عاجل

هل الصين أمام تهديدا خطيرا من أقلية الويغور المسلمين؟

-الكركز الديمقراطي العربي

تدوي صفارات الإنذار ثلاث مرات يوميا في شوارع مدينة كاشغر التي تقع على طريق الحرير القديم فيهرع أصحاب المحال من متاجرهم ملوحين بهراوات خشبية منحتها لهم الحكومة.

ففي تدريبات إجبارية لمكافحة الإرهاب تجرى تحت إشراف الشرطة وشاهدتها رويترز في زيارة في الآونة الأخيرة يقاومون مهاجمين يفترض أنهم يحملون أسلحة بيضاء. وتطوق عربات تابعة للشرطة وقوات الأمن المنطقة فيما يدوي صوت الإنذار.

وتقول الصين إنها تواجه تهديدا خطيرا من إسلاميين متطرفين في تلك المنطقة النائية من شينجيانغ غرب البلاد. وتتهم بكين انفصاليين من أقلية الويغور المسلمين بتأجيج التوترات مع الأغلبية من عرقية هان الصينية والتآمر لشن هجمات في مناطق أخرى من البلاد.

ومدينة كاشغر، وهي موقع تجاري تاريخي، محورية لمبادرة (حزام واحد طريق واحد) الصينية وهي سياسة خارجية واقتصادية يعتبرها الرئيس شي جين بينغ سياسته الخاصة التي تشمل إنفاقا ضخما على البنية التحتية لربط الصين بآسيا والشرق الأوسط وما بعده.

وأسوأ ما تخشاه الصين هو وقوع هجوم واسع النطاق يعكر أهم حدث دبلوماسي تستضيفه هذا العام وهو قمة لتلك المبادرة يحضرها زعماء من العالم وتعقد في بكين في مايو أيار.

وتقول وسائل إعلام حكومية إن التدريبات وإجراءات أخرى مثل إنشاء شبكة من آلاف مواقع الشرطة الجديدة في زوايا الشوارع تهدف إلى إشاعة الشعور بالمزيد من الأمن لدى الجميع.

لكن الكثير من السكان يقولون إن تلك التدريبات ما هي إلا جزء من عملية أمنية قمعية تصاعدت وتيرتها في كاشغر ومدن أخرى في قلب منطقة الويغور في شينجيانغ في الأشهر الماضية.

وبالإضافة إلى المشاركة في التدريبات فإنه يتعين على أصحاب المتاجر تركيب أبواب أمنية لا تفتح إلا بكلمة سر وأزرار لاستدعاء قوات الأمن بسرعة وقت الطوارئ وكاميرات مراقبة ليس لتصوير ما يجري في الشارع فحسب لكن أيضا ما يجري داخل متاجرهم وترسل بثا مباشرا للشرطة وكل ذلك على نفقتهم الخاصة.

وبالنسبة للويغور فالأمر لا يتعلق بالأمن بل بالمراقبة الجماعية حسبما يقول مالك شركة للوسائط المتعددة عبر الإنترنت والمواجهة لأحد الشوارع الرئيسية في كاشغر.

وقال صاحب الشركة الذي طلب مثل كل من تحدثت معهم رويترز في المدينة عدم ذكر اسمه “ليس لدينا خصوصية… يريدون أن يروا كل ما تفعل.”

وقال مصدر أمني صيني لرويترز بعد أن طلب عدم ذكر اسمه إن الإجراءات الأمنية الجديدة في شينجيانغ ليس لها دوافع سياسية لكنها قائمة على تطورات ومعلومات مخابراتية جديدة. وأحجم عن الإدلاء بمزيد من التفاصيل.

ولم تستجب حكومة شينجيانغ ومكتب معلومات مجلس الدولة الذي يقوم أيضا بدور مكتب المتحدث باسم الحزب الشيوعي على طلبات من رويترز للتعليق.

وتنفي الصين بشكل روتيني انتهاج سياسات قمعية في شينجيانغ وتشير إلى المبالغ الضخمة التي تنفقها على التنمية الاقتصادية في المنطقة الغنية بالموارد. وارتفع الناتج المحلي الإجمالي لشينجيانغ العام الماضي بنسبة 7.6 بالمئة وهو ما يفوق المتوسط القومي للبلاد.

*إعادة التعليم الديني

منذ اندلاع أعمال شغب عرقية في أورومتشي عاصمة الإقليم عام 2009 تشهد منطقة شينجيانغ موجات عنف دموية.

وتراجعت نسبة الهجمات التي ترد في وسائل الإعلام بشكل ملحوظ سواء من حيث العدد أو الحجم منذ موجة تفجيرات وعمليات طعن جماعية في شينجيانغ وإقليم يوننان الجنوبي الغربي في 2014.

لكن وسائل الإعلام الرسمية الصينية تقول إن الخطر لا يزال كبيرا وتعهد الحزب الشيوعي بمواصلة ما وصفه بأنه حربه الخاصة “على الإرهاب” ضد انتشار التطرف الإسلامي.

وفي شينجيانغ يمكن رؤية ذلك أيضا خلال مراسم رفع العلم الأسبوعية التي يُجبر الويغور، وهم أقلية تتحدث التركية وكانت تشكل غالبية سكان شينجيانغ قبل تدفق الهان الصينيين، على حضورها لنبذ التطرف الديني والتعهد بالولاء تحت العلم الصيني.

وخلال إحدى هذه المراسم التي شهدتها رويترز في هوتان، وهي بلدة تقع على طريق الحرير على بعد 500 كيلومتر جنوبي شرقي كاشغر، دخل أكثر من ألف شخص ملعب كرة سلة مفتوحا حيث فحص مسؤولون بالحزب أسماءهم في لائحة حضور وفتشوا ثيابهم وتحققوا من مظهرهم.

وقالت مسؤولة وهي تنزع حجابا ارتدته امرأة من الويغور في منتصف العمر “من الأفضل لكي أن تنزعي هذا وإلا أرسلتك لإعادة التعليم”.

وتقدم سلطات هوتان مكافأة قدرها 2000 يوان (290 دولارا) لمن يبلغ عن “تغطية الوجوه والعباءات والشبان ذوي اللحى الطويلة أو أي ملابس دينية معروفة أخرى خضعت لتأثير التطرف” في إطار نظام تحفيز أوسع نطاقا يكافئ المعلومات المهمة بشأن هجمات وشيكة.

ووافق المشرعون في شينجيانغ هذا الأسبوع على تشريع يمدد الحظر على إطالة اللحى “بشكل غير طبيعي” وارتداء الحجاب في الأماكن العامة في جميع أنحاء الإقليم. ودخلت اللوائح الجديدة حيز التنفيذ يوم السبت.

وأظهر مقطع فيديو الشهر الماضي نشره تنظيم الدولة الإسلامية فيما يبدو مقاتلين من الويغور وهم يتدربون في العراق ويتوعدون بأن الدم “سيجري أنهارا” في الصين.

*مراقبة شبكية

مسؤول تدريبات مكافحة الإرهاب وغيرها من الإجراءات الجديدة في شينجيانغ هو تشن كوانغو الذي تم تعيينه رئيسا للحزب الشيوعي في الإقليم في أغسطس آب فيما وصفه محللون بأنه تأييد ضمني لإدارته الصارمة للصراع العرقي في التبت.

ووضع تشن بصمته سريعا ووصل الأمر لذروته في فبراير شباط الماضي فيما وصفته وسائل الإعلام الرسمية بأنها تجمعات حاشدة “مناهضة للإرهاب” عبر المدن الأربع الكبرى في شينجيانغ شملت عشرات الآلاف من قوات الأمن والشرطة.

وكانت واحدة من أبرز مبادرات تشن هي بناء الآلاف مما وصفته السلطات بمراكز الشرطة “المريحة” في جميع أنحاء شينجيانغ وتعيين نحو 30 ألف ضابط جديد لإدارتها.

وتوجد هذه المراكز في كل تقاطع تقريبا في كاشغر وعادة ما تفصل بينها مئات الأمتار فيما وصفه تشن بأنه نظام “إدارة اجتماعية بشكل شبكي” كان هو أول من وضعه في التبت.

وأشادت وسائل إعلام محلية بالمبادرة باعتبارها علامة فارقة في عمل الشرطة في المجتمعات الصغيرة. ويقول منتقدون بينهم جماعات حقوقية ومن الويغور إن الهدف الحقيقي لمراكز الشرطة هذه هو التجسس على السكان.

ويتم تشجيع المواطنين على استخدام المراكز لشحن هواتفهم المحمولة أو احتساء كوب من الشاي أو الاختباء من العناصر.

وقال سائق سيارة أجرة وهو من الهان الصينيين اكتفى بذكر اسمه أسرته هوانغ “لا أعرف أحدا ذهب هناك” في مؤشر على أن قلة فقط هي التي قبلت عرض الاختباء في المراكز مع أفراد شرطة مكافحة الشغب والجنود.

لكن فيما يسلط الضوء على التوترات العرقية المشتعلة في الإقليم قال هوانغ إن زيادة الإجراءات الأمنية جعلته يشعر بأمان أكبر.

وقال “بعض الناس يعتقدون أنها مبالغ فيها وأنهم مجرد مجموعة صغيرة من الويغور لكن عندما يقطعون أوصال أسرتك فستعرف عندئذ.”

* اقتصاد أم أمن؟

وقال جيمس ليبولد الخبير في السياسة العرقية في الصين بجامعة لا تروب في ملبورن إن التركيز على الأمن يتعارض مع هدف بكين استخدام مبادرة “حزام واحد طريق واحد” لتعزيز اقتصاد شينجيانغ ودعم اندماجها مع باقي أنحاء الصين حيث إن ذلك التركيز ربما يعوق تدفق الأشخاص والأفكار.

وقال “هذان الأمران في الأساس متناقضان.”

وبحسب وسائل إعلام رسمية فإن الإنفاق على الأمن يتزايد في شينجيانغ حيث إنه قفز بما يقرب من 20 في المئة خلال عام 2016 ليتجاوز 30 مليار يوان (4.35 مليار دولار).

ويمكن ملاحظة ذلك من خلال رؤية أجهزة كشف المعادن وأجهزة الفحص الأمني، الشبيهة بتلك الموجودة في المطارات، منتشرة في أماكن عامة رئيسية بما في ذلك مسجد عيد غا في كاشغر ومتاجر ومراكز تجارية وفنادق.

وتفحص الشرطة أوراق المارة علاوة على هواتفهم لمعرفة ما إذا كانت تحتوي على لقطات فيديو متطرفة أو تطبيقات محظورة لإجراء المحادثات مثل تلجرام وواتساب وتويتر. وجرى تخفيض سرعة الإنترنت من الجيل الرابع إلى الجيل الثالث.

وقال رجل من الويغور في كاشغر لرويترز “ربما كان هناك 5000 شخص يثيرون المشكلات لكن بقيتنا وعددنا 10 ملايين يدفع الثمن.”

وجرى تعقب محرر رويترز عن كثب من جانب الشرطة المحلية في كاشغر. وعندما عاد إلى فندقه في الواحدة صباحا وجد رجال شرطة في انتظاره بردهة الفندق.

وعندما سأل عن سبب الأمن قال أحد رجال الشرطة إن استعدادات كاشغر لمبادرة حزام واحد طريق واحد ذات أهمية قصوى.

وقال “عندما ترى مركبات الجيش والشرطة تسير في دوريات بالشوارع في بلدك ففي أي شيء ستفكر؟” وأضاف “أنه للسلامة. فكاشغر ستكون مركزا للسفر. وينبغي أن يكون كل شيء على ما يرام.”المصدر:رويترز”

 

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى