من هو الإرهابي وكيف يفكر ؟
أعداد الباحث : حسن سعد عبد الحميد
المركز الديمقراطي العربي
من هو الإرهابي وكيف يفكر ؟
أذا كانت كلمة الارهاب من اكثر الكلمات تكراراً على الساحة الدولية والساحة البحثية الاكاديمية ، فأن كلمة إرهابي أو ارهابيون هي الاخرى لا تقل اهمية عن كلمة الإرهاب ، والسؤال الذي نطرحه هنا من هو الارهابي وكيف يفكر ؟ ولماذا تنطبق هذه الكلمة أكثر من غيره ؟ وأي منطق يستخدم في فعله الإرهابي ؟ .
أن كلمة إرهاب أو ارهابيون ليست سوى وصف يطلق عادة على الذين يسلكون سبيل العنف لتحقيق غايات أو اهداف خاصة مستندين في ذلك على بواعث عقائدية وإيديولوجية معينة .فالإرهابي هو شخص يميل لأرتكاب اعمال العنف من أجل اشباع حاجات نفسية داخلية لديه ، وغالباً ما ينتمي إلى جماعة يشعر معها بالأمان النسبي والذي تمثل بالنسبة له منظومة القيم التي تحدد سلوكه وافكاره خاصة مع ما تمارسه الجماعات الإرهابية من فرض سياج العزلة على عناصرها الداخلية حتى تستطيع أن تعزز قيم العنف الذي اصبح في هذه الحالة مقدساً ودينياً ، فالإرهابي عندما يقوم بممارسة نشاطاته فهو مدرك تماماً أن نشاطه هذا محل رضا الدين والقانون والمجتمع ، مستنداً على مئات الكتب ومئات التأويلات والفتاوي لرجال دين غرسوا في عقله فكرة أن الموت هي ساعة الخلاص والثواب التي ينتظرها دائماً ، وغالباً ما تغرس لديه فكره انه حامل لواء شريعة الرب والحامي لها لأنشاء دولته المنشودة .
ومن الملاحظ أن الجماعات والتنظيمات الإرهابية المتشددة تميل في تجنيدها نحو أناس تتكاسل في التفكير بصورة صحيحة أو بصورة منطقية ، فتستغل تلك الجماعات هذه الثغرة وتقوم بأعطاء هؤلاء الناس إجابات سهلة وشعارات فارغة وحلول مبسطة لكافة الأمور ، حيث تدعي هذه الجماعات بأن نحن هي الأجابة على كل شيء ، ويمكننا حل كل المشكلات ، وغالباً ما تكون هذه الرسالة ذات طابع مؤثر وقوي على الكثير من الإفراد ، خصوصاً الأفراد التي تشعر بأنها مهمشة وتريد الانتقام من المجتمع ، وتحديداً أولئك الذين لم يحصلوا على فرصة للتعليم ولم يتمكنوا من إيجاد ووظائف تعيلهم أو تعيل أسرهم ، وبالتالي فهي تنقل فكر الجماعة الإرهابية وتزرع فيهم شعوراً بالقبول والثقة والاهمية والتميز لم يكن يشعرون به سابقاً ، وبالتالي فهم بوعي وبدون وعي يحاكون سلوك الإرهابي وجماعته الإرهابية ، هذا الأمر تسعى اليه الجماعات الإرهابية دائماً من أجل السيطرة على الشباب والرجال والنساء .
وتشير احدى الاحصائيات التي رصدت اعمار الارهابيين الذين ينفذون الهجمات الانتحارية وجدت أن أغلبهم من الذكور تتراوح اعمارهم بين 16 الى 28 سنة من طبقات اجتماعية واقتصادية فقيرة أو معدمة . فالشباب في هذه المرحلة يحتاج الى دعم نفسي واجتماعي قوي كي يكون فعالاً في مجتمعه ، وحين لا تلبى احتياجاته النفسية والاجتماعية يصبح اكثر عرضة لحزمة من الاضطرابات النفسية الناتجة عن شعوره باليأس والأحباط وغياب العدالة ، ويحمل الدولة أو المجتمع أو طائفة ما مسؤولية ذلك الأحباط ليجد في فعله الإرهابي الخلاص منه ، وتبعاً لذلك برز علم النفس التحليلي ليصف لنا شخصية الإرهابي بأنها شخصية عنف ضد الآخرين دون الشعور بأي ألم نفسي أو ذنب أو حتى التعاطف ، فالإرهابي صنفان الأول .. غير موجه وتتسبب به مشاعر الأحباط والإضطراب والغضب ، والثاني .. الموجه والذي يتسم بالمزيد من التحديد ، فشخصية الإرهابي من الصنف الثاني اكثر خطراً ، لأنها تتسم بعدوانية اكثر .
وعلى هذا الأساس بدأت الجماعات الإرهابية تركز بصورة كبيرة على تجنيد الأطفال كونهم مجندون مثاليون لا يملكون القدرة على أثارة التساؤلات حول دوافع الراشدين ، ويمكن التأثير عليهم بسهولة من خلال أستثارة عوطفهم ، كما يمكن اقناعهم بسهولة بالقيام بأي عمل يطلب منهم .
ويرى علماء النفس أن من يمارس الفعل الإرهابي عادة ما يكون شخص مصاب بأختلال فكري عام ، فهو يكفر قبل أن يفكر في نتائج ما يقوم به من اعمال إرهابية ، ومع ذلك لاحظ الكثير من العلماء أنه من النادر أن يعاني الإرهابيين من أمراض نفسية ، غير أن العامل المشترك بين الإرهابيين هو إيمانهم المطلق والعميق بأيديولوجيتهم الدينية المتطرفة ،والأهم من ذلك يقينهم المطلق بصحة وعدالة ما يقومون به من افعال إرهابية من دون أي تفكير بالنتائج المترتبة عن اعمالهم تلك ، وبهذا الصدد قدم علماء النفس العديد من التفسيرات والتبريرات العلمية والفلسفية للظاهرة الإرهابية ، حيث بدأت المدرسة النفسية بالأهتمام بالسلوك الإرهابي وتفسيره منذ اواخر الستينييات من القرن الماضي ، وقد أطلق مصطلح البحث في السلوك الإرهابي بشكل واسع ومتعدد ، وقد كانت معظم التفسيرات لا تكاد تخرج من تصور مدرسة التحليل النفسي والذي يركز على أن السلوك الإرهابي أنما يخرج من اللاوعي عند الإنسان ، والذي أختزله وظل مكبوتاً منذ مرحلة الطفولة المبكرة ، وقد كانت هذه النظرة مستمدة من أدبيات مدرسة التحليل النفسي والتي يتزعمها فرويد، كما كان هنالك أهتمام بالغ في الربط بين الشخصية النرجسية والسلوك الإرهابي ، والربط بين الرغبة لدى الفرد في القتل والموت وسبيل تحقيق هذه الرغبة عن طريق الوسائل الإرهابية ، حيث كانت البداية العلمية للبحث في السلوك الإرهابي كنشاط علمي واضح عام 1979م حيث تم تأليف كتاب حمل عنوان علم النفس والإرهاب للكاتب فردريك هيكر ، والذي سعى إلى وضع نموذج نفسي للسلوك الإرهابي ، ووضع محاولة علمية لفهم السلوك الإرهابي والشخصية الإرهابية على أسس نظرية مستمدة من أشهر المدارس الفلسفية .
ومن الباحثين المهتمين بدراسة شخصية الإرهابي وكيف يفكر نجد دراسة اكزافي ورافر اللذان يعتقدان أن الإرهابي هو شخصية تعسية حبيسة احباطاته ، في حين يرى البعض الآخر أنه لا توجد شخصية إرهابية ، فالفرد الإرهابي هو شخص عادي في الإساس لكن توجد ظروف معينة جعلته ينصب في حالة العنف الخطير ، أي وجود ظروف مهيأة لهذه الحالة وهي أما تكون اجتماعية أو دينية أو نفسية فسيولوجية للشخص الإرهابي ، وأن من سمة الإرهابي خصوصاً القياديين منهم تمتعه بالعظمة المرضية البرانويا ، إضافة إلى سمة الاضطهاد المرضي ، وأنهم وراثياً يولدون لوالدين يكون احدهما على الاقل عنيفاً وقدرته على تحويل تلك الميول العنيفة إلى ظاهرة فاعلة لدى الإبن .
ويرى أحد الباحثين أن السلوك الإرهابي الفردي لا يمكن التنبؤ به ، وإذا اردنا تفاديه أو مواجهته ينبغي علينا أن ندرك ماهية الأسباب التي أدت إلى هذا السلوك فقد تكون الاسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية ، وبالتالي يمكن علاج السبب قبل ان يتحول الى هدف ، فالارهابي شخص محبط وهذا الاحباط تراكم لديه سنة بعد أخرى ، ويرى في السلوك العدواني المخرج الوحيد لإزالة الإحباط في حياته ، ولتحقيق هدف سياسي قد حرم منه سابقاً .
وفي تقرير امريكي تم اعداده تناول دراسة بعض الشخصيات الإرهابية من خلال زيارات السجون والمعتقلات والمستشفيات ، حيث توصل هذا التقرير إلى جملة من الملاحظات حول طبيعة سلوك الإرهابي ومنطق تفكيره :-
– ليس بالضرورة أن يكونوا كل المجرمين إرهابيين ينتمون إلى فئة المرضى النفسيين أو المنبوذين اجتماعياً ، أم انهم ذكور أو أناث .
– يقوم الإرهابيين بتحديد الضحايا قبل الهجوم ومفاجئتهم دون سابق أنذار .
– لا يشترك الإرهابيين في كل السمات فهنالك تشابه واختلاف في البعض الآخر .
وبهذا الصدد فأننا نجد أنفسنا أمام تساؤل هام طرحه علينا علم النفس ، لماذا ينضم الأفراد إلى الجماعات الإرهابية ؟
أن الأفراد الذين يصبحون جزءاً من منظومة عمل تنظيم إرهابي ما هم في الغالب إلا أفراد عاطلين عن العمل ، مهمشين اجتماعياً ، ذو تعليم متدني ، أو اشخاص لديهم حب المغامرة ولديهم مهارات خاصة كصنع القنابل والمتفجرات مثلاً ، وعادة ما يميل إلى العزلة الاجتماعية والاقتصار على التواصل مع الجماعات الاخرى المشابهة ، ففي بعض الاحيان يتحول المنبوذ في المجتمع عادة أما إلى راهب أو ناسك ، في حين نجد في بعض المجتمعات يتحول إلى إرهابي بسبب وجود الحافز المناسب . فالإرهابي لا ينظر إلى العالم على أنه جزء أو عضو فيه ، فهو يقوم بتفسير الاحداث من معيار شخصي بدلاً من المعيار الموضوعي ، أي وفق نظم الاعتقاد الخاصة به وبالجماعة التي ينتمي إليها ، حيث يؤمن أن معتقدات الجماعة الإرهابية التي يشكل هو جزء منها يجب أن تسود كل البيئات السياسية والمجتمعية والتقاليد الثقافية على مستوى المجتمع والدولة المتواجد فيها ولم لا على المستوى الدولي كذلك .
هذا المنطق في التفكير والعقلية في التصرف والسلوك لم يتشكل عند الإرهابي بالصدفة ، بل جاء نتيجة لتراكم مشاكل وظروف ومصادر خاصة ومتنوعة حددها البعض في :-
– الفراغ الثقافي والفكري والعاطفي
– البطالة
– ضعف الوازع الديني أو انعدامه احياناً
– عدم القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ
وهنا قدم لنا العالم كلكي خمسة عشر خاصية عدها من أهم سمات الشخصية الإرهابية وهي :-
– ذكاء متوسط أو ضعيف مع جاذبية مصطنعة في الشخصية والعلاقات الاجتماعية
– غياب العلامات الدالة على التفكير العقلاني
– عدم الثبات العاطفي والأسري
– عدم الصدق والإخلاص والقدرة على المراوغة
– غياب الضمير الإنساني في نمط تفكيره ، وعدم الخجل من تصرفاته
– سلوكياته الفردية مضادة للمجتمع الذي ينتمي اليه
– قدرة ضعيفة على الحكم وشك في التعلم من الخبرة
– تمركز مرضي حول الذات
– انخفاض عام في معظم الاستجابات الوجدانية الرئيسية
– فقر الاستبصار
– انخفاض الإستجابة للعلاقات الشخصية العادية
– سلوك نرجسي واضح وتصنع للبرائة
– شخصية تميل للانتحار
– الفشل في أتباع أي خطة ترسم مستقبل حياته
– عدم الأحساس بتأنيب الضمير تجاه المصلحة العامة
ووضح أحد الباحثين مسألة هامة في هذا المجال من حيث أن أنضمام الإرهابي إلى تنظيم ما والمشاركة في هجماتهم الإرهابية يمكن فهمه من خلال دراسة الفعل الإرهابي من حيث طريقة الالتحاق بالجماعة الإرهابية ، من حيث نمط التلقين والعلاقات التي تربط بين افراد المجموعات الإرهابية بعضهم ببعض ، والتي تعزز من قيم الأنتماء إلى الجماعة أو روح الجماعة أو كما يسميها إبن خلدون العصبية ، فعصبية الإرهابيين تحول تنظيمهم إلى تنظيم حقيقي محكم .
وبما أننا لا ننكر المجهودات العلمية التي قدمها مجموعة من المختصين الاجتماعيين والنفسيين ، فقد قدموا هؤلاء بالرغم من الصعوبات العلمية مجموعة من الخصائص السيكولوجية والاجتماعية المشتركة عند الإرهابي في أي مجتمع كان ، والتي يمكن إيجازها بي :-
– أضطراب في الشخصية وتطرف في التفكير
– سوء فهم الآخرين وتفسير دوافعهم بنوع من السلبية
– تضخم في الذات وممارسة جنون التكبر على الآخرين
– اضطراب عام في المزاج والإحساس بالقلق والتوتر الدائم
– الخروج عن المعايير الاجتماعية والاستهتار بالنظام والقيم والعادات والتقاليد السائدة في المجتمع
– الخروج عن القوانين ، أي ان له سوابق عدلية جنائية
– ممارسة مظاهر السلوكيات الإرهابية على أختلاف اشكالها من قهر وعنف وعدوانية لفظية
– الإيمان بالتسقيط وتبرير الافعال السلبية على انها منطقية وعقلانية
– جمود فكري وصلابة في المواقف
– التمسك الوهمي بالانتماء الوهمي لجماعة لجماعة إرهابية ما اكثر من التمسك الحقيقي لعقيدة دينية معتدلة
ويفهم من كل ما سبق أن الإرهابي في الماضي كان ينظر له على أنه شخص مختل ومريض نفسياً يعاني من أنفصام في الشخصية وغير واعي بافعاله ، لكونها حالات تخرج عن سيطرته العقلية ، أي أنه أقرب إلى المختل العقلي في التوصيف ، لكن بالبحث والدراسة والتعرف على افكار مختلف الباحثين والاكاديميين في مختلف العلوم أوصلنا الى قناعات اخرى جديدة .
فالباحث يرى أن الإرهابي عادة ما يمارس دور الوصي على السلوك العام للافراد في المجتمع بعد أن يقوم بتجريم ذلك المجتمع وتكفيره ، فالمجتمع بنظره فاسد ويحتاج لأصلاح وهذا الأصلاح لا يأتي إلا من قبله وبطريقته الخاصة ، فالإرهابي يرى في نفسه الأصلح والأنقى والأطهر والأجدر بأدارة شؤون المجتمع ، وأن الجميع خاطىء ، فلا يوجد أحد بريء في نظره إلى الشخصيات التي تنتمي إلى بناءه ةتياره الإيديلوجي ، فالإرهابي يتسم بثنائية في التفكير أما أبيض أو أسود دون وجود لأي مجال للحياد في المواقف ، وهذه السمة من سمات المنطق الإرهابي في كل مكان أما معنا أو ضدنا ، فالعقلية الإرهابية لا تؤمن بالنقاش والسؤال والجواب ، لأنها لا تمتلك الثقافة الموسوعية في الحوار ، فكل شي عنده متعلق بالربح أو الخسارة .
أن مشكلة الشخصية الإرهابية أنها شخصية تعظم من الأنا المفردة وهذه الأنا تمثل بالضرورة وعي الكل المجتمعي من فرد وجماعة ومجتمع ودولة ، وأن صوت التنظيم الإرهابي هو صوت الوطن والأمة والدولة ، ثم لتنتقل الأنا الفردية إلى الأنا الفردية الإسلامية المشوهة والمجسدة في شخصية الخليفة ، الذي يختصر فيه الإسلام وهو أمر بحد ذاته يكون مدعاة لتكفير الجميع .