الشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

دراسة تحليلية لورقة الإصلاح الحكومية والنيابية العراقية

أعداد : د. حسن سعد عبد الحميد

  • المركز الديمقراطي العربي

يعد مفهوم الاصلاح السياسي مفهوماً متداولاً بكثرة في الأدبيات السياسية الحديثة والذي يشير إلى التغيير والتعديل نحو الأفضل في ظل سيادة وضع سياسي شاذ وسيء وغير مرغوب فيه وعلى كافة المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية ، بغية تصحيح الخطأ وتصويب الأعوجاج الاصلاح السياسي الهدف منه تطوير كفاءة النظام السياسي وزيادة فعاليته ، وبناء عقلية سياسية جديدة قائمة على النظرة التحليلية الدقيقة والعلمية للواقع السياسي ، والعمل على تعديله لمواكبة تطلعات أفراد المجتمع.

وبقدر تعلق الأمر بالعراق نجد أن الحديث عن الإصلاح السياسي فيه أصبح حديث الساعة في ظل وجود تظاهرات عارمة شهدها ذلك البلد من أجل المطالبة بحقوقه المشروعة في العيش بكرامة وتوفير الخدمات ومحاسبة المفسدين والمقصرين وسراق البلد ، وتقديمهم للمحاكم لينالو ا جزائهم العادل.

فالإصلاح السياسي العراقي هو في الحقيقة جهد عراقي تشريعي حكومي سياسي وأجتماعي ، الهدف منه أجراء تغييرات جوهرية هامة على نمط السلوك السياسي القائم في العراق منذ الاحتلال الأمريكي حتى هذه اللحظة ، من أجل حماية الحقوق والحريات العامة وقطع دابر الأضطهاد السياسي ، وفرض القانون في المجتمع ، ولعل هذا ما تضمنته ورقة الإصلاح السياسي التي قدمها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي للبرلمان العراقي ، والتي حوت في تفاصيلها أفكار ممكن أن تؤسس لنظام سياسي عراقي جديد بعيد عن الطائفية والفساد والتوافق السياسي الذي أضر بالعراق كثيراً ، والذي من المتوقع في حال استمرارها من أن تؤسس لحالة مستقبلية للتداول السلمي للسطلة في العراق مستقبلاً.

وفي الحقيقة أن ورقة الإصلاح التي قدمها العبادي ما كانت لترى النور لولا التظاهرات التي قام بها عمال السكك وسواق القطارات احتجاجاً على قطع رواتبهم وما تبعها من مظاهرات تتعلق بالخدمات ، ولولا الدعم الشعبي العراقي له بمختلف اطيافه ومكوناته وانتمائته المذهبية ومن دعم كبير من المرجعية الدينية في النجف الأشرف لم يسبق له مثيل.

حيث تضمنت تلك الورقة الإصلاحية الأفكار التالية:

_تقليص شامل وفوري في اعداد الحمايات لكل المسؤولين في الدولة بضمنهم الرئاسات الثلاث والوزراء والنواب والدرجات الخاصة والمدراء العامون والمحافظون واعضاء مجالس المحافظات ومن بدرجاتهم ، ويتم تحويل الفائض الى وزارتي الدفاع والداخلية حسب التبعية لتدريبهم وتأهيلهم ليقوموا بمهامهم الوطنية في الدفاع عن الوطن وحماية المواطنين
_الغاء المخصصات الاستثنائية لكل الرئاسات والهيئات ومؤسسات الدولة والمتقاعدين منهم حسب تعليمات يصدرها رئيس مجلس الوزراء تأخذ بالاعتبار العدالة والمهنية والاختصاص
_أبعاد جميع المناصب العليا من هيئات مستقلة ووكلاء وزارات ومستشارين ومدراء عامين عن المحاصصة الحزبية والطائفية، وتتولى لجنة مهنية يعينها رئيس مجلس الوزراء اختيار المرشحين على ضوء معايير الكفاءة والنزاهة بالاستفادة من الخبرات الوطنية والدولية في هذا المجال واعفاء من لا تتوفر فيه الشروط المطلوبة
ترشيق الوزارات والهيئات لرفع الكفاءة في العمل الحكومي وتخفيض النفقات_
_الغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء فوراً
_فتح ملفات الفساد السابقة والحالية تحت اشراف لجنة عليا لمكافحة الفساد تتشكل من المختصين وتعمل بمبدأ من أين لك هذا
دعوة القضاء الى اعتماد عدد من القضاة المختصين المعروفين بالنزاهة التامة للتحقيق فيها ومحاكمة الفاسدين_
_الطلب من مجلس الوزراء الموافقة على القرارات اعلاه ودعوة مجلس النواب الى المصادقة عليها لتمكين رئيس مجلس الوزراء من أجراء الاصلاحات التي دعت اليها المرجعية الدينية العليا وطالب بها المواطنون في محاربة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية

أما على الصعيد الإداري فقد شملت ورقة الإصلاحات السياسي ما يلي:

_إخراج المواقع العليا من وكلاء ومستشارين ورؤساء هيئات من المحاصصة السيلاسية والطائفية واختيار اصحاب الكفاءة والنزاهة لهذه المواقع وعرض المرشحين على مجلس الوزراء خلال ستة اشهر لرفعها الى مجلس النواب للمصادقة عليها
_منح صلاحية لرئيس الوزراء في تكليف او اعفاء المدراء العامين او تعيينهم بالتسيق مع الوزراء المعنيين
_تشكيل رئيس مجلس الوزراء لجنة مهنية لاختيار الكوادر العليا ضمن معايير اختيار المؤهلين للقيادات العليا المبنية على معايير موضوعية والمعدة من هيئة المستشارين والاستعانة بالخبرات الوطنية والدولية
_اخضاع الوزارات والجهات الاخرى غير المرتبطة بوزارة الى المساءلة والمحاسبة من خلال برامج تقويم معدة لهذا الغرض وتتولى لجنة التقويم الاداء تقديم تقارير دورية الى رئيس مجلس الوزراء
الغاء الفوارق في الرواتب من خلال اصلاح نظام الرواتب والمخصصات وتقديم نظام جديد خلال شهر_
بتحديد الامتيازات للمسؤولين بما فيها من سكن وحمايات وسيارات_
_دمج وحذف بعض الوزارات والهيئات واستكمال جهد اللجنة المشكلة لهذا الغرض
الغاء المستشارين في خارج الملاك وتحديد مستشاري الرئاسات الثلاث بخمسة لكل رئاسة_
الغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس مجلس الوزراء فورا_

أما على الصعيد المالي فشملت الورقة ما يلي:
_معالجة التهرب الضريبي سواء فيما يتعلق بضريبة الدخل وتوسيع الوعاء الضريبي على ان يكون النظام مسيرا يتعامل المشمولين بايجابية معه، وتطوير النظام على اسس دقيقة لمنع الفساد وتخفيف العبء على اصحاب المهن الحرة
_تطبيق التعرفة الكمركية بصورة عادلة على جميع المنافذ الحدودية، وبضمنها منافذ اقليم كردستان، والاستعانة بالشركات الرصينة في هذا المجال لمنع الفساد وتشجيع المنتوج الوطني، ومنع اغراق السوق العراقية
_خفض الحد الاعلى للرواتب التقاعدية للمسؤولين واجراء صياغة تقدم خلال اسبوع تعالج القرارات الخاطئة التي اتخذت سابقا

على الصعيد الاقتصادي شمل الإصلاح التالي:
_تفعيل القروض لتنشيط حركة الاقتصاد في البلاد، وتشغيل العاطلين عن العمل
_العمل على تفعيل قرار مجلس الوزراء وخلية الازمة بدفع المستحقات واجبة الدفع الى شركات القطاع الخاص، والاعلام عن ذلك بصورة منصفة لتسهيل عملها وخلق فرص عمل جديدة
_انجاز برنامج الدفع الاجل المكلفة بإعداده وزارة التخطيط بالتعاون مع وزارة المالية خلال اسبوع، ورفعه الى خلية الأزمة لإقراره، من اجل توفير خدمات للمواطنين
_إلغاء جميع الاستثناءات من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية باستثناء عقود التسليح في وزارة الدفاع حاليا
_تفعيل ستراتيجيات العمل الرصينة التي أعدتها مؤسسات الدولة، ومنها بشكل خاص ما أنجز بالتعاون مع منظمات دولية
_تنشيط دور المؤسسات الرقابية والكشف عن المفسدين ووضع معايير لتقييم اداء المؤسسات الرقابية ويقضي ذلك تفعيل دور هيئة النزاهة الوطنية واعادة النظرفي مكاتب المفتشيين العموميين والتركيز على المهام الاساسية لمكاتبهم بما يقضي ذلك ترشيق وايقاف الترهل فيها من اجل ان تكون فاعلة
_وضع سقف زمني لحسم قضايا الرقابة وكشف الفساد والاعلان عنها طبقا للقانون

على صعيد الخدمات تضمنت الورقة الاصلاحية:
_الخروج بحزمة اجراءات لحسم مشاكل الكهرباء في مجالات الانتاج النقل والتوزيع والجباية وعلى ان ينجز ذلك خلال اسبوعين.
__ تبني برنامج رقابة مجتمعية فعال لكشف التراجع او الفشل في تقديم الخدمات بغية محاسبة المقصرين ويقضي ذلك تاجيل عطل جباية تقديم الخدمات بشكل كفوء سواء على مستوى الوزرات او الحكومات المحلية

هذه الإصلاحات التي قدما حيدر العبادي هي في الحقيقة تشكل الحزمة الإولى للإصلاحات السياسية ، حيث اشار العبادي إلى وجود حزم اصلاحات جديدة تسير على نفس سياق هذه الورقة.

وفي تحليلنا لهذه الورقة نجد نجدها أنها حققت نوع من الرضا الشعبي العام على النظام السياسي وإمكانية خلق مستقبلاً أنظمة انتخابية صادقة ونزيهة وحرة ، وفي ظل سيادة الثقة المتبادلة بين النظام السياسي العراقي وأبناء المجتمع والذي
كان مفقوداً سابقاً.

حيث سعى العبادي هنا إلى الحفاظ على الشفافية في عمل الحكومة وقطاعاتها المختلفة ، ومن أجل الأنفتاح على المجتمع العراقي ، الذي لم يعد يحتمل حجم الفساد والأهمال الذي تعرض له في كافة مفاصل الحياة العامة ، وبلوغه لمستويات غير مسبوقة ، لذلك نجد ان هذه الورقة كانت جريئة بالطرح هدفها في الأساس وضع الأسس لقيام دولة مواطنة حقيقية تمثل العراق كل العراق ، وتدعم حكم سيادة القانون وتكافؤ الفرص ، وتكون حقوق المواطن هي أساس العقد الاجتماعي بين الشعب والسلطة ، ليكون الجميع تحت حكم القانون متساوين ولا استثناءات قانونية لأحد.

أن عقلية صاحب هذه الورقة وهو العبادي هي عقلية شخص يتمتع بمزايا معينه من قوة الإرادة وصدق الأنتماء ، حيث تخلى عن هويته البريطانية منذ اليوم الأول لتوليه منصب رئيس الوزراء ويمتلك عقلية مجتمعية تفكر بالمصلحة العامة
ولأهمية هذه الورقة الإصلاحية سارع مجلس النواب العراقي إلى تدعيمها بورقة إصلاحية نيابية ساندة لها وحصلت على اجماع اعضاء البرلمان العراقي ، حيث تضمنت هذه الورقة ستة عشر فقرة تتعلق بمواجهة الفساد ومحاسبة المقصرين ، حيث تضمنت ما يلي:

_ ترشيق الوزارات والهيئات خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوما وبما لا يتجاوز اثنان وعشرون وزارة كمرحلة أولى ، ودمج الوزارات المتشابة في الاختصاصات .
_ أنهاء ملف التعيينات بالوكالة وتعين أصلاء للمناصب ووفق القانون وخلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً .
_أنهاء ملف التعيينات بالوكالة للمناصب العسكرية والأمنية وتقديم مرشحين لرئاسة أركان الجيش ومعاونيه ومن هم بمنصب قائد فرقة فما فوق ، ورئيس مجلس المخابرات الوطني ورؤساء الإجهزة الأمنية وتقديمها لمجلس النواب للمصادقة عليهم خلال ثلاثين يوما .
_ ترشيق الهيئات غير المرتبطة بالوزارة ودمج المديريات القابلة للدمج .
_ دعوة رئيس الوزراء لأقالة وزير الكهرباء ووزير الموارد المائية وكل من يقصر بحق المواطنين ووفق الدستور .
_ أقالة أعضاء مجلس النواب ممن تجاوز مدة غيابهم أكثر من ثلث جلسات المجلس في الفصل التشريعي الواحد .
_ تقليل اعداد حمايات المسؤولين إلى النصف دون استثناء خلال خمسة عشر يوما .
_ تشريع القوانين المعطلة كقانون الاحزاب والمحكمة الاتحادية العليا والحرس الوطني ومجلس الاتحاد .
_ تخيير اصحاب الجنسية المزدوجة بين البقاء بالمنصب واسقاط الجنسية الاجنبية او الاستقالة .
_ دعوة مجلس القضاء الاعلى لتقديم ورقة اصلاح قضائية دون الخضوع للتأثيرات السياسية .
_ المباشرة بأستجواب الوزراء الذين اكملت ملفاتهم التحقيقية .
_ إحالة كل ملفات الفساد إلى القضاء فوراً .
_ محاسبة سراق المال العام داخل العراق وخارجه .
_محاربة الخارجين عن القانون لخلق بيئة أمنة للمواطنين وجذب الكفاءات من الخارج .
_ محاربة المقصرين في الدفاع عن العراق ممن تسببوا في تسليم الارض للارهاب وتهجير العراقيين .
_ ايجاد حلول عملية لمشكلة النازحين بما يحفظ كرامتهم .
ونفهم من هذه الورقة أنها تريد أن تعزز من قيم النزاهة ومكافحة الفساد ، والعمل على حماية المسألة والنزاهة الوطنية ، والتعامل بأيجابية مع القضايا المعقدة التي قد تنشأ في المستقبل ،وحماية المأل العام والنهوض باقتصاد العراق ،
وربط موضوع الإصلاح السياسي بموضوع الإصلاح الدستوري والتوجيه بأجراء تعديلات لتحقيق ذلك

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى