطير ولا التعبئة”، وأصبحت تعوضها في ذلك الصفحات السياسية الالكترونية.

إن هذا هو ما عايناه بالضبط من خلال نموذج “حركة 20 فبراير” حيث بدأت التعبئة و الاحتجاج في العالم الافتراضي قبل أن تنتقل إلى الميدان. وانطلق هذا العمل عبر البيان الذي أعلنته الحركة على صفحتها الرئيسية و الذي دعت فيه إلى الخروج يوم 20 فبراير من أجل المطالبة بالتغيير السياسي. وقد استجاب الآلاف من المواطنين المغاربة لهذا النداء، خاصة الشباب الذين نزلوا إلى الشارع للتعبير عن مطالبهم، وتمخضت الاحتجاجات تحقيق عدد منها ، وتغيير الخارطة السياسية بالمغرب عبر التعديلات الدستورية و الحكومية التي تمت على هامش ذلك.

كما نتبين هذا الأمر بجلاء انطلاقا من تأمل النموذج الذي قدمنا له والمتعلق بالعفو الملكي الصادر في حق الاسباني “كالفان”حيث نعاين كيف أن الواقع السياسي الافتراضي، و الواقع السياسي الفعلي يغذيان       ويطعمان بعضهما البعض. فلقد صدر قرار سياسي فعلي، انتقل بسرعة إلى الفضاءات الالكترونية،       و انتشر داخلها، فانطلقت في الساعة نفسها عملية التعبئة السياسية التي التمست جميع الوسائل الممكنة لأجل إقناع الرأي العام بضرورة التحرك قصد مراجعة هذا القرار. ولقد عاينا في هذا الإطار كيف أنه في ظل سبعة أيام تم إنتاج وتداول 24 شريط  فيديو تقدم روبورطاجات و أفلام وثائقية لها علاقة بالموضوع، بالإضافة إلى 94 صورة في الشأن نفسه، فضلا عن المقالات، والتعليقات، والنص المكتوب عموما بأشكاله المختلفة.

كما اتسمت عملية التعبئة هذه بمواكبة دائمة على مدار الدقيقة لكل التطورات التي تهم الملف والتي يتم نشرها في التو و اللحظة، وهو ما يفسر الأرقام المسجلة على مستوى لحظات النشر في الأيام الأربعة الأولى التي كانت تفصل ما بين صدور العفو ثم التراجع عنه. وتمثلت هذه المواكبة في تتبع تحركات “الجاني” داخل الوطن وخارجه، وتحركات الديوان الملكي عبر البلاغات الصادرة في هذا المضمار فضلا عن تصريحات ومواقف أعضاء الحكومة و وزرائها وكذا المجتمع المدني ممثلا في أبرز جمعياته التي تعنى بقضايا الاغتصاب وهي”جمعية ماتقيش ولدي”، فضلا عن تحركات الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان.

كما لم يبخل مدير الصفحة و روادها بأي من الأدوات الرقمية لأجل تحريك الملف، وتعبئة المبحرين عبر الإعلان عن تنظيم وقفة احتجاجية، وتغيير أيقونة الصفحة، ودعوة المشاركين و الزوار إلى القيام بعمل مماثل، و المبادرة بخلق الهاشتاك وتعزيزه بحملة العريضة الإلكترونية التي شهدت انخراطا حقيقيا وفعليا للأفراد الذين تجاوزوا مستوى الهويات المستعارة، ليكشفوا عن هوياتهم الحقيقية عبر صورهم الواضحة التي تظهر مرفقة بعريضة “اللاءات للقرار” وكأنهم بذلك يعلنون أنهم تجاوزا كل مستويات الرهبة التي تمليها الرقابة الالكترونية عبر التخلي عن الأقنعة و الصور المستعارة.

وعليه، فإن كان التعمق أكثر في الحياة الافتراضية في نظر “شيري توركل sherry Turkle يتمخض عنه فقدان أصحاب الهويات الافتراضية للوعي بإكراهات الحياة الواقعية، والعيش خارج المجتمع، رافضين الواقع وواهبين حياتهم لشخصيات العالم الافتراضي”[19]، فإننا نلمس العكس  ونحن نعاين حركية الأفراد داخل صفحات المجموعات السياسية. إن هذا يعني أن الصورة التي يرسمها “سفيز”L.Sfez” للانغلاق الهوياتي الذي يتهددنا بفعل الحاسوب”[20]، لا تصدق هنا، في المثال الذي قدمناه، و الذي يبين لنا  كيف أن المواطن الرقمي تتحدد هويته ككائن منفتح على المشهد السياسي، متفاعل معه، وفاعل فيه، يستورد منه بقدر ما يصدر إليه، يلاحظ و يتتبع ما يطرأ فيه، ثم يبادر بالرد، والانخراط ثم الفعل.

لذا فلئن كان العالم الافتراضي من شأنه أن يفضي إلى أفول الالتزام السياسي لكون الفرد يسهل عليه الانتماء إلى عدد من الجماعات الافتراضية، كما يسهل عليه الانسحاب منها من دون أن يخسر أي شيء[21]، وهو ما يجعل الالتزام يظل في الغالب أقل قوة[22]، فإننا نستشف على ضوء ما قدمنا من معطيات بأن درجة الانخراط، و قوة الالتزام، تتحدد بالنظر إلى  طبيعة الحدث لا بالنظر إلى طبيعة المجتمع؛ إذ كلما كان وقع الحدث كبيرا على المواطن، ويمسه بشكل مباشر كلما ارتفعت درجة تقمصه  له  و انخراطه فيه والتزامه به إلى الحد الذي يجعله يتجاوز حدود الفضاء الإلكتروني، ليباشر الفعل داخل الواقع السياسي الفعلي حيث ينقل احتجاجه آملا في تغيير هذا الواقع الذي يندد به.

إننا لا نعاين بهذا الشكل إذن نوعا من الانسحاب من الفضاء العمومي و الابتعاد عن العالم السياسي واللجوء إلى المواقع الافتراضية كمهرب من إكراهات الواقع الفعلي، بل نعاين”وفرة في المشاركة “[23]، تتمظهر عبر “شبكات مواطنة”[24] تتشكل من خلال مشاريع الفاعلين الذين يبحثون عن تأسيس أنفسهم داخلها كمواطنين للتاريخ الجديد الذي يسهم كل مواطن في صياغته عبر انخراطه الفاعل، ومشاركته في تغيير القرارات وصنعها، مكرسا بذلك مبادئ الديمقراطية التشاركية التي تتجاوز مستوى النخب الفاعلة لتحتوي كل المواطنين في نخبة واحدة أساسها قاعدة عريضة من الشعب كيفما كانت ثقافتها، عالمة أو عامية، لا إحدى الأقليات التي تمثل “أنتلجنسيا” الفضاء العمومي.

لكن ينبغي التنبيه إلى أنه بالرغم من هذا التساوق و التآثر الحادث بين الواقعين السياسيين الفعلي       و الافتراضي، الذي أقررناه هاهنا، فإن هنالك حالات يضعف فيها هذا الأمر. وهذا  هو ما لاحظناه في فيما يتعلق بالإعلان عن الاحتجاج  المفترض ل13 يناير 2013؛ وهي الملاحظة نفسها التي أشار إليه بعض المبحوثين الذين أكدوا في هذا الصدد بأنه ليس كل المشاركين في الصفحات السياسية يأخذون الأمور بجدية، و يعبرون عن الدرجة نفسها من الانخراط و الالتزام. ويكفي هنا أن نعاين ” عدد الذين ضغطوا على زر الإعجاب بخصوص الدعوة إلى التظاهر وعدد الذين خرجوا فعليا، إذ “كان رجال الأمن  في الموعد وغاب المحتجون” كما صرح بذلك أحد المستجوبين.

إن تفسير هذا الأمر مرده في نظرنا إلى سببين:  يرتبط الأول  بطبيعة الحدث نفسه أي بحسب أهميته و قوته، إذ أن قرار الاحتجاج هنا  أعقب فترة من الإصلاحات السياسية أنجزت على هامش الحراك السياسي الذي شهده المغرب بعيد 20 من فبراير، كما أنه جاء بعد معاينة الأفول الذي عرفته الحركة، و تواري زعمائها إلى الظل بعد سلسلة من النضالات، أسفرت في النهاية عن تفككها، وتوزعها إلى عدد من المجموعات الصغرى. تقودنا هذه الملاحظة إلى استحضار السبب الثاني الذي يورده”كاستلز” والمتعلق بالفسحة الكبيرة التي يمنحها الفضاء العمومي للأفراد للانتماء إلى جماعات متعددة والانسحاب منها في أي وقت دون أي التزام، الأمر الذي يجعلنا أمام نوع من الترحال الهوياتي الذي يستعصي معه ضبط الانتماءات السياسية للأفراد ومعرفة مدى التزامهم بقضايا الجماعة الافتراضية. لذلك فعدد علامات الإعجاب لا يحيل ضرورة إلى عدد المنتمين أو المناصرين الفعليين.

إن هذا النوع من الأفول في الالتزام السياسي الذي ينبه إليه “كاستلز”، هو ما عايناه ارتباطا بحركة 20 فبراير، لذلك ذهب بعض المبحوثين في هذا الصدد إلى الإقرار بأن ” الواقع السياسي الافتراضي يؤثر على الواقع الفعلي و لكن على نحو شكلي ،أحيانا، إذ يتحدد حجم الاحتجاج و التغيير تبعا لحجم الضرر الذي يلحق فئات المجتمع. فحركة 20 فبراير،مثلا، عجلت بالإصلاحات السياسية، و قادت إلى تعديل دستوري، لكن يظل التأثير محدودا، إذ ليست كل فئات الشعب تعيش الوضعية الاجتماعية نفسها” وهو ما يجعل الاحتجاج يظل محصورا وضيقا، وغير متوافق عليه من لدن الجميع.

لذا، فلئن كانت “الحركات الاجتماعية  تأتي كرد فعل على  الأزمة السياسية”[25] ، فإنها أيضا نتاج لمسار من التعبئة و النضال المتواصل على مدار الساعة وليست مجرد “نداء مبهم و ملغوم”على حد تعبير”مدير صفحة تقشاب سياسي” في معرض تعليقه على فشل الدعوة إلى الاحتجاج. وعليه، فإن كانت حركة 20 فبراير وقضية العفو قد تعكسان لحظتي حرج في المسار السياسي بالمغرب، وتحيلان على حركة تعبئة قوية، استتبعها نقل الاحتجاج من الفضاء الالكتروني نحو الفضاء الفعلي، وإثمار تحركات المواطنين في الشارع  عن عملية تغيير ومراجعة سياسية صدرت من أعلى الهرم السياسي، فإن دعوة كتلك التي قادها مناضلو 13 يناير لم يكتب لها النجاح لأنها لم تتوفر على شروطه منذ البدء، لذلك ولدت موءودة.

تقتضي التعبئة إذن نوعا من التنسيق والربط القبلي بين عدد من المناضلين الذين يأخذون على عاتقهم مهمة تأجيج مشاعر الجمهور عبر ما ينشرونه من أفكار و معلومات تلهب إحساس الأفراد و تكون دافعا نحو الفعل. و”تتيح الشبكات حصول هذا الأمر بالنظر إلى كونها تسمح للأفراد بالولوج إلى المعلومة، والارتباط بأشخاص آخرين، وهو ما يفضي إلى بروز شكل جديد من أشكال التنسيق الاجتماعي[26]، يتخذ صبغة إلكترونية، ويتسم  بالسرعة والآنية، ويمكن من التواصل مع جمهور عريض من الناس في وقت قياسي بحيث تكون بضعة أيام كافية لخلق التعبئة المطلوبة لبدء الحراك.

إن هذه الدينامية و المرونة التي يتيحها الفضاء الالكتروني هي التي تفتح المجال بشكل مستمر لبناء هويات رقمية لجماعات من المناضلين و المعارضين داخل الشبكات الاجتماعية  بفضل المعلومات التي يجري تبادلها عن طريق الانترنيت و التي تخلق إحساسا بالحنق و الغضب و الشك، وتغذي مشاعر السخط اللازمة لكل حركة معارضة. كما تسمح بخلق جماعات ذات أهداف و مصالح مشتركة، وتقودها لاحقا نحو الفعل، إذ تمكن الفرد من ملاقاة أفراد آخرين لهم تفكير مشابه لفكره، فيتحقق على هذا النحو رابط بين ما هو فردي وما هو جماعي.[27] هكذا يغدو تلاقي الغايات مع تراكم الغضب والحنق محركا نحو الاحتجاج الذي يمسي الطريقة الأنسب لتفريغ هذه المشاعر والتخلص منها في اتجاه البحث عن بدائل سياسية تسمح بتجاوز الوضع القائم نحو آخر أفضل منه.

نعاين على هذا النحو إذن اتساعا في الفضاء العمومي الالكتروني بفضل منطق “الروابط الشعرية” liens de  capillarité التي تتيح إمكانية للربط[28] تتجاوز المجتمعات المناضلة المشكلة لتبرهن للعابر عن كون الحدود نفاذة بين “النحن” المناضلين و “هم” غير المناضلين[29]. إن هذه النفاذية تيسرها المرونة في المشاركة والانخراط في الشبكات، إذ لا يتعلق الأمر بالانخراط بشكل رسمي في تنظيم مؤسساتي معين؛ بل يمكن للفرد أن يعبر عن دعمه إلكترونيا أو عبر الخروج بشكل منتظم في تظاهرات في الشارع[30] تؤشر على رفضه لوضع قائم و تؤكد حضوره كمواطن فاعل، منخرط في سيرورة بناء القرار، وكطرف حكم يقيم السياسة التدبيرية لقضايا الشأن العمومي، ويوجهها إذا ما حادت عن خدمة الصالح العام لمواطني الدولة.

إن منطق “الروابط الشعرية” هذا هو الذي نلمسه و نحن نعاين نظام اشتغال المجموعات السياسية داخل شبكة الفايسبوك؛ وهو الأمر الذي كشفت عنه  نتائج  البحث. حيث لاحظنا كيف أن عملية التعبئة التي تحققت في ظرف ثمانية و أربعون ساعة، و تمظهرت في شكل احتجاج فعلي في مساء اليوم الثاني من غشت قد تمكنت من بلوغ مرماها جراء عملية الربط بين عدد من المناضلين و غير المناضلين سواء من  مرتادي صفحة المجموعة  أو غيرها من المجموعات الأخرى. ولقد تحقق هذا الأمر بفعل منطق تقاسم الموارد  و المشاركة في الهاشتاغ و نشر رابط العريضة و غيرها من الموارد، سواء كانت صورا أو مقاطع فيديو أو مقالات أو نصوص تعبر من موقع لآخر و من صفحة لأخرى على مدار الدقيقة لا الساعة؛ من جريدة هسبريس إلى جريدة “لكم”، إلى “صرخة الشعب المغربي”؛ وصولا إلى “شبكة المغرب الآن”. كلها مواقع و صفحات حضرت داخل صفحة تقشاب سياسي مؤكدة بذلك أنها لا تتحرك في اشتغالها بمنطق “الشرنقة” بل بمنطق “الروابط الشعرية”.

لذا، فلئن كان المدونون النشطون في المجال السياسي يتبادلون ما ينتجون بشكل مغلق مشكلين بذلك “شرنقات للمعلومة” منكمشة على ذاتها؛ فإن ما يغفله  “سانستاين” هو أن هذه الشرنقات ليست كذلك في واقع الأمر، فهي ليست مغلقة تماما؛ بل منفتحة على بعضها البعض، و يكمل بعضها البعض، بحيث تصلها المعلومة بأكبر سرعة ممكنة[31]. لذا فالارتباط بالانترنيت لا يفضي بصاحبه إلى الانزواء ضمن قوقعة مغلقة؛ بل يفتحه على عوالم تتعدد بتعدد الروابط التي ينسجها مع كل فرد جديد، أو مجموعة جديدة  بحيث يكون “الارتباط بالانترنيت بمثابة انفتاح” [32] و ممر يفتح الطريق أمام صاحبه نحو فضاءات أخرى، سواء داخل العالم الافتراضي أو خارجه، ممرا يعبده كل عابر أمام القادمين من ورائه  الذين يقودهم معه نحو الفعل في العالم بفعل صور أو نصوص قد تلهب مشاعرهم، وتفجر حماسهم في شكل موجة احتجاج تنطلق شرارتها افتراضيا لتتأجج فعليا في الساحات والشوارع.

تتحدد التعبئة الالكترونية بهذا المعنى بوصفها  حركة  انفعالية تحركها آليات التكنولوجيا الحديثة عبر الموارد الرقمية المختلفة التي تستنفر انفعالا لا يدوم سوى ساعات، لكن هذه الساعات القليلة تكون كافية لخلق التغيير و ذلك إذا ما تم إيصال المعلومة إلى عدد كبير من الناس وتم تحريك المشاعر . و تسمى هذه الممارسات الجديدة ب”التعبئة الذكية”[33]، إذ تنطلق المبادرة من بعض الأشخاص داخل الانترنيت، ويتم التنسيق لها  و الدفاع عنها داخل الفضاء الافتراضي، لتنتقل بعد ذلك نحو الميادين الفعلية مترجمة حقيقة كون “أغورا المدينة”، و”أغورا الانترنيت” يتقاطعان مع بعضهما البعض[34] و يكملان بعضهما البعض. فكل منهما يهيئ موارده، و يصنع مادته لأجل أن يصبها في الآخر و يصدرها إليه.

إن هذا النوع من التعبئة الذكية  التي شهدناها على صفحة “تقشاب سياسي” والتي تتحول في ظرف وجيز إلى احتجاج عفوي داخل الفضاء العمومي بحيث تستطيع أن تمارس ضغطا يؤدي إلى تغيير فوري داخل الحقل السياسي تحيلنا على نوع من الحركات تسمى ب” الحشود الوميضية ” flash mobs[35] والتي تظهر كومضة البرق لتنير الطريق ثم تختفي. ويمكن التمثيل لذلك بالتعبئة التي حصلت للمواطنين الإسبان في انتخابات مارس من سنة 2004 مع حكومة أزنار Aznar والتي تلقت فشلا ذريعا يوم الاقتراع بسبب حملة احتجاجية عبر الرسائل القصيرة في البلد بأكمله، فضحت ادعاءات رئيس الدولة بخصوص الأحداث الإرهابية  لمدريد في مارس  2004، و أدت إلى انتصار المرشح الاشتراكي الذي لم يكن لينجح أبدا لولا هذه الحملة غير المتوقعة وهذه التعبئة العامة التي تمت في غضون ثمانية و أربعون ساعة [36]، عاكسة بذلك القدرة الفائقة التي تمتلكها التكنولوجيا الذكية في توجيه الرأي العام و قلب الموازين في لمح البصر في الوقت الذي يسود فيه اعتقاد بأن الأمور قد حسمت.

وتشكل هذه التعبئات الذكية للحشود مظهرا من مظاهر قدرة هذه التكنولوجيا على دفع عدد كبير من الناس إلى الانخراط بشكل كبير في الحياة الاجتماعية و السياسية[37]، وتؤدي بذلك إلى بروز نوع جديد من النضال[38]بحسب ما يرى “بول فيريليو” Paul Vrilio، يسمى بالنضال الرقمي.[39] لذلك فالتكنولوجيا الحديثة للإعلام والتواصل، لم تعد مجرد تكنولوجيا لخلق الروابط وتيسير مرور التدفقات، بل أضحت “تكنولوجيا الحرب الافتراضية، حرب المعلومة “[40]، إذ تمكن بفضل الشبكات العنكبوتية من دعم   وتقوية ديناميات الجماعات، و تسمح بخلق مجموعات ذات توجهات متعارضة تعمل كل منها على التعبير عن رأيها بحرية[41] . وتخوض حروبا مع نظيراتها لأجل حيازة الفضاء، وإثبات الذات، واستقطاب مزيد من الزوار والمنخرطين في إطار معارك إلكترونية صامتة، توظف فيها كل الموارد الرقمية  والتقنيات الذكية التي توفرها هذه التكنولوجيا الحديثة.

فإذا كان انفتاح “النحن المناضلين” على غيرهم من الذين يتموقعون خارج هذه الدائرة في إطار عملية التعبئة الافتراضية؛ ثم انفتاح الطرفين معا في مستوى ثان على الواقع السياسي الفعلي في إطار عملية الاحتجاج يسمح لنا بأن نقف على تهافت أطروحة “شرنقات المعلومة”، فإن حجم هذا التهافت يزداد عندما نعاين كيف أن الشبكات الرقمية للمناضلين، تتجاوز الحدود المحلية و الوطنية، وتوسع من مجال حركاتها التعبوية لتعبر بها نحو مستوى دولي، وذلك بالنظر إلى كونها تمحي المسافات                                   و الاختلافات، و”تسمح بتوحيد حركات لم يكن بإمكانها أن تتوحد في وقت مضى”[42]، و تمد بينها جسور التواصل داخل فضاء افتراضي مشترك تنصهر داخله الهويات على تعددها فاتحة بذلك المجال لبروز مواطن رقمي لا يعرف عبر لغته و جنسيته و لون بشرته؛ بل عبر مواقفه  و اتجاهاته  و قيمه التي تبرز وحدها كملمح ظاهر يعبر عن هويته الرقمية.

يتسع، بهذا الشكل إذن، مجال الفضاء العمومي الالكتروني ليفضي إلى “بروز فضاء عالمي للنضال”[43] تلتقي فيه الهويات على تعددها  و تجتمع حول النضال لأجل المبادئ و القيم نفسها، منظورا إليها في صيغتها الكانطية الكونية ؛ قيما تستنبت وطنيا وتلتقي دوليا. هكذا تتأكد القاعدة “الكاستلزية” القائلة بأن”الحركات الاجتماعية ينبغي أن تفكر محليا، و تسلك عالميا”[44]، لأن البحث عن تكريس الديمقراطية كقاعدة فعلية توجه الممارسة السياسية هو مطمح عالمي، يتجاوز الحدود المحلية الضيقة ليلتقي عند مبادئ كونية لا تعترف سوى بالمواطنة كحق يمارس على نحو موحد دون إلباسه لباس الدين أو الثقافة أو أي مرجعية أخرى تنتهي بتجريده من روحه لتجعل من الديمقراطية “ديمقراطيات” تتعدد      و تختلف بتعدد  و اختلاف الأعلام الوطنية.

إن هذه الأشكال الجديدة في التعبئة والنضال السياسي الرقمي و الاحتجاج الإلكتروني هي التي كشفت عن نفسها عبر أحداث “الربيع العربي”[45]، حيث أججت الصور المنشورة على “اليوتوب” الشبكات الاجتماعية، في تونس  ليتحرك  الثوار بشكل  تلقائي  وتتعبأ الجماهير و الصحافة، فيتغير النظام. وكانت ثورة تونس كافية لإشعال نار الثورة في مصر، تحت شعار” تونس هي الحل ” بدل الإسلام؛ “ليس الله بل الشبكات” على حد تعبير “كاستلز”.[46] لأن القوى الميتافيزيقية لم يكن لها يد في خلق الثورة ولن يكون لها يد في إعادة صناعة التاريخ، بقدر ما كان ذلك و سيكون نتاجا لسواعد الأفراد و أناملهم التي تتحرك بمرونة على أزرار الحاسوب لتحشد العدة و العتاد لأجل التغيير السياسي عبر حركة الرقن المستمرة.

وما حدث في تونس و مصر هو جزء من دينامية عالمية شهدتها وتشهدها عدد من بقاع العالم كجنوب كوريا و الإكوادور و أوكرانيا و إيران التي عرفت سنة 2009 حركة كان أساسها “تويتر” ورسائل وفيديوهات نشرت عن طريق “اليوتوب” وعملت على شن هجوم على نظام “آية الله”[47]. كما شهدت إسبانيا الوضع نفسه جراء احتجاج مجموعة “الديمقراطية الحقيقية الآن” Démocratie Réelle Maintenant عبر الانترنيت في مارس من سنة 2012 حيث انطلقت الحركة مع عشرين فردا لتصل بعد ذلك في ثلاثة عشر يوما إلى الآلاف،[48] عاكسة بذلك فكرة التعبئة الذكية، كما عكستها غيرها من بلدان العالم، وفاتحة الطريق على مصراعيه أمام المناضلين الرقميين ليعيدوا مراجعة الخريطة السياسية لبلدانهم عبر فعل التقييم المستمر لسياسات منتخبيهم والمدبرين لشؤونهم العمومية.

خاتمة:

نستخلص انطلاقا من كل ما عرضنا له فيما سبق أن الخطاب السياسي الإلكتروني إن كان قد فرض نفسه كواقع قائم الذات على صفحات الشبكات الافتراضية، فإن ذلك لم يكن مجرد مصادفة، أو حدث عارض تمخض عنه ما تمخض، بل يتعلق الأمر باختيار مقصود لذوات واعية وحرة قررت بكامل إرادتها أن تنشىء لنفسها فضاء للتعبير حيث تؤكد هويتها السياسية الرقمية، وتوصل صوتها إلى مسئوليها عبر صفحات وجدت فيها هامشا حيث تخرج عن صمتها، و تقول كلمتها.

هكذا أضحت الشبكات الافتراضية فضاء للتعبئة مسكونا بذوات فاعلة لا منفعلة، منتجة لا مستهلكة، تستقبل الخطاب و تتداوله ثم تقرر متى تبدأ في الفعل. لذلك فالعين الراصدة للواقع السياسي تلتقط الصور عبر ” كاميراتها” لتصنع منها أدوات للتعبئة و لتعرية الواقع السياسي و كشف منزلاقاته، و دفع المواطنين إلى التنديد به و الاحتجاج عليه و العمل على تغييره. لذا فهي لا تنتج المعلومة السياسية ولا تروجها داخل شرنقات مغلقة، بل تجعلها منسابة ضمن “جذامير” متفرعة في جميع الاتجاهات، تربط هذا بذاك و تبث في كل عنصر ما يكفي من الروح التي تدفعه للتحرك  و الخروج من قوقعته.

لذا فلئن أضحت الشبكات الرقمية ملاذ  لنوع جديد من الفاعلين السياسيين، يشكلون جيل المناضلين الرقميين و مأوى لكل الباحثين عن فضاء مفتوح للتعبير الحر الذي ترسم عبره ملامح الهوية السياسية  الرقمية من خلال ما يدون على جداريات المنصات الالكترونية ؛ فإن هذه الهوية لا تؤكد حضورها فقط عبر النقر على زر الإعجاب، أو التقاسم أو فعل التعليق؛ بل تنخرط في هذه الحركة الثلاثية كمرحلة تمهيدية توطئ بها لمراحل قادمة. إنها تعبر عن إعجابها كي تساند المناضل السياسي في فعله، و تتقاسم ما ينشر كي  تهتك جدار الشرنقة وتضمن انسياب المعلومة للغافلين عنها أو الجاهلين بوجودها، و تنخرط في عملية التعليق كي تؤكد موقفها وتحدد اتجاهها. وتنضوي عبر هذه الأفعال الثلاثة داخل حركة المناضلين الرقميين مسهمة في سيرورة عملية التعبئة و ممهدة للحراك السياسي عبر فعل الاحتجاج الذي تبدأه داخل الفضاء الافتراضي  لترتحل به نحو الشوارع  و الساحات في بحث عن التغيير السياسي المنشود.

لهذا أضحت المؤسسات السياسية الحزبية اليوم مدعوة  للانخراط داخل دينامية الشبكات الرقمية في بعدها السياسي، و أن  تجد لنفسها مقاعد داخل غرف المجموعات السياسية الإلكترونية كما تبحث عن إيجاد غرف لها في قبة البرلمان؛ مقاعد تدافع من خلالها عن نفسها، وتقدم برامجها ، و تثبت حضورها الرقمي، وتؤكد مشروعيتها عبر القرب من المواطنين فعليا و افتراضيا، لأن الممارسة السياسية قد بدأت منذ زمن في تغيير فضاءاتها. لذا أصبح لزاما على الفاعلين أن يغيروا هم أيضا مواقعهم حتى يسايروا الحقبة الرقمية في حركتها المتسارعة التي تفاجئ الغافلين عنها على حين غرة. ولعل في ثورة تونس      ومصر الكثير من العبر والدروس التي يمكن للسياسي أن يستفيدها وهو يقرأ تاريخ الزمن الراهن.

Bibliographie  البيبلوغرافيا

  • Castells Manuel, La Galaxie Internet, Fayard,2001.
  • Castells .M, « Ni dieu ni maitre, les réseaux » 28 juin 2011, Fondation Maison des sciences de l’homme – Paris – France.N°2 février 2012.
  • Cohen, Robin,et Rai, Shirin M,Global Social Movements, Londres,The Athlone Press,2000.
  • De Rosnay Joel, L’homme symbiotique. Regard sur la troisième millénaire, Paris, Le Seuil,1995.
  • Flichy Patrice ,L’Imaginaire de l’internet, Editions la Découverte , Paris,2001 .
  • Gérard Dubey , Le Lien Social à l’ère du virtuel , Presse Universitaires de France ,1° édition, octobre 2001.
  • Kleck Veronique, Numérique et Cie, Sociétés en réseaux et gouvernance, Edition Charles Léopold Mayer, Paris,2006.
  • Le breton. D ,L ‘adieu au corps ,Paris ,Métailié, 1999.
  • Sfez , « Etapes pour une agonie »,in cahiers internationaux de sociologie, Vol.82, Nouvelles images ,nouveaux réels ,janvier-juin 1987.
  • Mathias, Paul. Des Libertés numériques, notre libertés est-elle menacée par l’internet ?.Presse universitaires de France, 2008.
  • Musso  Pierre. Critique des réseaux, Presse Universitaire de France, 1°édition, Paris,2003.
  • Vanbremeersch Nicola, Nicolas Vanbremeersch, De la démocratie numérique, Éditions du Seuil, Mars 2009.

المصادر و المواقع الإلكترونية:

[1] – Nicolas Vanbremeersch, De la démocratie numérique, Éditions du Seuil, Mars 2009,p :51.

[2] – Ibid,p : 53-53.

[3] – Joel de Rosnay, L’Homme Symbiotique , Regard sur la troisième millénaire. Paris, Le Seuil,1995,p :166.

[4] -Idem.

[5] – Pierre Musso . Critique des réseaux, Presse Universitaire de France, 1°édition, Paris,2003,p : 334.

[6] – Paul Mathias. Des Libertés numériques ,notre libertés est-elle menacée par l’internet ?.Presse universitaires de France, 2008.P :141 .

[7] – Veronique Kleck, Numérique et Cie, Sociétés en réseaux et gouvernance, Edition Charles Léopold Mayer, Paris,2006.p :159.

[8] – Gérard Dubey  Le Lien social à l’ère du virtuel , Presse Universitaires de France ,1° édition, octobre 2001.p :66.

[9] -Paul  Mathias. Des libertés numériques. Notre liberté est-elle menacée par l’internet, 2008 : 166.

[10] – Nicola Vanbremeersch,op.cit,p:101.

[11] -Ibid,p:91-92.

[12] – Ibid,P:102-103.

 [13].- يتعلق الأمر هنا بالجداول الخاصة بتفريغ معطيات جرد الصفحة الفايسبوكية موضوع الدراسة و التي امتدت على ما يقارب ثمانية أشهر، وهي الجداول التي قمنا فيها بتفريغ المعطيات تبعا للمؤشر الزمني أي تاريخ النشر . وسنكتفي هنا بتقديم أهم النتائج المستخلصة انطلاقا من قراءة  في الجداول المشار إليها.

[14] – Véronique Kleck,op.cit,p :158.

[15] – Ibid,p:159.

[16] -Ibidp:92-93.

[17] -Idem.

[18] – D. Le breton, L adieu au corps ,Paris ,Métailié, 1999, p : 149.

[19] – Gérard Dubey ,op.cit,p: 64.

[20] – L.Sfez, « Etapes pour une agonie »,In cahiers internationaux de sociologie, Vol.82 , Nouvelles images ,nouveaux réels ,janvier-juin ,p :1987 : 25-41.

[21] – Manuel Castells, La Galaxie Internet, Fayard,2001,p: 165.

[22] -N.Vanbremeersch,po.cit,p: 77.

[23] -V.Kleck,op.cit,p : 105.

[24] – M.Castells,2001,op.cit,p :190.

[25] – Castells.M,2001, op.cit p : 174 ;

[26] – Véronique Kleck.,op.cit.,p.129.

[27]-V,Kleck,op .cit,p: 108.

[28] – Ibid,: p159.

[29] -Granjon, F. L’Internet militant, mouvement social et usage des réseaux télématiques, CEMTI,Média et Nouvelles Technologies,2013. http://cemticritic.eu/wp-content/uploads/2014/10/Granjon2001%E2%80%93InternetMilitant.pdf (06-12-2016).

[30] -V.Kleck .V, P: 159.

[31] -N.Vanbremeersch,op.cit,p: 97.

[32] -Idem.

[33] – V.Kleck,op.cit,p : 129.

[34] – M.Castells.M, op.cit 2012,p : 9

[35] – V.Kleck,op.cit,p : 141

[36] – Idem.

[37] – V.Kleck,op.cit, p : 129.

[38] -Patrice Flichy. L’Imaginaire de l’Internet, Editions la Découverte , Paris,2001 .P,2001 : 10.

[39] – N.Vanbremeersch,op.cit,p: 91.

[40] – Patrice Flichy, op.cit,p : 10.

[41] – N.Vanbremeersch.op.cit.P: 91-92.

[42] -V. Kleck.op.cit.P : 187.

[43] – Cohen, Robin,et Rai, Shirin M,Global Social Movements, Londres,The Athlone Press,2000 .

[44] – M.Castells.M, 2001, op.cit.P  :177.

[45] – Castells.M,2012 ,op.cit.P :9.

[46] – Ibid,p :7.

[47] – Ibid.P :51.

[48] -Ibid,p:7.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى