الشرق الأوسطعاجل

الجزائر بين خطر المهاجرين و التدخل الخارجي

اعداد: د. بن عائشة محمد الأمين  – جامعة الجزائر

  • المركز الديمقراطي العربي

 

شهدت الجزائر مع بداية التسعينيات العديد من التهديدات نتجت عن نشاط حركات التمرد في شمال مالي والنيجر مما أجبر الجزائر على التحرك الدبلوماسي و العسكري من أجل تفادي أي تدخل أجنبي و دولي على حدودها الجنوبية وخلق بؤر توتر جديدة، ومن الضروري الإشارة إلى التهديدات التي تخلفها وجود جماعات متمردة متطرفة في منطقة الساحل حيث أن الزحف المتواصل من الهجرات البشرية الفردية والجماعية داخل التراب الجزائري و النشاط المتنامي لعصابات التهريب و الجماعات الإجرامية ثم دخول الحركات الإرهابية والقاعدة في شمال افريقيا في السنوات الأخيرة، كل هذا جعل من الجزائر منطقة عبور غير شرعية لتجّار المخدرات والأسلحة وتهريب البشر و تزوير العملات خصوصا بعد سقوط ليبيا التي كانت بمثابة الطريق السريع لهذه النشاطات.

لكن الإرهاب في منطقة الساحل ماهو إلا تهديد واحد من بين التهديدات الكثيرة و المتنوعة في هذه المنطقة فهناك الجريمة المنظمة المرتبطة بالمتاجرة بالأسلحة على خلفية الانتشار المخيف للأسلحة القادمة من ليبيا وأيضا المتاجرة بالمخدرات الصلبة (الكوكايين) القادمة من أمريكا اللاتينية عبر خليج غينيا مرورا بغرب إفريقيا وصولا إلى الساحل ثم المغرب العربي نحو أوروبا ، وطريق أخر للمخدرات اللينة القادمة من المغرب عبر البوليساريو -الصحراء الغربية-  وموريتانيا وصولا إلى الساحل و التي تقتضي عبورها وجود أيضا متاجرة بالبشر و بالأعضاء خاصة على مستوى المناطق الأقل وفرة اقتصاديا و الأقل أمنا وطنيا ، وجود أيضا العديد من التهديدات المرتبطة بالتّصحر و الأمراض و المجاعة.

تشهد القارة الإفريقية تجاذبات وصراعات بين مصالح الولايات المتحدة الأمريكية و باقي القوى الكبرى في العالم في ظل التوجهات الإستراتيجية الجديدة لما بعد ﻧﻬاية الحرب الباردة، وكذا محاولة كل طرف تطبيق المشاريع الإستراتجية للهيمنة على مناطق النفوذ و الثروة في القارة الإفريقية انطلاقا من  سياسة جيوبوليتكية براغماتية، خصوصا منطقة الساحل الإفريقي  الذي هو منطقة شبه جافة تقع بين الصحراء الكبرى في الشمال و السافانا في الجنوب ويمتد غربا من السنغال عبر موريتانيا، مالي، النيجر، بوركينافاسو، شمال نيجيريا، تشاد، السودان حتى إثيوبيا شرقا، وهو ذو أهمية استراتيجة كبيرة نظرا للموقع و الثروات المتواجدة بهذا الإقليم .

تظهر منطقة الساحل الإفريقي من بين أكثر المناطق في العالم التي تشهد حالة من الانهيار والانفلات الأمني  أو حالة الاأمن وما يخلفه من أثار سلبية على سكان المنطقة حيث أصبحت المنطقة المصدر الأساسي لكثير من المشاكل التي ترتبط في الغالب بعدم توفر أدنى مستويات الحياة للأفراد بالإضافة إلى غياب مفهوم الدولة وحالة الهشاشة و الانكشاف الأمني و الاقتصادي وخصوصا الاجتماعي الذي غالبا ما ينتج عنه أزمة هوية التي ينتج عنها تفكك المجتمع وبالتالي الدولة مما يؤدي إلى ظهور الدولة الفاشلة أمنيا و مجتمعيا، و تعتبر الجزائر الامتداد الإفريقي لحدودها محورا استراتجيا نظرا لثقل انعكاساته السلبية في حال عدم الاستقرار أو التهديد على الجناح الجنوبي لأمنها القومي الذي أصبح مهددا بقوة على خلفية حالة الانفلات الأمني في منطقة الساحل التي تهدد بطريقة مباشرة استقرار الأمن القومي الجزائري بمستوياته السبعة(الأمن المجتمعي و الاقتصادي و الثقافي والسياسي و العسكري و البيئي و الصحي(.

الجزائر استقبلت في سنة 2015 إجمالي 792 ,16 لاجئاً أفريقياً تسللوا إلى أراضيها بطرق غير شرعية من عدة بلدان أفريقية تعاني من أزمات أمنية واقتصادية و اجتماعية،  وتأتي في مقدمة البلدان التي يتجه مواطنوها نحو الجزائر، النيجر بنحو 10 آلاف لاجئ تسللوا نحو الجزائر في نفس الفترة، وتتبعها مالي بما يزيد عن 5 آلاف لاجئ، فيما يبقى العدد المتبقي يخص اللاجئين من نيجيريا، ساحل العاج، غينيا وأوغندا لتكون النسبة التقريبية لعدد اللاجئين و المهاجرين غير الشرعيين حوالي 250 ألف وهو عدد كبير جدا قد يخلق مشاكل عديدة للجزائر في المستقبل سواء من الناحية الاقتصادية من توفير للمخيمات والملاجئ و الرعاية الصحية و الغذاء وحتى عند توظيفهم للعمل فان قانون الضرائب قد لايشملهم لعدم وجود ضمان اجتماعي و صحي لهؤلاء المهاجرين، لكن المشكل الأكبر هو الأمن القومي الجزائري بمفهومه الإجتماعي حيث أن 250 ألف مهاجر قد تتجوّل إلى 500 ألف في سنوات قليلة ( سواء بزيادة وصول المهاجرين و اللاجئين أومن خلال تكاثر النسل في العائلات المهاجرة الموجودة في الجزائر) وهذا يؤدي إلى المطالبة بحقوق مدنية واجتماعية و التجنس بالجنسية الجزائرية مستقبلا مما سيؤدي إلى وجود أقلية مختلفة تماما عن تكوين الأمة الجزائرية مما سينجم عنه  المطالبة بحقوق وحماية خاصة، قد تؤدي لتدخل المنظمات الحقوقية العالمية وتدخل خارجي باسم حقوق الإنسان و الحرية.

مسؤولية المهاجرين الأفارقة تتحملها للسلطات الجزائرية، التي هي مطالبة بإجراء تحقيق لحمايتهم وتفعيل المراقبة حول ما يتعرض له المهاجرون الأفارقة من “استغلال بشع”، مؤكدة أن حقوق العمال الأفارقة غير الشرعيين “جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان ولا ينبغي تجاوزها والتعدي على حقوقهم مهما كانت المبررات” خصوصا ونحن نعيش في بلد ديانته الأولى هي الإسلام ،والمسلم ملزم بإعانة أخيه المسلم.

هؤلاء المهاجرين “يؤدون أدوارا تعود بالفائدة على الجزائر، بعدما أضحت اليد العاملة الأفريقية البديل الأنسب لشركات البناء ومقاولات أشغال الري والطرقات والفلاحة”. تجدر الإشارة إلى أن الكثير من المهاجرين الأفارقةأثبتوا كفاءتهم في إنجاز الأعمال، وخصوصا تلك التي تتطلب قوة جسدية وفقا لقواعد الانضباط المطلوب والالتزام بتوقيت العمل، بما في ذلك التقيد بالتعليمات.

الحلول المقترحة للخروج من الأزمة

هناك العديد من المقترحات البحث عن حلول جذرية للمهاجرين الأفارقة العالقين في أغلب المدن، فعملية إدماجهم ضرورية للاقتصاد الجزائري خاصة وأن الكثير من الشباب الجزائري يرفض العمل الشاق كأعمال البناء، لماذا لا يتم إدماج المهاجرين الذين يعملون كخبازين أو عمال في الزراعة والبناء وقبولهم في النهاية في المجتمع، خصوصا و أن الأجانب “يساهمون بشكل إيجابي في الاقتصاد المحلي”. ويرى خبراء أن عملية إدماج الأفارقة يمكن أن تصبح رهانا جيواستراتيجيا في ظل تسابق دول المغرب العربي (الجزائر والمغرب على وجه الخصوص) من أجل تقوية علاقاتها بدول أفريقيا جنوب الصحراء، قائلين، “إذا كانت الجزائر تريد الحفاظ على علاقات جيدة مع الدول التي يأتي منها هؤلاء، عليها أن تحسن معاملة المهاجرين”.، وبالتالي الجزائر مطالبة بإيجاد حل نهائي إما إدماج المهاجرين وتشغيلهم أو ترحيلهم إلى بلادهم أو ضح أموال و استثمارات في دول الساحل خصوا في مالي و النيجر للحد من النزوح و الهجرة.

الجزائر وبموقعها الاستراتيجي أصبحت مطالبة أكثر فأكثر بمراجعة علاقتها مع دول الجوار خصوصا في الجنوب حيث المشاكل و التهديدات التي تعاني  منها منطقة الساحل الإفريقي  تتفاقم بشكل سريع و خطير دون اهتمام كبير من المؤسسات المسؤولة عن الأمن القومي الجزائري بشقها السياسي والعسكري التي لا تتحرك إلا في إطار رد الفعل  والتركيز على العمل العسكري أكثر من السياسي والدبلوماسي ، صحيح أن التهديدات الأمنية في منطقة الساحل تتطلب أحيانا العمل العسكري فقط لكن الرهان على هذا العامل قد لا يكون مفيدا وصالحا في كل الأحوال فلا يمكن القضاء على الفقر و السيدا والفيروسات الأخرى بالدبابة العسكرية،  فالجزائر اكتفت بإجراءات وحلول ناقصة لا تكفي لوضع حد لهذه التهديدات الأمنية خصوصا مع وجود أطراف أجنبية تعمل على الرفع من مستوى التهديدات في المنطقة لخدمة أجندتها الجيواستراتجية في المنطقة.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى