الجماعات الاسلاميةالدراسات البحثية

إصلاح التعليم الديني في مصر كمدخل لتجديد الخطاب الديني

إعداد الباحث: محمد محمود محمد الدابولى – المركز الديمقراطي العربي

 

مقدمة:

في البداية عند الحديث عن تطوير العملية التعليمية في مصر يتم إسقاط أو إهمال الحديث عن تطوير التعليم الديني في مصر رغم أهميته القصوى التى يمثلها بالنسبة للمجتمع خاصة في الفترة الأخيرة التى تداخل فيها العامل الديني والخطاب الديني مع كافة متطلبات واحتياجات المجتمع بل صارت أهميته تتعدى كافة فروع التعليم الأخري كالتعليم الأساسي والتعليم الفني والتعليم الجامعى وغيرها حيث أن كل تلك الفروع الغير دينية تتعلق بسبل الارتقاء بالدولة وتقدمها نحو وضع أفضل في المؤشرات الدولية، إلا أن تطوير التعليم الديني لا يتعلق فحسب بتقدم الدول ونموها وتطورها بل تتعدى أهميته إذ يضمن بقاء الدولة من عدمه خاصة في ظل النعرات والرؤى التى تتسم بالراديكالية المنادية بإسقاط الدول القومية العربية وإنشاء الدولة الإسلامية الكبري أو ما يسمى بدولة “الخلافة الإسلامية”، ولنا في تجربة سوريا والعراق خير دليل على ذلك، حيث أدى انعدام التعليم الديني التنويري في هاتين الدولتين إلى دخولها في حروب طافية تمخض عنه قطع جزء كبير من الدولتين لصالح إنشاء  الدولة الإسلامية في العراق والشام والمعروفة إعلامية بـ “داعش” ومالبث أن انتشرت تلك الأفكار الضالة كانتشار النار في الهشيم مما أدي إلى خروج العديد من الأقاليم العربي عن سيطرة الدولة المركزية بشكل أو بآخر وانضمامها إلى دولة “داعش” المزعومة مثل الجزء الشمالي الشرقي من محافظة شمال سيناء المصرية والتى باتت معروفة لدى أدبيات التنظيم باسم “ولاية سيناء” ومدينة “سرت” الليبية، وللتأكيد على أهمية التعليم الديني في بقاء الدولة ومنعها من الإنزلاق نحو منعطف التفسخ  والإنهيار تتجلى لنا ظاهرة “بوكو حرام” النيجيرية والتى بدأت كحركة مناهضة للنظم التعليمية الغربية[1] وتبنت نظم تعليمية أخرى ادعت بأنها تتماشي مع تعاليم الدين الإسلامي، وهذا الفكر أيضا تبناه “داعش” في التعامل مع المناطق التى نجح في بسط سيطرته عليها.

لذا من العرض السابق يتضح مدى أهمية تطوير التعليم الديني في مصر في الحفاظ علىى بقاء الدولة، وللتوضيح هنا يقصد في هذا المقال بالتعليم الديني هو التعليم الديني الإسلامي للتمييز عن غيره من التعليم الديني المسيحى وبالتركيز أكثر على التعليم الديني الأزهرى مع التطرق بعض الشئ إلى التعليم الديني الإسلامي الذي تدريره بعض جماعات الإسلام السياسي في مصر كالسلفيين، ومن هذا المنطلق سيقسم المقال إلى أربع عناصر رئيسية هم:

  1. أهمية التعليم الديني.
  2. المشكلات والتحديات التى تواجه التعليم الديني.
  3. الأهداف المرجوة من تطوير التعليم الديني.
  4. سبل تطوير التعليم الديني في مصر.

أولاـ ـ أهمية التعليم الديني.

كما أشرت في المقدمة أن أهمية التعليم الديني تنبع من كونه يضمن بقاء الدولة من عدمه في ظل تصاعد “رؤى داعش” حول الدولة القومية العربية التى نشأت في أعقاب الحرب العالمية الأولي وبالتركيز أكثر يمكن تفصيل أهمية هذا التعليم، كالتالي:

1ـ الحفاظ على التقاليد المورثة واللغة العربية:

لعب التعليم الأزهرى دورا حيويا في نشأة وهيكلة المجتمع المصري لقرون طويلة مضت حيث مثل التعليم الأزهرى الحبل السري الرابط بين المصريين ورواسخهم الثقافية والدينية فعن طريقه تم الحفاظ على اللغة العربية من مخاطر الإنقراض أو تأثرها باللغات الأخرى الأجنبية، فطوال حكم الدولة العثمانية للعالم العربي والذي استمر على ما يربو من أربعة قرون متتالية تم إهمال اللغة العربية تماما في كافة الولايات العثمانية لصالح اللغة التركية لغة أهل السلطان والحكم أنذاك، إلا أنه بفضل التعليم في الجامع الأزهر طوال هذه القرون نجحت اللغة العربية في الحفاظ على تواجدها وعدم تأثرها الشديد باللغات الجديدة التى سادت العالم الإسلامي في تلك الفترة المتأخرة من التاريخ الإسلامي كاللغة التركية واللغة الفارسية، ونجد فائدة الحفاظ على اللغة العربية لم تقتصر فقط على القطر المصري بل امتدت لتشمل كافة أقطار العالم العربي بل الأدهي من ذلك نجحت اللغة العربية _ بالرغم من شح الاهتمام بها من قبل الحكام_ في مد نفوذها وتأثيرها على الكثير من اللغات المحلية في القارة الأفريقية كما في الصومال والهوسا في نيجيريا.

2ـ الحفاظ على التعاليم الدينية من محاولات التزييف المتعمدة:

ولما كان التعليم الأزهرى الدور الحاسم في الحفاظ على المكون اللغوي للمصريين كان أيضا العامل الأكثر حسما في الحفاظ على تعاليم الدين الإسلامي وبتر أي محاولات تأتي من هنا أو هناك لتزييف تعاليم الدين الإسلامي التى نتبعها، مثل التصدى للمحاولات المستميتة التى بذلها المستشرقون من أجل الطعن في الثوابت الدينية للمسلمين في فترات تواجد المستعمر في الدول العربية.

3ـ رفع راية النضال ضد المستعمر الأجنبي وتحقيق الإستقرار السياسي:

بالإضافة إلى ماسبق لعب التعليم الديني دورا كبيرا في مواجهة المستعمر ليس في مصر لوحدها بل في الوطن العربي عموما ففي مصر اندفع طلاب الأزهر الشريف ثائرون في عام 1919 مطالبين بتحقيق الاستقلال الكامل لمصر عن المستعمر الإنجليزي، ومع التدقيق نرى أن أبرز قادة النضال الوطني في مصر نجدهم خريجي مؤسسات التعليم الديني ي مصر كسعد زغلول وغيره كماأن الكتاتيب (المؤسسات الدينية المتخصصة بتلقين الأطفال أساسيات التعليم كان لها دورا عميقا في ترسيخ القافة الوطنية لدي العديد من الزعماء المصريين، حيث أن معظم القادة السياسين المصريين دائما يفتخرون في مذكراتهم بالفترة التى قضوها في “الكُتاب” مثل تجربة الرئيس “أنور السادات”).

لعب التعليم الديني في دورا كبيرا في تحقيق الإستقرار السياسي في مصر في فترات عديدة حيث جرى تطويع التعليم الديني في فترات معينة من التاريخ المصري لخدمة أهداف النظام الحاكم المتمثلة في تحقيق الاستقرار السياسي في مصر، حيث تم تطعيم المناهج التعليمية المرتبطة بالدين ببعض الأسس الأيدلوجية التى يقوم عليها النظام السياسي، ففي حكم الرئيس المصرى الراحل “جمال عبدالناصر” استخدم التعليم الأزهرى في دعم التوجهات والأيدلوجيات التى يتبناها النظام الحاكم في ذلك الوقت، فظهرت العديد من المقاربات الفكرية التى تحاول الربط بين الإيدلوجية الإشتراكية والدين الإسلامي.

4ـ مواجهة المد الراديكالي لجماعات الإسلام السياسي في مصر:

من المعلوم أن التعليم الديني في مصر تراجعت أهمية بدرجة كبيرة في مصر خلال فترة حكم الرئيس الأسبق “حسنى مبارك” إلى أن جاءت عواصف عام 2005 والمتمثلة في بدء تحريك أوضاع النظام السياسي المصري المتمثل في تعديل المادة 76 من الدستور والصعود السياسي التاريخي لجماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية سواء كانت في مصر أو فلسطين(حركة حماس)، مما ترتب عليه لجوء النظام السياسي المصري إلى الحديث عن ضرورة تطوير الخطاب الديني لمواجهة المد الأصولي الإسلامي المصاعد، وللعلم أن تطوير الخطاب الديني يعتمد بشكل أساسي يكاد يكون حصري على تطوير التعليم الديني.

بدا للنظام السياسي المصرى آنذاك أن جماعات الإسلامي السياسي كالإخوان والسلفيين نجحوا تماما في السيطرة على مقاليد التعليم الديني منتهزين في ظل تراخي وإهمال السلطة بشأن التعليم الديني في مصر وسقوط المؤسسة الدينية في مصر في بئر البيروقراطية الشديدة، لذا جاءت أغلب محاولات الحكومة في التصدي للتيارات الفكرية المسيطرة على التعليم الديني فاشلة وعاجزة تماما عن إنجاز أي تقدم في مواجهة المد الأصولي، وظل الأمر كما هو عليه إلى أن جاءت الفترة التى أعقبت إنهاء حكم اللأخوان المسلمين في مصر في يونيو 2013، حيث اتخذ النظام الجديد في مصر العديد من السياسات التى وصفقت بالقاسية والناجعة في الحد من سيطرة التيارات الإسلامية على التعليم الديني فتم وضع المدارس المملوكة لشخصيات من التيار الديني تحت سيطرة الدولة مباشرة وذلك من أجل تصحيح ما يُسمى باسم الخطاب الديني في مصر والوصل إلي خطاب ديني مستنير يتوافق مع طبيعة العصر الذي نحياها ويتفق مع معايير المواطنة والدولة القومية، إلا أن بعض السياسات التى مورست من قبل النظام اتهمت بالقمعية الشديدة وأنها تعود لعصور القرون الوسطى في مواجهة الأفكار المضادة للدولة مثل إقدام مديرة إحدى الإدارات التعليمية  في مصر على حرق بعض الكتب الدينية الموجودة بإحدى مكتبات المدارس الحكومية مدعية في ذلك ارتباط تلك الكتب بمناهج وأفكار الجماعات المتشددة.

ثانيا ـ المشكلات والتحديات التى تواجه التعليم الديني.

تتعدد المشكلات والتحديات التى تواجه التعليم الأزهرى في مصر سواء كانت على مستوى المنهج أو المعهد الديني والطالب والمؤسسة التعليمية  ككل، وسيتم إيضاح أوجة المشكلات التى يعاني منها كل طرف من تلك الأطراف السابقة، كالأتي:

  1. المشكلات التى يعاني منها المدرس:

يعاني الكادر التعليم في الأزهر الشريف من حالة كبيرة من التدني على مستوى التعليمي ولعل التصريحات الأخيرة التى أطلقها شيخ الأزهر عن تدني مستويات المدرسين في الأزهر خير دليل واعترافاً صريحا من أكبر قيادة أزهرية بضعف القدرات الخاصة بالمعلمين في الأزهر، ترجع أسباب التدني هذا في أن المعلمين المنوط بهم تدريس المواد الشرعية والأدبية يعانون أشد المعاناة من عدم وجود برامج تدريبية لهم سواء كانت على المستوى التربوي أو على المستوى التعليمي وعدم وجود الإمكانيات اللازمة التى تشجعهم على أداء الواجب التعليمي، فمثلا مدرسي أو محفظي القرآن الكريم نجد أن اختيارهم يتم بصورة عشوائية فعادة ما يتم إيكال أحد المعلمين  بتحفيظ القرآن للطلبة دون أدني مراعاة لقدراته في التلاوة، كما تكاد تنعدم بشكل أساسي معامل الصوتيات والتى من الممكن أن تساهم كثيرا في تعويد الطلبة على النطق الصحيح لمخارج الألفاظ بصورة صحيحة وتعود الطلبة بشكل أساسي على القرآة بشكل صحيح.

أما بالنسبة لباقى مدرسي المواد الشرعية والأدبية الأخرى نجد أنه من الممكن أن يجمع المدرس الواحد بين أكثر من فرع من فروع العلوم الشرعية، فمثلا نجد أن مدرس تفسير القرآن الكريم من الممكن أن نجده يدرس مادة الحديث النبوى الشريف وهكذا، وبالانتقال إلى أوضاع المعلم الخاص بالمواد الشرعية نجده لايعاني مثل باقي المعلمين في مصر من ضعف الأجر الخاص به بل أشد منهم جميعا حيث من الممكن لمدرسي العلوم الطبيعية والرياضيات أن يعوضوا انخفاض الأجر الحكومي ببدائل الأخرى كاللجوء إلى الدروس الخصوصية، إلا أن مدرسي العلوم الشرعية لا يمكنهم ممارسة ظاهرة الدروس الخصوصية بالشكل الذي نراه اليوم وذلك لعدة أسباب أهمها المانع الأدبي وانخفاض عدد الطلبة الدارسين للعلوم الشرعية، مما يدفعهم في نهاية المطاف إلى امتهان مهن أخرى كالزراعة أو النجارة أو الحدادة من أجل تحسين أوضاع الدخل الخاص بهم وهذا يأتي على حساب اهتمامهم بتطوير قدراتهم  وإبحارهم في مجال العلوم الشرعية، مما يترك الطلبة فريسة سهلة أمام الأفكار الشاذة والمتطرفة وانعزالهم عن كافة منجزات وتطورات العصر وانعدام قدراتهم التفكيرية والإبتكار على الوصل بين منجزات العصر والمناهج الدينية واعتمادهم على أساليب والتلقين القديمة القائمة على حفظ المقرارات الدراسية.

يوجد خلل بنيوى حاد في تشكيل شخصية  معلم المواد الشرعية بدأ منذ مرحلة الثانوية الأزهرية فمن المعلوم أن الثانوية الأزهرية تعتمد على التنسيق المؤهل للمرحلة الجامعية، فبمراجعة التنسيق الأزهرى لسنوات عدة يتضح أمراً شديد الخطورة ألا وهو تدني مستويات التنسيق الخاصة بالكليات الشرعية مثل كليات الشريعة والقانون وكليات أصول الدين المنتشرة في مصر أي أن الطلبة المقبولين في تلك الكليات هم _ بشكل أكثر تهذيبا_ أسوأ الطلاب من الناحية  العلمية والفكرية في الأزهر الشريف، فللقارئ تخيل أن طالب فاشل في الثانوية الأزهرية يصبح بعد أربع سنوات دراسية أحد أهم العناصر المشكلة للوعي الديني في البلد.

واستكمالا للمشاكل التى يعاني منها المعلم الخاص بالمواد الشرعية ألا وهو الصورة النمطية السيئة المأخذوة عنهم، حيث دأبت السينما المصرية على تصوير هؤلاء بصور لا ترضيهم  كالمنافقين والمستغلين للدين  ويتبعون شهواتهم سواء كانت الخاصة بالأكل أو الجنس، فضلا عن الاستهزاء المتعمد بنطقهم للغة العربية.

2ـ المشكلات الخاصة بالمنهج الديني:

لا يمكن بأية حال من الأحوال عند انتقاد المناهج الخاصة بتدريس المواد الشرعية الإنجرار وراء الدعاوى التى تنادي بتغيير تلك المناهج بزعم أنها مناهج تحض على العنف أو رجعية أو تتمسك بالقشور دون التطرق لروح الإسلام وذلك لأن تلك الدعاوى ليست برئية من محاولات علمنة الدين الإسلامي  والتى تقوم على تطويع الدين الإسلامي ليكون في خدمة جماعة من الجماعات أياً كان فكرها ليبراليا أو يساريا أو إسلاميا فلا تفريق بين أنصار المذاهب السابقة في محاولاتهم الدؤوبة لتطويع الدين الإسلامي لخدمة أغراضهم وأهدافهم السياسية الضيقة.

لذا سينحصر انتقادي للمناهج الدينية في أنها تمثل حالة الإغتراب المنهجى أي أن  المناهج التى يتم تدارسها مثلها مثل باقي المناهج تفتقد القدرة على الإرتباط بالواقع الذي نحياه ونعاصره فمثلا يتم الإكتفاء بتدريس سيرة المصطفي صلى الله علية وسلم والخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين، دون التطرق إلى سير أعلام الإسلام المحدثين كالشيخ عبدالله النديم في مصر والأمير عبدالكريم الخطابي في المغرب والشيخ الشعراوي ومثلهم الكثير من الأعلام الذين أهدوا للإسلام خدمات جليلة ينبغي تسليط الضوء على مآاثرهم العظيمة.

ينبغي على المناهج الدينية أن تعمل على معالجة الإشكالية الخاصة بالدين والدولة حيث أن بعض الرؤى التى يتم تداولها على نطاق واسع اليوم ترى ضرورة قيام الدولة الإسلامية على حساب الدولة القومية متجاوزة في ذلك الحدود التى تفصل بين كيانات الدول العربية والإسلامية، لذا يجب على المناهج الدينية أن تعمل على التصالح بين مفاهيم عالمية الإسلام والدولة القومية والمواطنة.

من الماحظ أن مناهج التعليم الديني تسير بشكل أحادى التوجه في التفكير في الفترة الأخيرة حيث تم الغاء التنوع في الأفكار والمذاهب في المعاد الدينية فمثلا أقدم شيخ الأزهر السابق “محمد سيد طنطاوى” إلى الغاء تدريس فقه المذاهب الأربعة في المعاهد الأزهرية، وعندما تراجع شيخ الأزهر الذي يليه “أحمد الطيب” عن قرار سلفه لم يتم توفير المعلمين المختصين بتدريس باقي المذاهب فتم الإقتصار على تدريس المذهب الشافعي في المعاهد الدينية وقياسا على المذاهب نجد أن الأحادية الفكرية تسيطر على كافة المناهج الأزهرية.

3ـ المشكلات المتعلقة بالمعاهد الدينية:

تعاني المعاهد من تدني البنية التحتية الخاصة بها فللوهلة الأولي عند النظر إلى أي معهد أزهرى قديم البناء نجده يذكرنا بأطلال البيوت المتهدمة التى نراها في النشرات الإخبارية الخاصة بعمليات القصف الجوى في سوريا والعراق وهذا من خلال النظر إلى الشكل الخارجي فقط ، أما عن الأوضاع في الداخل فحدث ولاحرج لا كهرباء ولا معامل مجهزة ولاغيرها من الخدمات التى تجلعه يقوم بدوره الصحيح في متابعة العملية التعليمية بشكل صحي وسليم.

كما أن المعاهد الحديثة تفتقد إلى الذوق العام في بناؤها تشبه إلى حد كبير الصورة النمطية  التى كرسها كود البناء المصري الذي تم اعتماده في فترة ما بعد الملكية حيث افتقد الذوق العام والأصالة في البناء حتى أصبحت المعاهد الأزهرية مثل الهناجر العسكرية.

يلعب البناء الهندسي المعماري دورا كبيرا في تشكيل شخصية الطالب والمدرس فمثلا قد يدفعه إلى مزيد من التأمل والتدبر أو يدفعه إلى التقلين والحفظ وبالرجوع إلى الماضي قليلا نجد أن التعليم في الأزهر كان يتم في أروقة وصحون المسجد حيث الساحات الواسعة للمسجد المطعمة بالحلي الإسلامية النادرة والجميلة مما يدفع إلى ارتباط وجداني بين الطالب ومكان تلقيه العلوم مما يدفعه إلى الإعتزاز بالمكان وهذه القيمة أصبحت مفتقدة في المعاهد الدينية.

4ـ المشاكل التى يعاني منها الطالب الدارس للمواد الدينية:

يعاني الطالب الأزهرى من العديد من المشكلات التى تعيق دوره في تحصيل العلوم الشرعية بطريقة صحيحة مثل حالة التشتت المنهجي التى يعاني منها حيث يكلف الطالب الأزهري بدراسة كافة المواد الشرعية والأدبية بالإضافة إلى دراسة المواد العلمية الأخرى كالرياضيات واللغات والكيمياء والطبيعة والتاريخ وهو ما يمثل إثقالا شديدا على الطالب الأزهرى ساهم في تشتيت مداركه خاصة في ظل الارتباط بين التحصيل العلمي طوال أيام السنة الدراسية والإجابة في الإمتحانات، لذا يلجأ إلي أسلوب الحفظ الأعمي من أجل تجاوز الكم الهائل من المعارف والمقرارات المراد أن يحصلها طول العام الدراسي.

كما يعاني الطالب الأزهرى من ندرة المعاهد الأزهرية فمثلا قد يلجأ الطالب الانتقال من قرية إلى أخرى لكي يتمكن من تحصيل العلوم الشرعية وهو ما يمثل إجهادا كبيرا للطالب حيث يضيع الطالب الكثير من الوقت الخاص به في الانتقال إلى المعهد الخاصة به وتبدو الصورة أكثر مأسوية إذ كان ينتقل من قرية إلى قرية حيث الطرق الغير معبدة والغير الأمنة.

أصبح يمثل الزى الأزهرى التقليدي عبئا ثقيلا على نفسية الطالب الأزهرى  وذلك بسبب الصورة النمطية السيئة عن أصحاب هذا الزى  التى تم الترويج لها في السينما والإعلام المرئي فضلا عن كونه لم يتطور خلال الفترات الماضية لذا نجد أن أغلب طلاب المعاهد الأزهرية يخفون زيهم مثل عدم التجول في الطرقات العامة مرتدين العمامة مكتفين بلباس الجلباب أو حتى اصطحاب الزي معهم في الشنط الخاصة بهم وارتداء الزى فقط داخل المعهد دون خارجه، إلا أن الأمر قد يتخذ منحنى أخر أكثر خطورة ألا وهو تراجع العمامة الأزهرية لصالح الشال الأبيض الخاص بالسلفية، ففي الوقت الذي يستعر الطلبة الأزهريون من زيهم التقليدي نجدهم يفتخرون بالزى أو النمط الرسمي للجماعات السلفية حيث الشال الأبيض المتدلى على الكتف وهو ما يمثل دلالاة رمزية كبيرة حيث أصبح الانتماء للأزهر لا يمثل مصدر للفخر والإعتزاز وأن الانتماء للفكر السلفي بتكويناته المتعددة هو مصدر الفخر والإلهام، فمثلا في الاستفتاءات الأخيرة التى تتم كل عام حول أهم الشخصيات الدينية الأكثر شعبية يأتى الداعية السلفية “محمد حسان” في المقدمة متقدما على العديد من الدعاة والأئمة مثل شيخ الأزهر ومفتى الديار المصرية وأعضاء هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية، لذا يجب الانتباه إلى هذا الأمر بشكل جيد لأن الرموز دائما ما تلعب دورا محوريا في تشكيل الوعي الديني والثقافي.

5ـ بعض المشاكل الأخرى التى تعاني منها العملية التعليمية في الأزهر الشريف:

تتشارك المؤسسة الدينية المصرية (الأزهر الشريف) مع باقي المؤسسات الحكومية في الدولة في أنها تعاني من البيروقراطية الشديدة القائمة على شيوع الروتين اليومي وتدنى كفاءة الموظفين العاملين في الإدارات التعليمية خاصة إدارات شئون الطلاب التى طالما اشتكى الطلاب منها كثيرا بسبب سوء المعاملة التى يتلقونها من موظفي تلك الإدارة على وجه الخصوص.

تعاني العملية التعليمية الدينية في مصر من ظهور التعليمية الدينية الموازية لها كالمعاهد الخاصة بالجماعات السلفية (معاهد الفرقان) ومعاهد إعداد الدعاة التى انتشرت بشكل كبيرا، حيث ساهمت تلك المعاهد بالإضافة إلى تردى الأحوال العلمية في الأزهر إلى تدني صورة الأزهر في المجتمع كجهاز منوط به تخريج الدعاة والشيوخ، وهو ما واكبه نتائج شديدة الخطورة حيث أصبح بالإمكان تخريج الدعاة الوهميين والغير متخصصين في فترات زمنية قصيرة قد تصل إل سنة وهو ما فتح  الباب على مصراعيه أمام الأفكار والرؤى الشاذة والتكفيرية، وبالرجوع إلى الماضي قليلا كان وصف الداعية يكون مختصا بهؤلاء الذين حازوا على شهادة العالمية والإجازة والتي كانت من الصعب أن يحوزها أي شخص عادي بل يجب أن يكون الشخص الحامل للعالمية والإجازة ذو قدرات خاصة، وهذا التعقيد في منح الشهادات أدى في الماضي إلى احترام الدعاة والعلماء ورفعة مكانتهم في المجتمع، أما اليوم فيصبح من السهل واليسير على أي فرد أن يحصل على شهادة الدكتوراه من أية معهد دعاة خاص أو غيره من المعاهد المختصة بالعلوم الشرعية وهو ما ساهم في اهتزاز صورة العلماء والدعاة في أعين العامة أي باللغة العامية (من السهل أن أكون شيخ وأفتى في الدين…. الدين أصبح علم من لا علم له).

ثالثـ1ـ الأهداف المرجوة من تطوير التعليم الديني.

تتعد الأهداف المرجوة من تطوير التعليم الديني في مصر منها على سبيل المثال الا الحصر، تعزيز قيم المواطنة وتعزيز الهوية الوطنية القائمة على  الولاء التام للدولة  وعدم الإضرار بمصالحها تحت دعاوى تطبيق شريعة الإسلام، كما يجب أن تعمل المناهج الدينية على تأكيد دور الدين  في مواجهة القضايا التى يعيشها في المجتمع فلا يجب الإقتصار فقط على فقط العبادات بل يجب أن تمتد المناهج الدينية إلى معالجة القضايا والمشكلات التى تعاني منها المجتمعات والدول الإسلامية كالتعامل مع الاختلاف الديني والمذهبي وإيلاء الإهتمام الأكبر بالقضايا الكبرى التى باتت تشغل العالم كالتغيرات المناخية والسلام العالمي وغيرها من الأمور التى باتت محور أحاديث الساسة في العالم.

يجب أن يعمل تطوير العملية التعليمة على التشجيع على الإبتكار وأنسنة التعليم الديني وإبعاده عن مناهج التكفير والعنف والطائفية وتطوير سبل التعامل مع قيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فضلا عن محو الأمية الدينية فمثلا دائما ما يعتبر المصريون أنفسهم بأنهم المختصون بالتعاليم الدينية وأن الإسلام ما جاء إلا فقط للمصريين والعرب لذا نجد حالة كبيرة من الجهل بالشعوب والأمم الأسلامية الأخري فمثلا نادرا ما تتم الإشارة في خطبة أو منهج إلى دور “العلماء الشناقيط” أو علماء “تمبكتو” أو حتى المسلمين المغول فتلك أمم كما اعتبرها البعض بأنها أمم أسلامية منسية، ولعل الصدمة الحضارية التى أصيب بها المسلمين عقب انهيار الاتحاد السوفيتي خير دليل على ذلك حيث اتضح لكثير من عموم المسلمين أن هناك دولا اسلامية كاملة كانت تعيش في كنف الاتحاد السوفيتي وهو ما أطلق عليه مصطلح المسلمون المنسيون لذا يجب أن تحتوى مناهج التعليم الديني دور تلك الأمم والشعوب في خدمة الإسلام والمسلمين، كما يجب التطرق إلى منجزاتهم في العلوم الشرعية والدينية.

رابعا ـ سبل تطوير التعليم الديني في مصر.

بعد المكاشفة السابقة لأوضاع التعليم الأزهرى في مصر يجب الآن التطرق إلى وضع التصورات السريعة التى من الممكن أن تساهم في تطوير التعليم الديني في مصر والتى قادرا على مواجهة التحديات السابقة، وتتميز تلك المقترحات التى سيتم إليها التطرق إليها في أنها بسيطة ومن الممكن اللالتجاء إليها كحلول أولية ناجزة لمعالجة مشاكل التعليم الديني ومنها ماهو على مستوى المدرس وعلى مستوى المنهج الديني والطالب والمعهد.

1ـ المقترحات الخاصة بتطوير أداء المعلمين:

من أجل العمل على ارتقاء أوضاع معلمي المواد الشرعية يجب أولا العمل على تمحيص وفحص الهيئات التدريسية الخاصة بالمعاهد الأزهرية لفصل لمعرفة عدد الكفاءات الجديرة واستبعاد الغير كفء فورا من العملية التعليمية وإلحاقهم بوظائف مكتبية وإدارية، وبعد حملية الفحص يتم الإتجاه إلي برامج تدريبية تدريجية تعمل على رفع كفاءة المعلم تربويا وعلميا مع توفير كافة الوسائل التعليمية المساندة له في العملية التدريسية كمعامل الصوتيات في حصص القرآن الكريم والتجويد، مع وجوب احترام التخصصات العلمية الخاصة بالمعلمين.

كما يجب تشجيع المعلمين على الإطلاع والتبحر في العلوم عن طريق تنظيم المسابقات البحثية التنافسية بين المعلمين مع توجيه الدعم المالي الكافي للمعلمين من أجل تكوين المكتبات الشخصية حيث يندر كثيرا أن يكون معلم مواد شرعية لديه مكتب خاصة به يجمع فيها أمهات الكتب الإسلامية ويأتى هذا الدعم في إطار تحسين الأجور الخاصة بهم وللعلم أن عدد معلمي المواد الشرعية ليس بالحجم الكبير لذا من الممكن أن يتم تدبير ميزانيات خاصة بهم ممكن أن تكون عن عبر تشكيل صندوق إسلامي يجمع الدول الإسلامية المعنية بتجديد وتطوير التعليم الديني كالإمارات تكون أحد مخصصاته دعم القائمين على العملية التعليمية الدينية في مصر وباقي الدول الإسلامية.

بالإضافة يجب العمل من البداية على حسن اختيار المؤهلين للقيام بتدريس المواد الشرعية وذلك من خلال رفع نسبة التنسيق الخاص بالكليات الشرعية في تنسيق الثانوية الأزهرى لتسبق بذلك تنسيق كلية الطب فلا يعقل أن الكليات الشرعية في الأزهر تأخذ أدني مستويات التنسيق، كما يجب العمل على تصحيح الصورة النمطية الخاصة بالمعممين (الطلبة الأزهريون) وذلك من خلال تنقيح المواد التلفيزيونية التى تحمل ازدراءا ً شديدا لملبسهم وكيانهم.

2ـ المقترحات الخاصة بتفعيل وتطوير المناهج الأزهرية:

تتعد المقترحات الخاصة بتطوير المناهج الأزهرية منها:

1ـ العمل على تحسين المناهج الحالية وتنقيحها مما يعتبره البعض بأنه قشور وشكليات أصبح لا أهمية لها في هذا العصر وتوضيح أن معظم تلك المناهج كتبت في عصور سابقة تختلف ظروفها عن العصر الذي نعيش فيه الآن، كما يجب إدخال مناهج جديدة تعمل على التعامل الدينى مع القضايا الحياتية التى نحياها اليوم مثل قضايا الفقر والبيئة والاندماج الوطني.

2ـ تغيير أسلوب التعليم من التلقين والحفظ إلى الأسلوب التفاعلي والتشاركي القائم على دعم الورش الخاصة بالعصف الذهني والابتكار، كما يجب استخدام الفنون في العملية التعليمية الدينية عن طريق إدخال  الأغاني والمسرحيات الدينية في تعليم الشريعة الإسلامية، ولنا في التجارب الشيعية خير دليل على ذلك  حيث يتم الاعتماد على الفنون بأنواعها في توضيح وتعليم المذهب الشيعى على الأطفال في المدارس فالغاية هنا ليس إجراء الإمتحانات ونجاح التلاميذ في الامتحانات بل الغاية هنا تخريج أجيال قادرة على حماية المذهب الشيعي ونشره ف كافة الأقطار الإسلامية.

3ـ تطوير أساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: عن طريق تدريب الطلاب خلال الورش العلمية على نشر الفضائل بكافة أنواعها بطرق مهذبة لطيفة بعيدا عما هو شائع عن جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمثلا تنظيم الورش الخاصة بتوعية أهمية النظافة العامة بالشوارع والميادين وربط ذلك بالتعاليم الدينية التى تحض وتحرص على النظافة.

3ـ تحسين أحوال الطالب الأزهري:

وذلك عن معالجة أوجه القصور التى يعاني منها مثل تخفيف ضغط المناهج المطالب بها فيا حبذا لو اقتصر الأزهر على تدريس العلوم الشرعية والأدبية دون غيرها من العلوم الطبيعية والإجتماعية حتى يتفرغ الطالب الأزهرى بكل وقته للتبحر في العلوم الشرعية فقط مما يعطيه القدرة الكافية على إخراج خطاب ديني متميز.

توفير وسائل المصولات المناسبة الخاصة بنقل الطلاب الأزهريون من منازلهم إلى المعاهد الدينية كما يحدث في المدارس الخاصة حتى يتسنى للطالب توفير جهده الكامل لتحصيل المواد الشرعية، فضلا عن ذلك يجب تعزيز الثقة فى نفوس الطلبة الأزهريون عن طريق خلق النموذج المميز للمعمم والطالب الأزهري فمثلا يمكن إعادة صياغة سيرة كفاح الشيخ “عبد الله النديم” كأحد الرموز الأزهرية المميزة التى واجهت المستعمر، كما يجب التركيز على دور الطلبة الأزهريون في المناسبات الوطنية كالمشاركة الفعالة في ثورة 1919 وذلك من أجل خلق رمز جيد للطلبة يمكن أن يقتدوا به ومنعا لأي محاولة أخرى تروج لرمز دينى آخر.

3ـ مقترحات أخرى:

تشجيع القطاع الخاص على الإستثمار منشآت التعليم الديني دون أن يكون له أية تدخل في سير المناهج التعليمية وترجع أهمية القطاع الخاصة في قدرته السريعة على توفير الموارد المالية السريعة التى تحتاجها المعاهد الأزهرية، كما يجب تشجيع رجال الأعمال على التبرع وإيقاف جزء من أموالهم لصالح بناء وتشييد المعاهد الدينية الحديثة، وعلى الحكومة أن تتبني كود بناء خاص بالمعاهد الدينية حيث نتمكن من بناء معاهد جديدة في المستقبل تتسم بعبق الماضي وحداثة العصر الحالي بحيث يكون لها أثر وجدانى في نفوس الطلبة.

تعزيز التعاون بين الدول الإسلامية من خلال منظمة التعاون الإسلامي في توحيد البرامج والمناهج التعليمية الخاصة بالمواد الشرعية امتثالا لعالمية الدين الإسلامي كما يجب على الأزهر بناء المعهد الخاصة به في الدول الأوروبية لتربية وتعليم أبناء الجاليات الإسلامية في الدول الأوروبية على نهج تعاليم الإسلام الوسطى حيث أشارت التطورات الإرهابية الأخيرة في فرنسا إل تلقي منفذي أحداث باريس “عبد الحميد أباعود ورفاقه” تعليما دينيا قائما على التطرف والعنف وتكفير الأخرين، لذا يجب على الآزهر تدارك هذا الأمر سريعا لما تأثير سلبي علبى صورة الإسلام والمسلمين في الدول الغربية.

[1] ـ تعني كلمة “بوكو” في لغة الهوسا فولاني لغة شمال نيجيريا بالتعليم الغربي، أي أن ترجمة  “بوكو حرام” هي التعليم الغربي حرام.

تحريرا في 10-12-2017

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى