مقالات

متطلبات دفع العملية السياسية في سوريا: ضغوطات سياسية و تكتيكات دبلوماسية

كتب : د. عامر السبايله

الدفع بمسار الحل السياسي هو اولوية المرحلة بالنسبة لطرفي المعادلة الدولية موسكو وواشنطن. فالتأسيس لهذه المرحلة جاء عبر التفاهمات الروسية الامريكية و التي ترجمت على ارض الواقع عبر عدة اجراءات ابرزها استصدار قرارين تحت المظلة الدولية حول تجفيف منابع التمويل الارهابي و فرض الحل السياسي كخيار وحيد للازمة السورية. الاجراءات العملية بدأت مع فرز التنظيمات و تحديد التنظيمات الارهابية و الانتقال لاحقاً لفرض وقف اطلاق النار بعد تقديم غطاء عسكري لتغيير معادلة توازن القوى على الارض.
بالعودة الى المعطيات على الارض، تعطل انطلاق المفاوضات في جنيف كان لا بد ان يدفع الاطراف الدولية الى السعي لفرض انطلاق هذه المفاوضات و المضي قدماً في مسألة الحل السياسي، مما يعني ان جميع الاطراف اليوم مضطرة للتعاطي مع الضغوطات التي يفرضها عليها حلفاءها في المقام الاول و تفرضها عليهم نتائج التفاهمات الدولية. فالولايات المتحدة – من وجهة نظر الكثيرين- مارست كافة انواع الضغوط على حلفائها لانجاز استصدار القرار الدولي ووضعت الكرة في الملعب الروسي المضطر لممارسة نوع من انواع هذه الضغوط على حلفائه لدفع القرار الدولي من حيز النظرية الى واقع التطبيق.
لهذا فان اي قراءة للتطورات الاخيرة لا يمكن النظر اليها بعيداً عن سياق وصول مسألة الحل السياسي الى نقطة الانطلاق الاجباري و التي تتطلب تكيف كافة الاطراف مع هذا الخيار بما فيه من تنازلات. ضمن هذا الاطار يمكن أيضاً قراءة الخطوة الروسية بالاعلان عن انسحاب لعدد من كبير من القطاعات المقاتلة في سوريا و التي يبدو انها تأتي في سياق السعي لانجاز الحل السياسي بعد ان وصلت الامور الى النقطة التي لا يمكن التعاطي معها مع فكرة تعثر انطلاق المفاوضاتخصوصاً بعد ان تهيأت معظم الظروف الموضوعية للشروع في مسار الحل السياسي، من تغير موازين القوى على الارض و تجفيف منابع الخطر الارهابي المؤدي الى الفوضى و اعادة ترتيب المشهد الداخلي مع وقف اطلاق النار و السعي للخلق مناخات المصالحات في مناطق متعددة في الداخل السوري.
الاعلان الروسي لا يمكن اعتباره الا قراراً سياسياً في الشكل و التوقيت و المضمون، فموسكو فعلياً ابقت على وجودها و جزء كبير من طائراتها و خبرائها لكن تحت مسمى مكافحة الارهاب الذي لا تنوى روسيا التخلي عنه، كذلك هو الحال بالنسبة للقواعد الاستراتيجية في الساحل السوري و البحر المتوسط. و لان القرار جاء بصيغة مفاجئة فهو في شقه الاكبر يحمل رسالة سياسية للاطراف الدولية و الاقليمية و حتى اطراف معادلة الحل السوري بأن موسكو اليوم انجزت قسطاً كبيراً من مهمتها و اوقفت حالة التمدد للفصائل الارهابية و اسست لمناخات الحل السياسي و هي غير معنية بفرض شكل الحل السياسي عبر تغيير موازين القوى علي الارض، بل هي تسعى ان تكون المفاوضات ضمن الثوابت المتفق عليها هي الطريق الوحيد لبدء عملية الحل السياسي.
ان التعنت في تطبيق القرار الدولي و التعاطي معه باسلوب استعلائي او باسلوب تعطيلي في محاولة لفرض رؤية معينة قد يؤدي الى نتائج سلبية تضع معطلي الحل امام استحقاق مواجهة ضريبة هذا التعطيل و تضع المنطقة امام تحديات امنية من نمط جديد قد يصعب التعامل معها بالاساليب التقليدية السابقة.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى