عاجلمقالات

إشكالية الدين والسياسة في العالم العربي

اعداد : جابر بناصر – باحث في العلوم السياسية والقانونية – المغرب

  • المركز الديمقراطي العربي

 

تعتبر اشكالية تقاطع الديني بالسياسي من أهم الاشكالات التاريخية التي تواجه الديمقراطية  في العالم العربي، لكون الثقافة السياسية والفعل السياسي وممارسته مُناقشةً وتَداولاً في الفضاء العمومي تحيط به عدة اشكالات تزيده تعقيدا.

إن المجتمع العربي أشكلت عليه مفاهيم عدة تترابط وتتداخل فيما بينها، ويمكن ارجاع سوء الفهم  إلى البدايات الأولى لحصول وعي الإنسان العربي بمفهوم الدولة، وذلك مع بداية الدعوة الاسلامية التي صاغت اطارا نظريا ومؤسساتيا لممارسة السياسة، ولتأطير المؤمنين واستيعابهم في منظومة من الاحكام والتشريعات والسلوكات المحكمة، بذلك تواجه الكثير من الفوضى التي كانت العقلية العربية تتفاعل معها بايجابية باعتبارها نمط حياة المجتمع القبلي وسلوكا مألوفا، ولأن الدول المحيطة بشبه الجزيرة العربية كلها ذات إرث تاريخي وسياسي وتقاليد عريقة في الحكم، فقد حاولت النصوص كما اجتهادات الساسة وفقهاء السياسة الشرعية والاداب السلطانية صياغة نظريات تأسيسية لبناء تجربة ذات بعد عالمي مع الاحتفاظ بخصوصية المسحة الدينية الاسلامية؛ بما يوفره النص المؤسس من قيم وتوجيهات ومبادئ عامة، وهذا الاحتفاظ بالديني راجع لغياب سياسة إدارية أو سابق معرفة بكيفية بناء المؤسسات أو سابق تجربة في تدبير أمور دنيوية تراعى فيها مصالح الناس عموما بغض النظر عن قبيلتهم وعرقهم..، أو تدار فيها علاقات اجتماعية ودبلوماسية  منظمة بالشكل الذي كانت عليه دولة الفرس وبيزنطة.

لقد حرص المجتمع العربي والإسلامي على الوفاء لما راكمه من قواعد وآداب سياسية بل عمل طائفة من المنظرين للفكر السياسي التاريخي للمزج بين الثقافة المحلية ومفاهيمها والآدبيات السياسية الهندية والفارسية والبيزنطية وحتى اليونانية بعدما توسعت الشعوب العربية جغرافيا وثقافيا، وضمت الكثير من الاعراق والخلفيات الاجتماعية واللغوية والطوائف الدينية، هذا التوسع أمسى معه ايجاد نظرية سياسية حازمة ومستوعبة ضرورة ملحة. ولأن مصالح الدنيا كانت تكبر وتزداد معها الاشكالات وتظهر معها التناقضات العميقة، مما يؤثر على شكل الدولة الاولى التي تأسست على القيم والكثير من المبادئ الانسانية التي نحتها النص الديني، كان من الضروري مع هذا التحول أن يحاول بعض الحكام ومن لف حولهم من بعض الفلاسفة ورجال الدين أن يقزموا دور الدين؛ الذي يعيق أسس تطوير الحياة بحسب تقديرهم، ويقزم استفادة الحكام من سلطتهم ويراقب تجاوزاتهم ويمقتها ويحذر شططهم ويحرمه، ويعيب عليهم تضخم مصالحهم الشخصية على مصالح العامة. إذن الاشتباك بين الديني والسياسي في الفكر العربي والإسلامي هو في الحقيقة توتر حاصل بين المقدس والمدنس الذي صاغه الحكام ومعهم فقهاء السلطة في بداية التأسيس للنظرية السياسية، وهذا التوتر النكد أدى بدوره إلى حدوث صراعات دموية عبر فترات تاريخية مهمة من التاريخ العربي الإسلامي سفكت فيه أنفس ودمرت دول ومجتمعات وضيعت حقوق ومصالح..، وقد أورد أبو الفتح الشهرستاني المتوفى عام 548هـ في كتابه “الملل والنحل”جملة توضح مدى عمق الأزمة التي تحكم علاقة الديني بالسياسي في العالم العربي، وتظهر مدى وعيه بهذه العلاقة المأزمة، فيقول: “وأعظم خلاف بين الامة خلال الإمامة والخلافة، وما سل سيف في الاسلام بقدر ما سل على الامامة في كل زمان” .

إن الخوف اليوم من وصول الاسلاميين أو ما يطلق عليه بالإسلام السياسي للحكم في العالم العربي يرجع إلى ما علق بأذهان المجتمعات من ممارسات سيئة  قديما أو حديثا لبعض الحركات الدينية ضد المجتمع والأفراد، والمصادرات التي وقعت للحقوق والأفكار والحريات، والرجوع الفج لظاهرة التطرف الديني ليظهر في عالمنا المعاصر إنما مرجعه لما تأسس في ظل التاريخ من حركة الخوارج المتطرفة التي كانت لها مواقف سياسية جذرية ضد الحكام الذين خالطوا الكثير من مصالح الدنيا بقليل من مصالح الدين، ذلك الموقف الخارجي الذي يحاول اجتثات كل الانظمة الحكام إنما بني على  أساس رؤية دينية واستندوا فيها إلى النصوص لشرعنة ممارسة العنف، وتبرير مواقفهم السياسية لمناهضة أنظمة سياسية بعينها واسقاطها ومعاقبة المجتمعات التي تخضع لها، ونظرية الحاكمية الإلهية التي روجوا لها هي جزء من مبحث في فقه السياسية الشرعية، وتستمد النظرية قوتها من النصوص الدينية، واغلب تلك الطوائف ومثيلتها من الأحزاب الدينية التي تنشط في مجال التدافع والصراع السياسي  تحكمها هذه النظرية كليا أو جزئيا، مما يخلق اشكالات كبيرة فيما يتعلق بمفهوم هذه الحركات للمفاهيم الحديثة المتعلقة بالدولة المدنية والممارسة الديمقراطية والاختلاف السياسي والإيديولوجي، وغالبا ما تصادر الآراء التي لا تجد لها مصوغات دينية أو تخالف منظومة قيمها والتي يقدمها الخصوم والمنافسون لها، فيختلط التدين وأفهام الناس وثقافتهم بأصول الدين ونصوصه، ويقع سوء إدراك مقاصد الشريعة فتضيع مصالح الناس، وتغيب حدود الممارسة السياسة من الممارسة الدينية.

3.5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى