مقالات
بين عديد المشكلات وعداء الجغرافيا
بقلم : عبدالله عبدالحميد فرحان
قد لا يجد كثير من المتابعين تفسيراً موضوعياً لصراع العرب مع الجغرافيا، لكن حقيقة هذا الصراع متجذرة في زوايا التاريخ وعناوين الجيوسياسيا، الآخرون يدركون حقيقته وتفاصيله أكثر من المعنيين به المعايشين له، فمنذ قرون عديدة وحركة المستشرقين دؤؤبة نشطة في منطقةٍ تتوسط العالم وتنامُ على قدرٍ كبيرٍ من خيراته.
المؤسساتُ السياسيةُ العربيةُ (إن جاز لنا تسميتها بذلك) منهمكةٌ في تدبير المكائدِ فيما بينها بالقدرِ الذي تتوجس فيه قلقاً وتشاؤماً من محيطها الإقليمي صانعةً من مقتضيات المصلحةِ منصاتٍ للعداوة والتعبئة المضادة، ولو أدى ذلك لأن تشهد المنطقة أعنف صور الإرهاب التي تهدد ثقافة الحياة في عالم اليوم.
لعلَّ الصورة الأولى في هذا المشهد المأساوي هي الحربُ الدائرةُ في اليمن، حيث عدائية جماعة الحوثيين (المتهمة بالإرتباط بإيران) تجاه المحيط الإقليمي، في مقابل عدائية الدولة الغنية ذات النفوذ الكبير إقليمياً ودولياً وصاحبة اليد الطولى – منذ ستينات القرن الماضي – في اليمن.
– هل كان على الحوثيين أن يستفزوا السعوديين بارتباطهم بإيران دون مراعاة المصالح الحيوية لليمن مع الجارة (السعودية) التي يعمل فيها مئات آلاف اليمنيين؟
– وهل كان على السعوديين بالمقابل أن يشنوا حرباً ضروساً فتكت بمقدراتِ الدولةِ والحياةِ العامةِ في اليمن قبل جماعة الحوثيين الذين لم يتضرروا بقدرِ الضررِ الذي لحق بالمؤسسات العامة والأفراد ؟
– هلِ انتهاءُ الحربِ يعني انتهاءٓ ما خلفته من جراحٍ وضغائنٍ بين كيانات تعيشُ في ذات الجغرافيا ؟
الصورةُ الأُخرى هي في علاقاتِ العربِ السياسيةِ والأمنيةِ والاقتصاديةِ بمحيطِهمُ الجيوستراتيجي وتحديداً (إيران وتركيا)، حيث يٓغلِبُ على العربِ وصفُ “المجال” للمشروعين الإيراني والتركي، انتقالاً إلى مساحاتٍ ضئيلةٍ من التأثيرِ في المحيط يغلبُ عليها التوجسُ والقلقُ من جهة، والإستعداءُ وتصديرُ الفوضى والمشكلاتِ من جهةٍ أخرى.
– لماذا يتحفظ العرب عن امتلاك مشروع حضاري للمنطقة خصوصا وللعالم عموماً؛ بما يضمن التحرر من مشاريع النفوذ لدول المحيط بما تتسبب به من كوارث في المنطقة؟
– أليسٓ العربُ مؤهلين نسبياً لبناء علاقات الثقة مع جِوارهم واعتماد لغة المصالح والفوائد المشتركة بدلاً عن لغة التبعيةِ أو البحثِ عن المشكلاتِ للمحيط؟
– لماذا يُصِرُّ العربُ على استدعاء لغاتِ التعبئة المذهبية والمناطقية في بُنيتهم الإجتماعية والثقافية الهشّٓة بدلًا من بناء هويةٍ جامعةٍ ناضجةٍ تعي دروسٓ التاريخِ، وتقدرُ حقائقٓ الجغرافيا، وتُعبّٓرُ عن قِيٓمِ المصلحة ؟
لا زال العقل السياسي العربي مشوهاً بفعلِ تراكماتِ التجاربِ الفاشلةِ لكل تيارات الفكرِ السياسي تقريباً، وبفعل التحالفات الانتهازية التي جمعت مصالح زعامات قبلية مع رجال الدين عبر قرون عديدة من الزمن، فهل تستطيعُ الكثيرُ من المعرفة والبعضُ من المراجعة أن تُرٓمِّمٓ خدوشَ التاريخ تلك ؟
بين يديّ النُّخٓب تلك التساؤلات، ومعها النسبةُ الأكبرُ من المسئولية تجاه واقعنا اليوم الذي يصفه أكثرُ المتفائلين (بالواقع الشؤم)، لقد أرْهٓقْنا العالمٓ أكثرٓ مما ينبغي بمشكلاتنا دون أن نُرْهِقٓ أنفسنا ولو قليلاً بحٓلِّ تلك المشكلات.