عاجلمقالات

الوساطة من وسائل التسوية السلمية للمنازعات: الأزمة الخليجية انموذجاً

اعداد : محمد كريم جبار الخاقاني – باحث في الشؤون الدولية 

  • النركز الديمقراطي العربي

 

يُلزم القانون الدولي , الدول  بعدم اللجوء الى استخدام القوة فيما بينها, أو التهديد بأستخدامها, بل تنص المواثيق الدولية على فض المنازعات التي تحدث بينها وذلك من خلال الوسائل السلمية, اذ يعد مبدأ فض المنازعات بالطرق السلمية , من المبادئ المهمة للأمم المتحدة , اذ لا بد من ايجاد طريقة للتعايش السلمي بين الدول ,  وتعتبر الوساطة , واحدة من بين العديد من الوسائل لتسوية المنازعات وبطريقة ودية, اذ تشير المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة الى ذلك المقصد , بأن تتذرع الدول بالوسائل السلمية لحل خلافاتها ووفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي , والتي من الممكن ان تؤدي الى الاخلال بالسلم والأمن الدوليين, ولذلك جعل من ذلك , الاساس الذي قامت عليه الأمم المتحدة كمنظمة تهدف الى الحفاظ على السلم والأمن الدوليين , منذ تأسيسها في عام 1945, فلقد جاء في المادة 33 من الميثاق, ان تعمل الدول على تسوية خلافاتها وبالطرق السلمية الواردة في هذه المادة , وقبل كل شيء.

ومن بين ابرز الوسائل السلمية واكثرها استخداماً هي الوساطة , والتي تعني , التوسط بين الأطراف المتنازعة من اجل الوصول الى تفاهم , ولذلك فقد تم اللجوء الى تلك الوسيلة في مرات عديدة , مثل النزاع العراقي الايراني عام 1975, بفعل الوساطة الجزائرية , والتي تم توقيع ما يُعرف ب( معاهدة الجزائر 1975) بين العراق وايران, وكذلك الوساطة بين الارجنتين وبريطانيا بشأن جزر الفوكلاند عام 1982, والتي كانت بوساطة الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة خافيير بيريز دي كويلار , وغيرها الكثير من الحالات التي تتطلبها الوساطة بين اطراف النزاع , كما يحدث حالياً في اليمن , حيث جهود ووساطة المبعوث الأممي ولد الشيخ احمد , والحالة السورية والتي لا زالت مستمرة جهود الوساطة الأممية من خلال مبعوث الأمين العام  للأمم المتحدة ستافان دي مستورا, وذلك الطلب المتزايد لوسيلة الوساطة لحل الخلافات بين الأطراف المتنازعة , انما يعكس الاهمية الكبرى التي تنطوي عليها فكرة اللجوء الى تلك الوسيلة في تسوية المنازعات , وتعتبر المهمة الاساسية للوساطة , هي جعل اطراف النزاع ان تتوصل الى تحقيق اتفاق بينهم, ومن دون ان تكون لمقترحات الوسيط الصفة الالزامية, اذ يتسم دور الوسيط هنا بأبداء المساعدة فقط , دون ان يتعداها الى غيرها من التدخلات بين اطراف النزاع.

ان من مميزات الوساطة , المرونة في استخدام الاجراءات من خلال اعتبارها احد الوسائل لسلمية لتسوية المنازعات , والتي من الممكن ان يتم تكييفها وفقاً لمتطلبات ظروف النزاع, اذ من الممكن ان تقوم اي دولة بدور الوساطة في حالة توافق اطراف النزاع على قبولها كوسيط , وفي حالة الاخفاق , يمكن للدولة الوسيطة ان تنسحب وتقوم دولة اخرى محلها.

وتستخدم الوساطة في المنازعات المختلفة, سواء كانت تلك المنازعات سياسية ام قانونية , ومن ضمنها المنازعات التي تحدث بين الدول والمنظمات الدولية , ويمكن اجراء الوساطة في اوقات السلم والحرب , بغض النظر عن الاجراء المتبع في تصنيف المنازعات ذات الصفة القانونية والسياسية , ومن ابرز ما يتم التوصل اليه من خلال اعتماد تلك الوسيلة لتسوية المنازعات , هي تضمينها في بنود الاتفاقية التي سيتم توقعيها بين طرفي النزاع , وكما هو الحال في اتفاقية الجزائر بين العراق وايرن عام 1975, ومن الممكن ايضاً ان تلعب الوساطة , دوراً ضامناً لكلا الطرفين , لتنفيذ ما يتفق عليه وفقاً للمعاهدة بينهما.

وانطلاقاً من تلك المعطيات لقبول اطراف النزاع , لوساطة دولة اخرى , نجد بأن الازمة الخليجية بين كل من المملكة االعربية السعودية والبحرين والامارات ومصر من جهة , وبين قطر من الجهة الاخرى , نرى بأنها قد قبلت وساطة دولة الكويت فيما بينها لتسوية الخلاف الذي نشب بين تلك الاطراف على امل المساهمة بدفع العملية التفاوضية بينهم نحو التفاهم , ولذلك نجد بأن الكويت وبشخص اميرها قد بذلت كل الجهود الممكنة لتقريب وجهات النظر بين اطراف النزاع , لتشخيص العلل وايجاد ارضية مشتركة فيما بينهم لتكون اساساً للمفاوضات , ولكن نجد بأن مواقف اطراف النزاع , قد تصلبت لتفشل جهود الوساطة , ويأتي الدور على تركيا, والتي قد قدمت وساطتها لتسوية الخلاف , على الرغم من الاتهامات الموجهة لتركيا , بشأن عدم حياديتها في القضية , اذ انها قد قررت ارسال قوات عسكرية لقطر لتكون اساس القاعدة التركية فيها , هذا الأمر قد افقد الاتراك صفة الحيادية وكما يعزو ذلك المراقبون , وبالتالي فقد فقدت الوساطة التركية قيمتها في تسوية الأزمة .

ان مرونة الوساطة كوسيلة من وسائل التسوية السلمية للمنازعات , تتيح للدولة الوسيطة ان تنسحب , اذا ما رأت ان هناك عدم استجابة أو قبول من اطراف النزاع بها , لتخلي مكانها لدولة اخرى للقيام بعمل مشابه لما قامت به , ويجب ان تتوفر في الدولة الوسيطة صفة الحيادية وعدم الاصطفاف لجهة دون اخرى من اطراف النزاع , وكما هو الحال في الجانب التركي .

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى