المرأةتحليلات

الحقوق السياسية للمرأة في المغرب بين التشريعات الدولية والقوانين الوطنية

اعداد : فاطمة لمحرحر – باحثة في الدراسات السياسية والعلاقات الدولية المعاصرة

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية فاس
– المركز الديمقراطي العربي

 

 

مقدمة:

إن دور المرأة في عصر المستجدات والمتغيرات السياسية المتلاحقة دور رئيسي باعتباره ركنا أساسيا يعتمد عليه في بناء الأجيال، ومحورا من محاور منظومة العمل السياسي لذا لا يمكن أن ينفصل عن المتغيرات التي تحدث في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية من ناحية، والتغير الذي يلحق الفكر والممارسة السياسية من ناحية أخرى لذا عليها تنمية قدراتها الذاتية وتطويرها لمواكبة المتغيرات بشكل عام والسياسية بشكل خاص.

حيث يرتبط الاهتمام بقضية الحقوق السياسية المرأة بالجهود التي أخذت تبذلها الشعوب من أجل التغيير والتقدم الاجتماعي، وبسبب إدراك الارتباط الوثيق بين قضية تحرر المرأة وبين قضية تحرر المجتمع، حيث عرف البناء الاجتماعي والثقافي للعلاقات بين الجنسين في دول شمال إفريقيا ، تحولات هامة سواء كان ذلك في الفضاء العام أو الفضاء الخاص، ويمكن تفسير هذه التحولات بتضافر عدة عوامل مثل إصدار النصوص القانونية المؤكدة على المساواة بين المرأة والرجل وإقرار التعليم المجاني والإجباري للجنسين وخروج المرأة للعمل…ولقد شهدت السنوات الأخيرة خاصة في فترة ما قبل الحراك العربي اهتماما متزايدا بالدور الذي تضطلع به المرأة داخل المجتمع. ومن جهتها فقد انتبهت في شمال إفريقيا لأهمية إشراك المرأة في عملية التغيير والتنمية وبناء مجتمع ديمقراطي.

و على غرار باقي الدول المنطقة فإن قضية المرأة ومشاركتها في جميع مناحي الحياة داخل المجتمع احتلت حيزا هاما من النقاش والجدال داخل المغرب. إن المتتبع للمشهد السياسي والقانوني المغربي يقف عند حجم وطبيعة التحولات التي عرفها المغرب والتي توجت بدستور 2011. فاحترام الحقوق الأساسية لفئة النساء يعد مدخلا حقيقيا لكل مشروع تنموي لان الاستثمار في العنصر البشري هو أساس التنمية المستدامة.

وقد كرست الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان الاستراتيجيات المتعلقة بالحقوق السياسية للنساء واليات حماتها وكيفية تدبيرها.

  • فما هي الحقوق السياسية للمرأة في التشريعات الدولية والوطنية؟ وكيف يمكن للمرأة ممارسة هذه الحقوق؟

أولا: الحقوق السياسية للمرأة في المواثيق الدولية          

لا شك أن للرجل والمرأة حقوقا وهذا أمر طبيعي فلا فرق بينهما بسبب الجنس أو الدين أو اللغة أو العقيدة، وهذا مبدأ أساسي من مبادئ حقوق الإنسان، حيث يشكل مبدأ المساواة أهم المبادئ التي بنيت عليها الاتفاقيات الدولية. إن اهتمام المجتمع الدولي بقضايا حقوق الإنسان وقضايا حقوق المرأة خاصة أدى إلى الاتجاه نحو تحديد مضامين الحقوق التي يمكن أن تتمتع بها المرأة، كما بدأ الاهتمام بالإعلان عن وثائق دولية عديدة تتعلق بحماية تلك الحقوق، فقد كان للاتفاقيات الدولية دورا كبيرا في ابراز قيمة حقوق المرأة خاصة بعد إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948. إذ توسع مفهوم حقوق المرأة من حقوق الفرد المدنية والسياسية إلى حقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية خاصة صون حرياتها الأساسية إذ أن حماية حقوق المرأة التي أقرت دوليا فقد اكتسبت مغزى فلم تعد حماية كرامة المرأة مقصورة على الشؤون الوطنية.

تتمتع المراة بالعديد من الحقوق السياسية حيث أنها تتساوى مع الرجل في ممارسة هذه الحقوق بشكل عام، ولذلك هناك العديد من الاتفاقيات الدولية التي منحت المرأة الحق في التمتع بها ابتداء من إعلان حقوق المرأة السياسية لعام 1952 ، مرورا بالاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979، وانتهاء بكافة التوجهات الدولية الحالية. حيث تتيح الاتفاقيات الدولية للمرأة الحق في التصويت والمشاركة السياسية، وتضع أمام الأعضاء سلطة اتخاذ كافة التدابير من خلال التشريعات الداخلية لتنفيذ تلك المشاركة، فمشاركة المرأة في التصويت في الانتخابات داخل الدول يجعل من صوتها له أهمية تحسب و تنفذ وبالتالي في كافة رغباتها في تحسين أوضاعها المعيشية، وأكدت الجمعية العامة في قرارها رقم 1904 المؤرخ في 20/11/ 1993 الخاص بإعلان القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، حيث أن ميثاق المنظمة يقوم على مبدأ كرامة البشر وتساويهم ومن الأهداف الأساسية التي ينشدها ميثاق الأمم المتحدة تحقيق التعاون الدولي وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا دون تمييز بسبب العرف أو الجنس أو اللغة أو الدين.

تنقسم المعاهدات الدولية من حيث الحماية القانونية لحقوق المرأة بين مجموعتين من الاتفاقيات، أما الأولى فهي اتفاقيات عامة تتضمن مواد تتعلق بمبدأ المساواة، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. أما الثانية فهي اتفاقيات خاصة تركز على حقوق معينة كاتفاقية “السيداو” لسنة 1967.إذ كفل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته الثانية” لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، دون اية تفرقة بين الرجال والنساء، كما منح في مادته العشرين لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات… أما الميثاق الإفريقي حول حقوق الإنسان والشعوب لسنة 1981، الذي أكد على الحقوق المتساوية بين الأفراد بغض النظر عن الجنس أو اللون أو الدين أو اللون. أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وعلى الرغم من أنه ينص على قواعد عامة كتلك السابق الإشارة إليها إلا أن هذا العهد ينظم مسألة الحقوق السياسية للأفراد والدول، وقد ألزمت هذه الاتفاقية في المادة الثانية الدول الموقعة عليها كفالة الحقوق التي جاء بها العهد لمواطنيها كما ألزمتها في ذات المادة بتقديم الضمانات التشريعية اللازمة لحماية تلك الحقوق. وقد نصت المادة الثالثة من العهد الدولي على تساوي الرجال والنساء في الحقوق السياسية، كما أكدت المادة 22 منه على حق الترشح والانتخاب بدون أي تمييز.

تحتل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة موقعا هاما بين المعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، تتمثل في إقحام قضايا المرأة التي تشكل نصف مجموع البشرية في صلب الموضوعات التي تتناول هموم حقوق الإنسان. فالاتفاقية تتفق في مضمونها مع أهداف الأمم المتحدة المؤكدة على الحقوق الأساسية للإنسان وعلى كرامة الفرد، وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية. كما توضح هذه الاتفاقية معنى المساواة بين الجنسين وكيفية تحقيقها، وهي إذ تلعب هذا الدور، فإنها لا تقر وثيقة دولية لحقوق النساء فحسب، بل تضع كذلك برنامجا للتدابير التي ينبغي على الدول الأطراف القيام بها لضمان تمتع المرأة بهذه الحقوق. وتدعو هذه الاتفاقية إلى أن تجسد الدول مبدأ المساواة بين النساء والرجال في دساتيرها وتشريعاتها، كما تدعوها إلى إلغاء كافة النصوص القانونية أو التدابير القائمة على أساس التمييز بين الجنسين، ففي المادة الأولى والثانية أتاحت الاتفاقية الفرصة للمرأة للمشاركة في سن السياسات والمشاركة الحكومية ودعت إلى إلغاء أي نص أو قانون يشكل تمييزا وتفرقة على أساس الجنس. فدعت في المادة السبعة منها الدول الأطراف في اتخاذ التدابير المناسبة التي تكفل مساواة فعلية بين الرجل والمرأة في جميع المجالات السياسية كحق الترشح والانتخاب وتقلد المناصب العليا. بمعنى أخر فإن هذه الاتفاقية قد أولت الاهتمام الأكبر لمناقشة الوضع القانوني للمرأة و الحقوق المدنية والسياسية كما تبين في المواد 7و 9، كما نصت الاتفاقية على دور الدولة في إدانة التمييز ضد المرأة بكافة أشكاله واتخاذ جميع الإجراءات والسبل ووضع السياسات المناسبة للانهائه من خلال تضمين المساواة بين الرجل والمرأة في الدساتير والتشريعات الوطنية.

ويتضح أن جميع هذه الاتفاقيات السابق ذكرها ركزت وبصورة مباشرة على الحقوق المتساوية التي يجب أن تمتع بها المرأة، إلا أن أي من تلك الاتفاقيات لا تضع آليات واضحة لتنفيذ تلك الحقوق وبالتالي تبقى كل هذه الحقوق مجرد قيم عليا لا طريق أمامها نحو التطبيق، وبالتالي في مثل هذه الحالات قد تكون أهم من النص ذاته.

ثانيا: الحقوق السياسية للمرأة في القوانين الوطنية

يعتبر إقرار الحقوق السياسية للنساء ( الانتخاب،الترشح، ولوج المناصب العليا،…)، مكسب تحقق منذ السنوات الأولى للاستقلال فقد حرص أول دستور للبلاد سنة 1962 على تضمين تلك الحقوق للرجال والنساء دون تمييز، وتعزيزا لهذا التقدم صادق المغرب على الاتفاقية المتعلقة بالحقوق السياسية للمرأة منذ أواسط السبعينات (1976). وفي سنة 2008 رفع تحفظاته على بعض مواد اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء، لاسيما المادة الثانية التي تخص المساواة بين الجنسين في التشريعات الوطنية، وكذا المادة السادسة عشرة التي تشمل المساواة في الزواج والعلاقات الأسرية. وفي العقدين الأخيرين وقع تطور كبير في اتجاه تعزيز المساواة والمناصفة بين الجنسين، فدستور 2011 أقر تمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية،(الفصل 19)، وأكد سعي الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء وتم إحداث هيئة دستورية هي هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز،(الفصل 146).

لقد سجلت مشاركة النساء عموما تطورا، لكنه تميز بالبطء في وتيرته والتردد في نوعيته، وذلك إلى غاية بداية الألفية التي شهدت مشاركة أكثر كثافة. فإذا كنت سنة 1993 قد شهدت وصول المرأة للبرلمان بنائبتين، فغنه منذ سنة 2002 تحسنت مواقع النساء في المؤسسات المنتخبة. حيث خصتها القوانين الانتخابية ب 30 مقعدا ضمن اللائحة الوطنية، ونجحت 5 نائبات في الفوز باللوائح المحلية، وبذلك شكلت  11% من مجموع أعضاء مجاس النواب سنة 2002. وكانت هذه النتيجة قد جعلت المرأة المغربية في طليعة النساء العربيات اللواتي اندمجن في الحياة السياسية لبلدانهن، وتم التنويه بها من قبل المنظمات والهيئات الدولية.

كما تكرس المادة 30 من دستور 2011 حق النساء والرجال في الانتخاب وفي الترشح وتنص على أن القانون يضمن اتخاذ تدابير تسمح بالترويج للوصول إلى المناصب الانتخابية بالتساوي بين الرجل والمرأة. وتحدد المادة 115 نسبة النساء الممثلات في المجلس الأعلى للقضاء. كما تم اعتماد قانونين جديدين يتضمنان بنودا تتعلق بالتمثيل السياسي للمرأة هما: القانون 11.27 المتعلق بمجلس النواب والذي يخصص 60 مقعدا للنساء من أصل 395 أي بسبة 15%. وتطبيقا لهذا القانون فإن 90 عضوا في مجلس النواب ينتخبون على المستوى الوطني و305 ينتخبون على مستوى الدوائر المحلية.وينبغي لقوائم المرشحين التي ترفعها الأحزاب على المستوى الوطني أن تضم اسم 60 امرأة و30 رجلا دون سن الأربعين (المادة 23). غير أنه لم يتم تخصيص أية حصص على مستوى الدوائر المحلية. تم القانون 11.28 المتعلق بالاحزاب السياسية الذي ينص على ان كل حزب سياسي يعمل من أجل بلوغ نسبة الثلث للمشاركة النسائية في هيئاته القيادية (المادة 26). يشجع هذا القانون على مشاركة النساء لكنه لا يلزم الأحزاب السياسية بوضع حصص. بالإضافة إلى التعديلات التي طالت مدونة الانتخابات التي خصت تمثيلية النساء بالكوطا، وإحداث صندوق الدعم لتشجيع تمثيلية النساء، وإصدار ميثاق جماعي جديد وإحداث دائرة انتخابية إضافية موجهة للنساء على مستوى جماعة حضرية أو قروية.

إلا أنه من الناحية العملية، فلم يحصل تراجع عن المكتسبات التي تحققت، لقد بادرت الحكومة إلى تبني خطة للمساواة في افق المناصفة ( اكرام 2012-2016)، والتي ارتكزت على ثمان محاور من بينها محور تحسين تمثيلية النساء في مراكز القرار، لكن أثارها لم تظهر رغم مرور أربع سنوات على اعتمادها.

ومجمل القول، أن الدستور الجديد والقوانين والتدابير المتخذة في السنوات الأخيرة قد ساهمت في ارتفاع حجم ووتيرة المشاركة السياسية للنساء،لكنه ارتفاع غير كاف للوصول إلى المناصفة.إذ يبقى حضور المرأة في مراكز صنع القرار محدودا، بسبب اكراهات الحقل السياسي والمعيقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واستمرار النظر إلى المرأة على أنها شخص غير سياسي.

خاتمة:

الواقع أن ملامسة هذا الموضوع تتداخل فيه أبعاد متداخلة سياسيا و اجتماعيا واقتصاديا و ثقافيا، فقضية الحقوق السياسية للمرأة، تطرح اليوم في كل المجتمعات الإنسانية. حيث تختلط فيها الرؤية بين التقاليد والقيم المجتمعية مما ينتج عن هذا الخلط حواجز متعددة تحول دون قيام المرأة بدور فعال في عملية التنمية المستدامة مثلما تبعدها عن ادراك المتغيرات المحيطة بها. بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الأمية في صفوف النساء وضعف حضورهن في الأحزاب السياسية وأجهزتها القيادية.

لائحة المراجع:

– ناريمان دريدي، حقوق المرأة في الاتفاقيات الدولية، رسالة لنيل الماستر في القانون الدولي العام،جامعة محمد حيذر، بسكرة، الجزائر، 2015.

– عصام العدزني، المشاركة السياسية للمرأة المغربية مكتسبات ومعيقات، منبر الحرية،www.minbaralhourriyya.org

– أحمد قليش، المداخل القانونية للمرأة ( الحقوق السياسية-الحقوق القانونية)، مجلة الحقوق، ماي 2015 www.fsjes-agadir.info

J.B. landes, women and the public sphere in the age of the french revolution,ithaca,ny cornell university press, 1988.

– هاني حسن عودة، الحقوق السياسية للمرأة الفلسطينية في التشريعات الفلسطينية وآثرها على المشاركة السياسية للمرأة الفلسطينية، دنيا الوطن، جامعة القدس المفتوحة، شتنبر 2012.

تحريرا في 28-7-2017

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى