الشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

ماهي الأدوات المتاحة لدى إيران للإنتقام من العقوبات الأمريكية هذه المرة ؟

-المركز الديمقراطي العربي

أن مهمة الرئيس الايراني حسن روحاني تواجه تعقيدات متزايدة مع فرض العقوبات الأميركية وتشديد الرئيس دونالد ترامب موقفه بصورة متزايدة حيال إيران، في وقت يحتاج الرئيس إلى استثمارات أجنبية بمليارات الدولارات لتحريك الاقتصاد والحد من البطالة التي تطاول 12,7% من المواطنين في القوة العاملة.

حذر الرئيس الايراني الولايات المتحدة السبت ان بلاده سترد في الشكل “المناسب” على اي انتهاك للاتفاق النووي، وذلك خلال ادائه اليمين الدستورية السبت امام مجلس الشورى على وقع انتقادات لحلفائه الإصلاحيين.

وقال في خطاب تنصيبه ان “الجمهورية الاسلامية لن تكون المبادرة الى انتهاك الاتفاق النووي (…) لكنها لن تبقى ايضا صامتة اذا لم تف الولايات المتحدة بالتزاماتها”. واضاف ان “ايران سترد على العقوبات بتدابير ملائمة ومتبادلة”.

وتعتبر ايران ان العقوبات الاميركية الجديدة التي تستهدف خصوصا البرنامج البالستي لطهران والحرس الثوري تشكل انتهاكا للاتفاق النووي لانها تمنع البلاد من تطبيع علاقاتها الاقتصادية مع بقية العالم والافادة من الاستثمارات الاجنبية التي تحتاج اليها.

وفي وقت سابق قال روحاني “إن انتهاك الحكومة الأميركية المتكرر لالتزاماتها والعقوبات الجديدة على ايران (…) يمكن أن تكون مدمرة” للاتفاق النووي. وبدأ روحاني، رجل الدين المعتدل، ولايته الثانية رسميا الخميس بعدما صادق المرشد الاعلى اية الله علي خامنئي على انتخابه.

وقال المختص في شؤون إيران في مجموعة “كونترول ريسكس” للاستشارات هنري سميث “المشكلة ان إيران تشعر بالحاجة إلى الرد على خطوات الولايات المتحدة، ما يعزز حجج الأميركيين” من أجل تشديد الضغط عليها.

يتساءل “عومير كرمي” وهو زميل عسكري زائر في معهد واشنطن لعام 2017 في مقال تحليلي نشرته “أميريكن إنترست” : هل يوجد رد فعل مختلف هذه المرة؟

كان الرئيس حسن روحاني، الذي يعتبره الغرب معتدلاً، قد أعلن بالفعل أن “المجلس”، أو البرلمان الإيراني، سيسن قانوناً جديداً هذا الأسبوع لزيادة التمويل لبرنامج الصواريخ، و «الحرس الثوري الإسلامي»، و«قوة القدس».

وحيث صرّحت حكومة روحاني أنها ستتخذ “أي خطوات أخرى” ضرورية، فمن المرجح أن تدعم سلسلة جديدة من عمليات إطلاق الصواريخ والمناورات، إلى جانب خطوات رمزية أخرى، مثل فرض عقوبات على الشركات الأمريكية. وبالفعل، أعلنت طهران أنها ستقدم شكوى إلى “اللجنة المشتركة” لـ «خطة العمل المشتركة الشاملة» التي تشرف على تنفيذ الاتفاق.

بيد، أصر معسكر روحاني على أنه لا يجب أن ترد إيران على عجل على أي اعتداء أمريكي أو أن تقع في “فخ” الولايات المتحدة، الأمر الذي يعطي واشنطن ذريعة للانسحاب من «خطة العمل المشتركة الشاملة».

وقد أشارت الردود الإيرانية حتى الآن إلى أن طهران ستمتنع عن زعزعة «خطة العمل المشتركة الشاملة» في هذه المرحلة، خشية من أن لا تؤدي سوى إلى دعم محاولات ترامب لعزل إيران عن العالم.

وعوضاً عن ذلك، ستضطلع طهران على الأرجح بدور الطرف المتضرر لإقناع الحكومات الأوروبية بأن الطريقة الوحيدة لإنقاذ الاتفاق هي في حثّ الشركات والمصارف الأوروبية على الانخراط بشكل أعمق مع الجمهورية الإسلامية.

وكان المتشددون أكثر عدائية بكثير في رسائلهم. فقد خاض «الحرس الثوري الإسلامي» صراعاً داخلياً مع روحاني منذ انتخابات أيار/مايو، وخلال الأسابيع القليلة الماضية، هدّد كبار القادة في «الحرس الثوري» بأنه من شأن أي جولة جديدة من العقوبات الأمريكية أن تثير ردّ عنيف يطال المصالح الأمريكية في المنطقة.

وحذّر كل من قائد «الحرس الثوري الإسلامي» علي جعفري ورئيس “هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة” الإيرانية محمد باقري من أن العقوبات الجديدة ستعرّض القواعد والقوات الأمريكية الواقعة ضمن “نطاق ألف كيلومتر من إيران” للخطر. وشدّد الجنرالان على أن إيران لن تتفاوض بشأن برنامجها لتطوير الصواريخ.

  • ولكن هل يمكن أن يتراجع «الحرس الثوري الإسلامي» عن تهديداته هذه؟

أجل. لكن من المرجح إلى حدّ كبير أن تؤدي الاعتبارات السياسية المحلية أو أي حاجة إستراتيجية ملموسة لإظهار قوة ردع أكبر فيما يتعلق بالولايات المتحدة، إلى إرغام «الحرس الثوري» على السعي إلى ثأر أوسع نطاقاً، الذي يمكن أن يشمل اتخاذ خطوات مباشرة بحق القوات الأمريكية في المنطقة.

ولدى طهران مجموعة متنوعة من الأدوات المتاحة لها للانتقام من الولايات المتحدة: 

أولاً: قد تزيد إيران مضايقتها للقوات البحرية الأمريكية في الخليج، حتى أنها قد تحاول احتجاز سفن تابعة للبحرية الأمريكية كما فعلت في العام الماضي. وفي أواخر تموز/يوليو، اقتربت السفن الإيرانية من سفن البحرية الأمريكية مرتين، مما أرغمها على إطلاق طلقات تحذيرية نحو الإيرانيين. وكشف البنتاغون عن وقوع 35 حادثة من السلوك غير الآمن أو غير المحترف من قبل السفن الإيرانية في عام 2016، معظمها في النصف الأول من ذلك العام.

ثانياً: بإمكان إيران احتجاز المزيد من المواطنين الأجانب بتهم “التجسس” واستخدامهم كأوراق للمساومة مع الولايات المتحدة. وقد تمّ استعمال هذا التكتيك بشكل متزايد ضدّ مواطنين أمريكيين خلال العام الماضي، وكانت أحدث فصوله سجن الطالب الأمريكي زيو وانغ الشهر الماضي.

ثالثاً: بإمكان إيران استخدام وكلائها في المنطقة لضرب القوات والقواعد الأمريكية بقذائف الهاون أو بالعبوات الناسفة. ومن شأن مثل هذا الهجوم أن يمكّن طهران من الوفاء بتهديداتها مع الحفاظ في الوقت نفسه على إنكارها وتجنّب أي تصعيد مع الولايات المتحدة. وقد يرفض بعض الوكلاء الامتثال لأوامر إيران، ولكن نظراً إلى العدد الكبير من الجماعات التي تدعمها الجمهورية الإسلامية، من المرجّح أن تجد طهران خلية منشقة متطرفة للقيام بهذه المهمة.

ويتمثل أحد أقوى هؤلاء الوكلاء بالمتمردين الحوثيين الذين يسيطرون الآن على جزء كبير من اليمن. ويمكن أن تطلب إيران من الحوثيين ضرب القوات البحرية الأمريكية في البحر الأحمر – كما فعل الحوثيون في العام الماضي – أو استهداف قاعدة أمريكية بصاروخ تزوده إيران. ومثل هذه الهجمات ستبعث برسالة قوية في جميع أنحاء المنطقة، حتى وإن لم تصب هذه الصواريخ أهدافها أو تمّ اعتراضها.

وعلى أية حال، لن يُقدم «الحرس الثوري الإسلامي» على أي تصرف من دون موافقة المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي يسيطر على محفظة الأمن القومي الإيرانية. ولم يردّ خامنئي بعد على القانون الجديد لكنه أصرّ مراراً – دون أساس – على أن أي قيود جديدة يفرضها الكونغرس ستنتهك «خطة العمل المشتركة الشاملة».

وفي حين يٌعرف خامنئي بنهجه المحسوب والحذر في اتخاذ القرارات، فقد يقتنع بدعم عملية انتقام أكثر قوّة إذا تمكّن «الحرس الثوري» الإيراني من إظهار أن مخاطر التصعيد ليست كبيرة.

وقد أظهرت إيران مراراً أنه من غير المحتمل أن تتخذ خطوات متهوّرة ومباشرة رداً على العقوبات الأمريكية. وحتى من المرجّح أن تكون طهران أكثر نفوراً من المخاطر لدى مواجهة إدارة ترامب الناشئة التي ربما تعتبرها، ولسبب وجيه، أكثر عدائية ولا يمكن التنبؤ بها من سابقتها.

بإمكان صناع القرار في واشنطن أن يضمنوا أن الاعتبارات المحلية والإستراتيجية لا ترغم طهران على التصرف بشكل متهور من خلال إعلانها بوضوح أن الحكومة الأمريكية لن تتهاون إزاء أي أعمال عدائية تنفذها الجمهورية الإيرانية أو وكلائها في الخليج أو في أي منطقة أخرى.

في الثاني من آب/أغسطس، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “قانون مواجهة خصوم أمريكا من خلال العقوبات”، الذي يشمل اتخاذ خطوات ضد برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، و «الحرس الثوري الإسلامي» والكيانات التابعة له.

ويوفّر التشريع الأمريكي الجديد، الذي يتزامن مع اضطرابات سياسية في إيران، فرصة للمتشددين والمعتدلين لإظهار حسن نواياهم السياسية عند معايرة ردهم. وخلال الأسابيع القليلة الماضية، هدّد كبار قادة «الحرس الثوري» بأنه من شأن أي جولة جديدة من العقوبات الأمريكية أن تثير رداً قاسياً ضد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

وبالتالي، يتمثل السؤال الرئيسي المطروح أمام مسؤولي الأمن القومي الأمريكيين بحسب الرائد عومير كرمي، “جيش الدفاع الإسرائيلي”فيما إذا كانت جماعة إيرانية ستشعر بأنها مرغمة على الرد على العقوبات عبر مهاجمة القوات الأمريكية بشكل مباشر أو غير مباشر، الأمر الذي يزيد من حدة التوترات بين البلدين.

وهذه ليست المرة الأولى التي تفرض فيها الولايات المتحدة عقوبات على إيران. ففي الفترة بين 2011-2012، زادت الولايات المتحدة ضغوطها على إيران وكذلك فعل الاتحاد الأوروبي عبر فرض عقوبات جديدة على الصادرات النفطية.

وردت طهران بمناورات بحرية، واختبارات لصواريخها، وتهديدات بإغلاق مضيق هرمز. وصرّح محمد رضا رحيمي، الذي كان آنذاك نائب الرئيس الإيراني، بأنه إذا فُرضت عقوبات “لن تمر قطرة نفط واحدة عبر مضيق هرمز”.

وردّت حكومة الولايات المتحدة والحكومات الحليفة لها بتحذير إيران من إغلاق المضيق وأظهرت جديتها إزاء الموضوع عبر نشر المزيد من القوات في الخليج. ومن جهته، طمأن الجنرال مارتن ديمبسي، الذي كان في ذلك الوقت رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، طهران بأنها إذا حاولت إغلاق المضيق، فسيتخذ الجيش الأمريكي “تدابير مناسبة لإعادة فتحه”.

وتراجعت الجمهورية الإسلامية عن تهديداتها، لكن المسوؤلين الإيرانيين حذروا من أنهم قد يردوا على أي عقوبات إضافية بزيادة تخصيب اليورانيوم إلى 90 في المائة في وقود السفن والغواصات. وبشكل منفصل، كما كشف مسؤولون أمريكيون في وقت لاحق، بدأت إيران حملة من الهجمات السيبرانية ضد المصارف والشركات الأمريكية.

وتكرّرت الخلافات بين المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين منذ توقيع «خطة العمل المشتركة الشاملة» (المعروفة أيضاً باسم “الاتفاق [النووي] الإيراني”) في عام 2015. وقد ألقى المسؤولون الإيرانيون اللوم على الإدارة الأمريكية بسبب الانتعاش البطيء الذي يشهده الاقتصاد الإيراني، وأوعز المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي  إلى الرئيس حسن روحاني اعتبار “أي عقوبة جديدة تحت أي ذريعة كانت” خرقاً لـ «خطة العمل المشتركة الشاملة».

وقد ازدادت التوترات بعد أن صادرت “المحكمة العليا الأمريكية” أصولاً إيرانية ناهزت قيمتها ملياري دولار في أيار/مايو 2016، ومرة أخرى عندما مدّد الكونغرس “قانون العقوبات الإيراني” في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وهي خطوات توافقت بالكامل مع «خطة العمل المشتركة الشاملة».

لكن خامنئي أعلن أن تجديد “قانون العقوبات الإيراني” هو انتهاك للاتفاق، وحذّر من أن الجمهورية الإسلامية “سترد حتماً على ذلك”. ومع ذلك، تراجعت إيران مرة أخرى عن اتخاذ أي خطوة مباشرة وفضلت بدلاً من ذلك تقديم شكاوى إلى “مجلس الأمن” الدولي والتصرف وفقاً لآليات «خطة العمل المشتركة الشاملة».

وفي آذار/مارس 2017، انتقمت طهران من الولايات المتحدة في أعقاب قيام واشنطن بتصنيف كيانات مرتبطة ببرنامج الصواريخ الإيراني على أنها إرهابية، من خلال فرض الجمهورية الإسلامية عقوبات على 15 شركة أمريكية.

وكانت تلك خطوة رمزية هدفت فقط إلى حفظ ماء الوجه. بعبارة أخرى، أظهرت طهران أنها لا تزال تملك محفزاً قوياً للالتزام بـ «خطة العمل المشتركة الشاملة»، على الرغم من “الانتهاكات” الأمريكية المزعومة لها.

وواجه روحاني في الأسابيع الأخيرة صعوبات مع توقيف القضاء الذي يسيطر عليه المحافظون شقيقه حسين فريدون لاتهامه بالفساد، واضطر فريدون إلى دفع كفاله قدرها 7,6 ملايين يورو من أجل الإفراج عنه.

على صعيد آخر، أنهى روحاني الحرب الكلامية التي كان يخوضها مع الحرس الثوري بعدما انتقد دوره في اقتصاد البلاد.

وقال سميث “ليس من مصلحة روحاني دفع الحرس الثوري خارج القطاع الاقتصادي. يريد فقط إيجاد مساحة لجذب الاستثمارات الأجنبية والتكنولوجيات الجديدة التي تحتاج إليها البلاد”.

وسمح توقيع الاتفاق النووي مع الدول الكبرى بعودة الشركات الدولية الكبرى إلى إيران، ولا سيما مع الاتفاق الموقع مؤخرا مع شركة توتال النفطية الفرنسية ومؤسسة البترول الوطنية الصينية (سي إن بي سي) لتطوير حقل للغاز.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى