الدراسات البحثيةالنظم السياسي

الاحزاب السياسية والتنمية فى كوريا الجنوبية

إعداد الباحث :  محمود خليفة جودة محمد  –  المركز الديمقراطى العربى

 

 

كوريا الجنوبية قد استطاعت انجاز قفزة سريعة في مسيرة تطورها، وحققت نهضة شاملة تناولت مختلف مرافق حياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، واصبحت تحتل موقعا مرموقا في الاقتصاد الدولي، بعد أن كانت بالامس القريب، اذ تعد واحدة من الدول الآسيوية الفقيرة والمتخلفة .

تعد الأحزاب السياسية إحدى أدوات التنمية السياسية في العصر الحديث, فكما تعبر سياسة التصنيع عن مضمون التنمية الاقتصادية ، تعبر الأحزاب والنظام الحزبي عن درجة التنمية السياسية في النظام السياسي, والحالة الكورية لها سماتها الخاصة التى تساعد على دراسة دور الأحزاب السياسية فى تحقيق التنمية, فقد شهدت كوريا انماطاً مختلفة من النظم السياسية التى اقتربت من التلسطية خلال فترة زمانية تصل إلى الثمانينات, ثم أنماط تقترب بشكل أو بأخر من النظم الديمقراطية .

المشكلة البحثية:
يهتم هذا البحث بالتعرف على دور الأحزاب السياسية فى تحقيق التنمية السياسية فى كوريا, ومن ثم فالسؤال البحثى الرئيسى هو ما هو دور الأحزاب السياسية فى التنمية السياسية فى كوريا؟, ويتفرع من السؤال البحثيى الرئيسى عدة تساؤلات فرعية كما يلى:

  • 1- ما هو دور الأحزاب السياسية فى تحقيق التنمية؟
  • 2- ما هية طبيعة النظام السياسى فى كوريا؟
  • 3- ما هى ملامح الحياة الحزبية فى كوريا؟
  • 4- ما هى ملامح وأبعاد التنمية السياسية فى كوريا؟
  • 5- ما دور الأحزاب فى تحقيق التنمية فى كوريا؟
  • 6- ما هو تقييمك لدور الأحزاب فى تحقيق التنمية فى كوريا؟

منهج الدراسة:
تتطلب دراسة التنمية السياسية تحديداً واضحاً لنقطة البداية أو النهاية. ولذلك تظهر لنا راجحة بعض التساؤلات مثل: أين تبدأ؟ أين تنتهي؟ كيف يمكن أن تقاس؟. في البداية، وقبل علماء السياسة, وفى إطار هذا البحث فأننا سوف نستخدم منهج النظم لديفيد إيستون والذى يقوم على أن اى نظام سياسى له مدخلات تؤثر فيها ومخرجات منه, بالأضافة إلى عملية التغذية العكسية.

الأدبيات السابقة:
1- أمين محمد علي دبور” دراسات في التنمية السياسية” .
تتناول هذا المرجع, التنمية السياسية بشكل نظرى شامل إذ يطرح المفهوم وما مر به من تطورات وتغيرات وخصائصة, ويتناول أزمات التنمية السياسية من أزمة الهوية,أزمة الشرعية, أزمة المشاركة,أزمة الاندماج,أزمة التوزيع, ويتناول مقاربات دراسة التنمية السياسية: مقاربة باجنهام, مقاربة لوسيان باي, مقاربة أورجنسكي, والإطار النحليلى للتنمية السياسية,كما يتناول نظريات التنمية السياسية, وعلاقة النخبة السياسية بالتنمية, ويختتم المراجع بدراسة نقدية في أدب التنمية السياسية.

2- هدى ميتكيس , خديجة عرفة, محرران ” دور الأحزاب السياسية فى التنمية السياسية فى كوريا الجنوبية” .
يناقش هذا المرجع الظاهرة الحزبية في كوريا الجنوبية من خلال دراسة طبيعة النظام الحزبي بكوريا الجنوبية والمارحل المختلفة التى مر بها وذلك بغية التعرف على اهم محددات هذا النظام، كما يهدف إلى تقديم تقييما للظاهرة الحزبية في كوريا الجنوبية وفقا لمحاور ثلاث، يناقش الأول منها دور الاحزاب السياسية في كوريا في المجال الاقتصادي، بينما يقدم المحور الثالث تقييما عاما لمجمل الظاهرة الحزبية في كوريا الجنوبية.
هذا وعلى الرغم من أن موضوع المرجع هو النظام الحزبي في كوريا الجنوبية، ألا انه لم يغفل طبيعة النظام الحزبي في كوريا الشمالية حيث تناول الفصل الثامن والأخير منه النظام الحزبي في كوريا الشمالية من خلال تحليله لطبيعة حزب العمل الكوري الشمالي، وكذلك بين الأخير والدولة والمجتمع في كوريا الشمالية، وكذلك الحزب وانتقال السلطة في كوريا الشمالية.

3- نجلاء الرفاعي “التحول عن النظم السلطوية في كوريا و تايوان” .
تدور هذه الدراسة حول مثلث موجة الديمقراطية التي اجتاحت العالم في السبعينيات و الثمانينيات ملمحاً بارزاً لسياسات العالم الثالث خلال العقدين الماضيين و في خضم هذا برزت منطقة شرق آسيا بوصفها إقليما فرعياً و نصب فيه الاهتمام على كل من التحول الديمقراطي و النمو الاقتصادي باعتبارهما تطورين تاريخيين ينقلان دول المنطقة من مصاف الدول النامية إلي مصاف الدول المتقدمة و عند الحديث عن تحول نظام سياسي ما من السلطوية الي الديمقراطية فاننا نعتقد أن هناك عدد من العوامل التي تساهم في هذا ألا و هي التنمية الاقتصادية و الثقافة السياسية و القيادة السياسية و تجسيداً لهذا جاءت هذه الدراسة لتبحث و تفسر عملية التحول عن النظم السلطوية في كل من كوريا الجنوبية و تايوان بالاسترشاد بعدد من العوامل الأساسية مثل التنمية الاقتصادية.

4- نجلاء الرفاعى “التحول الديمقراطي في كوريا” :
يتناول الفصل العوامل التي أدت إلي التحولات الديمقراطية في كوريا و تطورات هذه التحولات في فترات حكم كيم يونج سام و كيم داي يونج و ثم يستشرق مستقبل التحول الديمقراطي. في ضوء التطورات السياسية و الاقتصادية المحلية و الدولية.

5- سعيد رشيد عبد النبي” التجربة الكورية الجنوبية في التنمية” .
تدور هذه الدراسة حول عرض لإنجازات التنمية فى كوريا فى كافة المحاور السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية, والعوامل التى قام عليها بناء التجربة الكورية سواء الداخلية أو الخارجية, وتحديات التنمية فى كوريا وسبل مواجهتها.

الفصل الأول: إطار نظرى
المبحث الأول: الأحزاب السياسية ودورها فى التنمية السياسية
فى سياق هذا الفصل سوف نتعرفى على مفهومى التنمية السياسية والأحزاب السياسية, ودورها فى التنمية السياسية.

أولا ًماهية الحزب السياسى:
كأي مفهوم من مفاهيم العلوم الاجتماعية ، تتعدد التعريفات المختلفة للأحزاب السياسية ، على أنه ومن واقع النظر لهذه التعريفات، يمكن الإشارة إلى أن الحزب السياسي هو : ” اتحاد بين مجموعة من الأفراد ، بغرض العمل معاً لتحقيق مصلحة عامة معينة ، وفقاً لمبادئ خاصة متفقين عليها . وللحزب هيكل تنظيمي يجمع قادته وأعضاءه ، وله جهاز إداري معاون، ويسعى الحزب إلى توسيع دائرة أنصاره بين أفراد الشعب .

وتعد الأحزاب السياسية إحدى أدوات التنمية السياسية في العصر الحديث . فكما تعبر سياسة التصنيع عن مضمون التنمية الاقتصادية ، تعبر الأحزاب والنظام الحزبي عن درجة التنمية السياسية في النظام السياسي , وقد حافظت الأحزاب السياسية على أهميتها بالرغم من تطور مؤسسات المجتمع المدني ، التي اكتسب بعضها مركزاً مرموقاً على الصعيد الخارجي من خلال التحالفات عابرة القومية ، ولكن تلك المؤسسات لم تستطع أن تؤدي وظيفة الأحزاب في عملية التداول السلمي للسلطة ، إضافة إلى وظائفها الأخرى في المجتمع .

من أسس تقييم الحزب السياسي ، مدى قيامه بتحقيق الوظائف العامة المنوطة بالأحزاب ، والمتعارف عليها في أدبيات النظم السياسية . وهي تتضمن سواء كان حزباً في السلطة أو المعارضة ، خمس وظائف أساسية هى:

1- وظيفة التعبئة
تعني التعبئة حشد الدعم والتأييد لسياسات النظام السياسي ، من قبل المواطنين . وتعتبر وظيفة التعبئة بطبيعتها ، وظيفة أحادية الاتجاه ، بمعنى أنها تتم من قبل النظام السياسي للمواطنين ، وليس العكس . وتلعب الأحزاب دور الوسيط .

2 – وظيفة دعم الشرعية
تعرف الشرعية بأنها ، مدى تقبل غالبية أفراد المجتمع للنظام السياسي ، وخضوعهم له طواعية ، لاعتقادهم بأنه يسعى إلى تحقيق أهداف الجماعة . ويعتبر الإنجاز والفاعلية والدين والكارزما والتقاليد والإيديولوجية ، ضمن المصادر الرئيسية للشرعية في النظم السياسية المختلفة . على أن الديمقراطية تعد المصدر الأقوى للشرعية في النظم السياسية في عالم اليوم . وهناك العديد من الوسائل التي تهدف إلى دعم الشرعية . وتلعب الأحزاب وغيرها من المؤسسات دورا بارزا في هذا المضمار . وتتميز الأحزاب عن تلك الوسائل ، بأنها ليست فقط من وسائل دعم الشرعية ، بل أنها في النظم السياسية المقيدة تسعى إلى أن يكون تطور أحوالها وأوضاعها وإيديولوجياتها هي نفسها مصدرا للشرعية ..

3 – وظيفة التجنيد السياسي
يعرف التجنيد السياسي بأنه عملية إسناد الأدوار السياسية لأفراد جدد . وتختلف النظم السياسية في وسائل التجنيد السياسي للنخبة ، فالنظم التقليدية والأوتوقراطية يعتمد التجنيد بها بشكل عام على معيار المحسوبية أو الوراثة ..الخ . أما في النظم التعددية المقيدة ، فإنها تسعى – دون أن تنجح في كثير من الأحيان- لأن تكون أداء تلك الوظيفة بها يماثل أدائها في النظم الأكثر رقيا وتقدما ، فيكون هناك ميكانزمات محددة للتجنيد .

4 – الوظيفة التنموية
تتمثل تلك الوظيفة في قيام الأحزاب بإنعاش الحياة السياسية في المجتمع ، الأمر الذي يدعم العملية الديمقراطية ، والاتجاه نحو الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في النظم السياسية المقيدة .
وقد طرحت العديد من الأدبيات المتخصصة في دراسة الأحزاب السياسية، مسألة وجود الأحزاب ، وكيف أنها تلعب دوراً فاعلاً في عملية التداول السلمي للسلطة من خلال الانتخابات ، وكذلك دورها في إنعاش مؤسسات المجتمع المدني ممثلاً في مؤسسات عديدة كالنقابات المهنية والعمالية ، وتقديم الخدمات بشكل مباشر للمواطنين من خلال المساهمة في حل مشكلاتهم . ناهيك عن قيام الأحزاب بلعب دور مؤثر في التفاعل السياسي داخل البرلمانات ، خاصة في عمليتي التشريع والرقابة .

5 – وظيفة الاندماج القومي
تنطوي هذه الوظيفة على أهمية خاصة في البلدان النامية ، حيث تبرز المشكلات القومية والعرقية والدينية والنوعية وغيرها في تلك البلدان ، في ظل ميراث قوى من انتهاكات حقوق الإنسان .

ثانيا ماهية التنمية السياسية:
يعتبر حقل التنمية السياسية من الحقول التي حظيت بدراسات عديدة ومتنوعة، خاصة بسبب ارتباطها بحالة التخلف وكيفية الخروج منها، وهي الحالة التي تعاني منها البلدان التي وقعت تحت السيطرة الاستعمارية الغربية. وبرز الاهتمام بصورة متزايدة في قضايا التنمية، في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي شهدت استقلال الكثير من الدول، وما طرحه الاستقلال من تحديات ومواجهة مشاكل بناء الدولة، والتنمية والتغيير، للتغلب على حالة الضعف والتشوه في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وبسبب تلك الحالة التي كانت عليها الدول التي وقعت تحت السيطرة الاستعمارية، أطلق عليها تسميات مثل ” دول العالم الثالث ” و ” الدول النامية ” و ” الدول المتخلفة “، وكانت هذه الدول وأوضاعها ومشاكلها هي مجال وموضوع دراسات التنمية، التي تركزت اهتماماتها بصورة عامة حول مواضيع ” النمو ” و ” التحديث ” و ” التقدم ” .

من أوائل التعريفات التي أطلقت على التنمية السياسية هي أنها”مجموعة من المتغيرات تستهدف الثقافة والبنية السياسية مؤدية الى نقل المجتمع من نظام تقليدي أو غير حديث الى نظام حديث غير تقليدي، وإحداث تحول في قدرة وقابلية الانسان السياسية على الأخذ بزمام المبادرة من أجل تأسيس بنى جديدة وتطوير قيم عصرية قادرة على إستيعاب ما يعرض من مشكلات والسعي لحلها والتكيف مع المطالب والتغيرات المستمرة والسعي أخيرا من أجل تحقيق أهداف إجتماعية جديدة .

جابرييل ألموند Gabriel Almond يعرف التنمية السياسية على أنها التمايز والتخصص المتزايد للأبنية السياسية، والعلمنة المتزايدة للثقافة السياسية. وعملية التمايز أوالتخصص هنا مرتبطة بالوظائف التي تقوم بها الأبنية السياسية، والعمليات والتفاعلات داخل الأنظمة الفرعية للنظام السياسي، إذ إن التمايز والتخصص، يعني تنوع الأدوار وإيجاد أبنية بوظائف وأدوار محددة والعلمانية تشير إلى الرشادة والواقعية في السلوك، وطرح الأساليب التقليدية جانبا مع إتباع الأسس العلمية في اتخاذ القرار، ويرى ألموند أن التمييز بين النظم التقليدية والحديثة يجري على أساس أسلوب أداء الوظائف السياسية المختلفة إذ يتميز الأسلوب الحديث بالتحديد والعمومية مقابل الانتشار والخصوصية للتقليدي . وهذه الخصائص هي التي تميز تطور الأنظمة السياسية الغربية، التي تعد نموذجا للتطور والتنمية لبقية البلدان .

أما لوسيان باي L.bye فقد قدم عشر تعريفات للتنمية منها:
1- التنمية السياسية هي الشرط الضروري اللازم لتحقيق التنمية الاقتصادية
2- التنمية السياسية هي تحقيق التغيير الحكومي .
3- التنمية السياسية بناء الدولة القومية .
4- التنمية السياسية هي تحقيق المشاركة
5-التنمية السياسية هي بناء الديمقراطية .

ثالثاً علاقة الأحزاب السياسية بتحقيق التنمية السياسية:
وتعتبر الأحزاب السياسية صاحبة الدور الرئيسي والرافعة الحقيقية في عملية التنمية السياسية في أي بلد، لأنها مع غيرها من المؤسسات المدنية الوطنية ليست سلعا جاهزة تستوردها البلاد ، وإنما نتاج مجتمعها وظروفه الخاصة. ولكن لكل بلد في العالم بيئته وظروفه الخاصة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أفرزتها، لذا يجب التعرف عليها بشكل عميق لتجاوز تلك الظروف من خلال دور الاحزاب السياسية والتقدم نحو التنمية والتحديث.لان تدهور وضعف الأحزاب في أي بلد وانعدام فعاليتها يسهم في تكريس التخلف أكثر مما يسهم في التخلص منه.

وتشير دراسات الى ان الاحزاب السياسية أخفقت في تحقيق التنمية في العالم الثالث وفشلت في بناء تنظيمات حزبية قادرة على قيادة عملية التنمية بكفاية. واستنادا الى مجمل دراسات “التنمية السياسية” فان المقومات الأساسية لمفهوم التنمية السياسية التي يفترض ان يسعى إليها المجتمع، أنما تتمثل في ثلاثة مفاهيم أساسية هي:”المساواة” و”التمايز” و”القدرة” .
والمساواة، بمعنى ان تسود في المجتمع قواعد ونظم قانونية تتسم بالعمومية، وتنطبق على جميع الإفراد فيه بغض النظر عن اختلافاتهم في الدين او الطبقة أو الأصل العرقي. وان يكون تولي المناصب العامة في هذا المجتمع قائما على الكفاية والتفوق والقدرة على الانجاز وليس على اعتبارات ضيقة أخرى مثل القرابة والنسب والعلاقات الشخصية.

كما يعني أيضا تحقيق المزيد من المشاركة الشعبية في وضع السياسات العامة في اختيار الأشخاص لتولي المناصب العامة.(نفس المصدر السابق).
والتمايز بمعنى التخصص والفصل بين الأدوار، وكذلك بين المؤسسات والاتحادات في المجتمع الأخذ في التحديث. فكلما تقدم النظام السياسي في طريق التنمية السياسية كلما زاد تعقد الأبنية فيه، وكلما تزايد عدد الوحدات السياسية والإدارية.
فيما القدرة تعني ضرورة توافر قدرات معينة للنظام السياسي، مثل قدرته، ليس فقط على إزالة الانقسامات ومعالجة التوترات في المجتمع، وإنما أيضا على الاستجابة للمطالب الشعبية بالمشاركة والعدالة التوزيعية المرتبطة بالمساواة. وكذلك قدرته على الإبداع والتكيف في مواجهة التغيرات المستمرة التي يمر بها المجتمع.

ويتحدد دور الحزب فى التنمية السياسية على النحو التالى:

أولا: دورها فى بناء الولاء والانتماء للدولة, لكونها تأتى على رأس التكوينات الاجتماعية الأخرى, فالاحزاب تولى اهتمامها بالقضايا الوطنية والقومية, فهى تعطيها الأولية مقارنة بغيرها من القضايا التى تكون على نطاق فئوى أو جهوي, كما تسعى إلى بناء الرموز السياسية والقومية وتحقيق التكامل القومى بين أبناء المجتمع .

ثانيا: دور الأحزاب فى تحسين كفاءة أداء النظام السياسى من خلال قيامها كوسيط بين المجتمع والنظام السياسى حيث تقوم بتجميع المصالح وبلورتها, والتعبير عنها, ونقلها إلى النظام السياسى, كما يمتد هذا الدور إلى إسهامات فى عملية التجنيد السياسى ومن خلال تقديم أفضل العناصر لتولى المناصب العامة, وتقديم القيادة السياسية للمجتمع, كما أنها تستطيع أن تساهم فى تحسين الأداء من خلال دراسة القضايا العامة وتقديم البدائل المختلفة للتعامل مع هذه القضايا.

ثالثا :دور الأحزاب فى التحول الديمقراطى, إذ تعمل الأحزاب السياسية على تعزيز عملية المشاركة السياسية وخلق المزيد المشاركة لدى الأفراد, توفير قنوات للمشاركة الشعبية والصعود بمستوى هذه المشاركة إلى درجة من الرقي والتنظيم الفاعل ، بشكل يسهل للأفراد طرح أفكار واختيار البدائل للتفاعل السياسي, وإعلاء قيم الحرية والتسامح وقبول الأخر, كما أنها تعد وتنمى مهارات الممارسة البرلمانية لممثليها بما يمكنهم من الاضطلاع بمهامهم على أكمل وجه, وفتح المزيد من قنوات المشاركة وتنمية مهارات أعضائها .

رابعاً : تعمل على تطوير ورقابة العمل الحكومى تقوم الأحزاب بمراقبة تصرفات الحكومة وأعمالها الأمر الذي يؤثر على السلطة ويمنعها من التجاوزات والفساد.

خامساً: تعمل على إستيعاب القوى الاجتماعية والقوى الاقتصادية الجديدة فى المجتمع والتعبير عن أفكارها ومصالحها.كما إن أسلوب عمل الأحزاب يضمن أن تكون النظريات والأهداف السياسية والاجتماعية في وضع قابل للتطبيق.

سادساً: تعمل الأحزاب السياسية على تطوير الثقافة السياسية بما يتواءم ومتطلبات التحديث السياسى, وهو ما يعنى إعلاء هذه الأحزاب من القيم والخيرات السياسية الإيجابية فى هذا الشأن, والتخلى عن القيم السلبية, وإبراز الخبرات السلبية وأضرارها .

المبحث الثانى : طبيعة النظام السياسى فى كوريا الجنوبية
تقع كوريا الجنوبية في شبه الجزيرة الكورية جنوب خط عرض 38 درجة شرق الصين, تعتبر من البلدان الصناعية الحديثة لأنها تمكنت في ظرف وجيز من تحقيق تنمية رائدة إذ أصبح الناتج الداخلي الخام الفردي يضاهي دولا متقدمة وتحتل المرتبة 11 عالميا.فماهي مظاهر النمو الاقتصادي بكوريا الجنوبية.

اتسم النظام الكوري الجنوبي بالعديد من السمات التي ميزته هن غير من دول المنطقة والتي نبعت بشكل أساسي من إيمانه الراسخ بثقافته السياسة والفسلفية و يمكن تقسيم خصائص هذا النظام إلي مرحلتين الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 و حتى البدء الفعلي لعملية التحول الديمقراطي عام 1987 و الثانية منذ بدء التحول حتى الآن:

النظام السياسي في كوريا الجنوبية جمهوري ويوجد رئيس للدولة ورئيس للوزراء يتولى رئاسة الوزراة. وتنقسم الحكومة بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية :

1- السلطة التنفيذية: يتألف مجلس الوزراء من مجلس الوزراء الذين يعينون من قبل الرئيس بناء على توصية من رئيس الوزراء, ويرأس السلطة التنفيذية من الرئيس، يليه رئيس الوزراء ومجلس الوزراء. رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة الذي ينتخب بالاقتراع الشعبي لفترة واحدة مدتها خمس سنوات. رئيس الوزراء هو رئيس الحكومة، الذي يتم تعيينه من قبل الرئيس بشرط موافقة الجمعية الوطنية. ويعين أيضا نواب رئيس الوزراء من قبل الرئيس بناء على توصية من رئيس الوزراء.يتكون مجلس الوزراء من مجلس الدولة الذي يتم تعيينه من قبل الرئيس بناء على توصية رئيس الوزراء ومن رئيس مجلس الوزراء, و يتم تنفيذ المهام التنفيذية من قبل الرئيس في حين تشمل مسؤوليات رئيس الوزراء الإشراف على المهام الإدارية للوزارات. وظيفة من أعضاء مجلس الوزراء هو العمل بشأن مسائل السياسة العامة ويكون مسؤولا أمام الرئيس.

2- لسلطة التشريعية
تتكون السلطة التشريعية من مجلس واحد هو الجمعية الوطنية وأعضائها ينتخبون لمدة أربع سنوات. هناك 300 الأعضاء في الجمعية الوطنية , وهناك 246 عضوا يتم انتخابهم عن طريق الدوائر الفردية, فى حين يتم انتخاب 54 عن طريق التمثيل النسبي.

3- السلطة القضائية
القضاء في كوريا الجنوبية سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية. وتتكون السلطة القضائية من المحكمة العليا ثلاثة محاكم، محكمة الاستئناف والمحكمة الدستورية, و المحكمة العليا هي أعلى محكمة في النظام القضائي ويتم تعيين القضاة من قبل الرئيس الذي على موافقة الجمعية الوطنية. ويعين قضاة المحكمة الدستورية من قبل رئيس مجلس القضاء الأعلى والجمعية الوطنية بعد طرح قائمة من الترشيحات.

النظام الحزبى فى كوريا نظام تعددى, وهذه أهم الأحزاب السياسية الرئيسية في كوريا الجنوبية:
• حزب العمل الديمقراطي أو DLP
• الحزب الديمقراطي أو DP
• الحزب الوطني الكبير أو الناتج القومي الإجمالي
• حزب الشعب أولا
• حزب اوري

النظام الحزبي في كوريا الجنوبية اتسم منذ إنشائه بالتعددية و إن كانت هذه التعددية لا تدل على صحة النظام سياسياً و قوته حيث إن معظم هذه الأحزاب السياسية قامت نتيجة لتأسيس شخصي و للالتفاف حول زعيم شعبي معين أي أنها كانت أحزاب شخصية. مما جعل التشكيل الحزبي في كوريا الجنوبية هش وضعيف حيث انهارت معظم الأحزاب بمجرد وفاة زعيمها أو قادتها أو غيابهم عن الساحة السياسة و لم تستطع الاستمرار.

أهم المحطات السياسية في تاريخ كوريا الجنوبية:
الاحتلال الياباني: (1910-1945):
فقد ظلت كوريا الجنوبية تحت سيطرة الحكم الياباني إلى غاية 1945، عندما انهزمت اليابان في الحرب العالمية الثانية, وقاد ذلك إلى وضع اجتماعي واقتصادي متخلف، كما تميزت الأوضاع السياسية بسيادة الحكم الشمولي.

الاحتلال الأمريكي: (1945-1979)
الذي حول كوريا الجنوبية إلى منطقة نفوذ في إطار الحرب الباردة، ومن ثم استيلاء الاتحاد السوفياتي على كوريا الشمالية وأمريكا على كوريا الجنوبية، تلاها قيام حكومتين موازيتين عام 1948، وفي خضم الأوضاع السائدة جاءت:
الحرب الكورية: حيث دعمت الولايات المتحدة الأمريكية كوريا الجنوبية والإتحاد السوفياتي والصين كوريا الشمالية، وانتهت الحرب بين الجانبين بعد3 سنوات، توصل فيها الطرفان إلى اتفاق هدنة عام 1953، قسّم شبه الجزيرة الكورية إلى شمال وجنوب وبينهما منطقة منزوعة السلاح.

استفادت كوريا الجنوبية من المساعدات الأمريكية التي عملت على تحويلها بلدا يتمتع بالحيوية الاقتصادية في إطار سعي الدولتين المتنافستين ، إلى إظهار تفوق كل منهما في العالم،حيث أن كلا الطرفين يحاول أن يثبت بأن نظامه هو الأفضل، ولكن محاولات أمريكا في البداية باءت بالفشل،و الذي حملت نتائجه الى ضعف القدرات الكورية حين اتجهت اليها الانظار متهمة اياها بالخلل في نظامها ،وفي المقابل فسر البعض الاخر الاخفاق الكوري بعدم شرعية النظام السياسي القائم.
ولكن كوريا الجنوبة فيما بعد قد تجاوزت عجزها لتحقق بذلك نقلة اقتصادية،منذ مجيئ بارك الى الحكم مستفيدة بالدرجة الاولى من المساعدات الأمريكية .

وبشكل عام يمكننا أن نشير إلى الخصائص التالية فى النظام السياسى الكورى:
ضعف الدستور الكوري في أغلب الأحيان هي أحد السمات المميزة للنظام الكوري حيث إن كثرة التعديل في الدستور يجعله ضعيفاً غير قابلاً على ترسيخ قواعد سياسية ثابتة. فالدستور من المفترض أنه الأساس الذي تبنى عليه العملية السياسية و القوانين و الأحكام الأخرى بكافة أشكالها. و في حالة النظام الكوري فقد تم تعديل الدستور ما يقرب من تسع مرات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية مما يدل على ضعف الوضع القانوني و سيادة القضاء داخل النظام. و لكن من الجدير بالذكر أن سرعة تغيير التشريعات و الدستور و القوانين كان له جانبه الايجابي في أغلب الأحيان حيث بعد بدأ عملية التحول تغيرت الدستور الكوري إلي دستور أكثر ديمقراطية عن طريق التأكيد على الحريات المدنية ة حقوق الإنسان و حرية الصحافة كما أصدرت الجمعية الوطنية العديد من التشريعات بعد ذلك لتنظيم العملية الانتخابية و الأحزاب السياسية و الحث على قيام انتخابات نزيهة وسليمة قانونياً و التأكيد على القيمة السياسية لوجود نظام تنافسي.

الدور القوي الذي تلعبه المؤسسة العسكرية داخل العملية السياسية في كوريا الجنوبية والذي برز في بداية و ما قبل عملية التحول الديمقراطي حيث بدأ تدخل العسكريين في الشئون السياسية عام 1961 حين بدأ أو انقلاب و تحولت على أثرة السلطة إلي أيدي السلطة التنفيذية و ضعفت قوة البرلمان و كان هذا بحجة مواجهة الخطر الشيوعي المتمثل في التحاد السوفيتي و في كوريا الشمالية و بحجة تطوير و الإسراع بعملية التنمية الاقتصادية و لذلك نستطيع أن نرى كيف دخل العسكريين الحياة السياسية لاحقاً في صور مدنيين و قاموا بالسيطرة على العملية السياسية من خلال الانتخابات.

اتسم النظام الكوري أيضاً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بمركزية السلطة حيث تمركزت السلطة دائماً في يد الرئيس بشكل خاص و السلطة التنفيذية بشكل عام حيث رأت النخبة السياسية في كوريا أن مركزية السلطة و وجود سلطة تنفيذية قوية قادرة على تنفيذ العديد من السياسات و القرارات يساعد على وضع أسس قوية للاستقرار السياسي في النظام الكوري و لعل هذا الاستقرار كان صورياً و لكنه يظل استقراراً بالمعنى السياسي ولذا فان تحول النظام السياسي لاحقاً إلي نظام أكثر ديمقراطية تعلب فيه الجمعية الوطنية الكورية و الهيئات القضائية دوراً أكثر فعالاً أوضح أن النظام الكوري لم يكن في حاجة إلي التشديد على مركزية السلطة للحفاظ على الاستقرار. كما تنبع مركزية السلطة في كوريا من إيمان الشعب الكوري بالثقافة الكونفوشيوسية التي تحث على أبوية السلطة و مبادئ الهيراركية.

التوافق الفكري بين طبقات الشعب كان أحد الغايات و الأهداف التي لطالما كان يصبو إليه النظام السياسي الكوري و التي أدت إلي وجود جبهة معارضة ضعيفة داخل النظام السياسي للعديد من السنوات حيث التركيز على أهمية الوحدة الأيديولوجية و عدم السماح بانتشار العديد من الأيديولوجيات داخل النظام يمكنها مخالفة الحزب الحاكم أو النخبة السياسية. فبالرغم من تغير هذا الوضع لاحقاً إلا أن أثاره مازلت موجودة في معظم الأحزاب السياسية الكورية التي اتخذت من التنمية الاقتصادية و بعض الإصلاحات في السياسات الخارجية أساسً لأهدافها دون الالتفاف حول أيديولوجية نظرية فكرية محددة للعمل وفقاً لمبادئها وأسسها.

الفصل الثانى : التنمية السياسية فى كوريا الجنوبية
المبحث الأول: مظاهر التنمية السياسية فى كوريا
إذا جاز لنا تعريف النضج بأنه المرحلة التي يتحول فيها المجتمع من الفقر والعوز والتخلف الى مجتمع الوفرة المادية أو مجتمع الرفاهية, فأن كوريا الجنوبية قد استطاعت ان تنتقل بمجتمعها من الواقع الذي عرف في الماضي بأنه واحد من أكثر المجتمعات الزراعية فقرا قبل عام ۱۹٦۲ , الى مجتمع الرفاهية في اقل من أربعة عقود، وذلك انطلاقا من اعتقادها بان هدف التنمية النهائي يتمثل في جانب كبير منه بتحقيق رفاهية افراد المجتمع .

شهدت كوريا الجنوبية منذ تأسيسها عام ۱۹٤۸ م وحتى عام ۱۹۸۷ م على وجه التحديد حيث تم اجراء آخر تعديل على دستورها الحالي, العديد من التطورات السياسية التي تعرضت فيها للاضطرابات والانقلابات واعمال العنف والاغتيالات افضت جميعها الى ارساء وتطوير الممارسة الديمقراطية الكاملة التي يمكن تلمس ابرز انجازاتها في النواحي الآتية :

۱. التداول السلمي للسلطة:
بعد أن تمت اعادة ضمان حق الانتخاب المباشر في تعديل الدستور في التاسع والعشرين
من تشرين الثاني عام ۱۹۸۷ م. جرى انتخاب الجنرال السابق (روه موهبون) كرئيس للجمهورية. ونتيجة للتقدم الديمقراطي الذي تحقق خلال ادارته كان بمثابة البداية الحقيقية للديمقراطية عندما انتخب اول رئيس مدني منذ ۳۲ عام ا.ً وفي عام ۱۹۹۲ تم انتخاب (كيم يونغ سام) احد قدامى المناضلين من اجل الديمقراطية كرئيس لجمهورية كوريا الجنوبية. وفي الانتخابات الرئاسية للعام تم انتخاب (كيم داي جونغ) زعيم الحزب المعارض الرئيس (حزب المؤتمر القومي للسياسات الجديدة) رئيسا للجمهورية. واطلق على ادارته اسم (حكومة الشعب) وتولت حكومته السلطة من خلال اول انتقال سلمي للسلطة في تاريخ كوريا الجنوبية من حزب حاكم الى حزب معارض, اما ادارة الرئيس (روه موهيون) التي تعرف باسم (حكومة المشاركة) فقد بدأت في ۲٥ شباط / ۲۰۰۳ م لتصبح الجمهورية رقم ۱٦ في التاريخ السياسي الكوري الجنوبي هذا ويحتل رئيس جمهورية كوريا الجنوبية قمة الجهاز التنفيذي على أساس ان شكل النظام السياسي الذي حدده الدستور هو نظام رئاسي متكامل مع عناصر الجهاز التشريعي. ويجري انتخابه عن طريق انتخابات عامة مباشرة. متساوية وسرية وتبلغ مدة رئاسته خمس سنوات بدون السماح بمدّة اضافية، وتعد مد ةّ الحكم الواحدة هذه بمثابة اجراء وقائي ضد سيطرة اي فرد على الحكم لفترة ممتدة، وفي حالة عدم قدرة الرئيس على اداء مهامه او وفاته.

يقوم رئيس الوزراء او احد اعضاء مجلس الدولة بتولي مهام الرئيس بصورة مؤقتة وفي ظل النظام السياسي الحالي، يقوم الرئيس بخمس مهام رئيسة هي:

أ‌. هو رأس الدولة/ ورمز الامة والممثل لها.
ب. هو رئيس الجهاز الاداري ومن ثمّ منوط به تنفيذ القوانين التي اجازها الجهاز
التشريعي ممثلا بالمجلس الوطني (البرلمان) وهو مجلس تشريعي احادي يتألف من
۲۷۳ عضو ا)ً يمتد عملهم لمدة اربع سنوات. )
ج. هو القائد الاعلى للقوات المسلحة. يملك سلطة تنفيذية حول السياسة العسكرية. منها
حق اعلان الحرب.
د. يحتل قمة الهرم الدبلوماسي للدولة وصانع السياسة الخارجية.
ه. هو اكبر صانعي القرار السياسي وواضعي القانون ولا يستطيع حل المجلس الوطني.
في حين يستطيع هذا المجلس محاسبته طبقا للدستور.

۲. تأسيس المحكمة الدستورية في ايلول ۱۹۸۸ م: وغالبا ما ينظر لها بوصفها اهم مكونات الدستور الحالي كونها هي التي تحمي الدستور وتضمن حقوق الشعب الاساسية. وذلك عن طريق تأسيس اجراءات دستورية قضائية خاصة بالتعامل مع القضايا الدستورية. وتملك هذه المحكمة الصلاحية لتفسير وشرح الدستور ومراجعة دستورية لكل القوانين واصدار قرارات قضائية حول توجيه الاتهام بالتقصير او حل احزاب سياسية والموافقة على قرارات متعلقة بالنزاعات والشكاوي الدستورية وتتكون المحكمة من تسعة قضاة يمتد عملهم لمدة ست سنوات قابلة للتجديد

۳. تكوين الحكومات المحلية: ذات الاستقلال الذاتي تمشيا مع متطلبات التنمية الاقليمية السريعة خلال السبعينات والثمانينات من القرن العشرين فقد قامت كوريا الجنوبية في سنة ۱۹۸۸ م بمراجعة قانون الحكم المحلي وطبقا للدستور، اجريت انتخابات المجالس المحلية في اذار/ ۱۹۹۱ م وذلك لمختلف المدن والمقاطعات والوحدات الادارية المستقلة، وفي حزيران/ ۱۹۹۱ م اجريت انتخابات المجالس البلدية للمدن والاقاليم، كما اجرت انتخابات حكام الولايات والعمدات في سنة ۱۹۹٥ م ويوجد نوعين من المستويات للحكومات المحلية هي المستويات العليا التي تقوم مقام الوسيط بين الحكومة المركزية والمستويات الدنيا من الحكومات المحلية، وتقدم هذه الاخيرة خدماتها للسكان المحليين المتمثلة بالانشطة الادارية الروتينية والخدمات الاجتماعية عدا مجالس التعليم التي ترتبط بالمستويات العليا ويوكل اليها تنفيذ السياسات المتعلقة بالتعليم والثقافة في المجتمع.

العلاقة بين التنمية والثقافة السياسية من الموضوعات الهامة فى أدبيات التنمية, ومن ثم اهتمت العديد من الدراسات بالجانب المتعلق بالثقافة السياسية والتنمية فى كوريا, وتوضح أحدى الدراسات أن نتيجة للموقع الجغرافى والظروف التاريخية للمجتمع الكورى, فأن الثقافة الكورية قد اتسمت بالسلطوية من أعلى وبعقيدة المساواة بين الأفراد من أسفل وفى ظل ذلك تم توظيف بعض مبادئ الكونفوشية كالنظام الهيدراكى, والتأكيد على أن الطاعة بمثابة تعليمات من السماء, إلا أن الطبقة المحكومة كانت لا تثق فى السلطوية وتطالب بالمساواة .

لطالما اعتمد النظام الكوري بشكل أساسي على الثقافة الكونفوشيوسية كمحدد هام و أساسي في إدارة العلاقات السياسية و الاجتماعية داخل النظام في العديد من المجالات.
– يتمثل أيضاً الدور البارز الذي تلعبه الثقافة الكونفوشيوسية بأنها ليست مجرد ثقافة اجتماعية و أخلاقية بل إنها تم وضعها لتكون بمثابة الإطار الذي يحدد طريقة الحكم و السياسية الجيدين داخل الدولة من جهة النظر الفلسفية و الأخلاقية فهي بمثابة فلسفة شاملة لحكم المجتمع و الدولة و تضع إطاراً أخلاقياً فضلاً عن الإطار القانوني للحكم و تنظيم حياة الحاكم و تلقينه جميع الأمور المتعلقة بفن السياسة.
– كما تعد الثقافة الكونفوشيوسية السائدة في المجتمع الكوري ثقافة محافظة تهدف في المقام الأول إلي الحفاظ على الوضع كما هو عليه و إلي منح النظام السياسي أكبر قدر من الاستقرار السياسي.
– و لعل هناك العديد من السمات التي اتسمت بها تلك الثقافة و التي كان لها بالغ الأثر في تشكيل الثقافة السياسية داخل المجتمع الكوري و منها:
– اتسمت الثقافة الكونفوشيوسية بما يسمى هيراركية السلطة و تعني أن العلاقة بين الحاكم و المحكوم تشبه إلي حد كبير العلاقة بين الأب و أبناءه و بين الكبير بالصغير. أي أن على الشعب طاعة و احترام القائد و رئيس الدولة لأنه يمثل الأب الشرعي للسلطة و للمجتمع و يتضح من دراسة العديد من الدول التي اعتنقت الثقافة الكونفوشيوسية كثقافة أساسية محددة لقواعد الحكم أن مبدأ أبوية السلطة المتعارف عليه في الكونفوشيوسية قد تم إساءة استخدامه من قبل العديد من القادة و الأنظمة السياسية و أنه قد تم استخدامه لكسب تأييد الشعب و المجتمع للحاكم دون الاستناد إلي شرعية قانونية سليمة أو وجود نوع من أنواع الاختيار الشعبي للحاكم و تقييمه كما هو الحال المتعارف عليه في الأنظمة الديمقراطية.
– مركزية السلطة و شخصنتها و هي أحد الصفات الأساسية التي تميزت بها الثقافة الكونفوشيوسية و النقطة المحورية في هذه السمة مرتبطة بقاعدة الأبوية و رؤية الشعب للقائد على أساس أنه الأب ممل يجعل من الصعب مراجعته في أخطائه التي يرتكبها أو محاسبته عليه بصفته الراعي للمجتمع و الدولة ككل. و لذلك نجد مفاهيم الطاعة و السلطة والخضوع للنظام متأصلة داخل المجتمع الكوري.
– أولوية الجماعة في مواجهة الفرد و هو أحد السمات التي تميزت بها الكونفوشيوسية مما يخالف كثير من المبادئ الديمقراطية المتعارف عليها حيث ينطوي النظام في هذه الحالة على قيم متعددة مثل التماسك و التوافق المجتمعي و هو الاتفاق في الرأي بين أعضاء المجتمع الواحد دون وضع أي اعتبارات للآراء الشخصية المختلفة مما يهمش دور الأقليات. فبالرغم من تأكيد الكونفوشيوسية على أهمية الفرد فإنها تعترف بان من واجبات الفرد إن يقدم بعض التضحيات من أحل سلامة و بقاء و استمرار مجتمعة و من هذه التضحيات ألا يتذمر أو يعترض عن الوضع الحالي للمجتمع فبقاء أي مجتمع يعتمد في الكونفوشيوسية على ولاء و طاعة أفراده في المقام الأول و ترجيحهم لمصلحة المجتمع على حساب مصالحهم الشخصية.
– غياب النظام القانوني السليم داخل المجتمع حيث ترتكز الكونفوشيوسية في الأساس على نظام الحكم بالفضيلة و ليس القانون و ذلك ينبع منم القاعدة الكونفوشيوسية و تصورها أن الأفراد سيسعون دائماً و بمختلف الوسائل التهرب من القوانين و العقوبات إذا كما قامت الدولة باستحداث قوانين و فرضها عليهم. ولكن إذا تم حكم الأفراد من خلال الفضيلة فإنهم سيسعون دائماً – من وجهة نظر الكونفوشيوسية – للوصول للفضيلة. و لكن ظهرت الحاجة لاحقاً لتصميم من القواعد القانونية لتنظيم الفوضى التي سادت المجتمعات. و لهذا فان النظرة السائدة عن القانون في كوريا الجنوبية على أنه كان يمثل سلاحاً في يد الدولة و أداة للسلطة الحاكمة لتأكيد الوحدة الشعبية و بهذا يكون فقد القانون الوظيفة و المعزى الأساسي من وراءه و التي تتمثل في حماية حقوق و حريات الأفراد.
– و من هنا نستطيع أن نرى أن الثقافة الكونفوشيوسية التي اتسم بها النظام الكوري كانت تحمل قيم متناقضة نوعاً ما بعضها اتسمت بالديمقراطية و الأخرى اتجهت نحو السلطوية مما سها عملية إساءة استخدامها لتبرير وجود الأنظمة السلطوية داخل النظام و لكن على مرور السنين و بدخول ديانات جديدة و ثقافات أخرى إلي النظام الكوري جرت عملية إعادة هيكلة لهذه الثقافة لجعلها توجه النظام نحو المزيد من الديمقراطية فضلاً عن تحوياه لنظام سلطوي و تدمير الحقوق و الحريات و تقليل دور الفرد في المجتمع .

التنمية السياسية والتنمية الاقتصادية فى كوري, التحديث له أبعاد ثلاثة هى التصنيع والديمقراطية و العقلانية الاجتماعية, وفيما يتعلق بكوريا فإن النموذج الكورى حقق معدلات تصنيع عالية يمكن أن نطلاق عليها ثورة صناعية حولت المجتمع الكورى من مجتمع زراعى إلى مجتمع صناعى.

كوريا الجنوبيه، التي كانت من افقر البلدان في اوائل عقد الستينات (حيث كان معدل دخلها الفردي بحدود مائة دولار في سنة 1963)، ارتفع الى اكثر من ستين ضعفا خلال فترة ثلاث عقود حيث بلغ اكثر من (6,000) دولار في سنة 1993 والى (10,500) دولار في سنة 1999 .

تشكل الزيادة في النمو الاقتصادي والتنمية هدفاً ساميا تسعى كل البلدان إلى تحقيقه، لما في ذلك من أثر في تخفيض معدلات الفقر والتخلف في العالم حيث المشكلة الاقتصادية (الندرة) هي التي تتحكم في مصائر العديد من الأفراد إضافة إلى التوزيع الغير العادل للثروة والدخل.

يجادل فريدمان بأن كلتا الحريتين (الحرية الاقتصادية والحرية السياسية) يعززان نفسيهما بصورة تبادلية فالتوسع في الحرية السياسية أي ديمقراطية أكثر يسّرع الحقوق الاقتصادية و التي تؤدي بالتالي إلى تحفيز النمو. في حين يتساءل امارتيا سين هل أن نظام الحكم الاستبدادي نسبيا مثل كوريا الجنوبية بعد الإصلاح حققت معدلات نمو اقتصادي أسرع من بلدان أقل منها استبدادا (مثل الهند وكوستاريكا و جامايكا). و يضيف سين بأننا لا نستطيع في الحقيقة أن نأخذ النمو الاقتصادي المرتفع في الصين أو كوريا الجنوبية في آسيا كبرهان حاسم على أن نظام الحكم الاستبدادي ناجح في النهوض بالنمو الاقتصادي. أما نورث North فقد أكد على أن النمو الاقتصادي يمكن أن يحدث في الأجل القصير مع وجود أنظمة دكتاتورية ولكن النمو الاقتصادي في الأجل الطويل يستلزم تنمية حكم القانون وحماية الحريات المدنية والسياسية.

و تشكل نظرية التغيير السياسي المقدمة من قبل هنتغتون تقييدا لدور الديمقراطية في التنمية الاقتصادية، فالعلاقة بين التنمية السياسية و الديمقراطية السياسية تجعل النمو أولا و الديمقراطية ثانيا. في حين عبر لبست Lipset عن أن الديمقراطية لا تتحقق إلا بعد تحقيق الانجاز الاقتصادي أي أن التنمية هي المطلب الأساس للديمقراطية .

المبحث الثانى: واقع التنمية السياسية فى كوريا
لا تختلف كوريا الجنوبية عن غيرها من الدول الصناعية المتقدمة في انها قد واجهت العديد من المشاكل والصعوبات النابعة من متطلبات التنمية، ومن مستلزمات ديمومتها واستمرارها، غير ان ما يميز كوريا الجنوبية عن هذه الدول يتمثل بقدرتها على معالجة تلك المشاكل والصعوبات, وفى إطار تناولنا للتنمية السياسية فى كوريا فأن أهم العراقيل التى قابلتها :

1- الإصلاح السياسى فى كوريا لم يرق إلى مستوى التوقعات الشعبية, وأن عدم فعالية جهود الإصلاح السياسى تمثل عقبة أما التنمية السياسية والديمقراطية الكورية ويرجع فشل تجارب الاصلاح إلى أن كل نظام كان يحاول أن يميز نفسه عن النظم السابقة فى عملية الإصلاح وتأسيسه على مصالحه السياسية بدلا من التركيز على متطلبات التوحد الديمقراطى .
2- هناك خلال واضح فى العلاقة بين التنمية الاقتصادية والتنمية السياسية فى كوريا الجنوبية, فثمة مفارقة، ألا وهى تعاظم الأداء للاقتصاد الكلى، بينما لازالت كوريا الجنوبية موزعة بين المصالح والتنافس السياسى بين العصبيات والأقاليم والمقاطعات ومن ثم بدت عملية الإصلاح السياسى أكثر بطء وقد اعترف بهذا الواقع الرئيس كيم داى كونج فى الحوار الذى نشرته مجلة بيزنيس وبيك .

ولتقييم مدى ما حققته التنمية السياسية فى كوريا من مؤشرات فأننا نشير إلى ما يلى:
1- فيما يتعلق بمؤشرات التنمية السياسية الخاصة ببناء الدولة فأننا نجد انها تحققت إلى حد كبير, وذلك باستثناء الجوانب المتعلقة بالولاء أو الانتماء لأشخاص أو مناطق معينة بالدولة, وهو الأمر الذى تم توظيفه من جانب بعض القوى السياسية, لتحقيق مصالحها ولا شك أنه ألحق اضرارا واضحة بعملية التنمية فى كوريا .
2- إما فيما يتعلق بالمؤشرات المتعلقة بالنظام السياسى, فأننا نجد أن هناك بعض المؤشرات الإيجابية حيث وجود مؤسسات سياسية لها أسلوب معين فى التكوين وتمارس وظائفها وتتراوح العلاقة بينها من الصراع إلى التعاون, إلا هناك خلال فى التوازن بين السلطات الثلاثة, إذ هناك نفوذ وسيطرة للمؤسسة التنفيذية, وعدم التزام نسبى بالقواعد الدستورية المنظمة للعلاقة بين السلطات, كما أن النظام غير قادر على انتاج سياسات تتلافى مع الإرداة الشعبية, إذ ان قدراته فى هذا الصدد محدودة, آثار النظم السلطوية مازالت موجودة فى النظام والمجتمع الكورى وخير مثال على ذلك قضايا الفساد.
3- إما فيما يتعلق بمؤشرات الثقافة السياسية ومدى تطورها بما يتلائم ومتطلبات التنمية السياسية والاقتصادية فثمة مؤشرات إيجابية فى هذا الشأن, حيث اُستخدمت الثقافة بمعناها الشامل فى حفز عملية التحول الديمقراطى وتشجيعها، لم يكن فى ثقافة هذه الدول ما يعى قيمة الديمقراطية أو غيرها من القيم الإنسانية كالعدل، المساواة والحرية .

الفصل الثالث: الأحزاب السياسية والتنمية فى كوريا الجنوبية.
المبحث الأول: دور الأحزاب فى تحقيق التنمية السياسية فى كوريا الجنوبية
النظام الحزبي في كوريا الجنوبية اتسم منذ إنشائه بالتعددية و إن كانت هذه التعددية لا تدل على صحة النظام سياسياً و قوته حيث إن معظم هذه الأحزاب السياسية قامت نتيجة لتأسيس شخصي و للالتفاف حول زعيم شعبي معين أي أنها كانت أحزاب شخصية. مما جعل التشكيل الحزبي في كوريا الجنوبية هش وضعيف حيث انهارت معظم الأحزاب بمجرد وفاة زعيمها أو قادتها أو غيابهم عن الساحة السياسة و لم تستطع الاستمرار. .

كوريا قد عرفت الأحزاب الحديثة المرتكزة على المبادئ الديمقراطية لأول مرة عقب تحريرها من الاستعمار اليابانى فى 1945 وقد ولدت الأحزاب السياسية وتطورت على نحو يرتبط بعملية التحول الديمقراطى التى شهدها المجتمع هناك على مدى أكثر من خمسين عاما مضت تعرضت فيها مسيرة التطور الديمقراطى لعديد من الانتكاسات بفعل الحكم العسكرى فى الستينيات والثمانينيات وحتى فى فترات الحكم المدنى بدا أن هذه المسيرة تقف دون مستوى التقدم الاقتصادى الذى أنجزته كوريا خلال الفترة المذكورة, بالرغم من مرور أكثر من عقدين على التحول الديمقراطى فى كوريا فإن عملية التحول مازالت دون المستوى الذى يطمح إليه الكثير من الكوريين الذين يرون أن النظام السياسى الذين يعيشون فى ظله مازال يعانى الكثير من السوءات التى يأتى الفساد فى مقدمتها، ويمثل ضعف وهشاشة النظام الحزبى ملمحا مهما من ملامحها.

الحياة الحزبية فى كوريا الجنوبية هى تعددية, إذ يوجد أكثر من حزب يتنافس على السلطة وفى انتخابات الجمعية الوطنية فى كوريا 2012م, فأن هناك أربعة احزاب ممثلة وهى كالتالى:
1- حزب NFP الحدود الجديد وهو حزب محافظ وكان يسمى سابقا الحزب الوطنى الكبير فاز ب 152 مقعد وزعيم الحزب هو هوانج وو نعم .
2- الحزب الديمقراطى المتحد ( حزب الاتحاد الديمقراطى ) وقد فاز ب 127 مقعد وهو من الأحزاب الليبرالية وزعيمه هيى سانغ مون.
3- حزب العدالة التدريجى (PJP), وفاز ب 6 مقاعد وهو حزب منشق عن الحزب التقدمى الموحد, وزعيمه جو يونيو حو.
4- الحزب التقدمى الموحد(UPP), فاز ب 6 مقاعد ورئيسة لى جونغ هيى.

وهذا يدل على مدى التعددية الحزبية فى كوريا وعدم وجود تيار معين أو حزب مسيطر, الأمر الذى ينعكس على الحياة السياسية بصفة خاصة ويكسبها حراكا وتفاعلا قويا, ويفتح المال أما استقطاب الرأى العام واثراء التجربة الديمقراطية فى كوريا الجنوبية .
التجربة الديمقراطية فى كوريا الجنوبية هى ظاهرة حديثة نسبيا ترجع إلى الفترة بعد أن تمت اعادة ضمان حق الانتخاب المباشر في تعديل الدستور في التاسع والعشرين من تشرين الثاني عام ۱۹۸۷ م. جرى انتخاب الجنرال السابق (روه موهبون) كرئيس للجمهورية. ونتيجة للتقدم الديمقراطي الذي تحقق خلال ادارته كان بمثابة البداية الحقيقية للديمقراطية عندما انتخب اول رئيس مدني منذ ۳۲ عام ا.ً وفي عام ۱۹۹۲ تم انتخاب (كيم يونغ سام) احد قدامى المناضلين من اجل الديمقراطية كرئيس لجمهورية كوريا الجنوبية. وفي الانتخابات الرئاسية للعام

۱۹۹۷ م تم انتخاب (كيم داي جونغ) زعيم الحزب المعارض الرئيس (حزب المؤتمر القومي للسياسات الجديدة) رئيسا للجمهورية. واطلق على ادارته اسم (حكومة الشعب) وتولت حكومته السلطة من خلال اول انتقال سلمي للسلطة في تاريخ كوريا الجنوبية من حزب حاكم الى حزب معارض اما ادارة الرئيس (روه موهيون) التي تعرف باسم (حكومة المشاركة) فقد بدأت في ۲٥ شباط / ۲۰۰۳ م لتصبح الجمهورية رقم ۱٦ في التاريخ السياسي الكوري الجنوبي .

على الرغم من مسار كوريا الجنوبية فى الديمقراطية كان فوضوى إلا أنها وعلى الرغم مما أعترضها من مشاكل تحولت للديمقراطية في كوريا الجنوبية وقد مرت بأربعة تطورات أساسية توحيد الديمقراطية في كوريا الجنوبية بمعنى المتطرفة – التي قد حان للحصول على “نطاق واسع، شرعية قوية بين الجمهور الشامل”. أول مشروع رئيسي هو أن دوران الطاقة خلال العقدين الماضيين مكنت جميع الشخصيات الرئيسية السياسية والفصائل والأحزاب إلى يتناوبون حكم البلاد، مما جعلها “صاحبة مصلحة مسؤولة”. الثانية، منظومة حزبية من اليساريين والتقدميين و الليبراليين وسعت الطيف الإيديولوجي، مما يجعلها أكثر مرونةوانفتاحا. ثالثا، “اخنبار النخبة بالاتفاق” بين مختلف الفصائل والشخصيات السياسية، ، ساهم في الواقع لضمان سلاسة الانتقال بين الحكومات ذات التوجهات الأيديولوجية المختلفة جذريا. وأخيرا، ساهمت حتى الصدمات الداخلية والخارجية الرئيسية في توطيد النظام الديمقراطي في كل مرة كانوا التغلب بنجاح .

ويمكننا من خلال تتبع النظام السياسى فى كوريا الجنوبية التعرفى على ملامح ودور الأحزاب السياسية فى عملية التنمية السياسية:
1- النظام الكورى خلال الفترة من 1945 إلى عام 1987 كان نظام أقرب إلى النظم التسلطية, والفترات التى ظهرت فيها بوادر تحولات ديمقراطية عادة ما انتهت بانقلاب عسكرى يقود فى النهاية العسكريين لتولى زمام البلاد, وأن خلعوا ثيابهم العسكرية وحاولوا إضفاء مسحة شكلية مدنية ومؤسسية على النظام, وكان الأحزاب التى تتولى السلطة هى أحزاب شيوعية, والنظام كان أقرب إلى نظام الحزب الكبير المسيطر,مما جعل الأحزاب السياسية تفتقد لخبرة الممارسة السياسية الديمقراطية, مما مثل عائقا أمام التنمية السياسية بمفهومها العام, إذ تمحور الولاء حول الأحزاب لا الدولة, كما ان القيادة كانت تعتمد على دعم مناطق معينة فى البلاد .
2- النظام الحزبى الذى قام بعد عملية التحول الديمقراطى فى عام 1987م كان مرتكزا على أساس الإقليمية, وجوهرها يقوم على شخصانية المنظمات الحزبية, حيث أن كل حزب ارتبط باسم شخص أو زعيم له شعبيته التى تسانده فى المناطق التى يتواجد فيها, وبالتالى فأنه فى ظل هذا الوضع كانت الطموحات الشخصية لقادة الأحزاب هى المحرك الأساسى لها, وكانت وظيفتها الأساسية تدور فى نطاق الآلية الانتخابية, وفى ظل ذلك نتج عنه العديد من الانقسامات والتحالفات بين الأحزاب السياسية فى كوريا .

المبحث الثانى: رؤية نقدية لدور الأحزاب فى التنمية فى كوريا الجنوبية
دور الأحزاب السياسية فى التنمية السياسية كان محدودا فى التجربة الكورية الجنوبية ويجب الأخذ فى الاعتبار أن تجربة التحول الديمقراطى حديثة ومشكلات التحول الديمقراطى وميراث النظم السلطوية والأزمات الاقتصادية والسياسية التى أحاطت بالتجربة خاصة فى السنوات الأخيرة، وكل هذه العوامل كان لها تأثيرها فى هذا الدور المحدود للأحزاب السياسية الكورية فى التنمية السياسية من خلال درستنا لدور الأحزاب وطبيعة عملها فى النظام السياسى الكورى فأننا نجد أن دورها كان محدودا فى مجال التنمية السياسية وفى هذا السياق نشير إلى النقاط التالية:

أولاً: على المستوى التنموى المتعلق بقيام الأحزاب بإنعاش الحياة السياسية في المجتمع ، الأمر الذي يدعم العملية الديمقراطية ، والاتجاه نحو الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في النظم السياسية المقيدة, فأننا نجد على الرغم من التعددية الحزبية فى كوريا إلا أن الأحزاب السياسية أحزاب إقليمية وشخصية, مما بفقدها كثيرا من قدرتها ودورها ويجعلها تعمل لأجل قيادتها لا لأجل الدولة.
ثانياً: على مستوى الاندماج القومي, فأن إسهامها فى بناء الولاء والانتماء للدولة كان إسهاماً محدودا.
ثالثا: دورها فى تطوير الثقافة السياسية كان دورا محدودا.
رابعا: دورها فى استيعاب القوى الاجتماعية والاقتصادية الجديدة كان دورا متذبذب, كانت تحقق نجاحات فى حين وفى حين أخر تخفق, مما اتاح المجال للمجتمع المدنى للعب دور كبير فى هذا الصدد.
خامسا: اتسم دورها فى التطور الديمقراطى بالمحدودية, حيث كانت الاحزاب السياسية عرضه بشكل دائم للانشقاقات والتحالفات, مما أفقدها الكثير من قدرتها ومصدقيتها أمام المواطن, وغياب الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب نفسها, وسيطرت أشخاص معينه عليها .

ويرجع ذلك إلى عدة اعتبارات هى أن تجربة الكوريين الجنوبيين قليلة فى الانتخابات والمؤسسات الديمقراطية على المستوى المحلى , والأسلوب المتعنت فى العمل السياسى يجب أن يتغير إذا أرادت كوريا الجنوبية تحقيق تقدم سياسى يتطابق مع إنجازاتها الاقتصادية وأنه لأمر مأسوى أن تكون قله من القادة الرئيسيين تملك برنامجا يعالج تضخم المدن إذ يزيد سكان سيول ربع مليون سنويا مثلا أو يعالج الفقر فى الريف والمدن أو يعالج المشاكل التجارية فى المدى الطويل أن الأحزاب السياسية بدون برامج هى عبارة عن تجمع تكتلات ولاءاتها لأشخاص , بالأضافة إلى عدم وجود أساس متين للقانون يسنده قضاء مستقل مما عطل التطور السياسى أن التقليد الكونفوشى يركز إلى أن الإنسان فوق القانون ولا يوجد إلا قليل من التراث التاريخى الذى يدعم مفاهيم المساواة أمام القانون أخيرا: يجب على كوريا أن تجد حلا للتوترات الداخلية فى مجتمعها فى بحثها عن اختصار قرن من الزمن بعقدين مثل التحديث وسرعة نمو المدن ووجدت كوريا الجنوبية أن 80% من مساحتها مدن ولكن القيم التقليدية ريفية فى أساسها وتحدث مشاكل ضخمة ناجمة عن التكيف عندما يكون التغير بهذه السرعة وهذه هى الأسباب التى تجعل التقدم باتجاه نظام سياسى ديمقراطى معاصر حقيقى وتحقيق مزيدا من التنمية السياسية أمر ليس سهلا .

خاتمة:
لقد استطاعت كوريا أن تحقق تحولا وتقدم نموذجا للنمو فى آسيا, وعلى الرغم مما حققته كوريا من تقدم فى المجال الاقتصادى وكونها اليوم تحتل الاقتصاد رقم 11 على مستوى العالم, إلا أنها لم تحقق التنمية السياسية بالقدر الذى حققت فيه التنمية الاقتصادية, وذلك على الرغم من ثراء الحياة الحزبية القائمة على التعددية, إلا أنها فقدت قدرتها على التطوير والمساهمة فى تحقيق التنمية لكونها احزاب اقليمية مرتبطة بأشخاص محددين, وعدم قدرتها على الاستمرار إذ كثيرا ما تتعرض للانشقاقات والاندماج, الأمر الذى فتح الباب على مصرعية أمام منظمات المجتمع المدنى لتلعب دورا أكبر.

فالتقدم السياسي والاقتصادي والتكنولوجي الذي تعرفه كوريا الجنوبية اليوم كان وراءه بالأساس تفجير ما يتمتع به الشعب الكوري من طاقات وإمكانيات مكبوتة. وأن بلورة الإستراتيجيات الاقتصادية الناجعة تبقى مرهونة إلى حد بعيد بقوة العمل السياسي. وهذا الاستنتاج ليس بالجديد بل أكده جون مينارد كينس، أكثر رجال الاقتصاد تأثيرا في القرن العشرين وواحدا من مشاهير العصر من دون منازع عندما قال:”أن الاقتصاد يحتل مرتبة ثانوية، فهو عبارة عن تربية تقنية يجب أن تكون في المقعد الخلفي لسيارة تقودها الأخلاق والسياسة”. ويرى هذا المفكر وأكبر رجال الاقتصاد تأثيرا في القرن العشرين وواحدا من مشاهير العصر، أن الشرط الوحيد لتحقيق ازدهار الدولة يتجلى في تحقيق الإتحاد بين النجاعة الاقتصادية بالحرية السياسية والعدالة الاجتماعية. كما اعتبر البطالة تبديدا عبثيا للاقتصاد وظاهرة منافية للأخلاق لها مضاعفات سياسية خطيرة لأنها قد تفرز توترات اجتماعية عنيفة. كما برهن أن الوسيلة المثلى للنهوض بالتشغيل لا تتجلى في تخفيض أو تجميد الأجور بل في تدخل فعال من قبل الحكومات السياسية وخاصة عن طريق مشاريع أشغال عمومية ضخمة.

أن الدرس الذي قدمته لنا التجربة الكورية الجنوبية يؤكد أنه مهما بذلت الدولة من مجهودات في المجال الاقتصادي ومهما استثمرت في التجهيزات والأوراش الكبرى، يبقى التقدم المجتمعي رهين بالتقدم على الصعيد السياسي

قائمة المراجع
أولا المراجع العربية:
1- الكتب:
• هدى ميتكيس,خديجة عرفة, محرران, دور الأحزاب السياسية فى التنمية فى كوريا,مركز الدراسات الآسيوية كلية الاقتصاد والعلوم السياسية, جامعة القاهرة,2005.
• أمين محمد علي دبور, تحرير, دراسات في التنمية السياسية,قسم العلوم السياسية, كلية التجارة, الجامعة الإسلامية – غزة,2012.
• نجلاء الرفاعي, التحول الديمقراطي في كوريا, عبد العزيز شادي – مدحت أيوب (محرر), التحولات السياسية في كوريا, القاهرة, مركز الدراسات الآسيوية, 2002.
• هيجوت، ريتشارد، نظرية التنمية السياسية، ترجمة حمدي عبد الرحمن، محمد عبد الحميد، الطبعة الأولى، عمان، المركز العلمي للدراسات السياسية، 2001،
• رياض حمدوش ،تطور مفهوم التنمية السياسية وعلاقتها بالتنمية الاقتصادية ، معهد الميثاق،بدون مكان نشر، 2009
• النظام الحزبي و قضايا التنمية في كوريا الجنوبية, القاهرة: مركز الدراسات الآسيوية, 2005

2- الرسائل:
• نجلاء الرفاعي, التحول عن النظم السلطوية في جمهورية كوريا و تايوان, رسالة ماجستير, كلية الاقتصاد و العلوم السياسية, جامعة القاهرة,1997.
3- الدوريات العلمية:
• سعيد رشيد عبد النبي, التجربة الكورية الجنوبية في التنمية, مجلة دراسات دولية, العدد الثامن والثلاثون, بغداد
• أسامة الغزالي حرب ,الأحزاب السياسية في العالم الثالث ، عالم المعرفة عدد 117، أيلول،1987.
ثانيا المراجع الأجنبية:
• South Korea’s Miraculous Democracy, the Journal of Democracy, National Endowment for Democracy and The Johns Hopkins University Press , Vol, 19, No. 3, July 2008.
• Daniel BAILEY, Politics on the Peninsula: Democratic Consolidation and the Political Party System in South Korea, Graduate Journal of Asia-Pacific Studies 7:1 (2010)
ثالثا المواقع الإليكترونية:
• Political System of South Korea, source link:
http://www.123independenceday.com/south-korea/political-system.html
• South Korea: Political Parties, source link:
http://newton.uor.edu/departments&programs/AsianStudiesDept/skorea-parties.html
• الأحزاب السياسية, (نشأتها- مهامها- تصنيفها – وظائفها), دراسة متاحة على الرابط التالى:
www.eaddla.org/nashat%20sias.doc
• أكرم أسود, الممارسة الثنائية: الديمقراطية والحرية الاقتصادية وعلاقتهما بالتنمية الاقتصادية, متاح على الرابط التالى:
http://minbaralhurriyya.org/index.php/archives/5099
• نزيرة الافندى, كوريا الجنوبية: إنجاز اقتصادى وارتباك سياسى, السياسة الدولية, متاح على الرابط التالى:
http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=220489&eid=839
• عماد جاد, التحول الديمقراطى فى كوريا الجنوبية, متاح على الرابط التالى:
http://tahrirnews.com/columns/view.aspx?cdate=26122012&id=98961e47-f049-430f-8037-
• علاء سالم, كوريا الجنوبية ورياح التغيير الديمقراطية, السياسة الدولية: متاح على الرابط التالى
http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=216409&eid=584

1/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى