مقالات

سوريا….الموت جوعاً

بقلم : أزدشير أحمد

يعترف القانون الدولي بأن لكل فرد حقاً أساسياً في التحرر من الجوع. ويفرض العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966على الدول اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان حصول الجميع على غذاء كاف (المادة 11).

و يتعيّن على كل دولة احترام الحق في غذاء كاف وحمايته والوفاء به والتدخل إذا تعذّر على الفقراء تأمين الغذاء الكافي لأنفسهم، والأمن الغذائي لا يتطلب فقط الطعام، ولكن أيضاً الحصول على المياه والصرف الصحي، والعلاج الطبي اللازم.

في سوريا، وبعد سنوات على الأزمة وتدهور كافة القطاعات، وسقوط كافة القيم الأخلاقية على مرمى الإنسانية، بات الجوع أشد أيلاماً من الموت والدمار نفسه، الحصار و ارتفاع أسعار الغذاء ونقصه، بالإضافة لاستغلال التجّار وجشعهم وسكوت العالم، قزّم من أشكال الموت الأخرى أمام الموت جوعاً.

وكانت المتحدثة باسم برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة بيتينا لوشر قد اعلنت بتاريخ 27/1/2016 إنه “من بين المناطق الـ18 هناك مناطق محاصرة من ثلاث سنوات ولم يحصل سكانها على الغذاء والدواء منذ عدة أشهر”.

في السياق نفسه اكدت مديرة البرنامج، إرثرين كازين، بتاريخ 28/1/2016 أنها تتوسل أعضاء مجلس الأمن الدولي، لكي يضاعفوا جهودهم من أجل مساعدة المنظمات الإنسانية، للوصول إلى المدنيين في البلدات والمدن المحاصرة من قبل النظام وتنظيم الدولة والمعارضة المسلحة، وأضافت كازين، أن “حوالي 44 ألفا محاصرون في المعضمية بريف دمشق الغربي، ونحو 200 ألف في دير الزور، شرق سوريا”، وقال ستيفن أوبراين، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون تنسيق المساعدات الإنسانية، لمجلس الأمن الدولي إن الأمم المتحدة قدمت 113 طلباً إلى الحكومة السورية العام الماضي للموافقة على دخول قوافل إغاثة، لكن لم تتم الموافقة سوى على 10% فقط من تلك الطلبات، حتى نهاية فبراير من العام 2016.

لقد ازدادت الاحتياجات الإنسانية في سوريا بمقدار 12 ضعفاً منذ بداية الأزمة، فقبل الأزمة، كانت سوريا دولة ذات دخل متوسط. اليوم أكثر من 50٪ من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، بحسب تصريحات برنامج الأغذية العالمي حتى تاريخ 12 مارس 2015.
وكانت منظمة “أنقذوا الأطفال” قد أصدرت تقريراً عن الجوع في سوريا، قال فيه أحد مسؤوليها، جورج غراهام، بتاريخ 3/10/2013 إن تضخم أسعار المواد الغذائية متفلت من كل عقال، “وثمة صعوبة جمة في الحصول على الغذاء، ومشكلة كبيرة في الوصول إلى المحتاجين، وكل هذه الصعوبات تؤدي إلى أزمة أمن غذائي حادة في سوريا، وخصوصاً في جنوب دمشق”.

فالأمم المتحدة تؤكد أن عمًال الإغاثة التابعين لها عجزوا عن زيارة المعضمية مثلًا منذ أكثر من عام، بسبب احتدام القتال وقسوة الحصار المفروض على البلدة، كما أدت موجات الجفاف في سوريا إلى خفض الحصاد الوطني بأكثر من 30٪ في عام 2014 مقارنة بالعامين السابقين، الخبز، الذي يعتبر من السلع الأساسية في النظام الغذائي السوري، بات من الضروريات المستحيلة بعد أن تضررت 50٪ من المخابز العامة في سوريا مما أدى إلى زيادة أسعار الخبز بنسبة 300٪ في المتوسط وتصل إلى 1000٪ في المناطق الأكثر تضرراً.

ويؤكد برنامج الغذاء العالمي أن نحو 4.25 ملايين سوري بحاجة إلى مساعدة غذائية عاجلة، وأن البرنامج يمد ثلاثة ملايين شخص بالمساعدات الاغاثية شهرياً، حتى العام 2013 فقط. لكن غراهام أكد أن تقديرات أخرى تقول إن ما لا يقل عن 10 ملايين سوري يواجهون صعوبات في الحصول على الطعام.

أبرز الصعوبات لبرامج الإغاثة والجوع والمنظمات الإنسانية والصليب الأحمر تكمن في الحصار المفروض على بعض المناطق، كجنوب دمشق ودير الزور وبعض المناطق الوسطى في سوريا، بسبب احتدام الصراع والاقتتال في تلك المناطق وغياب التوعية الإنسانية عن مختلف الجهات المتقاتلة وجهلها بالقانون الدولي والإنساني، بالتالي عدم السمح لتلك المنظمات بالدخول لإنقاذ تلك الأرواح، كما أن لارتفاع الأسعار الخيالية واستغلال التجّار وغياب الرقابة التامة عن المنتجات الاستهلاكية الضرورية، دور كبير في الأزمة، في بلدة مضايا، كمثال، أبلغت تقارير بأن هناك أفراداً ماتوا جوعاً في سبيل توفير بعض الغذاء لأطفالهم، لقد وصلت الحالة لدرجة أن الرجال في الأسرة باتوا يختارون التضحية والخسارة الأقل، من يحب الآخر أكثر، يضحي باللقيمات لأجله.
الموت جوعاً في سوريا، هو وصمة عار على جبين الإنسانية برمتها، قصة اغتيال للروح الإنسانية والأخلاقية، من قبل العالم بأسره، حمل رفاته شعب، عانى ولما يزال، في سبيل حريته.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى