الدراسات البحثيةالنظم السياسي

إدارة أزمات السياسة الخارجية

إعداد الباحث والمحلل السياسي:حسين خلف موسى
باحث فى المركز الديمقراطي العربي
للدراسات الإستراتيجية والسياسية

نشأ علم إدارة الأزمات ” “Crisis Managementفى إطار علم الإدارة العامة، وذلك بهدف الإشارة إلى دور الدولة فى مواجهة الكوراث العامة والأحداث المفاجئة والطوارئ كالزلازل والفيضانات، ولكن ما لبث أن نما هذا العلم بصورة أوضح فى مجال السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، للإشارة لأسلوبللدول فى المواقف الدولية الحادة والصعبة. وعلى الرغم من التنوع والتعدد فى الدراسات المختلفة التى أجريت فى إطار ما يعرف بإدارة الأزمات، فيمكن القول أن هناك مجموعة محددة من المداخل أو الأبعاد التى غالبا ما يتم التركيز عليها فى إطار علم إدارة الأزمات الدولية، ووفقا للعالم تشالز ماكلليلاند Charles A. Maclelland،
*تعريف الأزمة الدولية:
هناك العديد من التعريفات .
ومن بين التعريفات التى اوردها الباحثون فى هذا السياق، القول بأن الأزمة هى:”موقف يشعر فيه صانع القرار أن هناك ثمة تهديد مرتفع أعلى من المعدلات المعتادة لأنه يتجه نحو المصالح العليا لأنه يتجه إلى أكثر من قيمة أو مصلحة فى وقت واحد، مع إدراك صانع القرار أن الوقت المتاح لصنع واتخاذ القرار -قبل أن يتغير الموقف- محدود ” .
وهناك كذلك تعريف د. مصطفى علوي القائل بأن الأزمة الدولية هى “موقف ينشأ عن احتدام لصراع شامل طويل وممتد بين دولتين أو أكثر وذلك نتيجة سعي أحد الأطراف لتغيير التوازن الاستراتيجي القائم ما يشكل تهديدا جوهريا لقيم وأهداف ومصالح الخصم الذي يتجه للمقاومة ويستمر هذا الموقف لفترة زمنية محدودة نسبيا يتخللها لجوء الأطراف إلى القوة العسكرية كما ينتهي هذا الموقف إلى إفراز نتائج مهمة تؤثر فى النظام الفرعي القائم” .
ومن ثم يمكن القول أن الأزمة الدولية هى “لحظة حرجة تواجه الدولة فيما يتعلق بسياستها الخارجية، وتتسم بالمفاجأة ووتهديد القيم السائدة ومحدودة الوقت اللازم لاتخاذ القرار القادر على التعامل الفعال مع تداعياتها المختلفة”.
وبصفة عامة، هناك مجموعة من السمات التى تشكل فى مجملها خصائص ما يعرف بـ “موقف الأزمة”، وهى:
1-التهديد:
حيث يمثل موقف الأزمة درجة عالية من التهديد للأهداف والقيم والمصالح الجوهرية للدولة، إلا أن التهديد لا يمثل فى حد ذاته عنصرا من عناصر الأزمة إلا إذا أدركه صانع القرار. وتتوقف خطورة هذا التهديد على أهمية القيم التى يتعلق بها.
2-محدودية الوقت:
حيث يدرك صانع القرار أن الوقت المتاح لصنع قرار السياسة الخارجية والتحرك قبل ان يتغير الموقف هو وقت قصير ومحدود. ويتغير الوقت المتاح لاتخاذ القرار من أزمة لأخرى باختلاف إدراك صناع القرار له ويتوقف ذلك على عدد من العناصر والاعتبارات من بينها العمر الزمنى للأزمة ودرجة تعقدها وتشابكها وحدتها وميزان القوى بين أطراف الأزمة.
3-المفاجأة:
هذا العنصر محل اختلاف كبير بين الباحثين، إذ يؤكد البعض أن المفاجأة من أهم عناصر الأزمة، فى حين يؤكد البعض الآخر أن هذا العنصر لم يعد خاصية مميزة لموقف الأزمة لاسيما وأن الأزمات غالبا ما تنشأ تهديدات للقيم الخاصة بالدولة المعنية وهذه التهديات من السهل التنبوء بها وهذا ما يعتمد فى جانب كبير منه على كفاءة الأجهزةالاستخباراتية فى الدولة فضلا عن وجود مؤشرات تحذيرية من الممكن التعاطى معها والخروج منها باستخلاصات حول المسار المتوقع للأزمة 4-التشوش و عدم دقة المعلومات:
وهذا ما قد ينتج عن إما عن النقص الشديد فى المعلومات المتوافرة عن التطورات المختلفة (السريعة والمتلاحقة فى الغالب) للأزمة، أو نتيجة الإغراق فى كميات كبيرة من المعلومات التى قد تكون متعارضة ومتضادة، الأمر الذى ينتهي بصانع القرار إلى الاعتماد على الانتقائية فى اتخاذ قراره إذ يعتمد فقط على المعلومات التى تتناسب مع إدراكه لمعطيات الأزمة.
*مراحل الأزمة:
تختلف المراحل التى تمر بها الأزمات منذ بدايتها وحتى نهايتها وفقا لمجموعة من العوامل منها أسباب ظهورها والقيم التى تمثل الأزمة تهديدا لها وسبل معالجتها ، ولكن على الرغم من ذلك هناك ما يمكن اعتباره اتفاقا عاما حول المراحل الأساسية التى تمر بها الأزمة، والتى تتمثل في :
•مرحلة ما قبل موقف الأزمة:
تتميز هذه المرحلة بارتفاه درجة التهديد للأهداف ولقيم الدولة والذى يدركه صانعو القرار، وتنبع أهمية هذه المرحلة من أنه يمكن فيها إدارة الأزمة بقدر أكبر من السهولة عن إدارتها فى المراحل التالية، وحتى غذا لم يمكن التدخل لحل الأزمة خلال هذه المرحلة فإن تحديد ملامح الأزمة خلالها يساعد على التحضير والإعداد للمراحل التالية.
•مرحلة تصاعد الأزمة:
وفيها ترتفع درجة التهديد ويتزايد الإحساس بمحدودية الوقت المتاح لصنع القرار، كما يتزايد إدراك القيادة للخطر الذي تمثله الأزمة، والذي ينبع من وجود نوعين من المغذيات هما المغذيات الذاتية المستمدة من الأزمة ذاتها، والمغذيات أو المحفزات الخارجية التى استقطبتها الأزمة وتفاعلت معها. وهذا ما يتطلب من صانع القرار العمل على تحييد وعزل العناصر الخارجية المعمة للأزمة إما باستقطابها أو بخلق تعارض فى المصالح بين مكوناتها، وكذلك تجميد نمو الأزمة واستقطاب عناصر النمو الذاتي للأزمة ذاتها.
•مرحلة الانحسار والتقلص:
وتعرف أحيانا بمرحلة انتهاء الأزمة أو مرحلة ما بعد الأزمة، وفيها تقل الضغوط الناجمة عن محدودية عنصر الوقت وتنحسر الأزمة بفقدها لقوة الدفع المولدة لها أو العوامل المحركة لها.
* تصنيف الأزمات الدولية:
هناك العديد من المعايير التى يمكن من خلالها تصينف طبيعة الأزمات الدولية التى تواجه صانع قرار السياية الخارجية، إلا أنه من أهم المعايير التى يمكن الارتكان إليها فى هذا السياق درجة وجود مصالح مشتركة بين الفاعلين المتورطين فى الأزمة، ويمكن من ثم تمييز أربعة أنواع من الأزمات هى :
1)أزمات التلاعب
هى أزمات تجريبية، بمعنى أن الأطراف تجرب بعضها البعض بقصد استكشاف المدى الذي يمكن إجبار الطرف الآخر فيه على التنازل، وفى معظم الحالات تكون أطراف هذه الأزمات هى الدول والحكومات أو منظمات مسئولة دوليا ومن ثم فهى تكون قادرة على التحكم فى مسار الأزمة بالتخفيف أو التصعيد.
2)أزمات التوريط
وتتسم بوجود مصلحة مشتركة مرتفعة بين الأطراف ، على أن هذه الأطراف تتصرف فى ظروف يصعب عليها التحكم فيها مما يفضي إلى التورط فى افعال وردود أفعال لم تكن فى تخطيطها الأصلي.
3)أزمات حافة الهاوية
وهى أخطر أنواع الأزمات، لاسيما من حي مستوى الحدة وإمكانية الانحراف غلى موقف الحرب، ويتسم هذا النوع من الأزمات بدرجة مرتفعة من الخطر ذلك أن هناك درجة محدودة من قوة المصلحة المشتركة بين أطراف الأزمة،
4)أزمات الانفلات
وهى فى واقع الأمر سلسلة من الأزمات المترابطة، ويقوم بدور الحافز او المحرك لهذا النوع من الأزمات فى العادة أطراف غير رسميين مث المنظمات السرية أو الرأى العام فى الدولة المعنية أو أقسام معينة منه.
ويتسم هذا النوع من الأزمات بالتعقيد، بمعنى وجود عدة أطراف بحيث يفضى التغيير فى مواقف أي منها إلى ضغوط تملى تغييرا فى مواقف الأطراف الأخرى، على نحو يجعل الزمة حركية يمكن تحليها إلى عدد من الأزمات المتزامنة يشمل كل منها تصعيدا بين طرفين من أطراف، كما انها أزمات مركبة.

ماهية إدارة الأزمات الدولية:
تعنى إدارة الأزمات الدولية بالأساس التغلب على تلك الأزمات من خلال الأدوات المناسبة لتجنب سلبياتها والاستفادة من إيجابياتها، أى إدارة التوازنات ورصد حركة واتجاهات القوة والتكيف مع المتغيرات المختلفة.
وتتعدد محاولات تعريف مفهوم “إدارة الأزمات”، ومن ذلك أنها “اتخاذ إجراءات طارئة تحت ضغوط متنوعة ومتعددة وتوتر داخلى لحل المشكلات التي سببتها الأزمة نفسها إما بفعل أو تصدير جانب آخر”.
وانطلاقا من حقيقة أن عملية إدارة الأزمات الدولية هى فى جوهرها مواقف سياسة خارجية، فمن الملاحظ أن الكثير من أدبيات إدارة الأزمات تتوافق مع المدارس المختلفة فى تحليل السياسة الخارجية. وفى هذا السياق ربطت هذه التحليلات بين إدارة الأزمات المختلفة من جهة والمتغيرات ذات التأثير الأهم على عملية صنع السياسة الخارجية من جهة أخرى.

أهداف إدارة الأزمات:
تهدف عملية إدارة الأزمات بصفة عامة إلى تحقيق غايات وأهداف أساسية لعل من اهمها، تجنب الانهيار التام فى التوازن فى غير صالح الدولة والتوفيق بين المصالح المعرضة للخطر خلال الأزمة والرغبة فى تجنب التصعيد والعمل على عدم خروج الموقف عن نطاق السيطرة وذلك من خلال الاستجابة السريعة والفعالة للمتغيرات والظروف المتسارعة للأزمة.

ويمكن التمييز فى إطار أهداف عملية إدارة الأزمات بين:
•أهداف ما قبل وقوع الأزمة: وتشمل الاستجابة السريعة والفعالة للتداعيات التى من الممكن أن تؤدى إلى انفجار الأزمة، وإعادة النظام ومنع التهديد وتحقيق الاستقرار.
•أهداف أثناء الأزمة: التحكم فى تطورات الأزمة واتخاذ قرارات حاسمة وتقليص أضرارها وتنسيق الجهود الوطنية وتنظيمها لتكون أكثر فاعلية فى مواجهة الأزمة.
•أهداف ما بعد الأزمة: توفير الدعم الضرورى لإعادة التوازن إلى الكيان الذي حدثت فيه الأزمة وإعادته إلى وضعه السابق أو إلى وضع أفضل منه، وتوثيق الأزمة وكيفية إدارتها واستخلاص الدروس المستفادة منها والتى يمكن الاستفادة منها فى مواجهة الأزمات المستقبلية.

استراتيجيات إدارة الأزمات الدولية:
تستخدم الدول أنماطا متعددة من الاستراتيجيات لإدارة الأزمات الدولية، ولكن بصفة عامة يمكن تصنيف هذه الاستراتيجيا إلى نوعين هما :

•الاستراتيجيات الهجومية:
وتستخدم لتغيير الوضع القائم على نحو يخالف حسابات وتقدير الخصم، وتتدرج هذه الاستراتيجيات ما بين الأفعال التهديدية وتمتد لتصل إلى الانتهاك واستخدام العنف، ولكن كل الاستراتيجيات الهجومية من الممكن أن تستخدم بقدر من المرونة. ومن أهم الاستراتيجيات الهجومية المستخدمة الهجومية التى تستخدم فى إدارة الأزمات الدولية استراتيجية الابتزاز، استراتيجية جس النبض المحدود، استاتيجية الضغط المحكوم، استراتيجية الأمر الواقع، استراتيجية الاستنزاف أو الاحتكاك البطيء.

•الاستراتيحيات الدفاعية:
وهى الاستراتيجيات التى يستخدمها الطرف المدافع لمقاومة جهود الطرف المتحدي الذي يسعى لتغيير الوضع القائم وبالتالى الإضرار بمصالحه, ومن أهم نماذج الاشتلااتيجيات الدفاعية استراتيجية دبلوماسية القهر، استراتيجية التصعيد المحدود مع إعاقة التصعيد المضاد، استراتيجية الخطوة-خطوة، استراتيجية اختبار القدرات، استراتيجية رسم الخط، استراتيجية شراء الوقت.
ومن الملاحظ أن استراتيجيات إدارة الأزمات الدولية سواء الهجومية أو الدفاعية تحاول تجنب التصعيد غير المرغوب فيه، وعندما تستخدم الدولة استراتيجية هجومية فإنها تحرص على عدم التمادي فى التصعيد حتى لا يصل الآخر لمرحلة الاندفاع أواليأس غير المحكوم ويظل فى حسبانها احتمال حدوث خطأ فى تقديرات لقوة خصمها، كما أنه من الملاحظ ان كل الاستراتيجيات متداخلة بشكل واضح بل إن بعضها قد يكون جزءا من الآخر كما أنهم يستخدمون بشكل متداخل فى إدارة الأزمة الدولية وفقا لاختلاف مراحلها.

أدوات إدارة الأزمات الدولية:
مواقف الأزمات الدولية هي فى أصلها مواقف يواجهها صانع قرار السياسة الخارجية، ومن ثم فإن هذه المواقف تتم إدارتها من خلال أدوات السياسة الخارجية، والتى تتراوح ما بين :
•الآداة الدبلوماسية : وتضم المهارات التى تستخدمها الدولة لتمثيل ذاتها إزاء الوحدات الأخرى، وتعدد مظاهر استخدام هذه الآداة بدءا من تصريحات المسئولين بالدولة وتمتد باتخاذهم لتحركات رسمية تجاه الطرف الآخر فى الأزمة المعلنة.
•الآداة الاقتصادية: أى الأنشطة التى تستعمل للتأثير فى إدارة وتوزيع الثروة الاقتصادية للدولة، كالمعونات الاقتصادية سواء منحها أو منعها، أو أدوات الحماية الجمركية، والأفضليات التجارية والاقتصادية،.. وغيرها.
•الآداة الدعائية: ويقصد بها استخدام وسائل الإعلام المختلفة للتأثير على الرأى العام الداخلي والخارجي بما يدعم ويساند موقف مستخدمها ويضعف من موقف خصمه، وفى إطارها تستخدم المؤثرات الثقافية من معتقدات وأيديولوجيات وغيرها.
•الآداة عسكرية: وتشمل مجموعة الأدوات المتعلقة باستخدام القوة أو التهديد باستخدام القوة المسلحة للدولة فة تحقيق أهدافها ، سواء بشكل جزئي سواء فيما يسمى بالحرب المحدودة أو العملية العسكرية، أو على نطاق واسع إلى موقف الحرب الشاملة.

حسين موسى

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى