الأفريقية وحوض النيلالدراسات البحثية

قمة أفريقيا – إسرائيل في توجو : المغزي والنتائج المُتوقعة

اعداد السفير: بلال المصري – سـفـيـر مصر السابق لدي ألأنجولا وساوتومي والنيجر

  • المركز الديمقراطي العربي

من مظاهر قوة العلاقات التوجولية / الإسرائيلية أن الرئيس التوجولي Faure Gnassingbé قام بزيارة إسرائيل ثلاث مرات الأولي عام 2012 ثم قام بزيارته الثانية لها في الفترة من 7 إلي 11 أغسطس 2016 وكانت الثالثة بمناسبة مشاركته في جنازة رئيس الكيان الصهيوني الراحل Shimon Peres في سبتمبر 2016 , لكن زيارته الثانية كانت الأهم فبشأنها صدر بيان عن خارجية توجو أشار إلي ” أن الرئيس التوجولي ورئيس الوزراء الإسرائيلي تحدوهما الثقة في الإمكانات غير الإعتيادية للتعاون الإقتصادي بين البلدين ” وأنهما عبرا عن ” تصميمهما للعمل معاً ليصبح هذا التعاون أقوي خاصة في مجالات الزراعة والصحة العامة والتعليم والتعليم العالي وعلوم التكنولوجيا والأمن وتنمية المجتمع والحماية الإجتماعية ” ثم أشار البيان إلي أنهما إتفقا علي عقد قمة ” إسرائيل – أفريقيا في العاصمة التوجولية Lomé تحت عنوان “الأمن والتنمية ” , وقد وردت الإشارة بشأن إتفاقهما علي عقد هذه القمة مرة أخري في البند الخامس من البيان الختامي الصادر في 10 أغسطس 2016عقب إنتهاء هذه الزيارة .

تنفيذاً لما ورد بالبيان الختامي لزيارة الرئيس التوجولي لإسرائيل بشأن عقد قمة ” إسرائيل – أفريقيا ” بتوجو قام وزير خارجية توجو Robert Dussey بزيارة هي الثانية له في عام واحد لإسرائيل حيث ألتقي في 23 يناير 2017 برئيس وزراء الكيان الإسرائيلي Benjamin Netanyahu لتوجيه الدعوة الرسمية إليه للمشاركة في قمة أفريقيا – إسرائيل للتنمية والأمن في الفترة من 16 إلي 20 أكتوبر بالعاصمة التوجولية Lomé بحضور عدد يتروح بين 20 إلي 25 من القادة الأفارقة , وخلال هذه المقابلة أشار البروفيسور Robert Dussey إلي ” أن بلاده مُتحمسة لفكرة عقد هذه القمة بإعتبارها وسيلة رائعة لتسريع تنمية العلاقات بين إسرائيل والقارة الأفريقية ” وأضاف ” أن طموح الرئيس Faure Gnassingbé (رئيس توجو) أن تجتمع أفريقيا كلها في Lomé لوضع ملامح شراكة جديدة بين أفريقيا وإسرائيل , وأن هذه القمة ستسمح برسم حدود نهضة للعلاقات التاريخية بين قارتنا والدولة العبرية ” , وقال مُوجهاً عبارته لرئيس الوزراء الإسرائيلي ” إنني سعيد جداً لأني أود أن أدعوكم لحضور قمة أفريقيا – إسرائيل للتكنولوجيا والأمن في أكتوبر القادم في Lomé , فأنتم كنتم في شرق أفريقيا , ونحن لا نريد إعطاءكم غرب أفريقيا فقط بل نريد أن نعطيكم كل أفريقيا ” (يجدر بالذكر أن الصحفي THOMAS L. FRIEDMAN كتب في عمود الرأي في The New York Times مقالاً بعنوان ” عامل الخوف في توجو ” نُشر في الأول من ديسمبر 2016 تضمن وصف الطائفة اليهودية بتوجو بأنها ” غير محبوبة”) , كما أشار وزير خارجية توجو إلي أن قمة مُوازية عن الأمن البحري ستعقد مع قمة أفريقيا – إسرائيل وستعرض فيها شركات إسرائيلية وأفريقية لخبراتها , وعبر عن سعادته بزيارة إسرائيل وبصفة خاصة القدس كما أعرب عن تقديره لرئيس الوزراء Netanyahu الذي صرح للصحافة عقب المقابلة بقوله ” أريدكم أن تعرفوا كم نحن سعداء بأننا نقوي أكثر فأكثر العلاقات بين توجو وإسرائيل ” وأضاف قوله ” إنكم تعرفون تعطشنا الكبير للعودة لأفريقيا , لكنكم كنتم دائما هنا , فبالنسبة لنا لم تكن علاقاتنا بشرق أفريقيا هي المهمة لنا فقط , لكن غرب أفريقيا أيضاً , لذلك أتطلع لفرصة تواتيني لزيارة غرب أفريقيا زيارة معك والرئيس والآخرين لأننا ملتزمون بصفة مُطلقة بالعلاقة الأصيلة بين أفريقيا وإسرائيل ” .

أشارت شبكة Jewish & Israel News Algemeiner الإخبارية في 23 يناير 2017 بالإحالة علي The Jerusalem Post إلي أن منظمي هذه القمة أشاروا إلي أنها ستركز علي مسائل الأمن ومكافحة الإرهاب والعلاقات الإقتصادية والتعاون في مجالات الزراعة والتقنيات الجديدة , التي أشارت أيضاً نقلاً عن مصادر توجولية أن توجو ستدفع في إتجاه حصول إسرائيل علي وضعية ” المُراقب ” بالإتحاد الأفريقي .

ساقت توجو – التي تعتبر ثاني أكبر متعامل تجاري مع إسرائيل في أفريقيا عام 2013 – مبررين لإضطلاعها بهذا الدور الترويجي أو دور الواجهة Front لصالح السياسة الإسرائيلية في أفريقيا , الأول صدر عن الرئيس التوجولي Gnassingbe عندما أجاب عن سؤال عما إذا كان قد إعتراه القلق بشأن رد الفعل السلبي من دول الشمال الأفريقي والدول العربية فقال ” إن توجو بلد صغير ولم تأخذ بليونات الدولارات من العربية السعودية وقطر . إن السكان المسلمين بتوجو عدهم صغير وليسوا بالفاعلين ” , أما الثاني فصدر عن وزير الخارجية التوجولي عندما تحدث بعد إجتماعه برئيس الوزراء Netanyahu مع صحيفة The Jerusalem Post عن مقترح بلاده بعقد هذه القمة الإسرائيلية بقوله ” هناك مؤتمر ” الصين – أفريقيا ” و ” أفريقيا – فرنسا ” , لكن لُوحظ إغفاله الإشارة إلي القمم العربية / الأفريقية وآخرها القمة الرابعة التي عُقدت في Malabo عاصمة غينيا الإستوائية في الفترة من 17 إلي 23 نوفمبر 2016 تحت شعار ” معا من أجل التنمية الاقتصادية المستدامة ” وهي القمة التي إنسحبت من المشاركة فيها وفود المغرب، السعودية ، الإمارات ، البحرين ، قطر ، الأردن ، اليمن ، والصومال بسبب إصرار سكرتارية الإتحاد الأفريقي علي مشاركة وفد للجمهورية العربية الصحراوية RASD (البوليساريو) التي يعترف الإتحاد بها كدولة عضو به , وتابع وزير خارجية توجو لهذه الصحيفة فقال ” ولقد فكرت توجو بأننا نحتاج لإجتماع أفريقيا – إسرائيل بين رؤساء الدول ” , وتعتقد توجو – وفقاً لمصدر قريب من الرئيس Gnassingbe – أن إستضافتها وترويجها لهذه القمة سيوفر لها مصداقية ونفوذ بإعادتها إسرائيل لأفريقيا علي الصعيدين السياسي والإقتصادي أيضاً .

تعد توجو من الدول الأفريقية التي تُصنف علاقاتها بإسرائيل بأنها الأقوي من بين الدول التي ترتبط بعلاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل , ومن بين الإشارات الدالة علي ذلك مؤخراً علي الصعيد السياسي تصويت توجو ورواندا وكينيا وبوروندي لصالح الموقف الإسرائيلي في الوكالة الدولية للطاقة الذرية , ومما يلفت النظر أن توجو المُثقلة بالديون الخارجية ستنظم بها قمتان متتاليتان وهي التي تعاني أوضاعها الداخلية من عدم الإستقرار وإفتقاد مؤسساتها الصحية والتعليمية للحد الكافي للوفاء بخدماتهما وربما كان من بين مُحفزات الرئيس التوجولي أنه يسعي لكسب تعاطف رجال الأعمال اليهود الإسرائيليين الذين يستثمرون في قطاع التعدين وتحديداً الفوسفات بتوجو وعلي رأسهم Raphy Edery أحد العناصر التي كانت تعمل بجهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي MOSSADوهذه الشبكة من رجال الأعمال الإسرائيليين دخلوا في مفاوضات مؤخراً مع Consortium إسرائيلي – صيني من بين أهم أعضاءه رجل الأعمال الإسرائيلي Elenilto والصيني Wengfu اللذان يسيطران علي معظم سوق إستغلال النحاس بأفريقيا جنوب الصحراء , ومن ثم فإن الرئيس Faure Gnassingbé يتقرب من إسرائيل لإعادة التموضع السياسي له من خلال منح إمتياز إستغلال فوسفات بلاده لليهود وعليه فإن هذه القمة ما هي إلا تحقيق لضغط مؤثر من Faure علي الدولة العبرية التي تحقق مصالح أوسع مدي من تلك التي يسعي Faure لتحقيقها فإسرائيل تحقق بهذه القمة إختراقاً مُؤثراً بأفريقيا وتنقل خطوط التماس مع أفريقيا إلي مسافة أبعد تقف فيها إسرائيل مع القوي الدولية كتفاً بكتف أي مع الصين والولايات المتحدة وفرنسا والهند وروسيا وإيران وتركيا مُؤخراً , أما توجو فسيظفر رئيسها بفترة رئاسية أخري .

المرحلة التمهيدية السابقة علي الإعلان عن عقد القمة :

إن عقد قمة أفريقيا – إسرائيل حدث ذو طبيعة إستثنائية توج العلاقات الأفريقية الإسرائيلية , إذ أن وراءه جهد إسرائيلي مُخطط سينقلها من إطار ثنائي ضيق إلي إطار جامع أو جماعي , وذلك بعد أن ظلت تتراوح ما بين حركتي المد والجزر خلال 60 عاماً منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وغانا أول الدول الأفريقية التي تبادلت العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني عام 1956, إلي إستقرت خاصة بعد إتفاق أوسلوا الذي أنتج ما يُسمي بالسلطة الفلسطينية فبدأت حركة مد منتظم قادتها الدبلوماسية الإسرائيلية بمعاونة أجهزة إسرائيلية أخري معنية , أدت في النهاية إلي تأسيس إسرائيل لعلاقات دبلوماسية مع 40 دولة من بين 48دولة بأفريقيا جنوب الصحراء , وهذا الإنتقال الناجح يشير بلا شك إلي كفاءة وحرفية عالية لجهازي الدبلوماسية والدعاية الإسرائيليين وبالطبع إلي خمول وترهل وعدم إنضباط الأجهزة العربية المناظرة لأسباب مختلفة , لكن الذي أود أن ألقي الضوء عليه أن تحقيق إسرائيل لإنعقاد هذه القمة سبقه ويحيط به عمل ضخم منتظم ومخطط بتضافر أكثر من جهاز أو مؤسسة إسرائيلية , لكن يمكن وبصفة مُختصرة الإشارة إلي أن هذا العمل من الجانب التوجولي تم علي ثلاث مراحل رئيسية هي :-

الأولي: كانت في الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإسرائيلي السابق Avigdor Lieberman في بداية يونيو 2014 وأستغرقت عشرة أيام إلي رواندا وساحل العاج وغانا وإثيوبيا وكينيا وأستهدفت الترويج لمسعي إسرائيل للحصول علي صفة ” مراقب ” بالإتحاد الأفريقي وأعقبها في 26 يونيو إرسال إسرائيل لوفد إلى قمّة الاتحاد الإفريقي في مالابو (غينيا الاستوائية) لتكون ممثلةً في هذا الاجتماع القارّي بصفتها مراقباً ، ولكن هذا الوفد ووُجه بالرفض من قِبَل رئيس الدولة الموريتانيّة محمد ولد عبد العزيز، ثمّ من رئيس الاتحاد الإفريقي نفسه ووفوداً من دول أعضاء طالب جميعهم بخروج الوفد الإسرائيلي من مركز المؤتمرات حيث تمّ عقد القمة , وفي يوليو2016 وقبل عقد قمة الإتحااد الأفريقي في كيجالي في الفترة من 10 إلي 18 يوليو 2016 قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بزيارة لبعض دول شرق أفريقيا تدشيناً للإستراتيجية الراسخة التي بدأتها إسرائيل في خمسينات القرن الماضي وأستأنفها Netanyahu والهادفة إلي وضع أفريقيا بمواردها وحاجاتها المُلحة للتنمية علي خريطة الإقتصاد الإسرائيلي وهي الزيارة التي أعقبها زيارة قام بها Dore Gold مدير عام الخارجية الإسرائيلية لغينيا (أحد أهم الدول الأفريقية في نظر إسرائيل وفرنسا والولايات المتحدة) إلتقي فيها الرئيس الغيني Alpha Conde في إطار الإعلان عن إستعادة العلاقات الغينية / الإسرائيلية في 20 يوليو 2016 وتوقفه خلال توجهه إلي كوناكري في ندجامينا حيث إلتقي هناك بالرئيس التشادي إدريس دبي ولم يمنع عدم وجود علاقات دبلوماسية(قُطعت عام 1972) هذه الزيارة لأحد الرسميين بالحكومة الإسرائيلية وأشارت صحيفة The Jerusalem Post في يوليو 2016 أن العلاقات الإسرائيلية / التشادية من المتوقع إستئنافها وفي إشارة ذات مغزي أحالت هذه الصحيفة في 21 يوليو 2016علي الجنرال Donald C. Bolduc قائد العمليات الخاصة بالجيش الأمريكي تصريحه في أبريل 2016 لمجلة New York Times ” إن بحيرة تشاد تمثل المنطقة صفر” في إشارة إلي المواجهات بين جماعة Boko Haram في نيجيريا والكاميرون والنيجر وتشاد وأحالت الصحيفة علي مصادر رسمية دبلوماسية إسرائيلية قولها أن هذه الدول تواجه الإرهاب الراديكالي الإسلامي وأن كثير من هذه الدول لديها إهتمام بتلقي تدريبات علي مكافحة الإرهاب من إسرائيل لوحدات النخب العسكرية بها وكذلك للتعاون الإستخباراتي والحصول علي التقنية ذات الصلة , وأوضحت الصحيفة إلي أن مسئولاً إسرائيلياً كبيراً قريب من مجال العلاقات الأمنية المباشرة بين إسرائيل وكل من مصر والأردن والعلاقات المعروفة غير المباشرة لكن من خلال الإتصالات الرادارية مع السعودية ودول الخليج , أفادها بإقناعه بلاد أفريقية عديدة ليس لها أن تقلق من الضغوط العربية بسبب تطويرعلاقاتاتها مع إسرائيل , في الوقت الذي لدي الدول العربية علاقات مع إسرائيل , وأشارت الصحيفة نقلاً عن هذا المسئول قوله ” أن إسرائيل وكثير من الدول الأفريقية يشتركون الآن في مواجهة عدو واحد هو التطرف الإسلامي وتريد الدول الأفريقية الإستفادة من الخبرات الإسرائيلية في هذا المجال ” , وأشارت صحيفة إسرائيلية أخري هي The Post في يوليو 2016 أن وفدين من مالي وتشاد زارا إسرائيل مُؤخراً ولم تشر الصحيفة إلي سبب الزيارة أو كنه الوفدين , كما يقع في نفس هذا الإطار اللقاء الذي جمع ما بين رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي Benjamin Netanyahu ورؤساء رواندا وسيراليون وتوجو ورؤساء وزارات ووزراء خارجية يمثلون معاً 12دولة أفريقية بنيويورك بمناسبة مشاركتهم في أعمال الدورة السنوية الإعتيادية للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2016 , والتي قال رئيس وزراء الكيان الصهيوني فيه لهم ” إن أفريقيا تثير خيالنا , وإننا نود إقتراح الصداقة والشراكة مع كل بلد من بلادكم ” وعقب اللقاء حضر Netanyahu وسفير الكيان لدي الأمم المتحدة Danny Danon مع هؤلاء فعالية تقديم وعرض للتطورات التقنية التي تنتجها شركات بالكيان الصهيوني منها شركة متخصصة في توليد الطاقة الشمسية .

الثانية: كانت في الزيارات الثلاث التي قام بها لإسرائيل الرئيس التوجولي Faure Gnassingbé وكان آخرها زيارته في الفترة من 7 إلي 11 أغسطس 2016 والتي تضمن البيان الختامي الصادر بشأنها في فقرته رقم (5) ” أنه ” فيما يتعلق بالموضوعات الإقليمية إتفق الرئيس Gnassingbé ورئيس الوزراء Netanyahu علي عقد قمة أفريقيا – إسرائيل في Lomé تركز علي موضوع الأمن والتنمية بهدف تقوية التعاون بين إسرائيل وأفريقيا ” , وأشار البيان في ختامه إلي أن الرئيس التوجولي وجه دعوة لرئيس وزراء الكيان الصهيوني قبلها رئيس وزراءه علي أن يتم الترتيب لها عبر القنوات الديبلوماسية .

الثالثة: وهي مرحلة كانت تتم بالتوازي والتكامل مع المرحلتين السابقتين وتتمثل في الدور الشخصي غير الرسمي الذي إتبعته إسرائيل في بشأن الترتيب والتنسيق المُسبق لهذه القمة تحديداً وهو الدور الذي سبق لها إستخدامه مع تديل معين لإعادة العلاقات مع غينيا وذلك علي النحو الآتي :

(1) الترتيب والتنسيق بشأن قمة إسرائيل / أفريقيا :

وهو مسار شخصي غير رسمي وهو الذي إعتمدت بشأنه الأجهزة الإسرائيلية المعنية بصنع ثم إتخاذ القرار السياسي علي تطبيق منهج إستخدام العلاقات الشخصية البحتة والمباشرة للترويج وتنفيذ القرارات السياسية لإسرائيل ومنها قرار عقد قمة إسرائيلية / أفريقية وهو قرار إسرائيلي أنيط الإعلان عنه لتوجو (أشارت صحيفة THE JERUSALEM POST في 11 يوليو 2016 أي قبل زيارة الرئيس التوجولي لإسرائيل بالإحالة علي مسئول إسرائيلي كبير قوله أن Netanyahu يود الدعوة لقمة في غرب أفريقيا في المستقبل القريب مُشابهة لتلك التي عقدها في الأسبوع الماضي مع قادة شرق أفريقيا) , وهو ما إقتضي إدخال عامل مساعد يتضافر مع المرحلتين الأخريين وهو العامل الشخصي الذي كان من الضروري – طالما أنه متوفر – إستخدامه نظراً لدقة الهدف ولكونه غير مسبوق ومتعدد النتائج , فقد أشارت صحيفة THE JERUSALEM POST في 24 يناير 2017 إشارة خاطفة إلي أن وراء الترتيبات السابقة للإعلان عن إنعقاد قمة إسرائيل / أفريقيا شخصية يهودية تربطها بالحكومة التوجولية روابط وثيقة وهي شخصية Bruno Finel اليهودي الصهيوني الذي وصفته هذه الصحيفة بأنه القوة الدافعة Driving Force والتي حولت فكرة جمع القادة الأفارقة في قمة مع إسرائيل لتقوية العلاقات السياسية وعلاقات الأعمال إلي واقع , وأوضحت أن جهود السيد Driving Force إستمرت لتحقيق هذا الهدف علي مدار 18 شهر إلي أن تكللت بالنجاح حين أعلنت توجو عن إستضافتها , ومن الضروري إذن لما لدور Bruno Finel من أهمية في وضع بعض قرارات إسرائيل موضع التنفيذ كهذه الحالة , وكذلك لإمكانية تكرار تدخل شخصيات صهيونية أخري في تنفيذ قرارات أخري لإسرائيل , أن نلقي ضوء علي شخصية Bruno Finel :

من المعروف أن Bruno Finel المتخصص في الشئون الدولية هو أبن Lucien Finel المساعد السابق للرئيس الفرنسي Jacques Chirac(لاحقاً) إبان تقلده منصب عمدة باريس , كما كان Lucien عضواً بالمقاومة الفرنسية إبان الحرب العالمية الثانية , وشغل منصب رئيس الإتحاد الليبرالي الإسرائيلي l’Union Libérale Israélite وأنضم إلي الإتحاد الديموقراطي الفرنسيl’Union pour la démocratie française وهو حزب ينتمي ليمين الوسط , وكان كذلك أحد 500 شخصية يهودية صهيونية مؤثرة وحاضرة في الإعلام الفرنسي , ونجا من حادث تفجير كنيس بباريس في 3 أكتوبر 1980 وتوفي في 24 مايو 2013 , أما أبنه Bruno Finel الذي تولي الترويج لفكرة عقد قمة إسرائيل / أفريقيا فهو حاصل علي درجة الإجازة في القانون من جامعة Assas الفرنسية عام 1982ويحمل الجنسية التوجولية بالإضافة لجنسيته الفرنسية , وكان يعمل في الفترة من 1989 حتي 1999مديراً ادارياً وصاحب الحصة الرئيسية بشركة Cablevision الفرنسية المُنتجة لبرامج لمحطات تليفزيونية لدول أفريقية ولدول أوروبية ولفرنسا , ويقدم خدمات إستشارية تتعلق بالإستثمارات لحكومتي نامبيا وساحل العاج وتوجو وتونس وأنشأ وأدار من خلال Cablevision مواقع رسمية عامة للمعلومات علي شبكة المعلومات الدولية في نامبيا وتوجو وتونس , وأنشأ كذلك مواقع مُتصلة بهذه المواقع للمعلومات والأخبار مُخصصة للسودان وتونس , وعُين عام 2009 في منصب وزير مفوض ونائب رئيس البعثة الدبلوماسية التوجولية لدي الولايات المتحدة الأمريكية وهو حالياً نائب رئيس Asura Development Group, Inc ومدير العمليات الدولية ومقرهذه المجموعة المُتخصصة في البناء وتكنولجيا النظافة في Scottsdale بولاية Arizona الأمريكية , وقد عمل Bruno أيضاً لحساب عدة حكومات شرق أوسطية وأفريقية علي مدار أكثر من 30 عاماً في مجال الدبلوماسية العامة وإدارة العلاقات العامة الدولية .

من هذه الخلفية المُقتضبة لموقع والده Lucien Finel في السياسة الفرنسية التي تشغل فيها أفريقيا الفرانكفونية مساحة معتبرة وأولوية نسبية عن دوائر السياسة الأفريقية لفرنسا بالإضافة إلي نشاط Bruno Finel الأبن نفسه الذي تحرك في دائرتي دول الشرق الأوسط وأفريقيا في مجالي الإتصالات والدبلوماسية العامة , فإنه يكون من المنطقي إستنتاج أهمية الدور الذي لعبه في الترويج لدي القادة الأفارقة للمشاركة في قمة إسرائيل / أفريقيا بإعتبارها تتويجاً للعمل الإسرائيلي الرسمي وغير الرسمي المُتصل – رغم الكبوات – لبناء علاقات إسرائيلية في أفريقيا , وتعتبر الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن الإتصالات التي تتم بواسطة شخصيات صهيونية مقيمة بدول القارة الأفريقية (وهو ما يفتقده معظم العرب المقيمين ببعض الدول الأفريقية) دور لا غني عنه ليس فقط في المراحل التمهيدية لإنفاذ سياسات أو قرارات تتعلق بالعلاقات الإسرائيلية / الأفريقية بل ربما تتعداه في حالات معينة كحالة عقد قمة إسرائيل / أفريقيا , لأن الدور الشخصي لهذه الشخصيات الصهيونية من قوة التأثير بحيث أنه يتناسب مع الطبيعة الشخصية للقرار السياسي في معظم الدول الأفريقية , كما هذه الشخصيات الصهيونية المُؤهلة مُتحررة ومتخففة من بعض القيود التي قد تمنع الرسميين في إتصالاتهم الرسمية من تناول الحديث عن حوافز ذات طبيعة إستثنائية تُمنح لبعض القادة الأفارقة إن هم تجاوبوا بفاعلية وقرروا المشاركة في هذه القمة التي ستنقل العلاقات الإسرائيلية / الأفريقية لمساحة جديدة بل ومنتجة لإسرائيل .

(2) الإستخدام الرسمي المموه لشخصيات دبلوماسية :

وهو مسار رسمي لكنه مموه عمداً ويتم إستخدامه بصفة إستثنائية وسرية وفي حالات بعينها وبموجبه تعتمد إسرائيل علي تحقيق إختراق في العلاقات الدبلوماسية وسط ظروف مُعقدة , وقد عايشت تطبيق إسرائيل لهذا المسار فقد جري إستخدامه في حالة محاولة إسرائيل في ثمانينات القرن الماضي إستعادة علاقاتها الدبلوماسية مع غينيا / كوناكري التي سبق قطعها يوم 5 يونيو 1967بعد أن قررت حكومة غينيا في نفس هذا اليوم طرد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية من كوناكري بسبب العدوان الإسرائيلي علي مصر وسوريا والأردن , لكن الذي حدث هو أن إسرائيل بعد نحو 18 عاماً علي قطع هذه العلاقات رأت بمتابعتها للأوضاع في غينيا / كوناكري أن الوقت قد حان لإستعادة العلاقات مع دولة أفريقية هامة للغاية من عدة أوجه سياسية وإقتصادية مثل غينيا , التي تعتبر حالة إستثنائية في تاريخ السياسة الفرنسية في فترة ما بعد إعلان الإستقلال لدول أفريقيا الفرانكفونية في غربي أفريقيا أو ما عُرف تاريخياً بالسودان الفرنسي , إذ بعد أن حصلت غينيا علي إستقلالها عن فرنسا في 2 أكتوبر 1958 عرضت عليها فرنسا الإنضمام إلي الإتحاد الفرنسي (الجماعة الفرنسية) إبان عهد الجنرال Charles de Gaulle سيئ الذكر عربياً وجزائرياً علي نحو خاص , وهو أي الجماعة الفرنسية نظام يشمل الجمهورية الفرنسية وأقاليم ما وراء البحار من جانب ومن الجانب الآخر الدول الأعضاء فيه وهي في معظمها المستعمرات الفرنسية السابقة في وسط وغربي أفريقيا ووفقاً لهذا النظام فإن الجمهورية الفرنسية ليست علي قدم المساواة المُطلقة مع باقي الدول الأعضاء في الإتحاد فللجمهورية الفرنسية كفالة التمثيل الخارجي الدولي للجماعة الفرنسية كلها كذلك تحظي الجمهورية الفرنسية بالكفة الراجحة فيما يتعلق بإدارة الشئون المُشتركة وللدول الأعضاء في حدود هذين التحفظين التمتع بالسيادة الداخلية , ووضعت فرنسا دستوراً عام 1958 فصل نظام الإتحاد الفرنسي تفصيلاً , ففي الباب الثالث عشر منه والمُتعلق بالدول المُشتركة في الجماعة الفرنسية وتحت عنوان ” إتفاقات الإشتراك ” Des Accords D,Association تضمن مادة وحيدة هي المادة 88 نصت علي أنه يجوز للجمهورية الفرنسية أو للجماعة أن تعقد إتفاقات مع الدول التي ترغب في المشاركة معها لتنمية حضارتها , وأن أحكام هذا الإشتراك متروكة بطبيعة الحال لعقد المُشاركة , وكان الباب الثالث عشر عبارة عن عرض دستوري إستهدفت فرنسا من وراءه إجتذاب المحميات والدول والأقاليم المُشتركة السابقة (مستعمراتها) كي تدور في فلكها لكي تحتفظ للجماعة الفرنسية الجديدة آنئذ بدرجة ما من المرونة تكفل لها البقاء مع تيار القومية الصاعد في الدول الأفريقية الأعضاء , بحيث إذا أرادت إحداها المزيد من الإستقلال ففي وسعها بدلاً من الإنفصال نهائياً عن فرنسا أن تبقي معها في إرتباط علي نحو آخر يحقق لها الإستقلال المُرتجي مع بقاءها في فلك فرنسا , وما كان لغينيا وزعيمها أحمد سيكوتوري رئيس الدولة ورئيس الحزب الديموقراطي الغيني الحاكم PDG (وهو من قبيلة المالينكا المعروف عن أفرادا باليسر المالي والإشتغال بالتجارة والدأب في العمل علي خلاف قبيلة السوسو التي ينتمي إليها الرئيس الغيني الراحل Lansana Conté والتي معروف عن أفرادها بتواضع المستوي المعيشي ومعاقرة الخمور والبطالة والتي لم تكن تمثل غير 5% من مجمل سكان غينيا) بعد إنفصالها عن فرنسا بالإستقلال عنها أن تقبل بهذا العرض الدستوري وتدخل في إتحاد إستقلالي مع فرنسا , ولكنها أعرضت ورفضت مُفضلة عدم الإرتباط بأي رابطة مع فرنسا (محمد محمد حسنين . الإتحاد الفرنسي ” الجماعة الفرنسية – فرنسا فيما وراء البحار ” . مطبعة العلوم القاهرة 1960 . صفحة 301) .

كان لموقف الرئيس الغيني الرافض وبقوة للإنضمام والذي لم يتكرر صدوره عن مستعمرة فرنسية سابقة أخري بأفريقيا رد فعل سلبي حانق لدي الرئيس الفرنسي Charles de Gaulle الذي طالما تغني بالحرية وحقوق الإنسان إبان قيادته لتحرير فرنسا والإطاحة بحكومة فيشي المُؤيدة من النازي في الحرب العالمية الثانية وصوره لنا الإعلام العربي وبعض النخبة المغشي عليها ذهنياً علي أنه رجل الحق والحقيقة وقت أن كان يسفك دماء أخواننا في الجزائر ويحرم الأفارقة من حريتهم , ونظرة إلي الإتحاد الفرنسي الذي فرضه عليهم قبل الإستقلال تظهر ميوله الإستعمارية النقية , وإزاء موقف سيكوتوري الرافض لأي رابطة مع فرنسا كالت فرنسا / ديجول له التهديدات لرفضه أيضاً الإنضمام لكتلة الفرنك الفرنسي فقد أصر علي سك عملة غينية مستقلة تماماً عن كتلة الفرنك الفرنسي أسماها SYLIS وكانت العملة النقدية منها من فئة خمسة SYLIS مطبوع عليها صورة الزعيم الغاني كوامي نكروما , وأمام هذا الرفض الصارم إضطر الفرنسيين إضطراراً إلي الجلاء عن غينيا ولكن من فرط حقدهم نزعوا أعمدة التليفون ومظلات الحافلات العامة وقد رأيت آثار لذلك بنفسي وقت أن كنت أعمل بكوناكري عام 1981 , ولذلك نجد الإعلام الفرنسي أو الذي يُظاهرة مثل مجلة Jeune Afrique تصدر عدداً خاصاً برقم 8 في يونيو 1984 بمناسبة وفاة الرئيس سيكوتوري في مستشفي بكليفلاند بالولايات المتحدة في 26 مارس 1984 حيث كان يُعالج من أزمة قلبية , شنت فيه هجوماً مريراً علي شخص الرئيس سيكوتوري لم تفعله في حالة وفاة سبنجور رئيس السنغال الأسبق أو هوافيه بوانيي رئيس ساحل العاج الأسبق , وقالت في مقدمة هذا العدد أن وفاة سيكوتوري نهاية لستة وعشرين عاماً من الطغيان القاسي في غينيا La fin de vingt – six annees de tyrannie implacable en Guinee” ” مع أن سنجور وهوافييه وأضرابهما من قادة التحرير لبلادهم كانوا كذلك ولم يُكل إليهم مثل هذا الهجوم , وبسبب هذه الخلفية السيئة للعلاقات الثنائية الغينية الفرنسية لم يتوفر إلا حيز محدود جداً لنمو العلاقات الثنائية , وكان نظام الرئيس سيكوتوري قد تبني النهج الإشتراكي ولذلك تعزز وجود الإتحاد السوفيتي وبعض دول الكتلة الشرقية في غينيا , لكنه في العامين الأخيرين من حياته مال ميلاً ملحوظاً إلي الدول الإسلامية وكتب تفسيراً بسيطاً لكنه عميقاً لسورة الفاتحة وكتب كتاباً آخر بعنوان “الإسلام دين الجماعة ” ودعم علاقاته بالدول العربية والإسلامية وقام بزيارة رسمية لمصر مُنح خلالها الدكتوراه الفخرية من جامعة الأزهر الشريف وأزدهرت الدعوة الإسلامية في ربوع غينيا التي يدين أكثر من 95% من سكانها بالإسلام علي المذهب المالكي .

بعد وفاة سيكوتوري بأيام وأثتاء تولي السلطة Louis Lansana Beavogui آخر رئيس وزراء في عهده والذي تولي منصبه مُؤقتاً لحين إنتخاب رئيس آخر , قامت حفنة من العسكريين بالإنقلاب عليه في 3 أبريل 1984 بقيادة العقيد Lansana Conte وهو شخص كنت أعرفه وإلتقيت به قبل الإنقلاب أكثر من مرة وهو محدود الثقافة تشعر أنه خامل ولا تطلعات لديه خاصة وأن الرئيس سيكوتوري جرد الجيش بسبب تآمر بعض العسكريين مع البرتغاليين من سلاحه وحجم تحركات آلياته القليلة وكان يقوم بتغييرات دورية في القيادات العسكرية في الجيش الغيني بعد محاولة البرتغال غزو غينيا من البحر عام 1970 بسبب دعم الرئيس سيكوتوري لثوار غينيا بيساو إبان إحتلال البرتغال لها , وشكل هؤلاء العسكريون الذين نفذوا إنقلاب 3 أبريل 1984ما أسموه المجلس الأعلي للإصلاح الوطني Conseil suprême de redressement national بقيادة Lansana Conté الذي ظل علي رأس السلطة في غينيا من عام 1984 حتي وفاته عام 2008 أي أنه ظل يحكم لأربع وعشرين عاماً , وقبل وفاته في يناير 2007 نظم معارضون لحكمه إضراباً عاما مما أضطره للإجتماع برؤساء النقابات لبحث الموقف لكنه وبدلاً من الإقتراب من مطالبهم هددهم قائلاً As many as you are, I will kill you. I am a military man. I have already killed people , وكانت العلاقات الغينية الفرنسية في عهده مُستقرة ومتطورة .

بمجرد تشكيل الإنقلابيين العسكريين بقيادة Lansana Conté المجلس الأعلي للإصلاح الوطني CSRN شكلوا حكومة كانت غالبيتها الساحقة من العسكريين وخاصة في الوزارات ووكلاء الوزرات المهمة وكان من بينهم رائد تولي منصب وزيرالخارجية يُدعي Facinè Touré كان قبل الإنقلاب مدرباً بمدرسة Manèyah العسكرية , وفي هذا التوقيت أي عقب تعيين Facinè Touré بدأت إسرائيل في تنشيط إتصالاتها بالإنقلابيين الغينيين خاصة وأن إسرائيل تعلم قدر غينيا من الوجهة الإقتصادية ففبها أرسابات مهمة من البوكسيت في مناجم بمنطقة Sangarédi بمحافظة Kamsar (وهي ميناء علي الأطلنطي) وثروات أخري لم يقترب منها الفرنسيون إلا بعد وفاة الرئيس سيكوتوري .

لم تكن إتصالات إسرائيل بالإنقلابيين مباشرة في هذا الوقت فكانت إسرائيل علي علم وإدراك بعلاقات غينيا التي تركها الرئيس سيكوتوري مُزدهرة وقوية مع العالم العربي وتعلم كذلك أن بكوناكري ستة سفارات لدول عربية منهم مصر التي كانت علاقاتها التاريخية بغينيا أكثرهم قوة مصر , فمصر دعمت غينيا بمجرد حصولها علي الإستقلال فأقرضتها قرضاُ بمبلغ ستة ملايين دولار عام 1960لتعميق ميناء كوناكري ولم تسترده مصر لتعثر الحكومة الغينية (في عام 2006 أصدر الرئيس المخلوع مبارك قراراً فجائياً للسفارات المعنية بشطب ديون مصر قبل سنة دول أفريقية منهم الكونجو كينشاسا وغينيا دون إي إستشارة أو إبلاغ مُسبق باسفارة المصرية بهذه الدول ودون حصول مصر علي أي مقابل ) , وكان السفير المصري بكوناكري قد نجح عام 1983بعلاقاته الطيبة مع وزير المناجم الغيني آنئذ إسماعيل توري في الحصول علي مقابل من بوكسيت غينيا مقايضة مع هذا القرض المصري غير المسدد والذي بلغ بفوائده أكثر من 8 مليون دولار لكن مصر رفضت العرض بدعوي أن الخام الغيني منه لا يصلح لمجمع ألمنيوم نجع حمادي فيما كان يمكن إعادة تصديره إلي رومانيا , كما أن السعودية والكويت كانتا تقدمان بالإضافة للبنك الإسلامي في جدة مساعدات مالية لغينيا دعمت كثيراً مشروعات الحكومة , ولهذا فقد تماهي العسكريين الغينيين للمخاوف الإسرائيلية من كشف إتصالاتهما فحافظوا قدر الإمكان علي سرية الإتصالات الإسرائيلية معهم والتي إستهدفت إستعادة العلاقات الإسرائيلية الغينية علي مستوي السفارة .

كانت غينيا إبان عهد الرئيس سيكوتوري قد قطعت علاقاتها بإسرائيل بمجرد وقوع العدوان الإسرائيلي علي الدول العربية في 5 يونيو , ففي مساء 5 يونيو 1967 أبلغت الخارجية الغينية السفير الإسرائيلي في كوناكري Shlomo Hillel (شغل لاحقاً منصب رئيس الكنيست الإسرائيلي وكان سفيراً لإسرائيل في عدد من الدول الأفريقية) بمغادرة الأراضي الغينية في ظرف 48 ساعة ومعه أعضاء سفارته وكان من بينهم سكرتير ثان يدعي Haim Harare , وكان أن قطعت غينيا كل روابطها مع إسرائيل إلي أن رأت إسرائيل وفقاً لمتابعتها المباشرة لمجريات الأمور في كوناكري ومن خلال القناة الفرنسية أن الإنقلابيين لديهم إستعداد لإستعادة العلاقات , وبالنسبة لإسرائيل فقد قدرت أن الوقت قد حان لإستعادتها فقررت ذلك , لكن وكما سبقت الإشارة من خلال سياسة الإقتراب غير المباشر مرحلياً , فأصدرت تعليماتها للقائم بالأعمال الإسرائيلي في Abiddjan عاصمة ساحل العاج بالقيام باللازم في هذا الشأن , وفي الواقع لم يتوقع أو يفكر أي من أعضاء السلك الدبلوماسي العربي في كوناكري أن تكون الحركة الإسرائيلية في هذا الإتجاه بهذه السرعة إلا أنه يبدو – لذلك – أن الإتصالات الإسرائيلية بهؤلاء العسكريون الغينيون كانت سابقة علي وفاة الرئيس سيكوتوري , لكن شاءت إرادة الله تعالي أن تتكشف هذه الإتصالات وهي مازالت بعد في مهدها , فبمحض الصدفة وفي حديث لي مع دبلوماسي غيني يعمل بإدارة مراسم الخارجية الغينية عرفني عليه صديق من جنوب لبنان مستقر بأعماله في كوناكري , عرفت منه أن هناك ثمة إتصالات إسرائيلية تجري مع وزير الخارجية الغيني Facinè Touré فلما عبرت له عن دهشتي لمعرفتي الظروف التي تم فيها قطع العلاقات الغينية الإسرائيلية وبشكل مهين للإسرائيليين , أفادني بأنه سيسلمني في الغد ما يثبت كلامه مستندياً وبالفعل في صباح اليوم التالي وكان ذلك في سبتمبر 1984 سلمني صورة من خطاب مُوقع عليها ومختومة بالخاتم الرسمي الإسرائيلي من قبل القائم بالمصالح الإسرائيلية في Abiddjan ويدعي Benal Avital , طالباً مني أن تقوم السفارة المصرية وفي أضيق نطاق بإستخدام هذا المستند بالطريقة التي يمكن بها أن تمنع إسرائيل من إستعادة علاقاتها بغينيا التي يكفيها شراً الإنقلاب العسكري وما سيجره علي بلاده من ويلات وقال لي أن كل هؤلاء الإنقلابيون دمي في يد فرنسا وأنهم كانوا يأملون أن تعبر بلادهم إلي الديموقراطية لكن وبقفز هؤلاء العسكريون علي السلطة أصبح ذلك مُستبعداً , وعدت إلي السفارة لأقرأ الخطاب قبل إبلاغ السفير وتسليم صورته إليه والبحث عن وسيلة للتحرك في الإتجاه المُتاح لمصر خاصة بعد توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في 26 مارس 1979 , ووجدت أن الخطاب مُؤرخ في 6 أغسطس 1984 ومكتوب بخط يد القائم بالمصالح الإسرائيلية في Abiddjan وموضح بالطباعة رقم هواتف مكتب القائم علي المصالح الإسرائيلية – آنئذ – في Abiddjan وهي 323178 و 324953 وعنوان صندوق بريده وهو B.P .1877 Abidjan 01 , ويقع هذا الخطاب في صفحتين ومختوم في صفحة منه بالخاتم الرسمي لمكتب رعاية المصالح الإسرائيلية في Abiddjan وموجه لوزير الخارجية الغيني ويتضمن الإشارة لمحادثات هاتفية سابقة بين الوزير الغيني و Benal Avital الذي أشار إلي الوزير الغيني إلي إتفاقهما السابق علي قيام وفد رسمي غيني بزيارة لإسرائيل يلزم الحفاظ علي سريتها وأن صديقاً ” مخلصاً ” إسرائيلياً سيكون في صحبة هذا الوفد وأن تذاكر السفر للوفد سترسل للوزير قبل الجمعة 10 أغسطس 1984 (وهو الموعد الذي أقترحه Avital لبدء تحرك الوفد من كوناكري) وأشار كذلك إلي أن تذاكر الطائرة ستكون علي خط شركة Sabena وأن مسار الرحلة إلي تل أبيب سيكون Conakry- Abidjan – Bruselles والعودة , لكن سوف تُسلم تذاكر الرحلة Tel Aviv– Bruselles والعودة للوفد عند وصوله إلي Bruselles وسيكون زملاءه في Bruselles في إستقبال الوفد الغيني , وستكون عودة الوفد إلي كوناكري في مساء 13 أغسطس و1984 , ونوه السيد Benal Avital إلي أنه سيعاود الإتصال بالوزير يوم الثلاثاء 7 أغسطس ليعرف قراره في شأن الموعد المُقترح لمغادرة الوفد وتشكيله وأسماء ورتب أعضاءه وأشار إلي أنه في حالة تعذر إجراءه للمحادثة التليفونية لسبب فني فيمكن للوزير أو السيد Naite أن يتصل به مساء 7 أغسطس علي رقم الهاتف بيته وهو 443973 لمناقشة أفضل الترتيبات لهذه الزيارة .

أبلغني الدبلوماسي الغيني أنه بالرجوع لملف إسرائيل بمراسم الخارجية الغينية وجد أن السفارة الإسرائيلية بكوناكري قبل قطع العلاقات كانت مكونة من السفير Shlomo Hillel وسكرتير ثان يدعي Haim Harare وقال لي أنه يعرفه , وبعد يومين فوجئت به يبلغني أن Haim Harare هذا هو بنفسه القائم بأعمال السفارة السويسرية في كوناكري وأنه رآه أكثر من مرة قبل الإنقلاب علي حكومة Lansana Beavogui ويعرفه حق المعرفة لكنه الآن جاوز الخمسين من عمره , وبالتالي – وفي تقديري – كان من المنطقي أن تكون العلاقات الإسرائيلية الغينية مُستمرة حتي قبل وفاة الرئيس سيكوتوري بمدة من خلال موقع Haim Harare بالسفارة السويسرية بكوناكري , ومن المُؤكد أن إسرائيل إختارته لهذه المهمة الدقيقة والمحفوفة ببعض الخطر لمعرفته المُسبقة بغينيا والشخصيات الغينية المفتاحية لإسرائيل في غينيا وقد يكون قد شارك مع Benal Avital في الإتصالات التي جرت مع وزير الخارجية بحكومة الإنقلاب .

أبلغت السفير بكل ذلك وسلمته صورة هذا الخطاب وتملكه فزع من سرعة التحرك الإسرائيلي وكلفني بمزيد من المتابعة وبالفعل رجعت لملف إسرائيل بالسفارة والذي كان آخر تقرير به عن مغادرة السفير الإسرائيلي بأوامر من الخارجية الغينية في مدي 48 ساعة , لكني وجدت تفاصيل إعتبرتها هامة لأني تحققت من المعلومات القليلة التي سرها إلي الدبلوماسي الغيني فوجدت تقريراً وضعه مستشار بالسفارة المصرية سابق لقطع العلاقات الغينية الإسرائيلية أشار إلي أن السكرتير الثاني بالسفارة الإسرائيلية قبل قطع العلاقات و أسمه Haim Harare شوهد في بنك غينيا وهو يرسل حوالة مالية إلي سيدة يهودية بالقاهرة أي أنه يهودي مصري , وعندما أكدت ذلك لزميلي الغيني قال لي ” بالفعل هذا صحيح كما سبق وأشرت ” , وأوضح أنه بحكم عمله بقاعة كبار الزوار كان يلتقي بالسيد Harare كثيراً عندما كان يعمل بالسفارة الإسرائيلية في كوناكري قبل قطع العلاقات الغينية الإسرائيلية في 5 يونيو 1967, وقال أن الإسرائليين كانوا نشطين في علاقاتهم بغينيا فلم تقتصر العلاقة علي الجانب السياسي فقط بل تعدتها للجانب الإقتصادي فكان الإسرائيليين يديرون مزرعة تقع خارج العاصمة الغينية منحها الرئيس أحمد سيكوتوري مع مبني السفارة الإسرائيلية إلي الفلسطينيين الذين غيروا أسمها ليكون ” مزرعة صامد ” لكنها كما قال تمر بظروف إدارية ومالية حرجة (قال لي القائم بالأعمال الفلسطيني وقتئذ أن السبب هو عدم وضوح السلطة في المشروع وعدم التنسيق بين مكتب منظمة التحرير بكوناكري والقائمين علي العمل بالمزرعة ووصل التنازع بينهما لعلم السيد ياسر عرفات الذي أمر بنقل مدير المزرعة لكن تقديري وقتذاك أن المزرعة كانت تدار بمعيار سياسي وليس إقتصادي, وللأسف شاهدت بنفس هذا الرجل أي القائم بالأعمال الفلسطيني ذات مرة يستقبل بمطار كوناكري عام 1983 ممثلة الوكالة اليهودية في جنوب أفريقيا في إحدي زياراتها من أجل الأعمال بغينيا ؟؟؟ ).

إجتمع السفير المصري بالسفراء العرب بكوناكري وتباحث معهم في الأمر بعد إبلاغهم لوزارات الخارجية بدولهم , وأستقر الراي وفقاً لذلك علي تكليف السفير السعودي بمقابلة وزير الخارجية الغيني لمفاتحته في أمر تلقي معلومات عن محاولات إسرائيلية لإستعادة العلاقات مع غينيا وأنهم واثقون من أن الحكومة الغينية تثمن علاقاتها العربية وترغب في تطويرها خاصة وأن التسوية السياسية الشاملة للصراع العربي الإسرائيلي مازالت بعد غير مُحققة , وكان أن توقفت إتصالات إسرائيل بغينيا في هذا الشأن لفترة طويلة نسبياً .

كان لهذا التحرك العربي المُشترك أثره في عرقلة إستعادة إسرائيل لعلاقاتها بغينيا منذ أن تم الكشف عن هذه المحاولة السرية إذ لا تذكر أية مصادر إسرائيلية شيئاً عن هذه المحاولة بل تتكلم كثيراً عن أن إسرائيل لم تتوقف عن مواصلة علاقاتها بشكل غير رسمي مع هذه الدول ومنها غينيا وهذا جزئياً صحيح لكنها ليست الحقيقة الكاملة حتي الإعلان في 20 يوليو 2016عن توقيع Dore Gold سكرتير عام الخارجية الإسرائيلية و Ibrahim Khalil Kaba مسئول مكتب الرئيس الغيني Alpha Condé علي إتفاق مُشترك في باريس بإستعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين , ومن المهم الإشارة إلي ما أوردته وكالات الأنباء نقلاً عن Dore Gold في هذه المناسبة فقد قال إن عدد البلاد الأفريقية التي مازالت لم تعد تأسيس علاقاتها مع إسرائيل في تناقص مُنتظم وأننا نأمل في ألا يكون هناك بلد مازال في قطيعة مع إسرائيل , وأن إسرائيل تدعو البلاد التي لم تجدد ” إستخدم كلمة Renewed وليس “ Restoreبعد علاقاتها الدبلوماسية بأن تحذو حذو غينيا حتي يمكننا العمل معاً لمصلحة شعوب المنطقة ” , وقال Dore Gold مُبرراً تلك المدة الطويلة التي ظلت علاقات بلاده بغينيا مقطوعة منذ الإنقلاب العسكري بغينيا في 3 أبريل 1983 وإختفاء الرئيس سيكوتوري بالوفاة وهو الذي كان لا يمكن في عهده إستعادة هذه العلاقات بقوله أن ” روابط بلاده بغينيا كانت مُستمرة حتي عندما لم تكن هناك ثمة علاقات رسمية ” وهو ما قد يؤكد حالة عمل Haim Harare تحت غطاء السفارة السويسرية في كوناكري , مؤكداً أن إسرائيل ساهمت في مكافحة فيروس Ebola وردد الحكمة التي تقول أن الصديق الحق هو الصديق في وقت الشدة , وعقب الإتفاق أعلنت الخارجية الإسرائيلية في يوليو 2016عن أن السفير Paul Hirschson سفير إسرائيل لدي السنغال سيغطي عدة دول أفريقية منها غينيا كما عينت كل من Eliahu Ben-Tura سفيراً لها في ساحل العاج و Oren Rozenblat سفيراً لها في أنجولا و Gadi Harpaz سفيراً لها في أرتريا .

لئلا نغفل عن المعني الحقيقي لطبيعة العمل الإسرائيلي المُثابر لإستعادة العلاقات مع غينيا إذ أن هناك بالقطع حالات مماثلة للحالة الغينية تحركت إسرائيل بإتجاهها مع دول أفريقية بعينها , فلابد بناء علي ذلك إستنباط حقائق مهمة توضح إلي أي مدي واسع ومتدرج وبأي كيفية مبتكرة ومخططة جيداً تعمل الدبلوماسية الإسرائيلية وهذه الحقائق هي ما يلي :

* أن الطريقة التي إتبعتها إسرائيل في محاولة إستعادة روابطها الدبلوماسية مع غينيا تعكس مدي الإصرار والمثابرة فعملية إستعادة العلاقات مع غينيا وغيرها ليست ضربة لازب أو خبط عشواء , فوراءها تخطيط مُسبق وأدوار تُؤدي , وهناك طرق أخري مختلفة قليلاً لمتابعة العلاقات مع الدول الافريقية التي تري إسرائيل أن هناك صعوبات جمة في إستعادة العلاقات معها مثل النيجر التي فُرضت عليها العلاقات مع إسرائيل زمن الرئيس المُغتال ميانسارا في ثمانينات القرن الماضي وقُطعت العلاقات الدبلوماسية معها , فإسرائيل – كما علمت أثناء عملي سفيراً بالنيجر – لم يخالجها اليأس من حالة النيجر فأرسلت خبيراً زراعياً إسرائيلياً يُدعي Dov Pasternak للعمل في منظمة زراعية هندية لها أفرع في دول أفريقية منها النيجر تدعي ICRESAT ودخل النيجر بجواز سفر برازيلي وكان قد سبق له العمل في مصر التي شهدت علاقاتها الزراعية مع إسرائيل دفعة غير مفهومة – فمصر من اقدم الدول الزراعية في التاريخ – إبان تولي د . يوسف والي لسنين عدداً وزارة الزراعة المصرية وقد نظم Dov Pasternak خلال تواجده بالنيجر عامي 2011 و2012 دورات زراعية لمتدربين من النيجر في إسرائيل وتعامل مع هيئتين حكوميتين في النيجر في هذا الشأن تدعيان AGRAYMET و IRAN في الوقت الذي كان هناك يهود يعملون بالنيجر من خلال وكالة التنمية الدولية للولايات المتحدة USAID ومجموعةAREVA المملوك معظمها للدولة الفرنسية والقائمة علي إستخراج اليورانيوم بالنيجر بمنطقةARLIT بصحراء النيجر ( النيجر ثالث أكبر مُنتج عالمي لليورانيوم) .

* أن سرعة التحرك الإسرائيلي مع الثلة العسكرية الغينية أو Junta لإستعادة العلاقات تُؤشر إلي أن هناك إحتمال بأن إرتباطات سابقة توثقت مع بعضهم إما مباشرة أو عن طريق المخابرات الفرنسية (تبادل المعلومات والعمليات) لكن المؤكد وفقاً لخطاب القائم علي المصالح الإسرائيلية في Abiddjan المُشار إليه آنفاً أن الإتصالات الإسرائيلية الغينية بدأت في شهر يوليو 1984 أو قبل ذلك بقليل أي بعد الإنقلاب العسكري بأربع أو ثلاث أشهر , وفي الحالتين يتأكد أن هناك إصراراً ومتابعة إسرائيلية .

* أن ” محطة Abiddjan ” لا تقل أهمية للمخابرات والدبلوماسية الإسرائيلية عن ” محطة أديس أبابا ” في إدارة العمليات المخابراتية في أفريقيا ومازالت كذلك , والذي قد كان يخفف إلي حد ما من وطأة العلاقات الإسرائيلية علي العلاقات العربية مع دولة ساحل العاج هو التأثير الإقتصادي للجالية اللبنانية الضخمة والمٌنتشرة هناك وبدرجة أقل في دول أخري بغرب أفريقيا منها سيراليون , ويجدر بالذكر أنه لم يكن في أي مرحلة ثمة وعي عربي مُترجم في تعليمات رسمية بكيفية التعامل المفيد والمتبادل مع الجاليات اللبنانية في أفريقيا وخاصة في غربي القارة , بل في أحوال كثيرة كان الكثير منهم لا يستطيعون بسهولة الحصول علي تأشيرة دخول مصر وأعتقد أن ذلك ينسحب علي أي دولة عربية أخري , وهو وضع مختلف بالتأكيد عن علاقة يهود الشتات مع السفارات الإسرائيلية أو الدولة العبرية , فهنا إهمال وتجاهل بل وإبتعاد وهناك إحتضان وعناية وإقتراب منتج مع المواطنين العرب الذين لا يقل بعضهم إخلاصاً لقضيتي الإسلام والعروبة .

* أن سويسرا ليست كما تحاول أن تدعي بأنها دولة محايدة فحالة غينيا حالة صارخة للإنحياز الذي يرقي إلي نوع من التحالف السويسري من اجل تحقيق المصالح الإسرائيلية لدرجة منح Haim Harare الدبلوماسي الإسرائيلي جواز سفر ديبلوماسي سويسري لتمثيل سويسرا في غينيا علي سبيل التمويه , مما يدل علي التضامن والتعاطف الأوروبي الفعال مع إسرائيل من الدول الأوروبية علي إختلاف وضعها الدولي محايدة أم غير محايدة , إذ أن الدبلوماسي الإسرائيلي Haim Harare في الواقع كان يمثل إسرائيل في كوناكري ومن موقعه كقائم بالأعمال بالسفارة السويسرية بكوناكري أجري إتصالات مع وزير خارجية الإنقلاب في غينيا , وفي الحقيقة وبالتأكيد إلي حد كبير كانت هناك حالات شبه مماثلة أخري (عمليات) منها مثلاً ما أشار إليه دبلوماسي إسرائيلي لي في حديث معه في كينشاسا في يوليو 1988 تناول من بين أمور أخري العلاقات الإسرائيلية السوفيتية , عندما أوضح أن هناك تقارباً ملحوظاً بين إسرائيل والإتحاد السوفيتي وأن هذا التقارب يأخذ صوراً أخري من بينها تواجد بعثة قنصلية إسرائيلية مُقيمة في موسكو , وموافقة موسكو علي إرسال بولندا لبعثة تجارية بولندية إلي إسرائيل وموافقة الإدارة السوفيتية علي السماح بمهاجرين يهود سوفييت لإسرائيل , وأن كل ذلك يتم في إطار حوار جاد مع موسكو لتبادل العلاقات الدبلوماسية ووصف جورباتشوف بأنه ليس كسابقيه لأنه يتناول سياسات سوفيتية عتيقة بطريقة ثورية , ومازالت سويسرا للآن تلعب أدواراً لا علاقة لها بمفهوم الحياد فقد لعبت دور المُيسر Facilitateur مع الوسيط البوركينابي (بوركينافاسو) في الإجتماعات التي عُقدت في واجادوجو في 23 و 24 يوليو 2012 والتي ضمت قادة عسكريين وسياسيين ينتمون للحركة الوطنية لتحرير أزواد MNLA (بشمال مالي) وتناول هذا الإجتماع تقييم الموقف بمنطقة AZWAD بشمال مالي والتي كانت هذه الحركة قد أعلنت في 4 أبريل 2012 إنفصالها عن مالي وإعلان إستقلال جمهورية AZWAD ولكن عناصر جماعة أنصار الدين الإسلامية حطموا هذا الحلم وطردوا عناصر حركة MNLA من شمال مالي محافظين علي تكامل وسيادة مالي وهؤلاء هم من جردت لهم فرنسا عملية Serval العسكرية في شمال مالي لمواجهتهم بإعتبارهم تهديداً لمالي ولأنهم ” إرهابيين” مع أنهم هم من حافظوا علي تكامل دولة مالي وليس الجيش المالي الذي إنقلب بقيادة ضابط صغير يدعي Amadou Sanogo تلقي تدريبات عسكرية بالولايات المتحدة علي الرئيس Amadou Tomani Toure قبل إنقضاء مدة رئاسته الثانية والأخيرة بشهر واحد في 21 مارس 2012 , ولهذا تعاملت سويسرا مع هؤلاء الإنفصاليون تقوية لساعدهم ولميولهم الإنفصالية فلا تفسير آخر مُتاح لدي , ومبلغ أسفي أن معظم القادة العرب يتبنون بعض وجهات نظر المؤسسات الغربية فيما يجري بأفريقيا دون إدراك لتباين مصالحنا مع مصالحهم ودون إستدعاء لماضيهم الإستعماري في القارة الأفريقية التي عانينا نحن أيضاً مع الأفارقة منه .

الإنكماش والتوسع في العلاقات الدبلوماسية الإسرائيلية مع الدول الأفريقية :

يمكن تقسيم مراحل تطور العلاقات الأفريقية لإسرائيل بناء علي معايير مختلفة , لكن يظل التقسيم الزمني المُقترن بالمواجهات العسكرية يظل تقسيماً مُشتركاً جامعاً ومفهوماً إلي حد كبير , وكما أشرت فإن إفريقيا كانت مجالاً لإهتمام مؤسسي الفكرة الصهيونية حين عُرض عليهم في البداية توطين اليهود في أوغندا , كما فكرت بريطانيا بعد أن سيطرت علي أرتريا عام 1941 تحويل الهجرة اليهودية إليها بدلاً من فلسطين نظراً للظروف المناخية المواتية ووفرة الأراضي غير المُستغلة بإرتريا لكنها تراجعت لخشيتها من تصادم المهاجرين اليهود مع المستوطنيين الأجانب الآخرين الذين كانوا يسيطرون بالفعل علي الزراعة والتجارة في أرتريا كما أن هيلاسيلاسي رفض الفكرة لتعارضها مع طموحه بالضم الدائم لأرتريا , بل وعندما كنت سفيراً في أنجولاً نشرت بعض المصادر الإعلامية بمناسبة زيارة الرئيس الأنجولي لإسرائيل في 5يوليو 2005 أن أنجولاً كانت مُقترحة لتكون موطناً لليهود وهو حديث غير مُسند تاريخياً إلا أن ذلك كان من قبيل الترويج الإعلامي الإسرائيلي لا أكثر فلإسرائيل علاقة تطورت مع أنجولا بعد نهاية الحرب الأهلية الأنجولية في أبريل 2002 (بالرغم من أن إسرائيل كانت مع جنوب أفريقيا ودول إقليمية أخري تدعم حركة تحرير كل أنجولا UNITA إلا أنها بعد صمود حزب MPLA الحاكم مدعوماً من السوفييت وكوبا غيرت بوصلتها) , وفي الواقع ولبيان أهمية ميناء Eilat ومن ثم البحر الأحمر كمؤشر للإتجاه الرئيسي لإسرائيل في بناء علاقاتها الأفريقية أشير إلي أن إثيوبيا الواقعة علي البحر الأحمر عندما كانت أرتريا مُلحقة بها كانت تمثل نقطة الإرتكاز الأولي أو لنقل الدعامة الأولي لهذا البناء وظلت كذلك في المرحلتين الأولي والثانية اللتين وضعت فيهما إسرائيل أسساً متنوعة لبناء علاقاتها الأفريقية , وبإختصار فإنه يمكن تقسيم مراحل تطور العلاقات الإسرائيلية / الافريقية إلي ثلاث مراحل هي :

المرحلة الأولي منذ 1949 حتي ما قبل العدوان الثلاثي علي مصر في 29 أكتوبر 1956 :

بدأت إسرائيل في تطبيق إستراتيجية الوصول لأفريقيا بداية لوجيستيكية عندما أقامت محلية (ميناء فيما بعد) Eilat أو Elath جنوبي صحراء النقب علي خليج العقبة عام 1951 والتي كان عدد سكانها وفقاً للتعداد الرسمي الإسرائيلي في 31 ديسمبر 1971 يبلغ 15,900 نسمة * ( IRAEL POCKET LIBRARY . Geography . KETER BOOKS .1973 .Page 197 ) وهو المنفذ الوحيد لإسرائيل علي البحر الأحمر الذي كان – ومازال – بمثابة المنصة التي إنطلقت منها في ستينات القرن الماضي شركة Zim Integrated Shipping Services للوصول لموانئ شرقي أفريقيا , ولإن بناء إسرائيل أُقيم علي الأساس العقيدي فهي لذلك لا تنتمي لا للعالم العربي ولا الإسلامي ولا هي كذلك مرتبطة بالقارة الأوروبية إرتباطاً جغرافياً فكان لابد لها وهي مُحاصرة بفكرتها عن نفسها كدولة يهودية عبرية ومحاصرة بالمحيط العربي المُلاصق لها والمختلف عنها أن تقفز قفزاً فوق هذين النطاقين من الحصار , وقد حقق ميناء إيلات لها هذه القفزة التي مع العمل الديبلوماسي والمخابراتي المُنضبط أتيح لإسرائيل منفذ لأفريقيا أتاح لها في فترة الستينات من القرن الماضي بدء علاقاتها بأفريقيا وفي شرقها تحديداً, وقد ساعدها في ذلك كونها حليف مُقدس لدي الولايات المتحدة وتبني فرنسا للتحركات الإسرائيلية في القارة آنئذ (في نهاية الخمسينات أمدت فرنسا إسرائيل بكمية من الكعكة الصفراء Yallow Cack أو مُستخلص اليورانيوم من مناجم النيجر التي تقوم فرنسا علي إستغلالها ) .

المرحلة الثانية منذ 29 أكتوبر 1956 وحتي 5 يونيو 1967 :

من بين أهم الأهداف الإستراتيجية التي حققتها إسرائيل من إنتصارها العسكري في العدوان الثلاثي علي مصر في 29 أكتوبر 1956 الحصول علي حق المرور الحر والبرئ في مضيق تيران بمدخل خليج العقبة وذلك بعد أن تقدمت الولايات المتحدة في 30 أكتوبر بمشروع قرار عاجل لمجلس الأمن يتضمن دعوة إسرائيل لسحب قواتها المسلحة فوراً إلي ما وراء خطوط الهدنة المُتفق عليها عام 1949 أي إنسحابها من شبه جزيرة سيناء , وفي 4 نوفمبر أقرت الأمم المتحدة مشروعاً كندياً بتشكيل قوة طوارئ دولية لتأمين والإشراف علي وضع نهاية للعمليات العدائية , وبالفعل أنسحبت القوات البريطانية والفرنسية من خط قناة السويس في ديسمبر 1956 ولكن بالرغم من جلاء معظم القوات الإسرائيلية من شبه جزيرة سيناء إلا أن إسرائيل ظلت تحتل الشريط الساحلي المُلاصق لخليج العقبة وكذلك قطاع غزة لمقايضتهما بالحصول علي حرية الملاحة في العقبة وبالفعل تم الجلاء الإسرائيلي التام عن سيناء وغزة في الأول من مارس 1957 , وحققت إسرائيل هدفها بفتح مضيق تيران بإعتباره ممراً بحرياً دولياً مع تمركز قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة U.N.E.F في شرم الشيخ ومدخل خليج العقبة بجزيرة تيران لمراقبة وتأمين المرور الحر للسفن المُتجهة عبر مضيق تيران وصولاً لميناء Eilat , وعليه فقد إنطلقت إسرائيل في خدمة وتحقيق أهدافها الإقتصادية والسياسية في الدائرتين الآسيوية والأفريقية , خاصة بعد إقامة خط أنابيب البترول حيفا/ إيلات الذي يمد إسرائيل بإحتياجاتها من بترول إيران .

إرتبط تطور التمثيل الدبلوماسي لإسرائيل في أفريقيا وأتسع في هذه المرحلة بقدر ما أتاحت الموارد المالية للكيان الصهيوني الناشئ وبقدر رغبة الدول الأفريقية المستقلة إبان هذه المرحلة – وكانت قليلة – في الإعتراف بإسرائيل كمحددين رئيسيين لمدي ونطاق هذه العلاقات , ولذلك يمكن القول أن العلاقات الأفريقية لإسرائيل إقتصرت حتي عام 1960علي إثيوبيا وإتحاد جنوب أفريقيا وليبيريا , لكن مع حصول بعض الدول الأفريقية علي إستقلالها في السنوات الأولي التالية لعام 1960 تمدد التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي قليلاً بحيث أصبح يشمل كل من : غانا التي تبادلت مع إسرائيل عام 1956 التمثيل الدبلوماسي , وكان السفير الإسرائيلي المُقيم في أكرا والمعتمد وغير مقيم في ليبيريا عام 1958هو Ehud Avriel , أما إتحاد جنوب أفريقيا فقد كان السفير الإسرائيلي المُقيم والمُعتمد في Pretoria هو Yitzhak Bavly , ولم يكن لمصر حتي بداية 1960 إلا تمثيلاً مقيماً في غانا وإثيوبيا وإتحاد جنوب أفريقيا أي ما يتعادل والتمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي بأفريقيا وذلك حتي 1960* (THE MIDDLE EAST 1958 . EUROPA PUBLICATIONS LIMITED ) وفي عام 1961 زاد التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي في أفريقيا قليلاً فتبادلت إسرائيل التمثيل مع جمهورية الكونجو بعد إستقلالها عن بلجيكا و مثل إسرائيل في كنشاسا (ليبولدفيل آنئذ) عام 1961السفير Ehud Avriel نقلاً من أكراً التي عينت إسرائيل فيها السفير Moshe Bitan وعينت عام 1961 Yervham Cohen سفيراً لها لدي ليبيريا وفي جمهورية Malagasy (مدغشقر) كان Eytan Rupin سفيراً لإسرائيل المعتمد والمُقيم في عاصمتها Tananarive عام 1961 وفي نفس هذه الفترة كان Katriel P.Salmon سفيراً لإسرائيل لدي جمهورية إتحاد جنوب أفريقيا , وفي الفترة اللاحقة لحصول كثير من الدول الأفريقية علي إستقلالها كان للجمهورية العربية المتحدة عام 1961 سفراء لدي جكومات الكونجو Leopoldville وإثيوبيا وغانا وغينيا وليبيريا وإتحاد جنوب أفريقيا , ولم يكن التمثيل الدبلوماسي لإسرائيل أو لمصر منتشراً في دول القارة الأفريقية لأن معظمها إما لم يكن قد حصل علي الإستقلال التام بعد أو أنها كانت بعد حديثة عهد بالإستقلال .

بالرغم من أن إسرائيل لم تتبادل التمثيل الدبلوماسي الكامل مع إثيوبيا حتي منتصف خمسينات القرن الماضي , (حتي عام 1962 لم يكن هناك تمثيل إسرائيلي علي مستوي سفير مع إثيوبيا وكان التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي حتي هذا العام مع غانا والكونجو كينشاسا و ليبيريا ومدغشقر وإتحاد جنوب أفريقيا ) إلا أن العلاقات الإثيوبية الإسرائيلية كانت نشطة وفعالة نسبياً بحيث تقوم علي خدمة أهداف إسرائيل المُضادة لمصر والتي كانت تتفق ومعظم الأهداف الإثيوبية , فعلي سبيل المثال وفي إطار تحضير إسرائيل لمشاركتها في العدوان الثلاثي علي مصر في 29 أكتوبر 1956 وصل في 27 أكتوبر 72 إسرائيلياً إلي الصومال الفرنسي قادمين من إثيوبيا تم توزيعهم يوم 31 أكتوبر 1956 أي بعد بدء الهجوم علي مصر بيومين علي طائرات أُستأجرت من شركة هندية وأتجهوا إلي مصوع وهو ميناء في أرتريا علي البحر الأحمر (إبان سيطرة إثيوبيا عليها في إطار الإتحاد الفيدرالي الذي فرضته علي أرتريا عام 1936) ومن مصوع تسلموا سفينتين إثيوبيتين هما ” أبينا ” و ” كاترينا ماردي” , اللتين إسنأجرتهما إسرائيل من إثيوبيا وأسندت إليهما مهمة حربية وهي إيصال مواد التموين إلي وحدات اللواء التاسع الإسرائيلي في شرم الشيخ بمجرد الإستيلاء عليها وغادرت هاتان السفينتان إثيوبيا يوم 4 نوفمبر 1956 , ولما توجه الملحق العسكري المصري لدي إثيوبيا لإستطلاع الأمر طرده المسئولين الإثيوبيين في الوقت الذي كانت فيه السفينتين قد وصلتا بالفعل لمنطقة العمليات الحربية في 15 نوفمبر 1956 , وكانت شرم الشيخ قد أوشكت علي السقوط في قبضة القوات الإسرائيلية , فأرسلت السفينتان قوة مُسلحة لإحتلال جزر خليج تيران , ولتغطية التواطؤ الإسرائيلي الإثيوبي أعلنت إسرائيل أن السفينتان دارتا حول رأس الرجاء الصالح وذلك لإبعاد الشبهات عن إثيوبيا , ومع ذلك تقدمت إثيوبيا مع بعض الدول العربية والإسلامية بمشروع القرار 999 بتاريخ 4 نوفمبر 1956 للمطالبة بتنفيذ القرار السابق عليه والقاضي بالإنسحاب الإسرائيلي إلي ما راء خطوط الهدنة , ومع مرور الوقت زاد إنحياز إثيوبيا لموقف مصر في الأمم المتحدة حيث أعلن ديلما ديرسا مندوبها لدي الأمم المتحدة أنه من حق مصر أن تؤمم شركة قناة السويس مع الإعتراف بالمصالح الدولية المُتمثلة في حرية المرور في القناة كما طالبت بإنسحاب القوات المُعتدية من مصر فوراً بل إن إثيوبيا عرضت إرسال قوة إثيوبية للمشاركة في قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة , لكن سياسة إثيوبيا لم تكن إلا سياسة مزدوجة ففي حديث للإمبراطور هيلا سيلاسي لجريدة NEW YORK TIMES في فبراير 1957 إتهم مصر بإتباع سياسة هدامة حيال إثيوبيا بسعيها إلي بث الفرقة بين المسلمين والمسيحين بها , هذا في الوقت الذي كانت العلاقات الإثيوبية الإسرائيلية تضطرد توثقها في جميع المجالات بل وتوسعت أنشطة الشركات الإسرائيلية في أديس أبابا , وفي الواقع لم يكن الموقف السياسي المُعلن لإثيوبيا في الأمم المتحدة إلا مسايرة للسياسة الأمريكية إزاء العدوان الإسرائيلي علي مصر والذي رفضته الولايات المتحدة بقوة .

مواصلة لإهتمامها بمنطقة القرن الأفريقي التي مثلت المدخل الأول لإسرائيل نحو أفريقيا نجد أنه وبعد تشغيل ميناء Eilat وفي أعقاب العدوان الثلاثي علي مصر في أكتوبر 1956 تفاوضت فرنسا مع إسرائيل لمنح الأخيرة منطقة حرة بميناء Djibouti لتكون حلقة إتصال بين منطقة شرقي أفريقيا التي يمثل هذا الميناء عقدة مواصلات بحرية مهمة لها وبين ميناء Eilat , بل إن سلطات الإستعمار الفرنسي في Djibouti خصصت قاعدة عسكرية لإسرائيل بها , ولكي تتحقق مصر من الأمر نظراً لخطورته علي إستراتيجية مصر في البحر الأحمر كلفت القنصل السوداني بأديس أبابا ليستطلع الأمر فذهب إلي المنطقة التي قيل أن فرنسا خصصتها كقاعدة لإسرائيل جنوب ميناء Djibouti فوجد أن العمل متوقف بها وأرجع سبب التوقف إلي معارضة الأهالي ورفضهم المساهمة في إقامة منشآت إسرائيلية في بلادهم وكذلك لإعتراض إثيوبيا علي منح إسرائيل إمتيازات في Djibouti لدرجة أن إثيوبيا هددت بتأميم السكك الحديدية التي تربط Djibouti بأديس أبابا , لكن فرنسا التي كانت تستعمر Djibouti آنئذ واصلت سياستها المعادية لمصر رداً علي دعم الأخيرة لثوار الجزائر فسمحت للسفن الحربية الإسرائيلية بالرسو في ميناء Djibouti ومنحت أحدي الشركات الإسرائيلية إمتياز مخازن الترانزيت داخل الميناء والسماح لها بإعادة التصدير ورخصت لإفتتاح فرع لشركة انكودا الإسرائيلية لإفتتاح فرع لها في Djibouti (أغلق عام 1957) * ( د . محمد عبد المؤمن محمد عبد الغني . مصر والصراع حول القرن الأفريقي 1945 – 1981 . دار الكتب والوثائق القومية .مركز تاريخ مصر عام 2011 . صفحة 125) .

حين نمت الروح القومية لدي شعب الصومال الفرنسي والتي دعمها وأيدتها السياسة والإعلام المصري عبر الإذاعة الموجهة من القاهرة أعلن زعماء الصومال الفرنسي رغبتهم في الإنضمام للصومال بعد فشل مفاوضاتهم مع فرنسا ووجهت هذه الرغبة بمعارضة إثيوبية وإسرائيلية , فإثيوبيا كانت تخشي من أن يؤدي هذا الإنضمام لتعزيز قوة الصومال بما يمكنها من المطالبة مُعززة بالقوة بالأوجادين التي إستولت عليها إثيوبيا قسراً , فيما خشيت إسرائيل من أن يؤدي إستقلال الصومال الفرنسي إلي تحكم مصر في مضيق باب المندب , ولذلك طالبت الصحف الإسرائيلية في 16 سبتمبر 1966 بممارسة فرنسا لنفوذها لضمان بقاء الصومال الفرنسي غير معادي للمصالح الإسرائيلية , وعندما أعلنت فرنسا أنها ستنظم إستفتاء تقرير المصير للصومال الفرنسي أعلنت إسرائيل أنها لن تقف مكتوفة الإيدي فإستقلال الصومال الفرنسي أو إتحاده مع الصومال يترتب عليه مخاطر جمة لإسرائيل لأن Djibouti تعتبر المنفذ الرئيسي لتجارة إسرائيل مع أفريقيا , ولذا شرعت إسرائيل في الإتصال بجوار جيبوتي وكذلك بفرنسا لمواجهة هذا الإحتمال * ( د . محمد عبد المؤمن محمد عبد الغني . مصر والصراع حول القرن الأفريقي 1945 – 1981 . دار الكتب والوثائق القومية .مركز تاريخ مصر عام 2011 . صفحة 174)

إستمرت إسرائيل في العناية والمراقبة عن كثب للمرتكز الرئيسي لعلاقاتها الأفريقية أي منطقة القرن الأفريقي وتواجدت بعض شركاتها أو فروع لشركاتها في بعض العواصم الأفريقية برعاية القوي الإستعمارية التقليدية في أفريقيا أي فرنسا وبريطانيا والبرتغال قبل أن تحصل الدول الأفريقية علي إستقلالها في نهاية الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي وفي السنوات الأولي من إستقلال كثير من الدول الأفريقية إمتد التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي ليشمل دولاً أفريقية أخري قليلة – كما سلفت الإشارة – بالإضافة لإثيوبيا وجنوب أفريقيا لكن ظلت الأنشطة الإقتصادية تعمل في دول أفريقية أخري مثل مالاوي وغينيا كوناكري وسيراليون والسنغال وليبيريا وساحل العاج والكونجوليتين وكينيا , وفي الواقع فإنه وكما سلفت الإشارة فإن المرونة – يمكن وصفها بالقدرة علي التلون والتمويه أيضاً إن شئت – التي تتسم بها نظرية الأمن القومي الإسرائيلي أتاحت لإسرائيل الحركة في إتجاه هنا وعكس هذا الإتجاه هناك , فعلي حين نجد وزير الخارجية الإسرائيلي Abba Eban يرد علي إستجواب قدمه عضو الكنيست ر . آرزي يوم 22 ديسمبر 1966 بشأن حجم التعاون الفعلي بين إسرائيل والدول النامية حالياً , فيقول Eban ” أنه في سنة 1966 شمل التعاون الدولي لإسرائيل نحو 70 دولة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وفي حوض البحر المتوسط ” * ( محاضر الكنيست 1966/ 1967 . مركز الدراسات الفلسطينية والصهيونية بالأهرام . القاهرة ومؤسسة الدراسات الفلسطينية ببيروت . صفحة 273) , نجد حركة إسرائيلية في إتجاه معاكس , ففي رد وزير الخارجية Abba Eban علي إستجواب آخر من عضو الكنيست ش . ميكونيس بشأن الشهادة التي أدلي بها ممثل حركة تحرير أنجولا Chipanda أمام لجنة الأمم لتصفية الإستعمار والتي مفادها أن رجال حركة تحرير أنجولا ظفروا بقطع من الأسلحة التي كانت بأيدي جنود الإستعمار البرتغالي من بينها قطع من السلاح إسرائيلية الصنع من طراز عوزي , وأجاب وزير الخارجية ب Eban بقوله ” أن شهادة Chipanda مندوب حركة تحرير أنجولا وهي أصغر حركتي التحرير المعروفتين إقتضت مقابلة مندوب إسرائيل رئيس حركة تحرير أنجولا وحثه علي مقابلة مندوب إسرائيل في برازافيل للتحقق عما إذا كان السلاح صناعة إسرائيلية أم لا؟” وأوضح ” أنه مرت فترة غير بسيطة ولم يقدم المندوب الأنجولي عينة من هذا السلاح ولا أي تفاصيل أو صور ” * ( المرجع السابق . صفحة 133 و134) , ومع ذلك فقد إستطاعت إسرائيل بعد إنتهاء الحرب الأهلية الأنجولية نوفمبر 1975 – أبريل 2002 أن تستدير 360 درجة بسياستها إزاء الحزب الحاكم في أنجولا حزب حركة تحرير أنجولاMPLA لتبني علاقة ثنائية أكثر قوة ومتانة وتبادلية من العلاقات الأنجولية المصرية بالرغم من أن علاقات مصر مع أنجولا بدأت قبل إستقلال أنجولا من خلال فتح مكتب لحزب MPLA في القاهرة , لكن مصر لم تستطع إدارة علاقاتها مع الدول الأفريقية بحيث تكون ذات مردودية Rentable كما فعلت إسرائيل , وسيرد لاحقاً شرح ذلك .

المرحلة الثالثة بعد حرب 1967حتي توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في 26 مارس 1979 :

ظل البحر الأحمر وقناة السويس لهما نفس الأهمية لإسرائيل حتي بعد أن نجحت في التواجد بكثافة في كثير من الدول الأفريقية سواء أكان هذا التواجد في شكل تمثيل دبلوماسي كفء أو شركات ومؤسسات أو خبراء خاصة في مجالات الري والزراعة ولذلك نجد أن جميع الأحزاب الإسرائيلية توحدت في الرؤية فيما يتعلق بأهمية هذا المنفذ في تحقيق نظرية الأمن القومي الإسرائيلي علي أوسع نطاق ممكن لأنه حلقة الوصل اللوجيستيكية بأفريقيا , لذلك إجتمعت في عام 1968 لتصدر بياناً بشأن الصراع العربي الإسرائيلي من واقع نتائج حرب يونيو 1967 تضمن عدة مقررات وُصفت – آنئذ – بأنها سرية كان من بينها ما يتعلق بقناة السويس ومضيق تيران حيث أشارت بشأنهما ” أنه يجب أن تُمنح إسرائيل ضمانات من كل الفرقاء المعنيين – بما في ذلك الأمم المتحدة – بحرية الملاحة في قناة السويس ومضايق تيران * ( ملف وثائق فلسطين . وزارة الإرشاد القومي . الهيئة العامة للإستعلامات . صفحة 1615) , وفي الواقع فقد إستطاعت السياسة الإسرائيلية في الفترة السابقة واللاحقة علي حرب يونيو 1967 كسب تعاطف بل وتأييد دول أفريقية لموقفها من الصراع العربي الإسرائيلي وربما كان موقف هذه الدول الأفريقية صادراً – إلي جانب الجهد الدبلوماسي والدعائي الإسرائيلي – عن الخلفية المسيحية التوراتية لكثير من القادة الأفارقة , وقلما كان الجانب العربي واعياً لهذه الخلفية لدي هؤلاء القادة ومنهم من نشأ في كنف مدارس إرسالية مسيحية ولذلك إستساغ هؤلاء وهضموا المنطق الإسرائيلي الذي تتناول به إسرائيل صراعها مع العرب والمسلمين , كما إستطاعت إسرائيل تحييد موقف دول أفريقية أخري من هذا الصراع بأساليب أخري ولأسباب مختلفة وهو ما يعد في حد ذاته نجاحاً من نوع آخر , وعلاوة علي ذلك فلم تقتصر آثار هزيمة العرب ومصر في حرب يونيو 1967علي فقدان جزء من الأراضي وجزء من السيادة بل تجاوزالأمر ذلك فوصل إلي حد التأثير السلبي علي صورة العرب ومصر في العالم والقارة الأفريقية علي نحو خاص , وهو ما عملت عليه ثم إستغلته آلة الدعاية الإسرائيلية بحرفية , فبدأت حملة دعائية لتسويق صورتها في أفريقيا بالإتصال بالصحف والصحفيين في دول أفريقية معينة بل وقامت إسرائيل بإرسال كتيبات ومواد دعائية ووزعتها علي نطاق واسع للصحف ووسائل الإعلام المختلفة بكثير من الدول الأفريقية لدرجة أن نسخاً من هذه المواد الدعائية وُزع علي بعض السفارات العربية والمصرية بالخارج ولدي نسخ من هذه المواد منها كتيب بعنوان ASPECTS OF ISRAEL صادر عن وزارة الخارجية الإسرائيلية عام 1972 وهو كتيب مليئ بالكذبات وبالأخطاء التاريخية والسياسية التي لوت عنق الحقيقة منها مثلاً ما ورد بالصفحة 37 في الجزء الخاص بقوات الدفاع الإسرائيلية حيث أشار إلي “وبعد ساعات قليلة بعد إعلان الإستقلال عام 1948 عبرت قوات من مصر والأردن وسوريا ولبنان والسعودية ” الحدود ” من نقاط عدة في عملية ” غزو” مفتوح …. ” دون إشارة لقرار تقسيم فلسطين ولا لما فعلته القوات الإسرائيلية غير النظامية في أهلنا بفلسطين , وفي هذه المرحلة بدأ تمدد جديد لإسرائيل في أفريقيا , فبالإضافة إلي بقاء العلاقات الإسرائيلية مع إثيوبيا وجنوب أفريقيا في هذه المرحلة في حالة إزدهار وفاعلية بل إن جنوب أفريقيا وإسرائيل مثلا معاً دخلا معاً في شراكة فريدة في تقويض القيم الإنسانية من خلال الطبيعة العنصرية لنشأة هاتين الدولتين , فهنا فصل عنصري وهناك في إسرائيل فصل عنصري وديني وسياسي , ولإن علاقات إسرائيل بجنوب أفريقيا يمكن تصنيفها بأنها كانت خارج السياق الأفريقي لأن الأفارقة أنفسهم غير مسئولين عما إقترفه قادة الفصل العنصري بجنوب أفريقيا , لذلك ربما تكفي الإشارة هنا إلي أن ثلة من يهود جنوب أفريقيا من بينهم Abba Eban وArthur Lourie و Major Michael Comay تولوا مراكز إتخاذ القرار في دولة إسرائيل بعد إعلانها عام في مايو 1948 , كما أن رئيس وزراء إتحاد جنوب أفريقيا Jan Christiaan Smuts أعرب عن سعادته لأنه عاش ليري ميلاد دولة إسرائيل مُعتبراً أن جنوب أفريقيا لعبت دوراً هاماً في تحقيق هذا الإنجاز *(Richard P. Stevens . WEIZMANN AND SMUTS .A STUDY IN ZIONIST – SOUTH AFRICAN COOPERATION . THE INSTITUTE FOR PALESTINE STUDIES .Page 106) وهذا كاف لتوقع الإتجاه الصعودي في علاقات إسرائيل بجنوب أفريقيا آنئذ , ولذلك وعطفاً علي بناء إسرائيل لمنظومة علاقاتها الأفريقية , يُشار إلي أن إثيوبيا وجنوب أفريقيا من واقع منطلقاتهما الإستراتيجية التي تُرجمت في سياسات عدوانية مؤسسة علي الإحساس المتعالي بالتميز والخشية في نفس الوقت من محيطهما الجغرافي في أفريقيا لم يكونا أقل حماساً من إسرائيل في ضرورة مواجهة السياسة الأفريقية النشطة لمصر في هذه المرحلة فقد تبنت مصر حركات التحرير الأفريقية ففتحت مكاتب لها في القاهرة بالإضافة إلي إتاحتها لموجاتها الإذاعية الموجهة باللهجات واللغات الأفريقية المختلفة للكوادر الإعلامية لحركات التحريرالأفريقية , وكان هذا الإتجاه المصري مناهضاً بل محبطاً للسياسات العنصرية لإتحاد جنوب أفريقيا الذي يسيطر عليه الساسة البيض بالإضافة إلي إثيوبيا التي هي الأخري كانت تري في سياسة مصر الأفريقية خطراً عليها بمعاني مختلفة , أما فرنسا فأتاحت لإسرائيل حرية حركة في مستعمراتها بغرب ووسط أفريقيا وبجيبوتي مستعمرتها الوحيدة في شرقي أفريقيا , فأستطاعت إسرائيل في هذه المرحلة السابقة لإستقلال معظم الدول الأفريقية بناء صلات ومد جسور مع النخب الحاكمة بدول أفريقية سواء النخب السياسية أو الإقتصادية .

مضت إسرائيل في الإستفادة من نتائج حرب السويس حتي مايو 1967 عندما قرر الرئيس عبد الناصر في مايو 1967 إغلاق مضيق تيران مرة أخري وهو ما سرع من وتيرة وصول سيناريو النزاع العربي / الإسرائيلي إلي مرحلة الإشتباك العسكري علي ثلاث جبهات في سوريا والأردن ومصر التي فقدت للمرة الثانية بسبب هزيمتها في حرب الأيام الستة التي بدأت صباح 5 يونيو 1967 شبه جزيرة سيناء وكذلك مضيق تيران بعد إحتلالهما بواسطة الجيش الإسرائيلي لمدة 13عاماً تقريباً أي بعد تمام الجلاء عن سيناء في أبريل 1981 وعودة مضيق تيران للسيادة المصرية مجدداً لكن في ظروف وبشروط مختلفة عن الظروف التي كانت سائدة عام 1949 فلم يعد الوصول الإسرائيلي لأفريقيا Outreach مقيداً أو محصوراً في الإطار الجغرافي الضيق المقصور علي إثيوبيا وجنوب أفريقيا وغانا والكونجو بل تعداه ليشمل عدداً لا بأس به من الدول الأفريقية حتي ذات الأغلبية المُسلمة منها , وكانت هذه القفزة الواسعة في بناء العلاقات الأفريقية لإسرائيل أحد ثمار إنتصارها العسكري في حربي 1956و 1967 فبعد جلاءها عن سيناء في الأول من مارس 1956 والإعتراف المصري الضمني لها – من الوجهة الواقعية – بحق المرور البرئ في خليج العقبة مما وفر لها حرية الحركة , تفرغت إسرائيل لعملية بناء متسارعة لعلاقاتها الأفريقية من أجل (1) إكتساب شرعية الوجود السياسي و(2) توفير مجال إقتصادي قريب منها يصبح مناسباً وفي المتناول Convenience للصناعات الإسرائيلية التي مولتها وساندتها الولايات المتحدة بموجب سلسلة من مذكرات التفاهم الإستراتيجي والإتفاقيات والبروتوكولات المُوقعة مع إسرائيل بشكل سما بالعلاقة الثنائية لتصل إلي حد علاقة تحالف من نوع خاص , ولا مجال لدي وربما لدي الكثيرين لتصديق الإنكار الذي يصدر للبعض ممن هم من أبناء جلدتنا عن حقيقة الأساس الديني المتين للعلاقات الأمريكية / الإسرائيلية , لمجرد قطع الطريق علينا لتسمية الصراع الذي بين المسلمين العرب وإسرائيل باسمه الحقيقي أي صراع بين هويتين هما اليهودية العبرية والإسلامية العربية , وعليه وتأسيساً علي الهوية اليهودية فقد دعمت الولايات المتحدة النفاذ الإسرائيلي إلي دول بعينها في القارة الأفريقية من خلال تعيين اليهود الأمريكيين الإسرائيليين في بعثات وكالة التنمية الدولية الأمريكية USAID في بعض الدول الأفريقية وهو أمر لم يكن سرياً بل معلناً ولم يقتصر علي USAID فقط , ففي 14 أكتوبر 1969 أعلنت السفارة الأمريكية في تل أبيب أن الأمريكيين الذين أصبحوا إسرائيليين يمكنهم الإحتفاظ بالجنسية الأمريكية بما في ذلك الذين يخدمون في القوات المُسلحة الإسرائيلية , وهو ما حدا برئيس وفد الجمهورية العربية المتحدة (مصر) بالأمم المتحدة في 16 أكتوبر 1969 إلي تقديم مذكرة لرئيس مجلس الأمن بشأن البيان الأمريكي الذي صدر وتضمن الإشارة إلي السماح للعسكريين الأمريكيين بالخدمة في الجيش الإسرائيلي وبأن الرعايا الإسرائيليين من أصل أمريكي يستطيعون الإحتفاظ بجنسيتهم الأمريكية حتي وإن خدموا في القوات الإسرائيلية , وأعتبرت مصر ذلك موقفاً عدائياً ضدها (أحمد عطية الله . حوليات العالم المُعاصر . السجل التاريخي لعام 1969 . دار النهضة العربية . صفحة 237 ) , إلا أن المذكرة المصرية لم تكن سوي تسجيلاً لموقف إذ أنها لم تغير شيئاً في الموقف الأمريكي الداعم بكل قوة وبلا تحفظ لإسرائيل , كما أن قادة إسرائيل وفي مقدمتهم رئيس وزراءها الأسبق أكدوا وحتي الآن علي يهودية الدولة مراراً ومبكراً , ففي عام 1949 ألقي David Ben Gurion خطاباً في الكنيست قال فيه ” لقد تأسست الدولة للهجرة الجماعية ولهذا السبب وحده ستبقي , إن دولة إسرائيل وُجدت بنية التحرر وإن بقاءها وتحقيقها لهذا الهدف لن يتأكد إلا بتجميع المنفيين ورجوعهم إليها ” وهذا يعني أنه بالنسبة له وللقادة الصهاينة فإن إسرائيل هي جماع لكل يهود العالم وليس فقط هؤلاء الذين في فلسطين المُغتصبة فحسب أي أن الدولة والحركة الصهيونية تكونان معاً وحدة مُتراصة غير قابلة للإنفصال * * ( تهاني هلسة . دافيد بن جوريون . دراسات فلسطينية رقم 44 . منظمة التحرير الفلسطينية – مركز الأبحاث – بيروت نوفمبر 1968 . صفحة167) , ومن ثم وبحساب العائد علي التكلفة كانت أفريقيا ضرورية لإسرائيل , ويؤكد هذا القفزة الدبلوماسية الإسرائيلية بتسارع عملية بناء علاقاتها الأفريقية في الفترة التالية لهزيمة يونيو 1967 وإلي ما قبل حرب العاشر من رمضان / أكتوبر 1973 حيث وصل التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي في أفريقيا إلي مستوي غير مسبوق لإسرائيل في تحقيق الإنتشار الدبلوماسي الإسرائيلي في هذه القارة وهو ما تترجمه خريطة التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي المقيم والمعتمد في الدول الأفريقية عامي 1971 – 1972(THE MIDDLE EAST AND NORTH AFRICA 1971-1972 . EUROPA PUBLICATIONS LIMITED) وكان تمثيلها في هذه الفترة كالتالي :

– السفارة الإسرائيلية في الكاميرون وتولاها السفير SHAUL LEVIN
– السفارة الإسرائيلية في جمهورية أفريقيا الوسطي وتولاها IJZHAK MICHAELS
– السفارة الإسرائيلية في تشاد وتولاها OVADIA SOFFER
– السفارة الإسرائيلية في الكونجو برازافيل وتولاها NAHUM GUERSHOME
– السفارة الإسرائيلية في الكونجو كينشاسا وتولاها SHIMON MORATT
– السفارة الإسرائيلية في داهومي (بنين حالياً) وتولاها MORDECHAI DRORY
– السفارة الإسرائيلية في إثيوبيا وتولاها URIEL LURANI
– السفارة الإسرائيلية في الجابون وتولاها DAVID EPHRATI
– السفارة الإسرائيلية في غانا وتولاها AVRAHAM COHEN
– السفارة الإسرائيلية في غينيا / كوناكري وتولاها SHLOMO HILIL
– السفارة الإسرائيلية في ساحل العاج وتولاها ITZHAK MINERBI
– السفارة الإسرائيلية في كينيا وتولاها REUVEN DAFNI
– السفارة الإسرائيلية في ليبيريا وتولاها PINCHAS RODAN
– السفارة الإسرائيلية في مدغشقر وتولاها HAIM RAPHAEL
– السفارة الإسرائيلية في مالاوي وتولاها SHAUL BEN- HAIM
– السفارة الإسرائيلية في مالي وتولاها MEIR SHAMIR
– السفارة الإسرائيلية في النيجر وتولاها YEHOSHUA RASH
– السفارة الإسرائيلية في نيجيريا واولاها YISSAKHAR BEN- YAACOV
– السفارة الإسرائيلية في السنغال وتولاها MOSHE LIBA
– السفارة الإسرائيلية في سيراليون وتولاها MORDECHAI LADOR
– السفارة الإسرائيلية في جنوب أفريقيا وتولاها M .T. MICHAEL
– السفارة الإسرائيلية في تنزانيا (المنصب شاغر)
– السفارة الإسرائيلية في توجو وتولاها YOEL SHER ( من أصل ليتواني توفي عام 1961)
– السفارة الإسرائيلية في فولتا العليا ( بوركينافاسو حالياً ) YAACOV DECKEL

تبادلت الدول الأفريقية التمثيل الدبلوماسي مع إسرائيل في هذه المرحلة علي نحو أكبر , ففتحت 11 دولة أفريقية سفارات لها في تل أبيب , وفي مقابل هذا التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي الذي يعد كبيراً عند الوضع في الإعتبار أن هناك دول أفريقية كانت لم تزل وقتذاك رازحة تحت سطوة الإستعمار مثل أنجولا وغينيا بيساو وموزمبيق والرأس الأخضر وساوتومي وبرنسيب ونامبيا وأرتريا وغيرهم , نجد أن التمثيل الدبلوماسي المصري المعتمد والمقيم شمل 22 دولة أفريقية فيما كانت بالقاهرة 16 سفارة لدول أفريقية , اما التمثيل الدبلوماسي العربي في أفريقيا في هذا الوقت فقد كان أقل بالقياس لمصر وإسرائيل في هذه الفترة أي 1971 – 1972, فالمملكة العربية السعودية شمل تمثيلها الدبلوماسي عشر دول أفريقية , والجزائر كان لها 9 سفارات بدول أفريقية , والمغرب كان له 8 سفارات بدول أفريقية , أما دول الخليج العربي فلم يكن لها في ذلك الوقت تمثيلاً دبلوماسياً هناك , فيما كان للعراق 5 سفارات بدول أفريقية , أما الأردن فلم يكن له إلا سفارة واحدة وهي تلك التي لدي إثيوبيا , وكان للبنان 11 سفارة لدي دول أفريقية , وكان للسودان 11 سفارة بدول أفريقية , وكان لتونس 10 سفارات لدي دول أفريقية , أما اليمن الشمالي فكانت له سفارتان في أفريقيا , فيما لم يكن لليمن الجنوبي إلا سفارة واحدة هي تلك التي كانت بالصومال فقط وكذلك كان للكويت سفارة واحدة فقط بأفريقيا كانت بالصومال , ولم يكن لسلطنة عُمان أي تمثيل دبلوماسي بأفريقيا , لكن هذا الوضع ما لبث أن تغير فبعد حرب رمضان / أكتوبر 1973 قطعت عدة دول أفريقيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل (ظلت علاقات إسرائيل مالاوي إبان عهد الرئيس Kamuzu Banda مُستمرة منذ إنشاءها عام 1964 وحتي بعد حرب 1973 بالإضافة إلي مملكة ليسوتو وسوازيلاند) , وفي الواقع فقد أدت هذه الحرب والأداء الإيجابي للجيوش العربية ( بالرغم من الدعم العسكري والمخابراتي الأمريكي العسكري والسياسي والغربي المباشر لإسرائيل) إلي تعاطف نسبي من كثير من الدول الأفريقية وفي مقدمتهم الرئيس الزائيري Mobutu الذي قام بزيارة للقاهرة في نوفمبر 1974 شملت زيارة الجبهة المصرية بقناة السويس ومعاينة خط بارليف المُدمر , وربما يترجم موقف الرئيس الزائيري ما أشار إليه الرئيس السادات في كلمته بمناسبة يوم أفريقيا في 25 مايو 1974 بقوله ” لقد وقفت مصر بجانب أفريقيا ووقفت أفريقيا بجانب مصر , وكانت وقفة حرب أكتوبر هي وقفة المبادئ والمُثل , فقد تكشف للدول الأفريقية الطبيعة العنصرية والإستعمارية لإسرائيل , وإذا كانت بعض الدول قد إكتشفت ذلك مبكراً وقطعت علاقاتها قبل ذلك بإسرائيل , فإن إكتشاف نفس الأمر من بقية الدول الأفريقية قد شكل إجماعاً رائعاً علي الحق وإصراراً لا خلاف عليه من أجل مستقبل أفريقي أفضل ” * (قال الرئيس السادات . الجزء الرابع 1974 . السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية ) .

جاء وزير الخارجية الأمريكية هنري كيسينجر للقاهرة لأول مرة في نوفمبر 1973 ليدشن دخولاً دبلوماسياً أمريكياً مباشراً لبدء عملية تفاوضية لتسوية ما أُصطلح علي تسميتها ” بأزمة الشرق الأوسط ” وهو الأسم المُفضل لدي البعض بدلاً من الصراع العربي الإسرائيلي , وقد برر الرئيس السادات بدء الإتصالات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة بغرض التسوية في حديث أدلي به للصحفية اللبنانية علياء الصلح في 29 مارس 1974 عندما اشار رداً علي سؤالها إلي ما نصه ” بمجرد مقارنة بسيطة بين ما حدث في معركة 5 يونيو 1967 وما حدث في 6 أكتوبر 1973 وتصرفات الولايات المتحدة سواء علي مستوي مجلس الأمن أو علي مستوي الإتصال (الثنائي) أو علي مستوي الجهد الذي بُذل أو علي مستوي النظرة إلي المشكلة في سنة 1967, كانت النظرة للمشكلة من جانب الحكومة الأمريكية في ذلك الوقت تحت رئاسة الرئيس جونسون الذي كانت نظرته هي الإنحياز الكامل لإسرائيل وضرب العرب , وفي سنة 73 وتحت حكم الرئيس نيكسون وبالجهد الكبير الذي بذله الدكتور كيسينجر كانت النظرة هي البحث عن السلام عن طريق الوصول إلي تسوية سلمية , وجاء قرار مجلس الأمن الذي ضمنته أمريكا مع الإتحاد السوفيتي علي أساس وقف إطلاق النار , ثم التنفيذ الفوري لقرار 242 الصادر عن مجلس الأمن في نوفمبر 1967 , مجرد مقارنة بسيطة بين الموقفين , وهناك خفايا كثيرة لم يأت الوقت للكشف عنها توضح تماماً أن هناك تغييراً جذرياً في موقف الولايات المتحدة نحو السلام وإقامة علاقات متوازنة ” , كما أكد الرئيس السادات هذا المعني في كلمته بحفل العشاء الذي أُقيم للرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في قصر القبة بالقاهرة بمناسبة زيارته لمصر في 12 مايو 1974 حين قال ” إن من بين التغيرات الأساسية التي فجرها السادس من أكتوبر التغير الذي حدث في المسلك الأمريكي والخطوات المُختلفة التي أتخذت منذ ذلك اليوم التاريخي , فإن التحرك الأمريكي الإيجابي هو إنجاز سياسي ملموس للسادس من أكتوبر والصفحة الجديدة التي نفتحها مع بلادكم هي شاهد حق علي أن للولايات المتحدة مصلحة حيوية في أن تكون علي علاقة طيبة بكل دول هذه المنطقة الحساسة والإستراتيجية …. ” , * (المصدر السابق . صفحة 183) , وكان من الطبيعي أن تشرع إسرائيل في إستعادة علاقاتها الأفريقية علي النطاق المتسع الذي كانت عليه في عامي 1971 و1972 إستفادة من أجواء التسوية السلمية للصراع العربي الإسرائيلي وليس من النتائج العسكرية لهذه الحرب التي مثلت أول هزيمة لجيش الدفاع الإسرائيلي خاصة علي الجبهة المصرية بعبور الجيش المصري للضفة الشرقية لقناة السويس وإجتياحه لخط بارليف المنيع , وعليه وكما سبق وأن إرتبط تطور العلاقات الإسرائيلية / الأفريقية بالإستفادة الإسرائيلية من النتائج العسكرية لحربي 1956 و1967, لذلك فقد تحركت إسرائيل هذه المرة بالترويج للنتائج السياسية لحرب أكتوبر 1973 لتستعيد علاقاتها الأفريقية .

علي كل الأحوال فالدبلوماسية الإسرائيلية والتحركات الإقتصادية الإسرائيلية معاً بإسناد من الآلة الإعلامية الغربية المواتية لإسرائيل ووجهة نظرها حيال الصراع العربي الإسرائيلي حققت تدريجياً الهدف النهائي الذي سعت إليه إسرائيل تنفيذا لإستراتيجية تحركها في أفريقيا فقليل من الحقيقة مع كثير من القذف الإعلامي المنتطم والإقتراب من ومساندة الدوائر المحيطة بقادة الدول الأفريقية وتأمين سلطاتهم القائمة علي قواعد ديموقراطية صورية هشة مع تباطؤ بل وإنسحاب عربي تدريجي أخاله متعمداً خاصة من مصر في الفترة من 1981 حتي 18 فبراير 2011 تاريخ سقوط نظام مبارك الذي كان يكتفي ببيانات فارغة مُدمج فيها عبارات كالدور المحوري والرائد لمصر في أفريقيا والتي تكاد أن تكون كعبارات شعراء الغزل في العصر الجاهلي , مما مكن إسرائيل في النهاية من تسيد الساحة الأفريقية , وقد نقترب من حقيقة هذا التقدير بإستحضار الذاكرة لعبارة قالها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق Ben Gurion واصفاً أحد أسس علاقات إسرائيل بأفريقيا والعالم النامي بقوله ” …. وإن إسرائيل ليس لديها روابط مُشتركة مع غيرها من الأمم , وقوة الجذب التي تتمتع بها بين الأمم الأخري وخاصة الأمم الآسيوية والأفريقية هي كونها نموذجاً ومثالاً يُحتذي به وأن الدول النامية تطلب صداقتها ليس لكبر حجمها أو كثرة مواردها ولكن لأنها تستطيع أن تستفيد من إمكانات إسرائيل الفنية والعلمية ” , ويؤكد Ben Gurion أن الدول النامية إتجهت لإسرائيل أكثر بعد حرب سيناء 1956 لأن هذه الدول أُعجبت بإنتصار الجيش الإسرائيلي , * (تهاني هلسة . دافيد بن جوريون . دراسات فلسطينية رقم 44 . منظمة التحرير الفلسطينية – مركز الأبحاث – بيروت نوفمبر 1968 صفحة 209 و210 ) .

بدأت إسرائيل كما سبقت الإشارة في العمل نحو إستعادة علاقاتها بالدول الأفريقية الواحدة تلو الأخري علي إساس من تخطيط مُسبق ومتابعة عن كثب للتطورات الداخلية بهذه الدول وتحقيق إقتراب من دوائر الحكم والأعمال وبمساندة أمريكية فرنسية وغربية لا تنقطع كما سيتضح ذلك لاحقاً , فعامل المساندة الغربية والأمريكية علي نحو خاص شديد الأهمية فلم تكن هذه المساندة ناشئة إلا علي أساس من علاقة التحالف المُقدس المؤسس علي جوهر ديني بحت بين الغرب وإسرائيل التي إستفادت منه أيما إستفادة , وقد إستخدمت إسرائيل أكثر من أسلوب لبناء علاقاتها الدبلوماسية مع الدول الأفريقية منها الأسلوب المُتبع في حالة إستعادة العلاقات مع غينيا / كوناكري السالف الإشارة إليه , وهناك أسلوب آخر مباشر مُؤسس علي متابعة إسرائيلية عن كثب للأوضاع الإقتصادية والتحولات السياسية لمواقف الدول الأفريقية الناتجة عن سقوط الإتحاد السوفيتي في مستهل القرن الماضي , فقد أعلن في 14 يوليو 1991 عن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الكونجو برازافيل وإسرائيل والتي كانت قد قُطعت في 31 ديسمبر 1972 نتيجة للموقف الأفريقي المُوحد في إطار مُنظمة الوحدة الأفريقية بجهد دبلوماسي عربي مُشترك من قبل مصر والجزائر وتونس وليبيا والسودان والمغرب وموريتانيا كل بقدر إنتشار تمثيله الدبلوماسي في أفريقيا ., ولم يكن القرار الكونجولي مفاجئاً فقد سبق أن تردد في عام 1988 قرب إستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الكونجو برازافيل وإسرائيل , لكن الخارجية الكونجولية آنئذ أكدت مراراً وعلناً إستبعاد حدوث ذلك بل وإنتقدت مسلك جميع الدول الأفريقية (منها ساحل العاج وزائير) التي أعادت علاقاتها مع إسرائيل دون التشاور المُسبق مع منظمة الوحدة الأفريقية أو حتي صدور قرار مُوحد في إطارها بهذا الشأن , لكن الخارجية الإسرائيلية مع ذلك كانت تتابع عن كثب التحولات المتوقعة في سياسات الدول الأفريقية إثر سقوط الإتحاد السوفيتي , فالقرار الكونجولي بإستعادة العلاقات مع إسرائيل لم يأت من فراغ فقد جاء مُتزامناً مع حدوث تحولات جذرية في علاقات الكونجو الخارجية التي بدأت في الحدوث خلال عامي 1987 و 1988 عندما بدأت علاقات برازافيل تتحسن مع زائير (الكونجو الديموقراطية حالياً) فإنتقلت من الحالة العدائية إلي حالة علاقة حسن الجوار , كما إستضافت برازافيل في الفترة السابقة علي هذا القرار جولات المباحثات الرباعية بشأن الحرب الأهلية في أنجولا وهي المباحثات التي شاركت فيها أنجولا وجنوب أفريقيا التي كان لها دور مؤثر فيها , وتزامن ذلك مع الإتفاق الكونجولي مع كوبا علي إنهاء مهمة البعثة العسكرية الكوبية في 30 مارس 1991 وكانت هذه البعثة ترابط في ميناء Pointe Noireالكونجولي علي الأطلنطي منذ عام 1977 , يُضاف إلي ذلك أن الكونجو برازافيل كانت قد بدأت في علاقات ذات طابع إنفتاحي غير مسبوق مع جنوب أفريقيا الحليف الأفريقي الرئيسي لإسرائيل عندما قام وفد من رجال أعمال من جنوب أفريقيا برئاسة مسئول التعاون مع أفريقيا بخارجية جنوب أفريقيا بزيارة برازافيل في 25 يناير 1991 ليدشن مرحلة مختلفة في العلاقات الثنائية لدولتين بينهما تباين أيدولوجي هائل فبرازافيل كانت حتي ذلك الوقت محسوبة علي الدول الإشتراكية الراديكالية في أفريقيا بينما نظام جنوب أفريقيا نظام رأسمالي له تراث من العنصرية آلم الدول الأفريقية جميعاً , وبالطبع ونظراً للروابط المتينة القديمة بين تل أبيب وبريتوريا لنا أن نتصور درجة من العلاقة لجنوب أفريقيا في إحداث تقارب بين تل أبيب وبرازافيل , وعلي الصعيد الداخلي كانت هناك تحولات أخري أهمها عقد المؤتمر القومي العام في الفترة من25 فبراير 1991 حتي 10 يونيو 1991 والذي كان من نتائج إنعقاده إتخاذ قرارات أفضت إلي فتح الباب أمام التعددية الحزبية والإصلاحات السياسية والدستورية بالكونجو برازافيل للفترة المُقبلة في تاريخها السياسي الحديث , ولما كانت هناك عملية تحول سياسي وإقتصادي بالكونجو برازافيل لذلك كانت بحاجة ماسة لمعونات إقتصادية خارجية تقيل عثرتها الإقتصادية التي كانت ستتسع بالتأكيد حراء الإنتقال إلي نظام السوق الحر وتخفيف القبضة الحكومية علي الإقتصاد بدرجة تقلل من سيطرتها عليه وتوجيهه , وهو إنتقال دعت إليه وأدارته الدول الكبري ذات النفوذ في أفريقيا وأهمها فرنسا والولايات المتحدة وصندوق النقد والبنك الدوليين وهذا الإنتقال أدي إلي تقريب المسافات وجسرها بين برازافيل وإسرائيل التي تبنت فرنسا مصالحها في أغلب دول مستعمراتها السابقة في وسط وغربي أفريقيا في فترة قطع علاقاتها بإسرائيل , ولذلك ففي تقديري أنه يمكن إعتبار إستعادة برازافيل لعلاقاتها بإسرائيل أحد مكونات عملية التحول السياسي لبرازافيل والحالة هذه .

وجدير بالذكر أنه في خلفية إستعادة علاقات إسرائيل بالكونجو برازافيل تقع العلاقات القديمة بين الكونجو برازافيل ومنظمة التحرير الفلسطينية والتي تطورت وتدعمت بدرجة ملموسة عندما إعترفت برازافيل بالدولة الفلسطينية في 3 ديسمبر 1988 مما إستدعي قيام وفد فلسطيني برئاسة أمين أبو حصيرة بزيارة برازافيل في 4 ديسمبر 1988لإحاطة حكومة برازافيل علماً بهذا التطور الهام وشكرها علي إعترافها بدولة فلسطين التي أُعلنت في المؤتمر الذي عُقد بالجزائر في 15 نوفمبر 1988 .

بإعلان الكونجو برازافيل عن إستعادة علاقتها الدبلوماسية مع إسرائيل – وقتذاك – تكون الكونجو برازافيل قد إنضمت إلي قائمة دول أفريقية أتخذت نفس القرار قبلها وهي ليبيريا وأفريقيا الوسطي وزائير(الكونجو الديموقراطية حالياً) وساحل العاج والكاميرون وإثيوبيا وكينيا .

في النهاية وفي أيامنا هذه أصبح لإسرائيل علاقات دبلوماسية مع 40 دولة أفريقية من مجموع 48 دولة بأفريقيا جنوب الصحراء , إلا أنه وحتي الآن لا توجد علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وكل من : النيجر وجيبوتي وموريتانيا وجزر القمر وتشاد ومالي والصومال والسودان .

المُشاركة الأفريقية المتوقعة في قمة أفريقيا – إسرائيل :

أكد وزير الخارجية التوجولي Robert Dussey في تصريحات نشرتها صحيفة The Jerusalem Post في 23 نوفمبر 2016 ” أنه يجد أن هناك بعض الدول الأفريقية مثل جنوب أفريقيا ليست مع عقد هذه القمة , إلا أن دولاً أخري مثل كينيا ورواندا وأوغندا داعمة تماماً لعقدها ” , مُشيراً إلي ” إننا 45 دولة أفريقية وسنوجه الدعوة إلي كل هذه الدول , ونتوقع مشاركة ما بين 25 إلي 30 رئيس دولة , فيما كان وزير الخارجية قد أشار في تصريح سابق له في 15 أكتوبر 2016 بمناسبة عقد قمة الإتحاد الأفريقي الإستثنائية حول الأمن والأمان البحري واالتنمية في أفريقيا بالعاصمة Lomé ” أن 12 رئيس أفريقي أكدوا بالفعل مشاركتهم في هذه القمة التي تُعقد في 15 أكتوبر 2017 , ليس فقط من دول غربي أفريقيا فقط بل من عموم أفريقيا ” , ثم أشار إشارة ذات معني حين قال ” إن زميلاً من دول شمالي أفريقيا عبر عن إهتمامه , بمشاركة بلاده ” لكنه أردف قائلاً ” أنه من غير المُحتمل أن يحضر رئيس هذه الدولة هذه القمة ” , كما أوضح في سياق إظهار المجهود التي تبذله توجو لتحقيق أكبر مشاركة عددية من القادة الأفارقة ” أنه وبعد ختام زيارته لإسرائيل سيتوجه إلي أديس أبابا للمشاركة قمة الإتحاد الأفريقي ومن هناك سيعمل علي الترويج ودعم هذه القمة ” وأن ” توجو ستعمل في قمة الإتحاد الأفريقي من أجل حصول إسرائيل علي وضعية المراقب بهذه المنظمة القارية ” , وهي الوضعية التي أكد Hailemariam Desalegn رئيس وزراء إثيوبيا خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي لإثيوبيا عام 2016 أن ” لا سبب يدعو إلي إنكار هذه الوضعية علي إسرائيل ” , وهو ما حذت كينيا حذوه .

لكن مسألة المشاركة الأفريقية ليست بالبساطة التي حاول وزير الخارجية التوجولي أن يظهرها في تصريحاته الصحفية التي أدلي بها منذ الإعلان عن عقد هذه القمة ببلاده , إذ أن علاقة إسرائيل ببعض الدول الأفريقية الرئيسية في مناطقها تعترضها مشاكل مختلفة فجنوب أفريقيا التي تتولي رئاسة الإتحاد الأفريقي لا تتوفر قاعدة راسخة للعلاقات الثنائية بينها وبين إسرائيل إذ أن ماضي إسرائيل في دعم والتعاون مع نظام الفصل العنصري Apartheid بجنوب أفريقيا والذي إنتهي عام 1994مازال يمثل عقبة كؤود أمام إستعادة الثقة بين الكيان الصهيوني وجنوب أفريقيا , ويصيغ هذا الماضي كثير من المواقف السلبية لجنوب أفريقيا تجاه إسرائيل حالياً خاصة من قبل الحزب الحاكم , ولهذا نجدها تعترض علي منح إسرائيل وضعية ” المراقب ” بالإتحاد الأفريقي التي تُروج لها وبقوة وحماس توجو , كما سبق أن أثارت جنوب أفريقيا جدلاً وإعتراضاً علي إستيراد منتجات المستعمرات الإسرائيلية لأسواقها , وتتوقع بعض الدوائر المعنية بالإتحاد أن الرئاسة الجديدة للإتحاد الأفريقي التي جري إنتخابها في الشهر الماضي قد تعمل علي تحسين فرصة إسرائيل في الحصول علي وضعية ” المراقب ” بإستعادتها بعد أن فقدتها طيلة 15 عاماً مضت , وعلي العكس فإن السلطة الفلسطينية تتمتع بهذه الوضعية مما أتاح لرئيسها محمود عباس مخاطبة الإتحاد الأفريقي كل عام , أما السنغال فإن علاقاتها بإسرائيل تمر في مسار حرج , فعندما قامت مصر – وبدون الحصول علي أي مكاسب إفتراضية من الكيان الإسرائيلي – بسحب مفاجئ لمشروع قرار كان من المُقرر أن تطرحه علي مجلس الأمن للتصويت عليه يتضمن إدانة ومطالبة إسرائيل ” بتعليق الأنشطة الإستيطانية في الضفة الغربية من أجل إنقاذ حل الدولتين” , وذلك بعد أن قام الوفد المصري بمجلس الأمن بتوزع مسودته في مساء 21 ديسمبر 2016 علي أعضاء مجلس الأمن الدولي ثم سحبها بدعوي إرجاء التصويت عليه وأبلاغ الوفد المصري أعضاء المجلس بذلك يوم التصويت عليه , وهو تصرف أشادت به إسرائيل إلا أنه وبعد هذا السحب المُفاجئ تقدمت دول أخري غير عربية هي فينزويلا وماليزيا والسنغال ونيوزيلاند (التي لها تاريخ غير إيجابي في التصويت علي قرارات تخص القضية الفلسطينية) وطرحت مشروع القرار الذي يدين المستوطنات الإسرائيلية مُعتبراً إياها انتهاكا للقانون الدولي وعقبة أمام تنفيذ حل الدولتين , وهو القرار الذي حازعلي إجماع أعضاء مجلس الأمن فيما إمتنعت الولايات المتحدة عن التصويت مما يعتبر موافقة ضمنية منها عليه في أول سابقة من نوعها في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية , وكان لهذا الموقف المصري الشاذ ضرر بالغ علي الموقع الفريد والتاريخي لمصر تجاه القضية الفلسطينية , لكن رد فعل إسرائيل كان عنيفاً إزاء السنغال وتجاوز الحدود , كما أنه وفي سياق مُتصل نري العلاقات التوجولية / السنغالية تمر هي الأخري في مسار حرج آخر إذ أن توجو رفضت تأييد مرشح السنغال Abdoulaye Bathily لرئاسة مفوضية الإتحاد الأفريقي ضد المرشح الكيني لهذا المنصب والذي أيدته توجو وكلا المرشحين خسرا في التصويت الذي رجح كفة Moussa Faki Mahamat وزير خارجية تشاد لتولي هذا المنصب , أما نيجيريا فوفقاً لما أوردته صحيفةTHE JERUSALEM POST في23 أغسطس 2016بالإحالة علي The Jerusalem Post التي أشارت إلي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي Benjamin Netanyahuكان يخطط لعقد قمة تضم 15 رئيس دولة من دول غرب أفريقيا يتشكل منها التجمع الإقتصادي لدول غرب أفريقيا ECOWAS في نيجيريا نهاية عام 2016 إلا أن رئيس نيجيريا لم يعط موافقته علي هذه الخطة التي توجه رئيس مفوضية التجمع الإقتصادي لدول غرب أفريقيا Marcel Alain de Souzaمبكراً لإسرائيل في يوليو 2016 ليقدم الدعوة لرئيس الوزراء الإسرائيلي لحضور هذه القمة التي لم تر النور فأخفقت الخطة الإسرائيلية لعقدها , لكن de Souza وقع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ” إعلان نوايا ” مُشترك يتضمن إقامة تعاون بين ECOWAS وإسرائيل , وأشار هذا الإعلان إلي ” إن الجانبين ينظران بإيجابية لمشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي في قمة ECOWAS القادمة بمقرها في نيجيريا والتي تمثل بلاد يبلغ تعداد سكانها 320 مليون نسمة ” إلا أنه ومع ذلك فوفقاً لمصادر صحفية إسرائيلية فقد رفضت نيجيريا مشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي في قمة ECOWAS بنيجيريا , وكانت العلاقات الإسرائيلية مع نيجيريا قوية إلي حد كبير تحت قيادة الرئيس Goodluck إلا أنه وبخسارته الإنتخابات الرئاسية في عام 2015 وتولي رئيس مسلم هو Muhammadu Buhari ساءت العلاقات مع إسرائيل , ومن مظاهر ذلك التصويت السلبي لنيجيريا فيما يتعلق بالقضايا ذات الصلة بإسرائيل في المحافل الدولية , ومع ذلك هناك إستثناءات في موقف نيجيريا التصويتي فيما يتعلق بإسرائيل ومرجع ذلك طبيعة إنتماء رئيس جمهورية نيجيريا , ففي عهد الرئيس Goodluck عندما صدر قرار لمجلس الأمن عام 2014 يدعو إسرائيل للإنسحاب من الضفة الغربية إمتنعت نيجيريا ورواندا عن التصويت مما أحدث توازناً لمصلحة إسرائيل , وإسرائيل وهي تتحرك الآن في أفريقيا تعلم المكونات السياسية والعلاقات المتداخلة للتركيبة القبلية والدينية والإقتصادية وتنوع الأحزاب السياسية ذات الفاعلية والنخب بل وقوة نفوذ النقابات من عدمه داخل المجتمعات الأفريقية وتعطي بناء علي ذلك الوزن الصحيح لكل التباينات الممكنة , ومن ثم فإن ما يُقال عن ثبات في الموقف السياسي لنيجيريا وجنوب أفريقيا والسنغال حقيقة لكنها خلافية إذ أن إسرائيل تعمل جاهدة وبمثابرة علي تطويعها لتميل إلي ما يفيدها .

إذا إستثنينا جنوب أفريقيا والسنغال ونيجيريا والسودان وجيبوتي ومالي والنيجر والصومال وجزر القمر وموريتانيا ومصر وليبيا وتونس والجزائر والجمهورية العربية الصحراوية(بوليزاريو) والمغرب فإن إحتمالات المشاركة سيكون نطاقها 38 دولة أفريقية منهم دول ربما يحدد إستجابتها للمشاركة أحد أو كل العوامل التالية : (1) قوة التأثير المُتبادل في سياساتها الخارجية مع الدول الثلاث الأفريقية الرئيسية في القارة وهي نيجيريا وجنوب أفريقيا والسنغال (2) ما تبقي من نفوذ ونفاذ عربي وصلاحيته ليكون أحد مكونات هذه الدولة أو تلك في إتخاذ قرار ما بشأن المشاركة في هذه القمة من عدمه (3) الرؤية الأمنية لهذه الدول فيما يتعلق بماضي العلاقات الإسرائيلية ومستقبلها في المجالات السياسية والإقتصادية والأمنية فلإسرائيل ماضي يشوبه الكثير من الجوانب السلبية في علاقاتها مع بعض الدول الأفريقية فهي التي دعمت انظمة مثل عيدي أمين وبوكاسا وباندا والنظام العنصري في جنوب أفريقيا وزعيم حركة UNITA سافيمبي خصم حركة MPLA الحاكمة في أنجولا وأنظمة أخري مٌستبدة بالقارة الأفريقية , بالإضافة إلي خشية غريزية من بعض القادة الأفارقة من إختراق MOSAD للأنظمة الأمنية بهذه الدول والتحرك في المساحات السياسية الفاصلة ما بين الموالاة والمعارضة بهذه الدول وهو التحرك الذي تجيده إسرائيل تماماً , وعلي كل حال فإن إستفادة هذه الدول من الخبرات الأمنية التي يمكن ان تكون إيجابية لهم قد يذيب هذه الخشية فالرئيس الزائيري موبوتو سيسي سيكو كانت له علاقات قوية مع إسرائيل وكان يتولي تدريب الحرس الرئاسي الزائيري خبراء إسرائيليون في نفس الفترة التي كانت مصر تقوم بتدريب الحرس المدني الزائيري والأمر في النهاية أمر موازنة .

تدرك إسرائيل أنه مازالت هناك بعض المخاوف والتناقضات عالقة في علاقاتها مع القارة الأفريقية , ولهذا فهي تستغل الخيوط المختلفة التي تدخل في نسيج المجتمعات الأفريقية مثل الخيوط الدينية لمحاولة رتق المساحات البالية أو التي حال لونها في علاقاتها الأفريقية , فقد جاءت زيارة الرئيس التوجولي Ghassinbe لإسرائيل في أغسطس 2016 بعد زيارة لوفد من القادة المسيحين من مختلف الدول الأفريقية لإسرائيل في يوليو 2016 بمناسبة تسليم جائزة لرئيس الوكالة اليهودية Natan Sharansky والتي قال Olusegun Olanipekun وهو أسقف بنيجيريا بمناسبتها موجهاً كلمته لرئيس الوزراء الإسرائيلي ” إننا نؤمن بأن مستقبل أفريقيا يعتمد علي صلتنا بإسرائيل … فلنا تعامل طويل تعلمنا من خلاله الكثير من شعب إسرائيل ونؤمن بأن لدينا الكثير لتقديمه في المقابل ” فيما قالت أحد أساقفة جنوب أفريقيا Linda Godobo رئيسة مؤسسة Vuka Africa ” أنها ومؤسستها نظموا أكبر مظاهرة في العالم في جوهانسبرج لتأييد إسرائيل خلال الصراع الذي نشب في صيف 2014 بين حماس وإسرائيل ” , وكما شاعت الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة وأثرت علي القرار السياسي الأمريكي فإننا لابد وأن نتوقع أن لها رافداً أفريقيا مماثلاً فالكنائس الأمريكية الكبري خاصة كنيسة PRESBYTERIAN والأنجيليكان لهما رافد أفريقي ومما يؤكد ذلك ما كتبه JÜRGEN BÜHLER في صفحة الرأي بصحيفة Jerusalem Post بتاريخ 22 أكتوبر 2016 عندما أشار إلي أن الوقت الحاضر هو الأنسب لإسرائيل في أفريقيا لثلاثة أسباب منها نمو الكتلة السكانية للأفارقة المنتمين للكنيسة الإنجيليكانية Evangelical Christians بدرجة مُضاعفة مما يوفر لإسرائيل تأييداً من القاعدة الشعبية , كذلك فالفاتيكان أيضاً له تأثير مُتعدد الأوجه علي القرارات السياسية في كثير من الدول الأفريقية ألخ .

من المُعتقد أن قمة إسرائيل / أفريقيا ستُعقد لكن مسألة مشاركة الدول الأفريقية يمكن تقدير مداها من خلال متابعة تطور طلب إسرائيل للإنضمام للإتحاد الأفريقي بصفة ” مراقب ” وهي المحاولة التي سبق لإسرائيل المبادرة بها عام 1976 وكررتها عام 2014 ورفضتا بالرغم من العروض الإسرائيلية التي قدمتها إسرائيل آنئذ بمساعدات زراعية والري والطاقة الكهربائية , لكنها هذه المرة وفي ضوء ما أستنتجته إسرائيل من واقع جولة رئيس وزراءها في جولته لشرق أفريقيا ربما أغرتها بتجديد هذه المحاولة , التي تتصدي لها بقوة جنوب أفريقيا في مواجهة إسرائيل وأكبر حلفاءها في أفريقيا إثيوبيا وكينيا , ففي يونيو 2016 أصدر حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم ANC بياناً يدين فيه حزب التحالف الديموقراطي لإستمراره في تأييد إسرائيل وأشير في البيان إلي ” إننا لمصدومين أكثر من أن (هذا التأييد) يحدث في مقاطعة شهدت مظاهرة قوامها 200,000 مواطن جنوب أفريقي ضد سياسة إسرائيل في الفصل العنصري وظلم الفلسطينيين ” , وخلافاً للمستوي المتواضع من التأييد العلني والفعلي للقضية الفلسطينية حتي من بعض الدول(الأنظمة) العربية , أشار بيان الحزب الحاكم في جنوب أفريقيا إلي ” إننا نعرف تماماً أهمية التضامن في المعركة والنضال ضد سياسة الفصل العنصري” , وكان هذا البيان يشكل خلفية لفشل محاولة رئيس الوزراء الإسرائيلي Netanyahu في الإلتقاء بالدكتور Nkosazana Clarice Dlamini Zuma رئيس الإتحاد الأفريقي الذي رفض لقاء Netanyahu الذي أدعي Ofir Gendelmanالناطق بإسمه زوراً أن Netanyahu لم يزر مقر لإتحاد الأفريقي لإنشغال إجندته وهي كذبة تقليدية من كذبات Netanyahu والحقيقة أنه تم تجاهله , وربما تكفي الإشارة إلي القرار الصادر عن قمة الإتحاد الأفريقي في Johannesburg بجنوب أفريقيا في الفترة من 14 إلي 15 يونيو 2015 والذي أعُيد فيه التأكيد علي التأييد الكامل للشعب الفلسطيني في معركته ضد الإحتلال الإسرائيلي تحت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني وإدانات البيانات الصادرة عن إسرائيل برفض حل الدولتين ودعوة المجتمع الدولي لممارسة الضغوط علي إسرائيل لوقف الأنشطة الإستيطانية وتحرير المسجونيين الفلسطينيين ودعوة المجتمع الدولي لممارسة الضغوط عليها أيضاً لرفع الحصارعن قطاع غزة وأهاب القرار بمجلس الأمن الدولي لينهض بمسئولياته لحفظ الأمن الدولي والسلام وإتخاذ الخطوات الضرورية لحل الصراع العربي / الإسرائيلي بكافة أوجهه تحقيقاً للعدل وإحقاقاً للسلام الشامل والدائم بالمنطقة , ودعا القرار إلي مقاطعة المنتجات الإسرائيلية التي منشؤها الأراضي الفلسطينية المُحتلة وأهاب بالدول التي لم تعترف بعد بالدولة الفلسطينية أن تفعل ذلك وتدعمها في الإنضمام للمنظمات الإقليمية والدولية .

تأتي السياسات الإسرائيلية كعامل إضافي ربما يعمل ضد التيار السائد حالياً في الخارجية الإسرائيلية والذي يستهدف تنميط الإعتراف الأفريقي بإسرائيل , فالسياسة الإسرائيلية تجاه الصراعات الأفريقية لا تتبني نهجاً واضحاً فإسرائيل وقوي دولية وإقليمية تعمل علي تسليح حكومة جنوب السودان بقيادة Silva Kir وهي الأسلحة التي أتت علي حياة الآلاف في جنوب السودان , وإسرائيل هي من باع لدول القارة قرابة 71 مليون دولار أسلحة عام 2009 وأرتفع هذا الرقم ليصل إلي 223 مليون دولار عام 2013 ثم 318 مليون دولار عام 2014 , وإسرائيل هي التي تمارس التمييز العرقي ليس فقط للفلسطيننين بل أضيف إليهم اليهود الفلاشا المُستجلبين من إثيوبيا , ومع ذلك ففي نهاية زيارة لرئيس وزراء الكيان الصهيوني لإثيوبيا أشار البيان الختامي بشأنها إلي الروابط التاريخية منذ 3,000 عام بين إثيوبيا وإسرائيل وبالطبع فإن رئيس الوزراء الإثيوبي Hailemariam Desalegn ربما يغشاه الفخر بتلك الحقيقة ومعه بعض الدول الفرانكفونية في غرب أفريقيا , لكنها هذه العبارات لا تلزم الأفارقة الذين لم ينسوا بعد الروابط الإسرائيلية القوية بنظام الفصل العنصري البائد في جنوب أفريقيا , فعلي سبيل المثال نجد وزير خارجية جيبوتي دعا في 29 يناير 2015 أمام الإجتماع الوزاري المُغلق لوزراء خارجية الإتحاد الأفريقي إلي إتخاذ قرارات قوية وواضحة لصالح القضية الفلسطينية .

القمة الزراعية الأفريقية الإسرائيلية :

فيما يبدو علي أنه الإختبار الأول لإستراتيجية الإنطلاق الإسرائيلي نحو أفريقيا نظمت وكالة التنمية الدولية الإسرائيلية للتعاون Mashav والتجمع الإقتصادي لدول غرب أفريقيا ECOWAS عقد ما أطلقت عليه بعض المصادر الإسرائيلية ” قمة ” وبعضها الآخر أشار إليه بإعتباره ” المؤتمر الوزاري الزراعي بين إسرائيل وأفريقيا” , فيما أشار موقع AFK INSIDER علي صفحته بأنه ندوة أو Seminar يعقده التجمع الإقتصادي لدول غرب أفريقيا لأول مرة خارج غرب أفريقيا , وعلي كل الأحوال فقد عُقد هذا الحدث المميز والمفعم بالدلالات السياسية بمدينة القدس في 5 ديسمبر 2016 علي مدار ثلاثة أيام بمركز تدريب MASHAV في منطقة Kibbutz Shefayim قرب المنطقة الساحلية الوسطي , تحت عنوان ” تقوية الإنتاجية الزراعية المستديمة بالمناطق الجافة وشبه الجافة ” وتضمن فيما تضمنه تزويد المشاركين بالمعلومات في مجالات ذات صلة بالزراعة كأنظمة الري وتقنيات إدارة الأراضي والألبان والتوسع الزراعي بحضور باحثين زراعيين وممثلي شركات تقنيات زراعية إسرائيلية , وشارك في هذا المؤتمر (الندوة) 7 وزراء خارجية نيجيريا وتوجو وليبيريا وغينيا والرأس الأخضر وجامبيا وسيراليون ووفود يرأسها كبار المسئوليين من بنين وبوركينافاسو وساحل العاج وغانا وغينيا بيساو والسنغال , وأشار Gil Haskel رئيس الوكالة الدولية الإسرائيبلية للتعاون MASHAV ” أنهم ودوا لو أن النيجر ومالي شاركتا في هذا التجمع ” , فيما أشار المتحدث باسم وزارة الزراعة الإسرائيلية Uri Ariel إلي أن ” إن المؤتمر يُعقد علي خلفية العلاقات الدافئة بين غرب أفريقيا وإسرائيل والتي تشكل أرضاً خصبة لمزيد من التطور في العلاقات علي المستويين الإقتصادي والسياسي ” .

أدلي رئيس وكالة التنمية الدولية الإسرائيلية للتعاون بحديث لصحيفة Jerusalem Post أشار فيه إلي أنه بينما تريد إسرائيل تقوية التجارة مع كل دول أفريقيا جنوب الصحراء , إلا أن الجهود تُبذل حتي وقتنا الراهن للتركيز علي شرق أفريقيا والتي تعد الأقرب لإسرائيل هي والدول الأفريقية التي تتحدث الأنجليزية , ولذلك فإن الخطوة الطبيعية القادمة هي التحرك غرباً , ولم يكن بالأمر السهل عقد الدول الأعضاء في التجمع الإقتصادي لغرب أفريقيا لمؤتمر في إسرائيل والذي كان مُقترحاً من رئيس MASHAV الذي أشار للصحيفة أنه أي Haskel قال لرئيس التجمع الإقتصادي لدول غرب أفريقيا Marcel Alain De Souza ” أنهم في إسرائيل يجعلون من المستحيل ممكناً ” .

لقد كان عقد هذه القمة الزراعية في وقت سابق علي عقد القمة المُرتقبة في لومي في أكتوبر 2017 منطقياً بل وذكياً فهي بيان أولي للعدد المتوقع حضوره في قمة أكتوبر القادم , وبالرغم من أن التمثيل الوزاري لم يتعد 7 وزراء إلا أن هذا العدد المحدود يجعل الجهات الإسرائيلية المعنية أكثر إدراكاً لضرورة العمل المكثف وبوسائل مُركبة لجعل التمثيل الأفريقي في قمة أكتوبر بتوجو أكثر من ذلك وعلي المستوي الرئاسي ومحاولة جعل حده الأدني 25 رئيس أفريقي , من جهة أخري كان المؤتمر أو الندوة الزراعية تلك فرصة لإرساء صلات مع جزء مهم من الحكومات الأفريقية ممُثلاً في وزارات الزراعة , فوزارات الزراعة بالدول الأفريقية من الوزارات المهمة خاصة فيما يتعلق بمواجهة الأزمات الغذائية التي تنهك متخذ القرار السياسي , أخيراً ففي هذه القمة الزراعية تعرض إسرائيل لمهاراتها في إستزراع وإستصلاح الأراضي وإستخدامها لتقنيات ري خاصة تحتاجها دول الساحل والصحراء , أما في قمة أكتوبر 2017 فستعرض إسرائيل لجوانب أخري مُتعلقة بعلوم التكنولوجيا والأمن وتنمية المجتمع والحماية الإجتماعية .

مــــغزي عقد قمة إسرائيل / أفريقيا:

أشار موقع الغرفة التجارية الفرنسية / الإسرائيلية إلي أن مجلة The American Interest أشارت إلي أن إسرائيل في سبيلها لأن تُصنف بإعتبارها القوة الدولية الثامنة علي مستوي العالم عام بعد الولايات المتحدة والصين واليابان وروسيا وألمانيا والهند وإيران 2017 بسبب حيازتها للتقنيات الحديثة ودورها الإقليمي وتحالفاتها الدولية وبأس جيشها , ولو أعتبر البعض أن هذا التقدير به بعض المبالغة فهو تقدير علي علاته لن ينطبق علي أي دولة عربية التي يتولي تصريف أمورها عقول تنتمي للعصر الحجري أو علي أقصي تقدير العصور الوسطي , وفي الواقع أنه بالإضافة إلي الجهد الإسرائيلي في تحقيق التقدم في الصناعات التقنية في مجالات عدة كالإتصالات والتصنيع العسكري ( وفقاً لصحيفة THE TIMES OF ISRAEL في 30 مارس 2017 فقد بلغت مجمل مبيعات الصناعة العسكرية الإسرائيلية عام 2016 نحو6,5 مليار دولار بزيادة 800 مليون دولار عن مجمل المبيعات عام 2015 وتمثل المبيعات لأفريقيا أكثر من 70% من هذا المبلغ الإجمالي) وأنظمة الري ألخ وهو ما لم تحققه الدول العربية المحيطة بإسرائيل سواء دول خط المواجهة الثلاث الأردن وسوريا ومصر التي هي لسبب أو لآخر في الحقيقة دول مواجهة لشعوبها أو دول مجلس التعاون الخليجي قدمت أعظم عون لإسرائيل بقضاءها – ربما مرحلياً – علي ثورات الربيع العربي التي كانت شعوبها لأول مرة منذ أكثر من 60 عاماً علي موعد لتشغيل آلة الديموقراطية لتفتح بها خط إنتاج جديد لزعماء حقيقيين مختلفين كلية عن الزعماء الباهتين الممكن إستخدامهم في إستخدامات غير منتجة بالمرة , وقد أدي القضاء مرحلياً علي ثورات الربيع العربي إلي تفرغ إسرائيل تام لتجاوز حائط الصد العربي الفاصل بين إسرائيل وأفريقيا جنوب الصحراء , ومن ثم فهناك منطق في تصنيف إسرائيل علي أنها القوة الثامنة أو علي الأقل القوة الإقليمية الأهم في الشرق الأوسط فلا يمكن نعت النظم التي سقطت ثانية في أيدي العسكر لتحكم بأساليب بدائية أو تلك النظم التي صاغتها أموال البترول التي تقشعر من سماع كلمتي ” إنتخاب ” و ” إختيار” بإعتبار هاتين المفردتين نوعاً من السباب لا يجب التفوه بهما , لا يمكن نعتها بالقوة الثامنة علي وجه الإطلاق , إذ لم يقف تدهور الموقف العربي عند حد دعم حكام دول الخليج للثورات المُضادة بكل الوسائل المتاحة لديهم وهو عمل لو يعقلون ضدهم هم في النهاية أيضاً فمن تلقي دعمهم نظم الخلية الواحدة التي بلا نظام عصبي أو عضلي كبعض الفطريات التي تعيش علي الفضلات والنفايات ومن ثم فهي نظم بطبيعة تكوينها ذاك غير قادرة علي البقاء طويلاً .

إن عقد إسرائيل لهذه القمة يعني أن أولويات إسرائيل الإستراتيجية قد تحققت وأولي هذه الأولويات تحطيم حائط الصد العربي والذي للأسف لم يكن قوياً بشكل لمنع إسرائيل , لكنه علي الأقل كان مُعرقلاً للحركة الإسرائيلية الحرة في الفضاء الماورائي للعالم العربي وفي أفريقيا علي وجه التعيين , وكما أشرت فقد أعانت دول الخليج – وهذا ليس إتهاماً فهو حقيقة مُعلنة وأعلنها حاكم إمارة بترولية أو محمية بترولية أمريكية فقي الخليج عندما قال في قمة عمان العربية عام 2017 بأن ثورات الربيع العربي هي ثورات الوهم العربي , وأمثال هذا الرجل هم من أعانوا بني صهيون علي العروبة التي لا يربطهم بها إلا حبال من رمال ويعشش العكبوت دائماً علي عقولهم التي صدأت من عدم الإستعمال , فكيف تراهم إذن يفكرون ؟ ولإن إسرائيل إطمأنت من تكوين جبهة عربية جديدة تعمل معها علي تفتيت يقين المسلمين في الأخذ بفضيلة الجهاد لمواجهتها , فهي جبهة قوامها عسكريين علي الرف لا دراية لهم بفنون العسكرية أو أخلاقياتها وممالك وإمارات علي رأسها أناس يسعدهم الإعتذار لبني قريظة ويهود المدينة لأنهم أبداً لم يسكنوا معنا في تاريخ العزة ولا تتوجه آمالهم إلا إلي حيث مقار المصارف التي أودعوا فيها أموال لا ولم ولن يُساءلهم أحد عن كيف إكتسبوها .

أمر آخر يتصل بمغزي هذا التحرك الإسرائيلي وهو أنها وهي تتوجه نحو أفريقيا إنما تتوجه بعد أن إطمأنت إلي تصلب عقلية قادة أو لنقل حراس الخراب العربي وهو خراب قيمي ومادي معاً وهو ما ينعكس علي مجمل السياسات العربية المُتعلقة بما يُعرف إصطلاحاً ” العمل العربي المُشترك ” , ومن بين أنصع الأدلة علي العون الذي يقدمه هؤلاء طواعية لإسرائيل التي تخترق أفريقيا بكل مسئولية ووعي ما حدث في القمة العربية / الأفريقية الرابعة في 23 نوفمبر 2016 بملابو عاصمة غينيا الإستوائية تحت عنوان ” معاً من أجل تنمية مستديمة” عندما إنسحبت وفود المغرب، السعودية، الإمارات، البحرين، قطر، الأردن، اليمن، والصومال إعتراضاً علي مشاركة الجمهورية العربية الديموقراطية الصحراوية , وسبقها في القمة السابعة والعشرين للإتحاد الأفريقي التي عُقدت في 18 يوليو2016 تحرك مغربي مُكثف لحث الإتحاد الأفريقي علي تعليق فوري لعضوية الجمهورية الصحراوية وكل أجهزة الإتحاد وتمكين الإتحاد من لعب دور بناء والمساهمة الإيجابية في جهود الأمم المتحدة للتوصل لتسوية نهائية للنزاع علي الصحراء وذلك وفقاً لما ورد برسالة العاهل المغربي محمد السادس للقمة والتي تلاها الرئيس الجابوني علي بونجو بالنيابة عن 28 دولة أفريقية , وبدون الحاجة هنا للولوج إلي صحة موقف الجزائر أو المغرب من قضية الصحراء , إلا أن النتيجة النهائية التي لابد وأن يُشار إليها هنا أنه بسبب هذا النزاع إستنزفت الجزائروالمغرب طاقتهما السياسية والدبلوماسية والعسكرية والإقتصادية لتأكيد وتعزيز موقفهما إزاءه بل وأمتد الأثر السلبي لذلك التنازع إلي الصراع العربي / الإسرائيلي المُختزل حالياً وأحبط محاولة عربية هي في إعتقادي الأخيرة لإستعادة وتيرة التعاون العربي / الأفريقي , فبعد فشل القمة العربية / الأفريقية الرابعة في مالابو , ونقل العرب لخلافاتهم التي لا تنتهي إلي مؤتمرات كالقمة العربية / الأفريقية الرابعة لا صلة للهدف منها بنزاع الصحراء ولا أي نزاع عربي آخر فهي قمة تهدف إلي المحافظة علي وتطوير العلاقات الأفريقية العربية وكان الأقل إضراراً بصورة العرب والحالة هذه عدم الدعوة لعقدها قبل أن يتمكن القادة العرب من إيجاد صيغة إستثنائية للقمة العربية / الأفريقية الرابعة بحيث لا تتأثر بنزاعات عربية لكن غياب التنسيق المُسبق في هذا الشأن سواء علي مستوي الأمانة العامة للجامعة العربية وعدم رغبة وقدرة المغرب والجزائر علي تحييد الأثر العملي لهذا النزاع علي دوائر عمل دبلوماسي أكبر نطاقاً منه أدي إلي إهداء إسرائيل كامل المساحة التي كان يمكن أن تكون متاحة للعمل العربي المُشترك مع أفريقيا التي لابد وأنها أُصيبت باليأس من العرب ووجدت ضالتها في إسرائيل التي تعمل الآن وبعد القمة العربية / الأفريقية الرابعة الفاشلة في نوفمبر 2016 في مساحة عمل حرة بأفريقيا .

النتائج المُتوقعة :

(1) إستعادة وتنمية الكتلة التصويتية الأفريقية لإستخدامها في دعم مكانة إسرائيل الدولية :

تنظر إسرائيل لدول القارة علي أنها معاً – إلي حد كبير – كتلة تصويتية تتكون مما لا يقل عن 50 صوت وأكد ذلك رئيس الوزراء الوزراء الإسرائيلي للرؤساء الأفارقة لدي إجتماعه بنحو 15 منهم بالأمم المتحدة في يوليو 2016 , ولهذا لم يكن ببعيد عن الحقيقة عندما قال في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها العادية في سبتمبر 2016 إن لإسرائيل مستقبل مشرق في الأمنم المتحدة Israel has a bright future at the UN ” .

أورد موقع JEWISH NEWS SERVICEفي 8 فبراير 2017 ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي Netanyahu للسفراء الإسرائيليين في أفريقيا عند إجتماعه بهم من أن هدفه الدبلوماسي الأهم هو وقف التصويت التلقائي للدول الأفريقية ضد إسرائيل في الأمم المُتحدة وأن هذا اليوم الذي سيحدث فيه ذلك ليس ببعيد , ولذلك وبمتابعة العلاقات الإسرائيلية / الأفريقية من خلال التصويت في الأمم المتحدة ووكالاتها المُتخصصة يمكن إستنباط نتيجة مفادها أنها تتحرك للأمام فمثلاً صوتت توجو وكينيا ورواندا وبوروندي ودول أفريقية أخري لصالح إسرائيل في سبتمبر 2015 في الوكالة الدولية للطاقة الذرية , كما فازت إسرائيل برئاسة اللجنة القانونية بالأمم المتحدة وهي أحد 6 لجان دائمة بالمنظمة الدولية , وفي 29 أكتوبر 2015 جري التصويت علي عضوية باللجنة الرابعة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة وفازت إسرائيل بعضوية لجنة الأمم المتحدة للإستخدامات السلمية للفضاء الخارجي ومن بين الدول التي صوتت لصالح إسرائيل مصر التي بررت موقفها بأنها كانت مُضطرة لذلك إذ أن مقترحها بأن يكون التصويت علي أساس ترشيح منفرد لكل دولة رُفض فُوضعت إسرائيل علي لائحة 4 دول أخري منهم 3 دول عربية وكان ما كان , يُضاف إلي ذلك أن إسرائيل تقدمت بطلب إلي مفوضية الإتحاد الأفريقية عام 2003 للحصول علي صفة ” مراقب ” بالإتحاد الأفريقي شأنها شأن قوي دولية وإقليمية كبري حصلت علي هذه الصفة , وأشار موقع ALMONITOR الإسرائيلي في 22 أكتوبر 2013 أن الإستخبارات المصرية لديها معلومات عن أن إثيوبيا وكينيا ونيجيريا يدفعون بإتجاه دعم الطلب الإسرائيلي في قمة الإتحاد الأفريقي في يناير 2014 وهو التحرك المُتزامن مع صفقات سلاح إسرائيلية للدول الثلاث , وأشار الموقع إلي أن مصر تتحرك لإحباط التحرك الإسرائيلي الهادف إلي الحصول علي صفة ” المراقب ” بالإتحاد الأفريقية نزولاً علي مقررات الجامعة العربية , ومن غير المعروف حتي هذه اللحظة ما الذي تريده مصر من أفريقيا فعلي حين إستغل رئيس الوزراء الإسرائيلي Benjamin Netanyahu مشاركته في الدورة العادية للأمم المتحدة في 23 سبتمبر 2016 وإلتقي نحو 12 رئيس ووزير خارجية أفريقي , فيما لم يفعل ذلك الرئيس المصري أو أي من الرؤساء العرب المشاركين , إذن إن لم يكن ذلك دليلاً علي الإهمال العربي فما هو الدليل علي العناية بالعلاقات الألإريقية من جانب الدول العربية ثنائياً أو جماعياً ؟

إن أهداف التحرك الإستراتيجي الإسرائيلي في أفريقيا تتضمن أهدافاً حالية وأخري علي المديين المتوسط والطويل من الناحية الزمنية كما أن هذه الأهداف من الوجهة الوصفية يمكن القول بتقسيمها إلي أهداف حمائية للأمن القومي الإسرائيلي وأخري إستباقية وكمثال علي ذلك أن إسرائيل ومن واقع رفضها لحل الدولتين تعمل من خلال إستراتيجية تحركها في أفريقيا علي إحباط أي إحتمال لتطورالإعتراف الدولي بالسلطة الفلسطينية خاصة بعد تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة الكاسح في نوفمبر 2012 لصالح منح السلطة الفلسطينية وضعية الدولة غير العضو أو Non-member state ( 138 دولة صوتت بنعم و9 رفضت و41 دولة إمتنعت عن التصويت) ولذلك فإن إسرائيل تهدف عن طريق تحقيق قمة إسرائيل / ألإريقيا علي تطويع الكتلة التصويتية للدول الأفريقية بما يحقق أمن إسرائيل والذي أحد أهم أهدافه الإعتراف الدولي بدولة إسرائيل وإبقاء الوضع الفلسطيني علي ما هو عليه مجرد سلطة أو مجلس بلدي داخل الكيان الصهيوني وهو ما يمكن الوصول إليه بتحييد الكتلة التصويتية الأفريقية في الأمم المتحدة ولجانها ووكالاتها المتخصصة و المنظمات الإقليمية الأخري أو تبني بعض أو معظم الدول الأفريقية لوجهة النظر الإسرائيلية بشأن الصراع العربي الإسرائيلي أي قبول الأمر الواقع الذي للأسف تتعامل علي قاعدته نظم عربية تدعي الريادة وتعتقد كذباً في أن لها دور وهو ما لا يؤيده واقع أو يثبته موقف واحد مضاد لإسرائيل .

(2) الحصار الدبلوماسي / السياسي للدول العربية خاصة الأفريقية:

وهي ما يُسمي بإستراتيجية الهجوم المُضاد Counter – Attack فبإستعادة إسرائيل علاقاتها مع ما لا يقل 25 دولة أفريقية أي نحو 50% من الدول الأفريقية الأعضاء بالإتحاد الأفريقي يمكن لإسرائيل أن تشغل جزء مهم من المسافة أوالمساحة التي كانت تشكل المجال الحر للعلاقات العربية / الأفريقية وقد تظل هذه المساحة لفترة تنافسية بين الدول العربية وإسرائيل إلي أن تحتكرها إسرائيل لو إستمرت الدول العربية تدير ظهورها لعلاقاتها الأفريقية وإعتماد نفس الأساليب القاصرة لإدارة هذه العلاقات بإبقاءها في حيز ضيق يكفي فقط للقاءات الرئاسية في قمم الإتحاد الأفريقي (والتي تسعي إسرائيل لإكتسابها عن طريق حيازتها لصفة المراقب بالإتحاد الأفريقي) والتمثيل الدبلوماسي الشكلي في الغالب نظراً لإفتقاد السفراء العرب خاصة في الحالة المصرية – والتي من المُفترض أنها اقدم حلقات العلاقات العربية / الأفريقية – تفاعل مؤسسات الدولة معهم والتجاوب مع تحركاتهم مع هذه الدولة أو تلك .

من اليسير تصور ونحن – أي الدول العربية – في منحي سياسي وإقتصادي وإجتماعي هابط بسبب القادة غير المؤهلين الذين عليهم إتخاذ القرار أن اليوم الذي ستعرقل فيه الدول الأفريقية قرارات تتعلق بالمصالح العربية داخل إطاري الإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة قريب خاصة إن كانت هذه القرارات تتعلق بإسرائيل أو أحد حلفاءها الأفارقة , وستجد الدبلوماسية العربية نفسها محاصرة أو علي الأقل تعمل في حيز محدود من التأييد والدعم الأفريقي , بسبب تخاذل قيادات اليوم عن إتخاذ ما يلزم منذ عقود للحفاظ علي سلامة ونقاء العلاقات الأفريقية العربية من ملوثات السياسة الإسرائيلية التي راجت بل وتم إذابتها في وقتنا الراهن في بعض السياسات العربية نفسها فكيف بالأفريقية ؟ ولا يلومن وزير خارجية عربي إلا قيادته السياسية الأعلي عندما يري عجزة عن تمرير هذا القرار أو ذاك في الإتحاد الأفريقي أو الأمم المتحدة إلا بعد موافقة إسرائيل عليه . إن العمل الدبلوماسي العربي سيصاب بالشلل إن عاجلاً أو آجلاً بسبب عجز وهوان القيادات العربية , خاصة وأن إسرائيل لديهما من المعلومات ما يؤكد أن وزارات الخارجية العربية لا تعمل من تلقاء أفكار بعض دبلوماسييها المحترفين بل من واقع ذهنية بائسة لرئيس أو ملك لم يختاره أحد علي قواعد الأهلية والجدارة بل آتي به القضاء والقدر كالإبتلاء للبلاد والعباد , ومن ثم فمن غير المتوقع أن تتغير قدرات وزارات الخارجية العربية والحالة هذه .

(3) كانت أفريقيا هي الكتلة التصويتية الأهم والأثقل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وكانت مواقف بعض الدول الأفريقية خاصة في فترة ما بعد الإستقلال أي في ستينات وسبعينات وثمامينتات القرن الماضي أقوي -ربما- من مواقف بعض الدول العربية نفسها , وكان الحق العربي في فلسطين واضحاً , وبالتالي – وبدون الخوض في تفاصيل لا حصر لها – يمكن القول بأن فترة ما بعد قمة إسرائيل أفريقيا في توجو في أكتوبر القادم ستكون مختلفة تماماً عما قبلها , بل ربما وبالإستعانة بجزء من الكتلة التصويتية الأفريقية المُستعادة إستطاعت إسرائيل أن تشن هجوماً مُضاداً يستهدف القضية الفلسطينية بل وبالمركز الأدبي الذي حازته منظمة التحرير الفلسطينية سواء في الإتحاد الأفريقي أو الأمم المتحدة و كمثال علي ذلك فقد إتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة 5 قرارات في إجتماعها في 10 سبتمبر 2015 منها القرار الذي يقضي برفع علم الدول غير الأعضاء المراقبين ( القرار document A/69/L.76) علي مبني الأمم المتحدة والذي أجيز بمقتض تصويت 119 دولة لصالحه و8 دول فقط ضده لم يكن منها أي دولة أفريقية وإمتناع 45 دولة , و مثال آخر هو إستطاعة منظمة التحرير بسبب الوحدة النسبيىة في الرؤية العربية الواضحة والمُؤمنة بالحق الفلسطيني – وهو ما لا يتوفر الآن للأسف – الظفر بوضعية ” المراقب ” في الأمم المتحدة بدعم من الكتلة التصويتية الأفريقية وهي كتلة مُعرضة بعد قمة إسرائيل / افريقيا لعملية نحر وعوامل تعرية سياسية ربما أفرغتها من مضمونها خاصة مع الخطة المشبوهة التي يتم تصنيعها في أقبية مُعتمة بالقاهرة وواشنطن والرياض , فلن تكون قمة أفريقيا / إسرائيل هي المذبح الوحيد للقضية الفلسطينية فهناك مواضع أخري بالشرق الأأوسط سيسفح فيها الضمير العربي ويُسفك دم القضية الفلسطينية .

لم يُرصد أي رد فعل بشأن عقد قمة إسرائيل / أفريقيا علي أي مستوي بالدول العربية المعنية أكثر من غيرها كمصر والجزائر والمغرب, أما فلسطين أو السلطة الفلسطينية فقدصدر عنها رد الفعل العربي الوحيد إزاء تحركات Netanyahu في أفريقيا فقد ناقش رئيس السلطة الفلسطينية في زيارته للخرطوم في يوليو 2016مع الرئيس السوداني عمر البشير مسألة تطوير الإستراتيجية العربية في القارة الأفريقية والتنسيق من أجل وقف محاولات إسرائيل لتحقيق إختراق لها في أفريقيا وفقاً لما أفاد به الرئيس عباس الصحافة السودانية , وفي الواقع فلا يمكن من واقع خبرتي الشخصية في أفريقيا توقع إستطاعة المنظمة أو السودان فعل شيئ الآن فالوقت متأخر وإمكانياهما السياسية / الدبلوماسية محدودة ومشاكلهما ومصائبهما أكثر من أن تُحصي .

(4) ستكون العلاقات الثنائية بين أي من الدول الأفريقية جنوب الصحراء والدول العربية هي المساحة الوحيدة المُتاحة بينهما لتناول القضايا ذات الصفة الأفريقية , فلم يعد إطار الإتحاد الأفريقي مباحاً للعمل الدبلوماسي للدول العربية الأفريقية علي سبيل الحصر بل إن طريقاً فرعياً آن له أن يُفتح للدبلوماسية الإسرائيلية التي لديها دعماً من الولايات المتحدة للعمل المُشترك بين USAID أو وكالة التنمية الدولية الأمريكية و MASHAV الإسرائيلي وذلك فيما يتعلق بالجهود التنموية الإسرائيلية بأفريقيا , أما علي الصعيد العسكري فمن المتصور تأسيساً علي مضمون إتفاقات التفاهم والتعاون الإستراتيجي بين حكومة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني أن ينشأ تنسيق وعمل مُشترك بين العسكرية الإسرائيلية والقيادة العسكرية الأمريكية بأفريقيا AFRICOM وهو تعاون الطلب الأفريقي عليه متزايد خاصة مع الترويج لمعلبات الإرهاب ذات المنشأ الأمريكي والأوروبي .

(5) الجرأة التي تتحلي بها إسرائيل وهي تقدم علي عقد قمة إسرائيل / أفريقيا في أكتوبر القادم هي في الواقع إيذان بإنتهاء الدور المصري في أفريقيا أو أنه كاد أن يصل إلي نهايته ولم يكن ذلك لقصور في مؤسسة الخارجية المصرية بالرغم من فقدان وزراءها منذ 1952 للصلاحيات الحقيقية لوزير الخارجية – وفقاً لمختلف الدساتير المصرية منذ أول دستور عام 1956 – بالرغم من الصعوبات التي واجهتها الخارجية المصرية منذ أن تولي الرئيس المخلوع مبارك السلطة في مصر في أكتوبر 1981كان هناك سفراء مصريين لديهم قدرات عمل إستثنائية إستطاعوا إلي حد ما إقالة بعض العثرات التي واجهتها السياسة المصرية في أفريقيا , كانت هناك أخطاء في سياسة مصر الأفريقية إستفادت منها إسرائيل , وقد يندهش البعض من قولي بأن بعض من هذه الأخطاء بدأ في عهد الرئيس جمال عبد الناصر لكنها لم تكن أخطاء كتلك التي إقترفها نظام مبارك إخطاء نظام عبد الناصر أخطاء رجل داخل ميدان العمل أما أخطاء نظام مباك فأخطاء من خرج من هذا الميدان ويقترف أخطاءه عن بعد , وما خسارة مصر في قضية مياه النيل إلا أحد منتجات عصر مبارك الذي وقع وزير الإستثمار في حكومته عام 2008 علي خطاب رسمي مصري للبنك الدولي يخطره فيه بموافقة مصر علي تمويل سد النهضة الأثيوبي , إجمالاً يمكن القول أن أخطاء السياسة المصرية في أفريقيا تعدت حد التأثير السلبي علي المصالح المصرية إلي التدمير لهذه المصالح , فماذا تنتظر من نظام سياسي خلا من المحاسبة والرشد والأهلية , ألم يدمر عبد الناصر ثلاث جيوش وتسبب في إستشهاد أبناء العرب في نكبة 5 يونيو 1967 وأحتل جيش الدفاع الصهيوني أراض 3 دول ومعها القدس ؟ من حاسب هذا الرجل حتي يُحاسب من بعده ؟ قمة إسرائيل / أفريقيا أحد نتائج نكبة 5 يونيو 1967 , وستعقد وقادة العرب مازالوا ملتصقين بمقاعد قيادتهم لا يؤثر فيهم خطأ أو خطيئة أرتكبوها فقد فقدوا الإحساس بالعزة بعد أن فقدوا الرهبة من شعوبهم .

 
الـــــســـفــيــر
بـــــلال الــمـــصـــري
ســفــيــر مصر السابق في أنجولا وساوتومي والنيجر
القاهرة تحريراً في 17مايو 2017
3/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى