مقالات

الصحافة والمخابرات تقارب وتباعد

بقلم : همام السليم  – كاتب وباحث عراقي

 

بعد ان اسست الصحافة واخذت دورها في قيادة الرأي العام والتأثير فيه اطلق عليها لقب ( السلطة الرابعة) اي انها تمثل السلطة الرابعة في الدول بعد السلطات ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) لتكون الصحافة سلطة رقابية على عمل المؤسسات والدوائر الحكومية وغير الحكومية ، ولكن فعالية وتأثير هذه السلطة الرقابية ترتبط باستقلالية الصحافة وعدم تسيسها .

ومنذ العقد الاخير من القرن العشرين لم تستطيع معظم الصحف الحفاظ على استقلاليتها واتجهت نحو التسيس وتمت السيطرة او التأثير عليها من قبل اجهزة الدولة السياسية والامنية والمخابراتية فأصبحت الصحف العالمية واحدة من ادوات تنفيذ اجندات المخابرات العالمية فيتم استعمال الصحف والتأثير عليها من بعيد لجرها نحو تنفيذ اجندات ومشاريع معينة في المناطق المستهدفة عبر تسريب معلومات لها بغية نشرها بما يخدم مشروع المخابرات .

وبما ان المخابرات العالمية ( سيما الدول الكبرى) لها اجندات مختلفة تسعى لتنفيذها في مناطق الصراع، فأن ذلك الاختلاف انسحب على الصحافة العالمية المهتمة بتلك المناطق من خلال اتباعها لأساليب مختلفة في تناول الحدث والتسويق له بصورة تتوافق مع رؤية المخابرات التي تقودها من بعيد .

فمثلا في قضايا الشرق الاوسط الساخنة نجد ان الصحف العالمية تختلف في تقاريرها التي تتناول قضية واحدة عن بعضها البعض، فصحيفة معينة تحمل مسؤولية القضية لطرف فاعل على الارض ولكنه محسوب على دولة ثانية كروسيا مثلا، بينما تعمل صحف اخرى على تحميل مسؤولية الحدث ذاته لطرف محسوب على الولايات المتحدة الامريكية وتقدم كل صحيفة ما تصفه بالأدلة والبراهين التي تخدم قضية ومشروع اجندة المخابرات الامريكية او الروسية، وامثلة ذلك في الملف السوري كثيرة جداً.

وعلى الميدان العراقي غالباً ما تنشر تقارير و اخبار في صحف عالمية كالواشنطن بوست والدلي ميل والصندي تايمز والاندبند وغيرها تتناول قضايا عراقية ولكن بصورة مختلفة في الطرح فكل صحيفة تسوق الحدث بطريقة تخدم اجندت المخابرات التي تقودها او تؤثر عليها .

وفي ملف القطيعة الخليجية لقطر نشرت الواشنطن بوست تقرير يتهم الامارات في الوقوف وراء قرصنة وكالة الانباء القطرية وتسريب حوار بين امير قطر ومسؤول ايراني لترد قطر باتهام مباشر للامارات بتهديد الأمني القومي القطري وبرغم من ان سفير الامارات في الولايات المتحدة نفى ذلك إلا ان الخبر اسهم في صب الزيت على النار بين دول مجلس التعاون الخليجي واضعاف وحدتها كتكتل اقتصادي قوي يتجه نحو مشروع العملة الموحدة والغاء التأشيرة ، اي ان الصحافة العالمية هنا توافقت مع المخابرات الامريكية واسهمت في تنفيذ مخطها ازاء دول مجلس التعاون الخليجي  .

اذاً اين يكمن التقارب والتباعد بين الصحافة والمخابرات ؟

  • تتفق الصحافة مع المخابرات التي تؤثر فيها او تقودها وتتقارب معها .
  • تتفق الصحافة العالمية فيما بينها اذا اتفقت المخابرات العالمية الفاعلة على الميدان المستدف او المنطقة المستهدفة فتارة تؤجج التوتر وتارةً تدعو الى الحوار والتوافق وذلك وفقاً للمصالح والنفوذ والاتفاق عليهما بين المخابرات العالمية كما سيتجه الامر في الملف السوي بحسمه بين الكبار وانهاء الصراع بالتقسيم وهذا ما يترشح عن اجتماعات الكبار وبدأت الصحافة العالمية تروج له .
  • تختلف الصحافة العالمية في تناول موضوع معين اذا اختلفت المخابرات العالمية الفاعلة في ميدان الموضوع المعين بسبب عدم الاتفاق على المصالح وتقاسم النفوذ .

من مجمل ما تقدم يمكننا القول ان معظم الصحافة العالمية في عالمنا المعاصر باتت اداة لتنفيذ اجندات ومشاريع المخابرات العالمية عبر تسريب معلومات لها بغية نشرها او التأثير عليها للنشر وتظليل الرأي العام ، والتقراب والتباعد بين الصحافة والمخابرات يتوقف على المصالح والاجندات وذلك لا يمنع من وجود صحف مستقلة لكنها محدودة التأثير في المجال العالمي .

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى