الأفريقية وحوض النيلالدراسات البحثيةالشرق الأوسط

التحرك المصري الأخير بأفريقيا : أهداف مُعلنة وأخري مُحتملة

اعداد: السفير بلال المصري – ســفيـر مصر السابق لدي أنجولا وساوتومي والنيجر
– المركز الديمقراطي العربي
قام الرئيس المصري بزيارة لأربع دول أفريقية هي تنزانيا ورواندا والجابون وتشاد في الفترة من 14 وحتي 17 أغسطس 2017 , ووفقاً للمتحدث باسم الرئاسة المصرية فإنه سيبحث خلالها التعاون الثنائي وآخر المُستجدات الإقليمية , وأنها تأتي في إطار إنفتاح مصر علي القارة الأفريقية  .
 
قبل وصوله لدار السلام صرح الأمين العام الدائم للخارجية التنزانية Aziz Mlima في 11 أغسطس “بأن زيارة الرئيس المصري تهدف إلي تعزيز العلاقات في المجالات الإقتصادية ووالدبلوماسية الإجتماعية ” وأضاف ” أن الزيارة تأتي متوافقة مع أجندة تنزانيا لترويج التصنيع “, ولدي وصول الرئيس المصري لدار السلام في زيارة دولة State visit في 14 أغسطس إلتقي بنظيره التنزاني John Magufoli , وأعلن في المؤتمر الصحفي المُشترك أن مصر وتنزانيا تتطلعان للمستقبل بثقة وتفاؤل للوفاء بآمال شعبهيما في تحقيق التنمية الدائمة والشاملة , وأشار فيما يتعلق بالهدف الأولي من زيارته لتنزانيا فقال ” أن إستخدامات مياه النيل  أحد الموضوعات التي علي قائمة ما نُوقش وأنه لم يستطع التوصل لإتفاق مع نظيره التنزاني لكننا إتفقنا علي المُضي في مزيد من المفاوضات بشأن أفضل السبل للمشاركة في مياه النيل ” , ومن جانبه قال الرئيس التنزاني ” لقد سمعنا منك سيادة الرئيس وأعتقد أن المقترحات ستفيد كل الأطراف , إذ أن 51% من بحيرة فيكتوريا والتي تمثل المصدر الرئيسي لمياه النيل (الأبيض) بتنزانيا , لذلك علينا أيضاً أن نستفيد ” .
 
 وصل الرئيس المصري إلي Kigali في 15 أغسطس وهو توقيت سابق للإحتفال الرسمي بتنصيب الرئيس Paul Kagame في 18 أغسطس بعد فوزه في الإنتخابات الرئاسية في يوليو الماضي بولاية رئاسية ثالثة بنسبة 98.79% , وكانت العلاقات الإقتصادية ودفع الإستثمارات المصرية إلي رواندا (وفقاً لبيانات وزارة التجارة الرواندية عن عام 2015بلغت الصادرات الرواندية لمصر 30 مليون دولار وبلغت الصادرات المصرية لرواندا 64 مليون دولار) هي الهدف المُعلن لهذه الزيارة  , وقد أشارت سفيرة مصر هناك ” إن الهدف الرئيسي من الزيارة توضيح موقف مصر من القضايا الجارية , وتمتين العلاقات السياسية والإقتصادية ومناقشة وسائل تناول الأزمات والتحديات التي تواجه أفريقيا خاصة الإرهاب ” .
 
 وصل الرئيس المصري إلي Libreville في 16 أغسطس في زيارة عمل Visite de travail وُوقع هناك إتفاق شراكة في الصناعات الغذائية وإتفاق تجاري لزيادة التبادل التجاري بين البلدان , ويُلاحظ أن البيان الصحفي الصادر عن الرئاسة الجابونية في 16 أغسطس أشار إلي ما نصه ” دعا الرئيس المصري إلي توثيق العلاقات بين الجابون ومصر في إطار المنظمات المتعددة الأطراف وتكثيف التعاون فيما يتعلق بالقدرات العسكرية عبر البرامج المُختلفة للتدريب التي تقدمها الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية ”  , إذن هناك وجه عسكري محدود للتعاون تستهدفه هذه الزيارة بالإضافة إلي تمهيد السبل أمام الإستثمارات المصرية في الجابون .
 
كانت تشاد آخر محطات الزيارة الرباعية فقد وصلها الرئيس المصري في زيارة صداقة  Visite d’amitié et de travail في 17 أغسطس , وبالإضافة إلي بحثهما سبل تنشيط الإتفاقات المُوقعة تناول الرئيسان الوضع في منطقة الساحل وحيا البيان المُشترك الصادر ما وصفه ” بالمبادرات المختلفة للرئيس المصري من أجل حل تفاوضي للأزمة الليبية ” , كما أشار البيان إلي تحية الرئيس المصري لنظيره التشادي لدوره من أجل السلام والأمن في منطقة الساحل ودعوة المجتمع الدولي لدعم الجهود التشادية في هذا الشأن , ثم أشار البيان إلي أن الرئيسان تناولا مسألة تعزيز قدرات قوات الدفاع والأمن التشادية لمكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات لليبيا ومنها لباقي دول الجوار بالصحراء , وأختم بالإشارة إلي دعوة الرئيس المصري لنظيره التشادي للقيام بزيارة رسمية لمصر  .
 
الأهداف المُحتملة للزيارة :
 
من الضروري أولاً التأكيد علي أن هذه الزيارة ليست لمواجهة الإستراتيجية الإسرائيلية في أفريقيا علي المدي العريض ولا هي تحرك إستباقي مُضاد لقمة إسرائيل أفريقيا التي ستُعقد في Lome عاصمة توجو في أكتوبر القادم تعييناً , ويكفي لتأكيد إستبعاد علاقة هذه الزيارة تماماً بذلك , أن أشير لتصريح أدلي به وزير خارجية إسرائيل السابق Avigdor Liberman قال فيه ” أنهم ينسقون مع مصر لمواجهة الإرهاب وتنظيم الدولة الإسلامية في شبه جزيرة سيناء منذ 2013 وللآن ” , ففيما يشتجر العرب العاربة والمُستعربة مع بعضهم البعض علي أسس سلوكية أنثوية النزعة Comportement féminin , تقوم إسرائيل وبخطي مُنتظمة وواسعة منذ عدة سنوات بتطبيق إستراتيجية واسعة المدي بالقارة ,  فمن بين إتصالات مُتعددة علنية وسرية مع دول القارة الأفريقية لتحقيق هذه الإستراتيجية قام وزير الخارجية الإسرائيلي السابق Avigdor Lieberman في بداية يونيو 2014 بزيارة إستغرقت عشرة أيام قادته إلي رواندا وساحل العاج وغانا وإثيوبيا وكينيا بهدف الترويج لمسعي إسرائيلي للحصول علي صفة ” مراقب ” بالإتحاد الأفريقي بعد أن فقدت إسرائيل هذه الوضعية عام 2002 بسبب ضغوط ليبيا والجزائر علي الدول الافريقية لنزع هذه الصفة عن إسرائيل وهو ما كان , وأعقب ذلك زيارة قام بها Dore Gold مدير عام الخارجية الإسرائيلية لغينيا إلتقي فيها الرئيس الغيني Alpha Conde في إطار الإعلان عن إستعادة العلاقات الغينية / الإسرائيلية في 20 يوليو 2016 وتوقفه خلال توجهه إلي كوناكري في N’Djamena حيث إلتقي هناك بالرئيس التشادي إدريس دبي ولم يمنع عدم وجود علاقات دبلوماسية معها (قُطعت عام 1972) قيام Dore Gold بهذه الزيارة , كما أنه وقبل إنعقاد قمة الإتحاد الأفريقي في كيجالي في الفترة من 10 إلي 18 يوليو 2016 قام رئيس وزراء الكيان الصهيوني في يوليو 2016 بزيارة لبعض دول شرق أفريقيا تدشيناً لهذه الإستراتيجية الإسرائلية , وأشارت صحيفة The Jerusalem Post في يوليو 2016 بشأنها أن العلاقات الإسرائيلية / التشادية من المتوقع إستئنافها , وبعد ذلك وعلي هامش مشاركته في سبتمبر 2016 في إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة إجتمع رئيس الوزراء Netanyahu بخمسة عشر رئيساً أفريقيا , وإكتسبت هذه الإستراتيجية قوة إضافية عندما شارك رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي Benyamin Netanyahu  في القمة 51 للتجمع الإقتصادي لدول غرب أفريقيا ECWAS التي عُقدت في 4 يونيو  2017والتي إنسحب منها الملك محمد الخامس من المشاركة فيها بسبب دعوة Netanyahu , إذن فالإستراتيجية الأفريقية لإسرائيل تُنفذ بلا رد فعل عربي وبمعزل عن العلاقات الثنائية مع دول القارة من قبل الدول العربية الأفريقية علي نحو خاص وفي مقدمتها مصر , وفي الوقت  الذي يعلم فيه ويدرك القادة الأفارقة أن هناك تحركاً من دول عربية خليجية إضافة لمصر لإنشاء ما سُمي بالتحالف العربي المُفترض والمُرتبط  أو الذي علي غرار حلف NATO والذي رُوج له فترة ما ثم خفت , ولإسرائيل دور ما فيه , إذن لا داعي البتة لمجرد إفتراض علاقة بين التحركين المصري والإسرائيلي في أفريقيا , إلا أنه تجب الإشارة إلي أن التحرك المصري بالرغم من أن دوافعه مصرية بحتة , إلا أن هناك ثمة تقديرين في هذا الشأن أولهما أن هناك علاقة ما قد تكون قائمة أو ستنشأ بين التحركين المصري والإسرائيلي في إتجاه رواند كما سيلي بيانه , ثانيهما أن هناك في بعض الدوائر المصرية من لا يجدون غضاضة أو خطراً في تنسيق مصري / إسرائيلي في أفريقيا مستقبلاً .
 
إذن فهذه الزيارة الرباعية تضمنت دولتين من دول حوض النيل الإستوائي هما تنزانيا ورواندا , وبالرغم من أن الرئيس المصري أعلن بوضوح أنه ناقش مع نظيره التنزاني مسألة نصيب مصر من مياه النيل إلا انه لم يُشر ولا الجانب الرواندي إلي مناقشتهما لتلك القضية وهو أمر غير واقعي  , إذ أن مشكلة مصر حالياً ليست فقط في التمسك بحقها التاريخي في مياه النيل بل في مقاومة تداعيات توقيع ومصادقة برلمانات ست من دول حوض النيل هي إثيوبيا وأوغندا وبوروندي وكينيا وتنزانيا ورواندا علي الإتفاق الإطاري أو إتفاق عنتيبي والذي تتحفظ مصر (والسودان وجنوب السودان كل لأسباب يعتقدها حتي الآن) علي التوقيع عليه لأكثر من سبب أهمهم عدم النص فيه علي حقوق مصر التاريخية في مياه النيل المُؤسسة علي إتفاقية 7 مايو  1929بين دولتي الحكم الثنائي للسودان أي بريطانيا ومصر وهي الإتفاقية التي لتنزانيا وإثيوبيا موقف ثابت بشأن رفضها وعدم الإعتراف بها بل إن الرئيس التنزاني جوليوس نيريري عارضها بقوة رغم علاقاته القوية بالرئيس عبد الناصر( نيريري والرئيس ديجول من القادة الأسوأ بالنسبة للمصالح العربية والإسلامية ومع ذلك كان ومايزال الإعلام العربي التافه يسبغ عليهما صبغة إيجابية مُختلقة) ومعروف أن تنزانيا صادق برلمانها علي هذا الإتفاق في 26 مارس 2015, ومما يترجم صعوبة هذه المشكلة ما صرح به دانيال ميبوما المتحدث الإقليمى باسم مبادرة حوض النيل ومقرها فى عنتيبى بأنه ” وبعد توقيع بوروندي للإتفاق الإطاري في الأول من مارس 2011 بات من الممكن أن تدخل الإتفاقية الإطارية حيز التنفيذ ” , مضيفا ” أنه وبموجب القانون الدولى السارى كان لابد من أن توقيع ست من الدول الأطراف على الإتفاقية حتي تكون نافذة وهو ما حدث بالفعل ” , يُضاف إلي هذه الصعوبة توقيع الرئيس المصري بالخرطوم في 23 مارس 2015علي ما يُسمي بوثيقة إعلان المبادئ بشأن سد النهضة والتي وُقعها  رؤساء دول حوض النيل الشرقي أي إثيوبيا والسودان ومصر (فيما عدا جنوب السودان) وقد وقع الرئيس المصري هذا الإتفاق أو الوثيقة وإثيوبيا ماضية بعزم لا يتزعزع في إقامة هذا السد ووقعها بدون دراسة مُسبقة للسلوك التاريخي لإثيوبيا وهو سلبي ومراوغ للغاية بشأن مياه النيل وتداعيات ذلك علي الأمن القومي المصري الذي يوجب عند التعامل بشأنه توخي أقصي درجات الحرص والحيطة , فعلي سبيل المثال كانت إثيوبيا دائمة الرفض للإنضمام لأي من التجمعات التي أقيمت لتجميع دول حوض النيل ومنها تجمع أندوجو أو الأخوة بالسواحلية والتيكونيل , ولم توافق إلا علي الإنضمام لمبادرة الرؤية المُشتركة (تردد عام 1998 أن البنك الدولي هو الذي صمم هذه المبادرة) ومن خلالها أقامت سد النهضة ,  وفي تقديري أن وثيقة إعلان مبادئ سد النهضة لا ترقي إلي مستوي الإتفاقية بقدر ما تمثل إلتزاماً أدبياً تم إشهاره إعلامياً وأستغلته وستستغله إثيوبيا علي أنه كذلك , إذ لا يعني هذا الإعلان أن إثيوبيا إلتزمت بوقف الأعمال الإنشائية للسد بل إن كل ما في الأمر أن عليها مراعاة عدم التسبب في الإضرار وفقاً للمادة (3) من الوثيقة والتي نصها ” سوف تتخذ الدول الثلاث كافة الإجراءات المناسبة لتجنب التسبب في ضرر ذى شأن خلال استخدامها للنيل الأزرق/ النهر الرئيسي , على الرغم من ذلك ، ففي حالة حدوث ضرر ذى شأن لإحدي الدول فان الدولة المتسببة في إحداث هذا الضرر عليها في غياب اتفاق حول هذا الفعل اتخاذ كافة الإجراءات المناسبة بالتنسيق مع الدولة المتضررة لتخفيف أو منع هذا الضرر ومناقشة مسألة التعويض كلما كان ذلك مناسباً ” ,  وعموماً يمكن القول أن زيارة الرئيس المصري لتنزانيا لم تفلح في تعديل الموقف التنزاني الرافض منذ ستينات القرن الماضي لمبدأ الحقوق التاريخية والذي لم تتضمنه وثيقة إعلان مبادئ سد النهضة .
 
هناك ثمة علاقة مُحتملة بين زيارة الرئيس المصري لرواندا في 15 أغسطس 2017 وبين زيارة الرئيس الرواندي لإسرائيل يومي 9 و 10 يوليو 2017 التي خصها رئيس الوزراء الإسرائيلي Benjamin Netanyahu بزيارة في يوليو 2017 ضمن جولته في أربع دول أفريقية (هناك دراسات تُشير إلي مسئولية إسرائيل وفرنسا عن مذابح قبيلة Tutsi في الحرب الأهلية الرواندية , وهو ما نفاه الرئيس الرواندي Kagamé وبقوة أمام مؤتمر AIPAC بنيويورك في 26 مارس 2017 واصفاً إسرائيل بالصديق) فلرواندا أهمية كبيرة في إطار إستراتيجية إسرائيل لأفريقيا ويدعم ذلك ما صرح به Emmanuel Nahshon المُتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية من أن ” الرئيس الرواندي Kagamé (من قبيلة Tutsi) هو مهندس الإستراتيجية التي أتاحت لإسرائيل تجديد علاقاتها بالدول الأفريقية , إذ بفضله صوتت دول أفريقية عدة لصالح إسرائيل في الأمم المتحدةوتقاربت معنا ” , وهو معني أكده مرة أخري Netanyahu رئيس الوزراء الإسرائيلي بنفسه الذي وصف الرئيس الرواندي Kagamé بالجسر الذي عبره سارت إسرائيل بإتجاه أفريقيا , وهو ما يُشير بالقطع إلي أن إسرائيل تولي رواندا أهمية خاصة في  إستراتيجيتها الأفريقية , والسؤال هنا : لماذا تلتقي إسرائيل ومصر معاً في هذه الفترة علي أهمية رواندا وليس مثلاً بوروندي المجاورة لها وهم معاً مع الكونجو الديموقراطية (زائير سابقاً) كوحدة واحدة كان يتكون منهم تجمع دول البحيرات العُظمي إبان عهد الرئيس موبوتو سيسي سيكو , كما أن بوروندي تماماً مثل رواندا وقعت علي إتفاق عنتيبي الذي تتحفظ عليه مصر للآن , إذن فالأمر قد يتعلق بنظرة مصرية / إسرائيلية مُشتركة في إسقاط إتفاق عنتيبي من خلال إلغاء دولة كرواندا أو أكثر ممن وقعوا علي الإتفاق الإطاري لتوقيعهم وذلك في إطار صفقة أوسع مدي بين مصر وإسرائيل بشأن مياه النيل , قد يبدو هذا الإحتمال مُستبعداً بل وعسير التحقيق إن كان مُحتملاً لكن العلاقة الإسرائيلية برواندا يمكنها أن تفعل ما يبدو مُستحيلاً , يُضاف إلي ذلك أن مصر جل مصالحها المائية تقع في الحوض الشرقي للنيل  أي في إثيوبيا وجنوب السودان والسودان حيث يمثل النيل الأزرق 86% من وارد النيل لمصر , وهذا يعني أن هذه الدول الثلاث لا يمكنها أن تقدم لمصر شيئاً لحماية أمنها المائي هذا إن لم تهدده كما هي حالة إثيوبيا أو تقف في المُنتصف كحالة السودان أو هي تبيت لغدر – كما سيثبت ذلك المستقبل – كحالة جنوب السودان التي صرح وزيرها للموارد المائية في 18 يونيو 2013 أن بلاده ستوقع على الاتفاقية الإطارية قريباً (لكنها لم توقعه رسمياً حتى الآن ربما بسبب دعم مصر لنظام الرئيس Silva Kir في الحرب الأهلية التي تفجرت في ديسمبر 2013 وحتي الآن) , ولإن الحوض الإستوائي للنيل الذي تقع فيه كينيا وتنزانيا وبوروندي وروندا والكونجو الديموقراطية وأوغندا لا يساهم إلا بنسبة 15% من مجموع ما يرد من مياه النيل لمصر وليس مُقاماً عليه مشروع مائي يضر بموقف مصر المائي حتي الآن , لذلك فتحرك مصر بإتجاه هذه الدول يكاد ينحصر في خفض دعمها للموقف الإثيوبي المُضاد لمصر في مياه النيل , ومن هنا كان من الضروري أن تحاول مصر خفض أو فك الإرتباط بين دول حوض النيل الشرقي والإستوائي وهي مهمة بالغة الصعوبة خاصة وأن ما يُروج له في مصر عن دور أفريقي أو تحرك وفتح مبين لأفريقيا مجرد هلوسات إعلامية مصرية تشبه في تأثيرها الضار المخدرات , فمصر إنسحبت من أفريقيا منذ عهد حسني مبارك خاصة بعد تعرضه لمحاولة إغتيال في العاصمة الإثيوبية في 26 يونيو 1995 كما أن مصر في عهد مبارك دأبت علي ترديد ما يتردد الآن من مصر تولي أفريقيا أهمية قصوي ففي عدد صحيفة الأهرام في 5 أغسطس 2002 تقرأ العنوان التالي : ” رئيس مجلس الوزراء يناقش في إجتماع مُوسع الإستراتيجية الشاملة بين مصر وأفريقيا ” وهو ما لم يكن حقيقيا لكنها المخدرات الإعلامية المُعتادة  , ولهذا كله فإن الهدف غير المُعلن لزيارة الرئيس المصري لتنزانيا ورواندا في 14 و15 أغسطس 2017وأوغندا قبلهما في يناير 2017 يتعلق بمواقف هذه الدول الثلاث من الإتفاق الإطاري , وفيما أعلن الرئيس المصري نفسه عدم نجاح جهوده مع تنزانيا التي ساعدت إسرائيل بتخفيف صيغة القرار الذي أصدره  UNESCOفي أكتوبر 2016 بشأن عدم وجود روابط بين إسرائيل والأماكن المُقدسة بالقدس الشريف , فإنه قد ينجح إن إتفق مع إسرائيل في إستخدام ثقلها لدي رواندا , وإن كان لهذه الخطوة أثر ضار علي العلاقات الإثيوبية / الإسرائيلية وهي الأكثر أهمية لإسرائيل , لكن المؤكد وغير المعلن أن مصر حاولت في هذه الزيارة إثناء رواندا عن دعم الموقف الإثيوبي وهذه المحاولة إن كانت مصرية مُجردة فمآلها إلي فشل فبين رواندا وتنزانيا التي ستفتح سفارة لها في إسرائيل قريباً من المصالح ما يجعل الحركة الرواندية في هذا الإتجاه أمر يجب الخشية من تبعاته فرواندا الدولة الحبيسة تفك عزلتها اللوجيستيكية بإستخدام ميناء دار السلام , لكن يمكن تقدير إمكانية إسرائيل عزل وحاصرة أي تداعيات سلبية لإنسحاب رواندا من الإتفاق الإطاري بحكم نفاذها في هذه الدول ,  التي تتحالف مع بعضها لسبب ما في نفس يعقوب للإضرار بالمصالح المائية لمصر ذلك البلد الصحراوي الذي لا تهطل عليه الأمطار الإستوائية الكثيفة كما تهطل علي كل دول حوض النيل الأخري , حتي وإن لم يكن هناك دواع عملية لهم لفعل ذلك , لكن هيبة مصر منذ إنقلاب يوليو 1952 وتولي غير المؤهلين للسلطة بالقاهرة أضر  بمركز مصر الدولي والإقليمي بل أضعف اهوية مصر فأضعف التماسك الإجتماعي بها أيضاً وذلك قبل أن يضرها ويُضعفها أعداؤها أو خصومها .
 
إذا ما أعتبرنا الزيارة التي قام بها الرئيس المصري إلي تنزانيا ورواندا في 14 و15 أغسطس 2017  زيارة لدول حوض النيل الأبيض أو الإستوائي (المصطلح المُستخدم في مبادرة الرؤية المُشتركة) فإن ذلك يعني ببساطة ووضوح أن إتجاه مصر للتحرك نحو إثيوبيا والسودان شركاؤها في الحوض الشرقي للنيل والمُتصل بكثافة بأمنها المائي قد إنتهي الأمل المصري فيه أو كاد , وبالتالي فإن حركتها بإتجاه دولتين بالحوض الإستوائي قطعاً لا تتعلق بزيادة أو إستقرار كمية المياه الواردة لمصر من النيل الأبيض , وإنما تتعلق بتوقيعهما علي الإتفاق الإطاري , ومن ثم فإن هذا التوقيع هو النطاق الضيق والمُحدد الذي يمكن أن تكون زيارة الرئيس المصري قد حاولت فعل شيئ إيجابي فيه , وهو أمر صعب تحقيقه .
 
فيما يتعلق بالجابون فإن الهدف المُعلن وثيق الصلة بالهدف المُحتمل إذ أن  زيارة الرئيس المصري للجابون هي كما أعلن تركزت في دعم الإقتصاد في كلا البلدين , ولا أعتقد أن إندفاعاً وتدفقاً للإستثمارات المصرية سيحدث في الجابون لضعف التمويلات المصرية وللمنافسة القوية من الفرنسيين والصينيين , مالم يكن هناك إتفاقاً محدوداً ومُتفق عليه وبالأمر المباشر من رئيس الجابون لمصلحة طرف مصري قد يكون المؤسسة العسكرية المصرية لتنفيذ مشروع ما هناك في مجال الأمن الغذائي أو الصناعات الزراعية , ومن خلال تجاربي بأفريقيا فإن المشروعات الحكومية المصرية في أفريقيا وهي قليلة تتعثر لتفشل في النهاية بسبب سوء الإدارة أو ضعف ومحدودية خبرات من يضطلع في العمل بها من غير المؤهلين الذين يتم إختيارهم عمداً للعمل ثم تخريب هذه المشروعات في النهاية , وعموماً يمكن القول  أن الجابون وضعت في سياق هذه الزيارة الرباعية فقط لتبدو الأهداف مختلفة .
 
هناك ثمة خصوصية ووزن نسبي أكبر لزيارة الرئيس المصري لتشاد , ففي تشاد ومن الوجهة المبدئية تأتي هذه الزيارة رمزاً واضح المعني علي أنها دعماً سياسياً مصرياً يفتح الطريق لأنواع أخري من الدعم لنظام الرئيس إدريس ديبي الذي من الضروري لتقدير الإقتراب منه والتنسيق المصري معه الوقوف علي تاريخه فالرئيس ديبي من المهم لإتساع الرؤية لما تمثله تشاد الآن أكثر من أي وقت مضي من أهمية للعسكريتين الفرنسية والأمريكية خاصة بعد سقوط نظام القذافي في أغسطس 2011 إلقاء الضوء عليه فهو معارض سابق لنظام الرئيس السابق حسين هبري وينتمي ديبي لقبيلة الزغاوة ذات الإمتداد السوداني بدارفور وهو متفان في خدمة الإستراتيجية الفرنسية في أفريقيا FrancAfrique شأنه في إخلاصه هذا شأن قادة أفارقة لم يقلوا إخلاصاً عنه مثل البوركينيBlaise Compaore والتوجولي Gnassingbe Eyadema وثلاثتهم نشأوا نشأة متواضعة فإدريس ديبي وُلد ببلدة Fada بتشاد عام 1952 وهو أبن لراعي غنم بسيط ووفقاً لتقاليد الزغاوة فالمرء عليه أن يختار ما بين أن يكون مُحارباً أو تاجراً وقد إختار ديبي أن يكون مُحارباً فإلتحق بمدرسة الضباط بالعاصمة N,Djamena وبعدها توجه لشمال فرنسا للإلتحاق بدورة عسكرية عام 1976 وعند عودته لتشاد إنضم إلي قوات الرئيس حسين هبري المناوئة ( الذي كانت مصر تدعمه) لرئيس البلاد وقتهاGoukouni Oueddei الذي تدعمه ليبيا , وأستطاع إدريس ديبي بدعم من فرنسا الإنتصار علي قوات الفيلق الإسلامي الليبي الذي ضم موالين تشاديين في معارك صحراوية صعبة , وأصبح ديبي بطلاً وكان ذلك مصدر قلق لحسين هبري , وفي أبريل 1989 إنضم ديبي لتشكيل من العسكريين التشاديين للإنقلاب علي الرئيس هبري لكنه فشل مما إضطر ديبي للهروب إلي دارفور مع تشكيل مُنشق عن الجيش التشادي من زغاوة تشاد ولقي هناك دعماً من السودان كما إكتسب تعاطفاً من رئيسي توجو Eyadema و بوركينافاسو Compaore وحظي بمباركة صامتة من باريس , وهي في الحقيقة كانت مباركة فعالة فقد كان Paul Fontbonne ضابط العمليات السرية الفرنسي العامل بالسودان مُكلفاً بضبط العملية الثلاثية التي أتت بإدريس ديبي للسلطة , ففي ديسمبر 1990 دخل ديبي بقواته العاصمة N,Djamena وشرعت مجموعته المُنتمية لقبيلة الزغاوة في الإنسياب داخل كل إجزاء الدولة التشادية بحيث ضاع الشعار الذي رفعه ديبي من أنه ” لا يريد ذهباً ولا فضة إنما يريد الحرية ” كما كان يقول , لكن وبإستخدام عوائد البترول المُكتشف والمُستغل حديثاً في تشاد إستطاع ديبي شراء المزيد من السلاح والولاءات العسكرية (صحيفة Le Monde بتاريخ 20 فبراير 2008) فالحفاظ علي الديكتاتورية أمر مكلف دائماً , وبدا بوضوح أن الحرية التي كان يعنيها إدريس ديبي هي حريته هو في أن يبقي رئيساً مدي الحياة , ولم يكن الدعم الفرنسي للإنقلابات العسكرية وآخرها إنقلاب إدريس ديبي بالأمر البعيد عن فهم معانيه لدي الرأي العام التشادي ففي عام 1999 إندلعت مظاهرات بالعاصمة N,Djamena جمعت أكثر من 10,000 تشادي للتنديد بفرنسا ودورها التخريبي في تشاد بعد إنسحاب شركتي ELF و SHELL من مشروع بترولي بتشاد  .
 
 تتهم المعارضة التشادية نظام إدريس ديبي بأنه نظام غير قانوني وغير مشروع , ففي الوقت الذي كان يقوم فيه الرئيس ديبي بزيارة لفرنسا وأستقبله رئيسها الجديد Emmanuel Macron في  11 يوليو 2017 نشر حزب المعارضة التشادي ” حزب الإتحاد الوطني من أجل التنمية والتجديد “l’Union nationale pour le développement et le renouveau خطاباً مفتوحاً طالب فيه الحزب الدول الغربية خاصة فرنسا بالتوقف الفوري لكل صنوف الدعم لنظام إدريس ديبي غير القانوني وغير المشروع وأشار هذا الخطاب إلي أن نظام الرئيس ديبي أخذ الشعب التشادي رهينة في قبضته , وفي ظل هذا الهجوم من المعارضة كان الرئيس التشادي يتجه بقوة نحو فرنسا لمناقشة ما يُسمي الإرهاب بمنطقة الساحل وهو بالطبع موضوع يقع في صدارة الإهتمامات المصرية  , وكانت هذه القضية في القلب مما تناوله الرئيس التشادي مع الرئيس Macron وتحديداً مسألة تمويل القوة المُشتركة المُرتقبة  المُضادة “للجهاديين” ويُسمون ” التكفيرين في الشرق الأوسط علي إعتبار أن قادة الشرق الأوسط وإعلامهم الضال من أئمة الصحابة أو من النورانيين أصحاب الخطوة ممن كُشف عنهم الحجاب , وقد وصفت إحدي المنظمات غير الحكومية الفرنسية وتدعي Survie إستقبال الرئيس الفرنسي  Macron للرئيس التشادي بإنه إستقبال لديكتاتور وأن مُتلازمة الإستقرار التي يتذرع بها الرؤساء الفرنسيون تُقال لتبرر دعم الغرب لديكتاتور , لكن فرنسا كمصر تتعامل مع إدريس ديبي فقط لا مع تطلعات فقراء تشاد الذين انهكتهم حروب ساستهم الذين هم في الواقع عبيد لدي من إستعمروهم ويكنون لهم كل الإحترام , ولهذا تجد Agnès Romatet-Espagne المتحدث باسم الخارجية الفرنسية يعلق علي زيارة ديكتاتور تشاد بقوله  “إن تشاد بلد صديق وشريك ونحن نحيي إلتزامه وتصميمه في معركته ضد الإرهاب بالساحل ” , وفي الواقع فإن الواقع السياسي التشادي نسخة مُكررة من الواقع السياسي بالشرق الأوسط إذ أن إدريس ديبي حصل في 10 أبريل 2016 علي دورة رئاسية خامسة وله الآن علي رأس السلطة في N’Djamena 26 عاماً مُتصلة منذ تنصيبه رئيساً لتشاد في 4 يناير 1991, وقد سمح الزمن الطويل له ولمعاونية إستقراراً وصفاءً ذهنياً مكنهم جميعاً من تشييد مؤسسة متينة من الفساد في تشاد بمباركة وتشجيع من فرنسا والولايات المتحدة ولديهما نسختين من مفاتيح أبواب مؤسسة صرح الفساد التشادي , فالولايات المتحدة بعد الإعلان في 6 فبراير 2007 عن إقامتها للقيادة العسكرية الامريكية لأفريقيا AFRICOM  أقامت علاقات عسكرية مُتميزة مع الرئيس ديبي لثلاث أسباب رئيسية : أولها موقع تشاد شديد الأهمية المُلاصق لحائط التماس مع العالم العربي خاصة أنه مُلاصق لجنوب ليبيا وغرب السودان أي دارفور وهما نقطتان تنطلق منهما التهديدات الغربية لأمن السودان وليبيا من منظور قومي , فالقوي الغربية تتعامل مع تشاد بإعتبارها منطقة عسكرية Zone Militaire في وسط القارة الأفريقية بغية تحقيق أهداف إقتصادية لصالحها , ثانيها أن الرئيس ديبي مُصاب بداء المرونة غير المُبررة والتي بلغت درجة السيولة التي يبديها دائماً فيما يتعلق بإحتياجات الغرب لمكافحة ما يُسمي بالإرهاب والإرهاب طبعاً صفة يخلعونها في الغالب علي معارضيهم السياسيين ممن يتسلحون بالهوية الإسلامية والوطنية في منطقتي  الساحل والصحراء , ولهذا تجد ديبي ونظراؤه يعملون بدون تحفظ لهدم مجتمعاتهم بتطبيقاتهم لمفهوم الإرهاب في نسخته الفرنسية والأمريكية  شأنه في ذلك شأن معظم الحكام الأفارقة الذين يعمدون إلي مجاراة والتماهي مع التحريك الأمريكي لقضية الإرهاب في إتجاه أمامي دائماً بإعتبارها أم القضايا أو القضية المفتاحية التي علي أساسها يتم تعميد الرؤساء الأفارقة بقدر إستجاباتهم مع مقتضيات هذه القضية بالمعيار الأمريكي / الفرنسي , ولذلك نجد أن الدولة التشادية المُختزلة في  شخص الرئيس التشادي مشدودة في سياستها الخارجية بهذه القضية التي أصبحت تشكل القاسم المُشترك الجامع لدبلوماسية AFRICOM مع الدبلوماسيات الأفريقية , فأصبحت التنمية من ثم قضية تالية في الأهمية , فالولايات المتحدة تدرك أن معظم النظم الأفريقية ومنها نظام إدريس ديبي في تشاد نظم عسكرية صرفة وهشة , وهي تظل كذلك عسكرية التوجه Military Oriented حتي في تعاطيها لموضوعات التنمية والسياسة الخارجية والصحة والتعليم ألخ , وهذا يعني ضمناً أن العلاقات العسكرية تأتي بالنسبة للقيادات السياسية في أي من الدول الأفريقية المؤسسة علي نظام عسكري كأولوية مُطلقة أو تكاد أن تكون كذلك , ثالثها أن الرئيس إدريس ديبي يري مثله مثل حكام الشرق الأوسط يري أن بقاءه رهن بحمايته وتنميته للمصالح الغربية خاصة الفرنسية والأمريكية في بلاده , فعلي سبيل المثال لا الحصر عندما قدم السفير الأمريكي أوراق إعتماده للرئيس إدريس ديبي عام 1990 صرح للصحافة التشادية ثم أعاد نفس عبارات تصريحه في مؤتمر صحفي تالي في 20 مارس 1991 فقال ” إن إهتمام الولايات المتحدة بتشاد يأتي في إطار إهتمامها بالقارة الأفريقية ككل وأن واشنطن تعمل علي الحفاظ علي سيادة تشاد وتكامل أراضيها ومساعدتها ضد أي عدوان خارجي وتشجيع النهج الديموقراطي والعمل علي زيادة الإستثمار البترولي ” , وبالفعل شجعت الولايات المتحدة وفرنسا تشاد من خلال بقاء الرئيس ديبي الأبدي خلال خمس مرات متتالية بدعوي أن ذلك ترسيخ للنهج الديموقراطي وأستمرت شركة ESSO (ExxonMobil) التي دخلت تشاد عقب  إنقلاب ديبي عام 1990 في العمل وإستغلال بترول تشاد وأقامت شركتان إحدهما فرنسية والأخري أمريكية خط أنبيب بترول تشاد وصولاً لميناء ياوندي الكاميروني بسعر خيالي وعندما إكتشف الرئيس ديبي ذلك غضب لكنه إبتلع الإهانة فسكت , وفي الواقع فإن الرئيس ديبي حقق هبوطاً سلساً في تشاد للنفوذ لأمريكي الذي ظل زمناً يحلق فوقها ولم يمنعه إلا عدم رغبة الفرنسيين في ذلك وقتذاك , لكن بعد التحالف الفرنسي / الأمريكي لإسقاط نظام القذافي في أغسطس 2011 أصبح النطاق العسكري الأمريكي الذي مساحته AFRICOM مستقلاً عن المساحة التي للعسكرية الفرنسية في تشاد والتي نطاقها إتفاق تعاون عسكري فني مُوقع في 18 نوفمبر 1987 وخطابات مُتبادلة تحدد الشروط والأحوال المُنظمة للعون العسكري الفني الفرنسي , وما من شك في أن الفرنسيين لن يفقدوا الكثير بتعاون الأمريكيين مع تشاد بعد أن أصبحت أحد مكونات تنفيذ مخططات القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا في منطقة الساحل .
 
التوجه المصري نحو تشاد محكوم بعدد من المُتغيرات تقتضي السير بكل الحرص نحو هذا البلد الذي ليس له نفس الوزن أو الأهمية التي للسودان في نظرية أمن مصر القومي إذ أن السودان مُرتبط عضوياً بأمن مصر القومي ونظرية أمنه القومي تبادلية مع نظرية أمن مصر القومي , فيما أن ما يجمع أمن مصر القومي بتشاد هو الرمال …. رمال الصحراء الكبري , وللأسف فحتي هذه الرمال ليست خالصة ومفتوحة للحركة المصرية إذ أنها بيد العسكريتين الفرنسية والأمريكية الآن اللتان تتحركان بها  بقوة وإندفاع كفيل بتهديد أمن مصر القومي في إتجاهه الغربي علي محورين هما محور دارفور والمحور الليبي إنطلاقاً من جنوب شرق ليبيا أي من الكفرة , لكن وبدلاً من مقاومة أو علي الأقل عدم الإستجابة للمخططات الفرنسية (الإتحاد الأوروبي بصفة أعم) والأمريكية في الصحراء الكبري والتي تعد الصحراء المصرية والليبية جزء منها (هناك طوارق في واحة سيوة المصرية) إلا أننا نجد رغبة مصرية دائمة في التحول لتكون ترس صغير في الترتيبات التي تتبناها وتمولها الولايات المتحدة وفرنسا أساساً في منطقتي الساحل والصحراء الكبري , وهناك إشارات مُؤكدة تثبت هذه الخطورة , ففي 2 فبراير عام 2008 نجحت المعارضة التشادية المُسلحة إنطلاقاً من قواعدها الخلفية بالسودان في إقتحام العاصمة N’Djamena وحاصرت القصر الرئاسي حيث يقبع الرئيس ديبي , ولولا التدخل العسكري الفرنسي بواسطة الكتيبة الفرنسية المُتمركزة في تشاد بموجب إتفاق عسكري ثنائي لآل نظام إدريس ديبي إلي السقوط ولذلك فقد ساومته فرنسا في هذه اللحظة الحرجة وهو منزو داخل ركن بالقصر الجمهوري وقايضته مقابل إنقاذه وتركه ليسعد ببقاءه رئيساً هادماً لبلاده مُبقيا إياها في قاع الفقر بطاعته العمياء صادعاً لأي أوامر فرنسية تتعلق بامن الساحل والصحراء وبالتماهي المُطلق مع المتطلبات العسكرية والأمنية والسياسية الفرنسية بهاتين المنطقتين التي لتشاد علاقة بها وتتصل جغرافياً كذلك بالجزء من الصحراء الكبري بمصر وبالسودان وبليبيا والعلاقات التبادلية التي لهذه الدول التي تعني بها فرنسا في إستراتيجيتها الشرق أوسطية  .
 
لإدريس ديبي إذن علاقة بأمن أوروبا في الجزء المتعلق بإستراتيجية الإتحاد الأوروبي الأمنية بالساحل والصحراء والمُوضوعة في مارس 2011 ولفرنسا الدور الأكثر فعالية فيها , وبنفس القدر – كما أشرت –  فلإدريس ديبي علاقة فعالة بالرؤية الأمريكية لقضية الإرهاب بالمقاييس الأمريكية , لذلك نجد لتشاد دوراً نشطاً ومساهمة عددية مُتميزة كالتي تسعي إليها دائماً العسكرية المصرية في أفريقيا سواء في عمليات حفظ السلام التي تتبع الإتحاد الأفريقي أو الأمم المتحدة (هناك ثمة 16 عملية حفظ سلام جارية بالعالم حالياً منهم تسع بأفريقيا) , ولذلك نري مثالاً علي أهمية ذلك للقيادة التشادية حالة المشاركة التشادية في قوة البعثة المُشتركة متعددة الجنسيات Multi-National Joint Mission  Task Force التي تضم دول حوض بحيرة تشاد إضافة إلي بنين لمواجهة جماعة بوكو حرام التي إنطلقت من شمال نيجيريا , وأدي الإهتمام المضطرد للرئيس التشادي لتنمية علاقاته العسكرية خدمة لأهداف القوي الدولية الكبري خاصة فرنسا والولايات المتحدة إلي إبتعاده القهري عن ملف التنمية لبلاده شأنه شأن كل القادة الذين يعتبرون قضية الإرهاب سبباً لإستمرار حياتهم السياسية وعذراً يبررون به فشلهم في تحقيق مستوي معقول من التنمية لشعوبهم , وهو أمر طبيعي والحالة هذه  .
 
بناء علي ما تقدم يُلاحظ أن القاسم المُشترك إذن بين تشاد ومصر حالياً هو إيلائهما أولوية قصوي لقضية الإرهاب وما يتصل بذلك من إعتمادهما علي المؤسستين العسكرية الأمنية علي وتنميتهما وإهمال ما عداهما من مؤسسات مدنية وتنموية , وبنفس القدر تنطبق هذه الحقيقة علي الحالة المصرية إذ أنه وبالرغم من أهمية تسجيل الجيش المصري لنتيجة حاسمة في معركته التي أعلنها علي الإرهاب في شبه جزيرة سيناء وهو مالم يحدث – وفقاً للمراقبين – حتي الآن , إلا أننا نجد تمدداً للعسكرية المصرية في البحر الأحمر وإعتباره الإتجاه الجنوبي للعسكرية المصرية ربما خصماً من تمددها علي النطاق النيلي وهو ما يُطلق  عليه في العسكرية المصرية أيضاً بالإتجاه الجنوبي , وأدي تطلع وإنهماك العسكرية المصرية لشغل حيز علي الإتجاه الجنوبي ومسرحه البحر الأحمر درجة أن حدت بصحيفة SUDAN TRIBUNE إلي الإشارة علي موقعها في 17 أبريل 2017 بالإحالة علي منظمة عفار البحر الأحمر الديموقراطية RSADO المُعارضة لنظام الحكم القائم بإرتريا إشارتها إلي أن حكومة أسمرا أعطت مصر الضوء الأخضر لبناء والحصول علي قاعدة عسكرية علي الأراضي الأرترية البالغ مساحتها 121,320 كم مربع والتي تطل علي البحر الأحمر بساحل طوله 2,234 كم  ولها حدود يبلغ مجملها 1,630 كم منها 1133 كم مع جيبوتي و912 مع إثيوبيا و605 كم مع السودان , وقد حددت مصادر المعارضة الأرترية تلك موقع هذه القاعدة المُفترضة بأنها في جزيرة Nora أو Norah ثاني أكبر الجزر المسكونة بأرخبيل Dahlak الإرتري وتبلغ مساحتها حوالي 105 كم مربع , وأشارت هذه المصادر أيضاً إلي أن وفداً عسكرياً وأمنياً مصرياً قام بزيارة لأسمرا مطلع أبريل 2017 للإتفاق علي تمركزعدد يتراوح ما بين 2000 إلي 3000 من عناصر البحرية المصرية بهذه القاعدة البحرية بأرتريا , هذا علي الإتجاه الجنوبي , أما علي الإتجاه الغربي فقد حققت العسكرية المصرية دوراً رئيسياً من خلال دعم اللواء خليفة حفتر بشرق ليبيا لكن إداءه العسكري حتي الآن لا يحقق له سيطرة عسكرية ومن ثم جغرافية مُحكمة لا علي الشرق الليبي أو علي ما وراءه أي الجنوب والغرب الليبيين , إذن هناك حاجة لدعم الدور المصري في الملف الليبي , فخليفة حفتر ما يزال غير كاف , ومن هنا كان الإفتراض بأن هناك إحتمال للإتصال المصري بتشاد في هذا الشأن من خلال زيارة الرئيس المصري لها في 17 أغسطس 2017 , ففي إطار رؤية مُتحولة لمنهجية Methodology العسكرية المصرية التي أسست إستراتيجيتها علي مواجهة العدو الإسرائيلي وأنتهت في 26 مارس 1979 تاريخ توقيع مصر وإسرائيل علي معاهدة السلام بينهما , ثم إنتقلت بعد ذلك إلي منهجية عسكرية غير واضحة أو Vague حتي ما قبل ثورة 25 يناير 2011 إلي أن إنتهجت بعد هذه الثورة منهجية محاربة الإرهاب بالمقاييس المفاهمية الأمريكية بصفة خاصة ,هنا أصبح من الممكن الإلتقاء مفاهمياً بين متعهدين محليين أو Entrepreneurs locaux عاملين علي تطبيقات الرؤية الغربية (الأمريكية أساساً) في محاربة الإرهاب , ولهذا فالرئيس   التشادي إدريس ديبي وبإعتباره متعهداً محلياً قام ويقوم بدور رئيسي من خلال العسكرية التشادية في كل الترتيبات والتنظيمات المعنية بمكافحة الإرهاب في منطقتي الساحل والصحراء وآخرها ما يُسمي” بالقوة المُشتركة لمجموعة الخمسة من أجل دول الساحلJoint Force for the Group of Five for the Sahel States والمعروفة إختصاراً بأنها ”  FC-G5S ” وقوامها عناصر عسكرية من بوركينافاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر والتي بشأنها أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع قراره رقم 2359 في يونيو 2017 الذي يُرخص بتمركز هذه القوة المُشتركة لمحاربة تهديد الإرهاب وجماعة  Boko Haram والجريمة العابرة بالساحل , وقوام هذه القوة 5,000 فرد ما بين عناصر عسكرية وشرطية , هذا في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الفرنسي Emmanuel Macro في 18 مايو 2017عن أن عملية Operation Barkhane (الكثبان هلالية الشكل) لمكافحة التمرد والتي بدأت في الأول من أغسطس وقوامها 3,000 عسكري فرنسي ومقرها في N’Djamena ستظل قائمة ولن تتوقف إلا عندما لا يكون هناك إرهاب إسلامي بالمنطقة (وهو أمر لن يحدث إلا بإنتهاء الإرهاب والتدخل الفرنسي في الساحل بالطبع فالرئيس الفرنسي الجديد ككل سابقيه يستسيغ الكذب والبهتان من أجل مجد فرنسا) .
 
 مما تقدم يمكن أن يكون مفهوماً مرور دور عسكري مصري مُرتقب في الترتيبات العسكرية والأمنية القائمة في منطقتي الساحل والصحراء بالقدر الذي يتيح لمصر وصولاً وتأثيراً تبتغيه علي نحو ما في دارفور وشرق ليبيا , إذ أن لتشاد دور مفتاحي فيها , ويمكن بالتعويل علي أهمية تشاد في هذه الترتيبات التي تحظي بتمويلات غربية وإماراتية كريمة وسخية  تزكية الرغبة المصرية لتمر فوق الجسر التشادي فيتحقق لمصر ولوجاً إلي هذه الترتيبات النشطة ومن ثم تتمكن العسكرية المصرية من تطبيق رؤيتها في ملفي ليبيا والسودان التي سبق لرئيسها أن وجه لمصر في 21 مايو 2017 ضمن كلمة ألقاها في قيادة الجيش السوداني إتهاماً مباشراً بالتورط في القتال بمناطق بولايتي شمال وشرق دارفور , مُدللاً علي إتهامه لمصر بقوله أن القوات المُهاجمة والتي تنتمي لقوات تحرير السودان (SLA-MM) جناح Minni Minnawi وعناصر حركة تحرير السودان- المجلس الإنتقالي ((SLA-TC جاءتا من جنوب السودان وليبيا محمولة علي مركبات مُدرعة مصرية الصنع , مُوضحاً أن القوات المُسلحة السودانية وقوة الدعم السريع صادرت هذه المركبات التي إستخدمها هؤلاء المُتمردون في هجومهم الذي شنوه يوم الجمعة 19 مايو , ثم نوه إلي أن مصر رفضت دعم السودان في القتال الممُتد ضد تمرد جنوب السودان لأكثر من عشرين عاماً وفي دارفور ولم تعط للجيش السوداني رصاصة واحدة , علي حين دعمت بلاده مصر في حربي 1967 و1973, وذلك بدعوي أن ما يحدث في السودان شأن داخلي , وسخر من تلك الدول التي تدعم الحركات المسلحة , وقال أن القتال الأخير ضد هؤلاء ما هو إلا مجرد تدريب عسكري وليس عملية عسكرية , وقد نُشرت علي صفحتي القوات المسلحة والمخابرات السودانية علي موقع Facebook يوم الأثنين 22 مايو2017 صوراً لهذه المركبات والإشارة إليها علي أنها مصرية   .
 
هناك ثمة إقتراب تشادي من الموقف المصري السعودي والإماراتي في شأن ما يُسمي بالأزمة الخليجية إذ أن  تشاد أيدت الحصار الرباعي علي قطر والذي طُبق في 5 يونيو 2017 , وبعد سحب سفيرها من الدوحة كتعبير عن هذا التأييد قام الرئيس ديبي بزيارة الإمارات العربية المتحدة في 14 يوليو 2017 وهناك إتفقت الدولتان علي إفتتاح الإمارات لسفارة مُقيمة لها في N’Djamena وعلي تمويل مشروعات تنمية لتشاد , وكان توقيت هذه الزيارة مُتزامناً مع إنشاء القوة المُشتركة لمجموعة الخمسة , كما كانت مؤشراً علي إحتمال مُرجح بطلب تشاد دعم مالي إماراتي لهذه القوة , خاصة وأن لدي الإمارات تطلع وشغف لمواصلة تمديد دورها العسكري والأمني في منطقة الساحل , فالإمارات هي التي مولت عملية Serval العسكرية الفرنسية في مالي التي أقترفت جريمتها فرنسا مُترافقة مع تضليل إعلامي فرنسي نقلت عنه الصحافة العربية الرسمية كانت العملية العسكرية الفرنسية مُوجهة تحديداً ضد هؤلاء ممن يقاومون الوجود العسكري والنهب الإقتصادي الفرنسي المنظم للموارد الطبيعية بدول الصحراء الكبري ومثالها يورانيوم النيجر بمنطقة الشمال عن طريق مجموعة Areva المملوك معظمها للدولة الفرنسية , وأهم المجموعات المُعارضة التي إستهدفتها فرنسا بشمال مالي  كانت جماعة أنصار الدين التي أطاحت في 26 يونيو 2012 بحركة تحرير AZWAD  بعد أن أعلنت في 4 يونيو 2012 عن إنفصال شمال مالي وإقامة جمهورية AZWAD , ولم يشفع لها هذا في الإعلام المالي الموالي للفرنسيين ,  ولقد إعترف الرئيس الفرنسي السابق Holland بالدور الإمارتي في عملية Serval الإجرامية في تصريح أدلي به أثناء زيارته للإمارات  في 15 يناير 2013وتحديداً وهو واقف علي أرض قاعدة Peace Camp العسكرية الفرنسية بأبو ظبي قال فيه ما نصه ” It is possible that the UAE could decide to immediately intervene, either in terms of logistic or financial support ” , وفي تقديري أن الدور الإماراتي العسكري في مالي وغيرها يتجاوز بل ويتناقض إلي أن يتصادم مع  إحتياجات دولة كالإمارات مكونة من عدة مشيخيات بترولية راقدة علي بحر من رمال , وهو دور غير قابل لا للشك ولا الجدل بشأنه , ففي زيارته للإمارات في 9 أبريل 2012 في إطار جولة خليجية شملت الرياض وقطر والبحرين وأثناء الإعداد للتدخل العسكري الفرنسي بعد إنقلاب العسكريين في مالي في 22 مارس 2012 والإطاحة بالرئيس المالي Amadou Tomani Toure قبل إنتهاء ولايته الثانية والأخيرة بثلاث أشهر فقط إنتقاماُ من موقفه غير المتجاوب مع الأوامر الفرنسية بشأن تدخل فرنسي في مالي , قال المبعوث الإيطالي للشرق الأوسط  Marurizio Massari  ما نصه ” هناك موضوع آخر هام للغاية لكل من حكومتي إيطاليا والإمارات وهو أمن الحدود الليبية , فإيطاليا والإمارات ستعملان معاً لدعم حدود ليبيا الجنوبية المجاورة للجزائر وتشاد والنيجر ومصر والسودان , لأن الوضع في مالي يتفاقم , وأنه وخلال الربيع تسرب كم من السلاح والمخدرات والبشر , وهذا مما يمثل موضوعاً للأمن القومي لنا في إيطاليا , وعلينا وقفه ومساعدة ليبيا علي إصلاح أمرها , وأن ما يمكننا فعله هو إقامة شراكة للمساعدة في هذه المشكلة مساعدة بالخبرة والتدريب والمخابرات وهو ما يمكن للإمارات أن تقدمه ” هكذا بكل الوضوح .
 
بناء علي ما تقدم فإنه يُفترض وبإعتراف الأوروبيين أن للإمارات دور في منطقتي الساحل والصحراء ومن ثم فهناك ثمة منطق لإفتراض مؤداه وجود خيط يصل بين زيارة الرئيس التشادي للإمارات في 14 يوليو 2017 وزيارة الرئيس المصري لتشاد في 17 أغسطس 2017 بل وربما أيضاً وبين الإتصالات الإسرائيلية المُتكررة لتشاد (وجزء منها غير قابل للإعلان عنه) والتي أكدها  Emmanuel Nahshonالناطق باسم الخارجية الإسرائيلية في 23 يوليو 2016 ومنها زيارة Dore Goldhgl المدير العام للخارجية الإسرائيلية لتشاد في 14 يوليو 2016 ولقاؤه بالرئيس ديبي والتي تزامنت مع إستعادة إسرائيل لعلاقتها الدبلوماسية مع غينيا / كوناكري التي قُطعتها في 5 يونيو 1967 , فمصر تتطلع عسكريتها بشغف نتيجة حيازتها  لترسانة أسلحة مختلفة مُمولة – كما يروج البعض – من قبل الإمارات العربية , وهي أي مصر مدفوعة في ذلك بإهتمامها بالإضطلاع بدور عسكري في إطار الترتيبات العسكرية الموضوعة والمًصممة في باريس وواشنطن بمنطقتي الساحل والصحراء , وهذا الدور الإماراتي لا يمكن رؤيته فاعلاً إلا في نسق يضم قوي عسكرية نشطة ومُهيئة علي الأرض لأداء واجباتها في المعركة ضد ما يُسمي “الإرهاب” وهذه القوي هي مصر وتشاد التي بينها وبين السوادان علاقة صداقة مزيفة منذ 7 أعوام خلت دعائمها علاقة عداء كامن بين الخرطوم و  N’Djamena, فمازالت دارفور تمثل بالنسبة  لتشاد ورقة ضغط علي السودان الذي تخشي من بأسه وتأثيره علي قطاع كبير من الشعب التشادي خاصة من خلال  قبيلتي الزغاوة والبقارة , ومن ثم تري N’Djamena أن أي تسوية سلمية للصراع في دارفور إضعاف لتأثيرها علي السياسة السودانية , كما أن مصر لا تري – وإن من زاوية أخري – أن تسوية الصراع في دارفور خاصة بعد عقد إجتماع الآلية الثلاثية لقوة حفظ السلام الأممية والأفريقية الهجينUNAMID  بالخرطوم يوم 22 مايو 2017 تم فيه تناول مسألة الإنسحاب التدريجي لقوات القوة الهجين  UNAMID المكونة من الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي والتي يبلغ قوامها حالياً 20,000 فرداً من عدة مناطق بدارفور وإعادة هيكلتها بسبب تماسك الوضع الأمني وميله للهدوء والإستقرار بدارفور ,  وهو ما سينتج عنه تعرض المساهمة المصرية بهذه القوة إلي الإنخفاض أو الإنتهاء , وسيعني ذلك أن ملفاً يضعف القوة السياسية للسودان قد أُغلق وهو ما يقوي من ساعد السودان المُتحالف مع إثيوبيا خصم مصر , الأمر الذي يستدعي من العسكرية الإقتراب من نقاط ضعف السودان في دارفور , وتشاد هي نقطة الإرتكاز المُفترضة في هذه الحالة , هذا إن كانت هذه الرؤية صائبة , تماماً مثلما يعتبر الإقتراب المصري من إثيوبيا إرتكازاً علي قاعدة عسكرية مصرية تُقام في جزيرة Nora الإرترية لتهديد إثيوبيا وكل هذا وأكثر منه ليس إلا بعلم وموافقة الولايات المتحدة الأمريكية حتي لا يُساء فهم منطلقات هذه التحركات وغيرها , إذن فزيارة الرئيس المصري لتشاد يمكن في إطار ما أن تقدم بإعتبارها مُحققة للأهداف التي تتوخاها العسكرية المصرية والتي ليست بالضرورة مُتسقة مع الإعتبارات الثابتة لنظرية الأمن القومي المصري الذي من أهم مكوناته إعتبار أسرائيل تهديداً للأرض وللمجتمع المصري وإعتبار النيل هو الإتجاه الجنوبي العملي للأمن القومي المصري وإعتبار ليبيا بوابة الإتجاه الإستراتيجي الغربي لمصر نحو إقليمي الساحل والصحراء , وذلك بدون الدخول في الشراكات الأمنية والعسكرية الإستعمارية للإتحاد الأوروبي أو للقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM وما يتفرع عنهما من ترتيبات مثل Trans Sahara Counter Terrorism Partnership  .
القاهرة . تحريراً في 21 أغسطس 2017
Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى