الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

واقع الاستثمار العربي في أفريقيا ثاني أسواق العالم مصرفيًا

بقلم : نجاح عبدالله سليمان  – المركز الديمقراطي العربي

ثاني أكبر قارات العالم من حيث المساحة وعدد السكان، بعد آسيا. تبلغ مساحتها 30.2 مليون كلم2، وهي تغطي 6 في المئة من إجمالي مساحة سطح الأرض، ويبلغ عدد سكان أفريقيا حوالي 1.2 مليار نسمة (وفقاً لتقديرات 2016)، يعيشون في 61 إقليماً، وتبلغ نسبتهم حوالي 14.8في المئة من سكان العالم، تضم القارة 54 دولة، وأيضاً جوار عربي أفريقي ينفرد بخصائص منها أن أغلبية العرب أفارقة، وأغلبية الأفارقة جنوب الصحراء مسلمون والصحراء الكبرى الواقعة بين شقي أفريقيا واصلة، والبحر الأحمر الواقع بين أفريقيا وجنوب غرب آسيا كذلك. لذلك تواصل على طول التاريخ تفاعل بشرى، وثقافي، وسياسي واقتصادي عبر الصحراء وعبر البحر الأحمر، وعبرهما فيما بعد تمددت الأديان الإبراهيمية الثلاثة، وتمددت لغات ذات أصل سامي واحد وتكونت لغات مهجنة من العربية والبانتوية وغيرها.

الواقع أنه وفقاً لدراسة صادرة عن شركة “ماكنزي آند كومباني” لاستشارات الإدارة. وكذلك تقرير أصدرته “ماكنزي” أن أفريقيا أصبحت ثاني سوق مصرفية في العالم من حيث النمو والربحية، ويستند إلى بيانات أداء من 35 مصرفاً كبيراً في أفريقيا ومسوح لمسؤولين تنفيذيين وزبائن للبنوك، بأن عدد الأفارقة الذين تشملهم الخدمات المصرفية نما من 170 مليوناً في 2012 إلى نحو 300 مليون العام الماضي. ومن المتوقع أن يرتفع الرقم إلى 450 مليوناً في السنوات الخمس المقبلة، مع زيادة إيرادات البنوك إلى 129 بليون دولار من نحو 86 بليوناً في الوقت الحالي.

التقرير أضاف أنه “عالمياً، الصناعة المصرفية تواجه عائدات مخيبة للآمال ونمواً بطيئاً… القطاع المصرفي في أفريقيا يقدم نقيضاً منعشاً. أسواقها سريعة النمو ومربحة بنحو المثلين مقارنة بالمتوسط العالمي”. كذلك فمن المتوقع أن يتركز نحو 60 في المئة من إجمالي نمو إيرادات التجزئة المصرفية البالغة 18 بليون دولار تقريباً على مدى السنوات الخمس المقبلة، في جنوب أفريقيا ومصر ونيجيريا والمغرب وغانا. فنحو 65 في المئة من ربحية البنوك الأفريقية و94 في المئة من نمو إيراداتها، يُعزى إلى وجودها الجغرافي. وعلى رغم أن 15 في المئة فقط من الأفارقة زاد دخلهم السنوي عن خمسة آلاف دولار العام الماضي، فإن بحث “ماكنزي” أشار إلى أن نحو 70 في المئة من نمو إيرادات التجزئة المصرفية حتى عام 2025 سيأتي من زبائن يتراوح دخلهم بين ستة آلاف و36 ألف دولار. ومن جهة أخرى، يشير التقرير الى أن التكاليف المرتفعة لأجور العاملين وكثافة العمالة وهيمنة المعاملات الورقية تكبح الإنتاجية. وتبقى الائتمانية مصدراً أيضاً للقلق، إذ تشكل القروض المتعثرة أكثر من خمسة في المئة من محافظ البنوك الأفريقية.

هنا يأتي الحمل الثقيل لزيادة جهود منظمتين إقليميتين قامتا بدورهما طبقاً لما سمحت به الظروف الدولية المعقدة التى تحيط بالفضاء العربى الأفريقى، هاتان المنظمتان هما جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقى. وعليهم دور عودة فكرة عقد لقاءات دورية لمديرى إدارات أفريقيا بوزارات الخارجية فى الدول العربية والأفريقية لبحث القضايا ذات الاهتمام المشترك، مع إنشاء مؤسسات عربية أفريقية جديدة مشتركة من أجل إقامة مشروعات تنمية متكاملة‏، فالتجمعات الإقليمية عبر وجود ذاتي مستقل هي التي يمكن أن تضمن للدول العربية الإفريقية فرصة الحياة، وتمكنها من مواجهة موجة التدافع الدولي الجديد على القارة الأفريقية.

نعم يجب تعميق الفهم لدى الشعوب العربية والأفريقية لهويتها الحضارية المشتركة وأهمية العمل الجماعي والمؤسسي، الرسمي وغير الرسمي، من أجل تفعيل التعاون العربي الأفريقي. مع العمل على حل مشكلات الأقليات وغيرها من المشكلات التي تتعلق بأبعاد الوحدة الوطنية للبلدان العربية والأفريقية، وببعديها الإثني والثقافي عن طريق تأمين المشاركة السياسية لجميع المواطنين، وتحقيق التنمية المتوازنة، بما يحقق الاستقرار الداخلي في الدول العربية والأفريقية، ويهيئ الأجواء الملائمة لتدعيم التعاون بينهما، وعقد اتفاقية لأمن البحر الأحمر تحقق التعاون الأمني للدول المتشاطئة عليه. وهنا يجب التأكيد على أهمية التعاون الاقتصادي بين الدول العربية والأفريقية بما يفضى إلى تحقيق التكامل الاقتصادي بينها وتوسيع أطر التعاون إلى أبعد من إسداء المعونات والمنح، وتنمية حجم التبادل التجارى بين الدول العربية والأفريقية، إلى المستوى الذى يتلاءم مع أهمية العلاقات بينها، وتوجيه جزء من الاستثمارات العربية إلى القارة الأفريقية.

إن الصحراء الأفريقية الكبرى ينبغى أن تظل واصلاً لا فاصلاً بين العرب والأفارقة كما كانت منذ فجر التاريخ، وهذه مسئولية المثقفين العرب والأفارقة في تحقيق التقارب بين الشعوب العربية والأفريقية، من خلال الاحتكاك المباشر والتواصل بين الحركات الثقافية العربية والأفريقية، والجامعات ومراكز البحوث على الجانبين بهدف تعميق الجذور المشتركة، والتصدي لمحاولات أصحاب الرؤى الإثنية الأفريقية نحو تقسيم القارة إثنياً، والتأكيد على ترسيخ مفاهيم الوحدة الجيوسياسية التي دعا إليها قادة التنوير الأفريقيين العظام أمثال كوامي نكروما ونلسون مانديلا وليوبولد سنجور وجوليوس نيريرى، مع مطالبة الأجهزة المعنية، الرسمية وغير الرسمية، في الدول العربية والأفريقية، بخلق آليات التواصل الثقافي، عن طريق تبادل إقامة المراكز الثقافية في العواصم العربية والأفريقية، وإنشاء كراسي للدراسات العربية في الجامعات الأفريقية، وكراسي للدراسات الأفريقية في الجامعات العربية، وتقوية ودعم دور الجاليات والتجمعات العربية فى أفريقيا فى بناء جسور التواصل الاقتصادى والثقافى والاجتماعى بين العرب والأفارقة.

على وسائل الإعلام أن تقوم بدورها في تدعيم العلاقات العربية الأفريقية، وإعادة تصحيح المفاهيم التي تعكس المخزون الثقافي والحضاري المتعلق بالعروبة والإسلام، والأفريقانية وإزالة أي إمكانية متصورة للصدام. وتصحيح الصور الذهنية المرتبطة بالآخر والتعامل الجاد والواعي مع القضايا الحساسة ورواسب الماضى المنغرسة في الذاكرة الجماعية، بما يتطلبه من إرادة جماعية وتمويل واستعداد للعمل في إطار جدول زمني، هدفه تحقيق التعاون بين الشعوب العربية والأفريقية وتهيئتها للدخول في عصر المعلومات، والتنسيق بين الدول التي لديها أقمار صناعية أو التي تخطط لإطلاقها، واستئجار قنوات، وإطلاق الطاقات لصناعات إعلامية، وتطوير حقوق الملكية الفكرية لإيقاف عملية سلب التراث الشعبي الذي تتعرض له العديد من الدول العربية والأفريقية، مع قيام جامعة الدول العربية بإنشاء وكالات أنباء وصحف محلية في الدول الأفريقية تصدر باللغة العربية، وإنشاء قنوات فضائية وإذاعات ذات طابع إقليمي في مختلف أنحاء أفريقيا تبث باللغات المحلية، وقبول الدول العربية البرامج المماثلة الصادرة عن الأشقاء الأفارقة، وإنتاج مواد إعلامية مشتركة مقروءة ومسموعة ومرئية وتبادلها.

ثمة معطيات كثيرة تجعل من التعايش والتعاون العربي الأفريقي ليس ممكنا فحسب بل مثمراً جداً في كل المجالات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فدولة مثل الهند استطاعت بتنوع إثنياتها وقومياتها وأديانها أن تشكل بكل تلك العناصر بوتقة منصهرة وبؤرة للتقدم التكنولوجي والاقتصادي، فحريّ بالعرب والأفارقة أن يحذوا حذوها خاصة وأنهم أكثر تقارباً بفضل التاريخ والجغرافيا والدين والقيم. فمن بين كل الفضاءات التي ربطت العرب بغيرهم من شعوب الأرض، سوف تظل علاقات الجوار الجغرافي والتاريخي بينهم وبين شعوب القارة الأفريقية علاقة مصير مشترك تضرب، رغم أفقها المستقبلي الواسع والعريض بجذورها في أعماق التاريخ. وهي علاقة نسج خيوطها الأسلاف عبر قرون طويلة من التفاعل الاجتماعي والحضاري الذي تجاوز مظاهر الجوار الجغرافي إلى أعماق الروابط الثقافية والبشرية والحضارية.

حان وقت تدعيم العلاقات بين الدول العربية والأفريقية في مختلف المجالات وبما يحقق مصالح شعوبها، والحاجة إلى صياغة استراتيجية مشتركة تستهدف تحقيق التعاون المنشود، والتغلب على الإشكاليات التي تواجهها أجهزة التعاون العربي الأفريقي، والدعوة إلى إحياء مؤسسة القمة العربية الأفريقية، التى عقدت مؤتمرها الأول فى آزار/مارس‏1977 كآلية مؤسسية مهمة قادرة على تدعيم العلاقات العربية الأفريقية، والمطالبة بعقد هذا المؤتمر دورياً مرة على الأقل كل عام.‏ مع العمل على تفعيل القرارات التي صدرت عن مؤتمر القمة العربية الأفريقية الأول، والمتمثلة في إنشاء خمسة كيانات هي مؤتمر القمة، والمجلس الوزاري، واللجنة الدائمة للتعاون، ولجنة التنسيق، والمحكمة العربية الأفريقية.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى