تقارير استراتيجيةعاجل

تبعات تحرير سعر الصرف وآليات تقليص آثاره السلبية

اعداد : أيمن عبد المقصود – المركز الديمقراطي العربي

 

 

مقدمة:

بعد ما أصدر البنك المركزي المصري، الخميس 3 نوفمبر من العام الماضى، قرارا بتحرير سعر صرف الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية بهدف منح البنوك المرونة وإطلاق الحریة فى تسعیر النقد الأجنبى وذلك من خلال آلیة “الإنتربنك” أى تداول الدولار بين البنوك وبعضها البعضوإنهاء تداول العملات خارج القنوات الشرعية لتحقیق الاستقرار النقدى، استهدافا لمستویات أدنى من التضخم، قرر البنك المركزى اتخاذ عدة إجراءات لتصحیح سیاسة تداول النقد الأجنبى من خلال تحریر أسعار الصرف لإعطاء مرونة للبنوك العاملة فى مصر لتسعیر شراء وبیع النقد الأجنبى لإنهاء السوق الموازیة للنقد الأجنبى،وجاء هذا الإجراء اتساقا وتزامنا مع المنظومة الإصلاحية التي تتضمن برنامج الإصلاحات الهيكلية للمالية العامة للحكومة والذي يتم الآن تنفيذه وفقا “لبيانات الحكومة”،حيث أن حزمة الإصلاحات النقدية والمالية المتكاملة تمكن الاقتصاد من مواجهة التحديات القائمة وإطلاق قدراته وتحقيق معدلات النمو والتشغيل المنشودة بما يتناسب مع إمكانات وموارد مصر البشرية والطبيعية والمادية، وقرار التعويم هو واحد من أهم القرارات الإقتصادية التى يمكن أن يلجأ إليها نظام مصرفى رسمى لموازنة قوى السوق لديه، وهو أحد الاشتراطات المهمة التى تطرحها المؤسسات الدولية المقرضة بشكل دائم من أجل ضمان تقليص الفجوة بين السوقين الرسمية والموازية، ودعم الاقتصاد على أساس من التقييم الواقعى.

ما هية تعويم أو تحرير سعر الصرف

التعويم هو أداة من أدوات السياسة النقدية للدول، تستخدم فقط مع العملات التي تحدد الحكومات قيمتها، ولا تكون متروكة لعوامل أخرى.

و يتم العمل على ترك سعر الجنيه المصري في السوق الرسمية في البنوك العاملة وذلك في السوق المحلي من اجل ان يتحدد وفقاً لكافة عمليات العرض والطلب في السوق، حيث ان الدولار يسجل حاليا في تعاملات السوق السوداء 18 جنيه وهو بسبب تفاعل العرض والطلب وذلك الي جانب جزء كبير من المضاربات التي تحدث في الأسواق المصرية والتعاملات اليومية.

ويختلف التعويم عن ربط العملات وعن انخفاض قيمة العملة، الذي تحدده السوق المفتوحة على أساس العرض والطلب.

فالعملات المربوطة مقابل عملة رئيسية أو سلة عملات يتم تعويمها من خلال “فك” الربط جزئيا أو كليا، أما انخفاض قيمة العملة فعكسه ارتفاع قيمتها، كما يحدث للعملات الرئيسية في الأسواق الحرة مثل الدولار الأميركي أو اليورو أو غيرها. إذ ترتفع قيمة تلك العملات أو تنخفض في السوق حسب العرض والطلب، وقوة أساسيات الاقتصادات التي تمثلها، وتصرفات المضاربين في أسواق العملات.

انواع تحرير سعر الصرف

لتحرير سعر صرف العملة مستويان يمكن عرضهما كالتالى:

 التحرير المُدار وفيه تضع الدولة مستوى استرشاديًّا للسعر وتترك لقوى السوق والبنوك حرية الحركة حوله، مع مراقبته والتدخل الدورى لضبطه فى إطار المحافظة على التوازن وصيانة المستويات التى قررتها ارتباطًا بمعدلات النمو ومؤشرات التضخم وحجم الاقتصاد وكمية النقد المصدر، والنوع الآخر هو التحرير الكامل، وهو ما لجأ إليه البنك المركزى، وفيه يتم ترك سعر الصرف لقوى السوق وآليات العرض والطلب بشكل كامل، ويحتاج هذا النظام إلى آليات رقابة وسياسات مالية قوية تقرأ خريطة السوق لحظة بلحظة من أجل الموازنة بين مستويات النقد المصدر ومعدل التضخم بما يراعى نسبة النمو فى الناتج المحلى الإجمالى.

الآثار السلبية لقرار تحرير سعر الصرف
تظلالقضية الرئيسة فى الإقتصاد المصرى أنه قائم على الإستهلاك أكثر منه فالإنتاج ويعاني الإقتصاد المصرى من مشكلتينرئيسيتين، الأولى هى فجوة إنتاجية تظهر من خلال استحواذ القطاع الاستهلاكي على حوالى 95% من الناتج المحلى الإجمالى،وبالتالي تتم تغطية هذا الجزء من خلال الاستيراد، وتزداد المشكلة تعقيدا في ظل استمرار ارتفاع معدلات الزيادة السكانية التي تتجاوز 2.6% سنويا حيث قارب عدد السكان مائة مليون مواطن لأول مرة وفقا للإحصائيات الرسمية.

والمشكلة الثانية هي الفجوة الدولارية والتي تبينها بوضوح بيانات ميزان المدفوعات عن العام المنصرم2015-2016 حيث تراجعت الصادرات السلعية 3.5 مليارات دولار، وتراجعت إيرادات السياحة بـ 3.66 مليارات، وتراجعت إيرادات قناة السويس 0.240 مليار، وتراجعت تحويلات العاملين بالخارج 2.4 مليار. ولم تجد الحكومة بديلاعن الاقتراض لسد الفجوة الدولارية خلال عام 2015-2016 حيث اقترضت ستة مليارات دولار.

وتظهر الآثار السلبية على الإقتصاد المصري جراء تنفيذ إجراءات تحرير سعر الصرف و بتخفيض قيمة الجنيه فيما يلي:

  • زيادة الأعباء المعيشية ، مشكلة أصحاب الدخول المحدودة والثابتة -وهم شريحة كبيرة تزيد على 75% من القوى العاملة في مصر- أن دخولهم لا تتواكب مع الزيادة في الأسعار،والقرار سيؤدي إلى زيادة جديدة تضاف إلى معاناة المواطن المصريومن هنا ستكون وطأة موجة التضخم القادمة قاسية على الأسر المصرية. فإذا كانت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تشير إلى أن معدل التضخم على أساس سنوي بلغ 15% في سبتمبر 2016، فإن معدل التضخم خلال الشهور القادمة سيتجاوز هذه النسبة، وفقالتوقعات مؤسسة كابيتال إيكونوميكس.
  • معدلات أكبر للكسادلمواجهة موجات التضخم في ظل انخفاض الجنيه وحماية المدخرين، اتخذ البنك المركزي عدة قرارات بزيادة أسعار الفائدة، وهو ما يعني أن سعر الفائدة سيرتفع على الإقراض للمستثمرين، وهو ما سيرفع تكلفة التمويل على المستثمرين.
  • ارتفاعنسب التضخم، على الرغم من أن البعض قد يرى أن السوق قد استوعبت الموجات التضخمية خلال الأيام الماضية بعد وصول سعر الدولار إلى 18 جنيها في السوق السوداء،فإنه يتعين أن نوضح أن البنك المركزي كان يمول الاحتياجات الحكومية سواء لأغراض الإنتاج أو الاستهلاك عند أسعار 8.86 جنيهات للدولار، وبالتالي فالمؤسسات الحكومية والعامة ستزيد من تكلفة منتجاتها، وهو ما سيساعد على ارتفاع الأسعار.كما أن السوق المصرية يفتقد لكل أشكال الرقابة سواء من الحكومة أو المجتمع المدني، وبناء على توقعات مؤسسة كابيتال إيكونوميكس للأبحاث ستزيد معدلات التضخم في مصر خلال الشهور القادمة.
  • زيادة أعباء الدين الخارجي، الأقساط والفوائد الخاصة بالدين الخارجي تدفع بالعملات الصعبة، ولكنها تترجم في حسابات الموازنة بالجنيه المصري، فالافتراضات التي بنيت عليها موازنة 2016-2017 تبين أن سعر الدولار قدر بالسعر الرسمي بحدود 8.6 جنيهات، ومع سياسة تحرير سعر الصرف فإن عبء الدين الخارجي وغيره من بنود الموازنة التي تقدر بالدولار سيزيد من قيمة ونسبة عجز الموازنةالذي تجاوز 12.2% عام 2015–2016  وفق تقديرات وزارة المالية المصرية عن الحسابات الختامية.

الآليات والحلول

رغم اتخاذ الدولة مجموعة من الإجراءات، كبرنامج تكامل وكرامة، وبرنامج معاش الضمان الاجتماعي، إضافة إلى توفير 200 مليار جنيه كقروض للمشاريع الصغيرة وتوفير مليون وحدة سكنية للشباب، كإجراءات احترازية لتقليل تأثيرات القرارات الاقتصادية الصعبةالا أنها عجزت عن مواجه الغلاء الرهيب فى وزيادة الأسعار ورفع المعاناة عن كاهل محدودى ومتوسطى الدخل من المستلزمات الحياتية اليومية الأساسية، ويعرض الباحث مجموعة من مقومات الإصلاح  المقترحة للمساعدة فى ذلك:

  • إعادة هيكلة الجهاز الإنتاجي للدولة وإتاحة المناخ الملائم أمام فرصتصدير المنتج المحلىمن خلال تنمية صناعية وزراعية مستدامة، في إطار خطة قصيرة ومتوسطة المدى، لإقامة صناعات للتوجه نحو تنمية التصدير للخارج من خلال دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، حيث أنقرار البنك المركزي الأخير سيؤدي إلى رفع درجة تنافسية المنتج المحلى لإنخفاض قيمته، وبالتالى زيادة الصادرات نتيجة انخفاض أسعار هذه الصادرات بالنسبة إلى الأجانب.
  • دراسة عملية التعويم تدريجيا في إطار تطبيق سياسة حرية الهوامش التي تتيح رفع السعر بنسبة 20%على الأكثر، ثم يخفض بنسبة 5%، ثم يرفع مرة أخرى لنسبة 15%، وهكذا تستمر حركة النسبة إلى أعلى تارة و إلى أسفل تارة أخرى، خلال فترة زمنية محددة حتى الوصول إلى السعر المنشود.
  • العمل على إقامة تجمعات صناعية وزراعية وتجارية تكامليةحول مشروع تنمية محور قناة السويس.
  • من خلال فريق بحثى مؤهل يتم دراسة تجربة الصين ودول جنوب شرق آسيا في إعادة هيكلة أجهزتها الإنتاجية وتحقيق طفرات هائلة خلال فترات بسيطة وممنهجة علميًا وعمليًا، وتقليل اللجوء لمؤسسات التمويل الدولي لخفض تكلفة خدمة الديون واستخدام فوائض الإنتاج لديها في عملية التنمية.
  • العمل على تطوير كفاءة المنتجات محلية الصنع واستخدامها كبدائل عن المنتجات الأخرى وتشجيع المواطنين على الإقبال عليها، خاصة بعد توقف الكثير من المستوردين عن نشاطهم فى الفترة الحالية والذى يعتبر بيئة خصبة لرواج المنتج المحلى .
  • تحفيز الأجهزة الرقابية المعنية بضبط عملية التسعير بالأسواق المحلية .
  • دعمقدرة القطاع المصرفي الرسمي على تلبية كامل احتياجات المستوردين من العملات الأجنبيةلزيادة الصادرات المرتبط تحققها بمناخ سياسي مستقر.
  • تشجيع الاستثمار الأجنبي، وإنشاء مشروعات جديدة، خصوصا أن المستثمر يبحث دائماً عن التكلفة الأقل لمشروعه وسعر موجد للعملة قبل الدخول فى أسواق ناشئة مثل مصر، حيث يعمل المستثمر على تغيير العملة الصعبة مع دخوله السوق للإنفاق على المشروع من أجور وتكاليف أخرى، وفى نهاية السنة المالية للمؤسسة يعمل على تدبير الدولار مرة أخرى لتحويل الأرباح للخارج، وبالتالى فإن التعويم يفيد المستثمر الأجنبى.
  • تشجيع المصريين العاملين في الخارج على زيادة التحويلات حيث أنهلم يرتفع الدولار وحده أمام الجنيه المصري، إنما شهدت معظم العملات ارتفاعاً بعد انخفاض قيمة الجنيه، ما يفيد المصريين العاملين في الخارج من زيادة فروق تحويل العملات، خصوصاً أنهم المورد الثالث للعملة الصعبة في مصر، بعد إيرادات السياحةوإيرادات قناة السويس.
Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى