الامة الديمقراطية وحدة في الاختلاف “روج آفا نموذجا”
اعداد الباحث : آلدار خليل – المركز الديمقراطي العربي
لعل الربيع في الشرق الأوسط وما ترافق معه من تغيرات في أنظمة الحكم في عدة دول عربية جاء نتيجة تلك الأزمة المعرفية الفكرية السياسية والسياسات الفردية المركزية التي قبعت على صدور الشعوب وعملت على تحقيق ما يضمن البقاء لتلك لأنظمة وممارسة أعتى السياسات الجائرة من خوف وقتل وترهيب ونفي بحق كل من أراد قول كلمة “لا”، الوضع السوري كان مغايراً لتلك البلاد التي شهدت تحولات وتغيرات فيما سميت بثورات الربيع العربي، فقد تحولت سورية وفي فترة وجيزة إلى ساحة لتدخلات إقليمية ودولية وابتلت بمعارضات هشة تابعة محرفة عن مسارها الوطني، الى جانب استمرار النظام في ممارساته وبطشه وذهنيته المعهودة وهنا تحولت سورية إلى ساحة صراع حرب تكاد تصبح حرب عالمية ثالثة، وتصفية لحسابات فئوية سلطوية بدلاً من التفكير في الهم الوطني العام وكيفية الانتقال إلى حياة جديدة.
لقد رفضت مكونات روج آفا أن تصبح طرفا في عملية الصراع على السلطة التي بدأت بعد اشهر من الحراك السوري انطلاقاً من اعتبارات أخلاقية و وطنية وايماناً منها بضرورة احياء المجتمع الديمقراطي و بارادة الحرة التزمنا بسياسة الخط الثالث كنهج مؤمن بضرورات التغيير الديمقراطي، ورأينا في انتهاجنا لهذا الخط قدرة استراتيجية أكثر تخدم تطلعات الشعب السوري. وعملنا جميعاً من كرد، عرب، سريان، آشوريين، كلدان، شيشان، وتركمان على المحافظة على مناطقنا والدفاع عنها.
النهج الثالث
إن النهج الثالث هو نتاج السياسة الديمقراطية التي تتخذ من فلسفة القائد اوجلان ونظرية الأمة الديمقراطية أساساً ثورياً وفكرياً لها، وتتمثل قوة مؤسس الأمة الديمقراطية في أنه انتقل من الفكر والإيديولوجيات الكلاسيكية إلى الأصوات النقدية الجديدة للحداثة الرأسمالية وقدم نموذجاً جديداً للإيديولوجية كنظام متواصل من الحقائق وهذا بحد ذاته تناول ديمقراطي لمفهوم الأيديولوجية التي لا يحتمل مفهومها القديم وجود المختلف ونعتبرها رداً منطقياً على دُعاة نهاية الأيديولوجيا. كما أنه تناول الفلسفات القديمة والحديثة على حد سواء بسبب عمقها ودلالاتها على الواقع الذي نعيشه. كما أنه قد درس مجموعة من المفكرين والفلاسفة بالإضافة إلى بروديل ووارلشتاين، درس بعمق موراي بوكجين وتأثر به كما تأثر بأدورنو وغرامشي وابن خلدون وهوبز وروسو وإخوان الصفا،
ودافع في أطروحاته الفلسفية عن كارل ماركس ومنتقدا مكامن الخطأ في نظريته المتعلقة بابقائه على الدولة المتصرفة برقاب المجتمعية حينما يتم استبدال سلطة ما بسلطة البروليتارية فقط، الى جانب الاختلاف مع ماركس من خلال عدم اعتبار الاقتصاد العامل الحاسم المفسر للتاريخ. وخرج بفلسفة جديدة تعيش في الأمة الديمقراطية التي تناقض سائر الأمم النمطية (أمة السوق وأمة القانون وأمة القومية وأمة الدين….). و الفرق بين موراي بوكجين والقائد اوجلان هو ان الأول دعا إلى الفوضوية وعد الطبيعة هي الأساس ولم يتحدث مطلقاً عن المرأة، أما أوجلان فقد دعا إلى اللاسلطوية بل إلى الإدارة وعد البيئة قاعدة أساسية من قواعد المجتمع الديمقراطي و قارب بين مفهوم المرأة ومفهوم الطبيعة؛ ودعا العودة إليها بذهنية ثائرة. أما الفرق بين بروديل وأدورنو وأوجلان: الأول والثاني دعيا إلى نقد الرأسمالية والاكتفاء بذلك وأحياناً إلى تحديثها كما أدورنو، بينما القائد اوجالان يؤكد أن عمليه فهم المستقبل والمعاصر لا يمكن دون العودة إلى التاريخ وهنا يمكن رؤية الفرق بين القائد اوجالان وبروديل، علاوة أنهما أكدا على العاملين الاقتصادي والاجتماعي في احداث الانعطافات التاريخية وجد القائد هذا الشيء أمراً غامضاً أما الواضح فهو التنظيم المجتمعي وإحداث الكومينات وعدد كبير من المؤسسات التي تدير عمليا المجتمع والمقاربة بينها وبين الكوانتوم المجتمعي، وتم اتخاذ فلسفة القائد عبد الله أوجلان وطرحه لمشروع الأمة الديمقراطية القائم على آليات التنظيم الذاتي والعيش بإتحاد قائم على إدراك أهمية الهجمات المستهدفة للهوية والعمل على الحفاظ عليها بالرغم من اختلافاتها، فمفهوم الأمة الديمقراطية وكما يقول السيد أوجلان: “الأمة الديمقراطية باعتبارِها نموذجاً حَلاّلاً، يُنعِشُ ثانيةً دمقرطةَ العلاقاتِ الاجتماعيةِ التي مَزَّقَتها النزعةُ الدولتيةُ القوميةُ إرباً إرباً، ويُفعِمُ الهوياتِ المتباينةَ بروحِ الوفاقِ والسلامِ والسماحة. لذا جلب معه مكاسب عظمى. فنموذجُ الأمةِ الديمقراطيةِ يتسلحُ بوعيٍ مجتمعيٍّ سديدٍ للقيامِ أولاً بتطويعِ الإدراكاتِ المجتمعيةِ المشحونةِ بالعنف، ثم لتصييرِها إنسانية”
الامة الديمقراطية خير نموذج لسورية القادمة
بناءً على ما تقدم، ولأننا أصحاب ثورة، لم نرغب بأن نكون من الذين يبتعدون عن تشخيص حاجاتهم. وعلى هذا الأساس قمنا بالبحث عن الحلول الممكنة بالطرق التي لا يمكن لها أن تجلب السلطة بشكل أو بآخر، على غرار ما تقدمت به العديد من الأطراف التي أرادت بإصلاحات تجميلية لحالة النظام المركزي الموجود، وتجاهل تلك الحاجة الأساسية للشعب السوري، وهي الانتقال إلى مرحلة مختلفة عما كانت عليها سورية. ومن هنا رأينا و بالنقاش مع شركائنا من المكونات الموجودة في روج آفاي كردستان على إن نموذج الأمة الديمقراطية سيكون خير نموذج لخدمة مجتمعنا والمجتمع السوري، بل ويعمل نموذج الأمة الديمقراطية على إحياء قيم المجتمع والحفاظ عليها.
– لعل التطرق لأبعاد مشروع الأمة الديمقراطية ضروري ومنها الحماية الذاتية – والانفتاح المحلي والعالمي بدبلوماسية تكون لائقة بالمجتمع، وكذلك في مجال الصحة والتدريب والثقافة وإيلاء اللغة أهميتها وتطوير الاقتصاد المجتمعي وتشكيل المجالس والمؤسسات.
وقد رأينا هذه الأبعاد موجودة في روج آفا، وبدأنا العمل منطلقين من تنظيم المجتمع وفق كومينات، ومن ثم عملنا على إنشاء مؤسساتنا. فكانت الإدارة الذاتية خير نموذج لتجسيد عوامل الأمة الديمقراطية، وبهذا تحولت روج آفاي كردستان نحو الابتعاد عن المركزية، واعتمدت على هذه العوامل كأساس وعلى الشعب على أنه هو من يقوم برسم سياسة إدارته لذاته وفق التوافق ما بين المكونات الذين التقوا على أهمية وضرورة هذا المشروع.
الوحدة في الاختلاف
إن من أهم ما تميزت بها ثورة روج آفا ذلك التنوع الموجود وحالة الاختلاف والاتحاد فيما بعد على رؤية واحدة وهو المشروع المطروح من قبل الفيلسوف والقائد عبد الله أوجلان على اعتباره ان هذا المشروع ملائما لجميع شعوب الشرق الأوسط والعالم، بحيث وجدت جميع الأطراف التمثيل الحقيقي لدورها وعملت على المشاركة العملية على أرض الواقع وفق جوهر هويتها التي تواجدت عليها وبالشكل الذي يتناسب وطبيعة هذه المكونات، ففي الرئاسة المشتركة رأت في هذا النموذج المكونات في روج آفا على أنه نموذج جديد يمثل حالة الديمقراطية ويحقق القضاء على الفراغ الإداري الذي سببه نظام السلطة والبيروقراطية، بل وساهم اعتماد هذا النموذج على رفض الذهنية التحكمية السلطوية والفردية الى جانب التفكير بكيفية مشاركة القرار والنقاش بغية تطويره للأفضل، ورأت جميع المكونات تمثيلها الحقيقي بالمشاركة في هذا النموذج.
المؤسسات المجتمعية
– المؤسسات المجتمعية والخدمية، فقد ساهمت المكونات وبكل تنوعها من العمل على تأسيس ما رأته ضرورياً وهاماً من المؤسسات والمجالس التي من شأنها خدمة الشعب بكافة انتماءاته، فقام الشعب بتنظيم ذاته في البلديات والمحاكم الشعبية والمجالس المحلية واعتماد وتطوير اقتصاده المجتمعي بغية تطوير الأداء الخدمي. وارتبط ذلك بحس وطني نابع من إرادة الأطياف المشاركة نظراً لكونها حاجة من حاجات المجتمع الديمقراطي الذي نسعى إليه، وبالاستمرار بحالة التنظيم الشعبي توافقت المكونات على أهمية وضرورة وجود قوات حماية الأمن الداخلي من الأسايش وقوات حماية المجتمع الذين انطلقوا في عملهم من الايمان بجوهر الحماية الذاتية أساساً ومن نظرية الأمة الديمقراطية منهجاً، فعملت على أداء مهامها الأخلاقية المتمثلة بحماية الأمن والحفاظ على المجتمع في روج آفا، ومنعت المجتمع من الانزلاق نحو الفتنة المثارة من قبل العديد من الأطراف التي لم تستحب ذلك التآلف والتعايش والمحبة ما بين الكرد، العرب، التركمان، السريان، الآشوريين، والكلدان. وعملت هذه القوات على إفراغ مشاريع عديدة كان هدفها النيل من وحدة المجتمع المتنوع لدينا، وعاد المجتمع بعد تشخيص هذه المحاولات بتقوية نفسه معتمداً على أسس طبيعية تربط شعب روج آفا ببعضهم وازدادوا قوة وألفة. وكذلك قوات الحماية والدفاع الذاتي التي لم تقتصر المشاركة فيها على هوية واحدة، بل تواجدت المشاركة بهويات متعددة تمثل اللوحة الطبيعية لمكونات روج آفا، فعمل الشباب بمختلف انتماءاتهم بالالتحاق بهذه القوات مؤمنين بواجبهم الوطني وبأن الهوية المستهدفة في روج آفا هي هوية جميع المكونات وليس مكون دون آخر. فجسدوا ومازالوا ملاحم بطولية في حماية المناطق والدفاع عنها، وامتزجت الدماء الكردية والعربية بالدماء السريانية والتركمانية والآشورية، لتشكل حصناً منيعاً لأي طرف يساوم على تفكيك وحدة مكونات روج آفا.
وحدات حماية الشعب YPG و المرأة YPJ
و أما وحدات حماية الشعب YPG ووحدات حماية المرأة YPJ التي تأسست للدفاع عن روج آفا ضد كل ما يحيط بها من اعتداءات هدفها تفكيك المجتمع والاعتداء على الشعب، فقد قدمت هذه القوات مقاومات بطولية بأبطالها من أبناء روج آفا بمختلف هوياتهم، وقدموا كوكبة من الشهداء الأبطال من الكرد والعرب والسريان والآشوريين والأرمن ومن مناضلين أمميين من مختلف دول العالم. وعندما حققت هذه القوات انتصارات ساحقة على القوى المعتدية، وسمت نحو تطلعات الشعب، وعملت على الدفاع عن المناطق والقرى والبلدات دون التفريق بين انتماءات أهاليها، تطورت وتوسعت في هيكليتها لتشمل بعض فصائل وألوية وكتائب من الجيش السوري الحر ممن آمنوا بمدى تمثيل هذه القوات لخط الثورة في سورية على أرض الواقع. وتوحدت جميعها تحت سقف قوات سورية الديمقراطية QSD التي تدك اليوم معاقل الارهاب وتهدد عاصمة خلافته المزعومة بإرادة الشعب في روج آفا. وببطولة أعضاء وعضوات هذه القوات، والتي يمكن اعتبارها على إنها النواة الحقيقة لجيش وطني ديمقراطي على مستوى سورية، يمثل تلك اللوحة والموزاييك الوطني السوري بتنوع الشعب وتعدد قومياته.
التعليم
وفيما يتعلق بالتعليم، كان موضوع حرية الأفراد بالتعلم وفق انتماءاتهم وبلغاتهم موضوع في بالغ الأهمية. فكما يقول القائد أوجلان “مستوى التقدم في اللغة يعكس مستوى التقدم في الحياة”. فحرصنا في روج آفا على ضرورة وأهمية هذا الموضوع كونه يمثل ضرورة من ضرورات الحفاظ على حالة التنوع الثقافي، وكذلك تقديم ما من شأنه دعم هذا التنوع على عكس ما عملت عليه القوانين التي كانت تعمل بها الدولة السورية في ظل حكم البعث، فحالة التنظيم الشعبي حافظت على التنوع في الهوية القومية والتعليم والمشاركة الإدارية. وكل هذا يعتبر من أهم الركائز العملية لمشروع الأمة الديمقراطية، فنحن رأينا التجسيد العملي لهذا المشروع وبالمقومات الطبيعية له على أرضنا في روج آفاي كردستان، و ما زاد في قوة وتميز ثورة روج افا هو الدور الطليعي والقيادي الذي لعبته الشبيبة باتت ممتلكة لارادتها وتلعب دورا طليعيا بارزا ضمن جميع المجالات في ثورة روج افا، والمرأة التي تمكنت من خوض نضالها للعودة إلى المسار الصحيح اللائق بها وبتاريخها لتكون كأم وكإدارية وكمقاتلة وكمعلمة وكرئيسة لجميع المؤسسات في روج آفا، تحولت المرأة من تلك الحالة التي كانت تفرضها ثقافة الاستبداد والتسلط الممثلة بالذهنية الذكورية والجنسوية إلى مستوى يمكّنها من قيادة نضال الحرية ولتصبح الركيزة الاساسية للتنظيم المجتمعي. وعلى هذا أستطيع التأكيد بأننا لن نكون مخطئين إن سمينا ثورة روج آفا بثورة المرأة.
طرح مشروع ديمقراطي كمشروع الأمة الديمقراطية ترافق مع بروز العقبات امام الثورة المنادية بتلك الحاجة، فالعقبات والصعاب تمثلت في أوجها بتلك الذهنية التي عبث بها النظام على مدار سنوات. وعملنا نحن على تنقيتها والعودة بها إلى طبيعتها من خلال اعتماد الفرد المواطن الحر وحياة الكومونة الديمقراطية، حيث النفع العام للمجتمع، لا العمل على استغلال المجتمع وتكريس حقيقته من الوجود الفردي أو خدمة الذات بتعال ورفعة على الآخرين، وكثفنا من نضالنا من أجل تغيير هذه الذهنية التي قام العديد من الأطراف الأخرى بمحاربة هذا التغيير، خاصة من اولئك الذين ينادون بالسلطة.
روج آفا التي تخوض اليوم بسواعد أبنائها ومن كافة المكونات والأطياف مقاومة تاريخية ضد الإرهاب ومروجيه، ضد من شتّتوا الشعب السوري وارتكبوا أبشع المجازر وأقذرها في التاريخ، ضد من كتم على أنفاس الناس وجرّدهم من ألوان الحياة، روج آفا اليوم فخورة بأن تكون مسرحاً لصراع السلام والمحبة ضد الإرهاب والقتل، فخورة اليوم بأن تكون مندوبة للعالم أجمع، للإنسانية جمعاء بأن تدافع عن الإنسانية وقيم الحياة الكريمة في جميع أصقاع الأرض انطلاقاً من الأرض السورية، نحن فخورون اليوم حينما نكون وبهمة وقوة وإرادة أبنائنا مدافعين عن الحق وساعين بتلك العزيمة التي استشهدوا عليها رفاقنا نحو حياة حرة كريمة، يتساوى فيها جميع الأفراد وينعم أبناؤها بالأمن والأمان. ونسعى لإلغاء تلك النظرية التي كان يعتمدها نظام الحكم الواحد القائمة على إلغاء الآخر.
من المهم أن ندرك إن كل ما طرحه السيد عبد الله أوجلان من أفكار حول ماهية الإدارة وشكل تنظيم المجتمع لذاته وانفتاح الأفراد على مجتمعاتهم يعتبر من أهم الملامح الضرورية والهامة. كما وتمثل الشكل المناسب لأي مجتمع من أجل بناء مسار جديد لحياة ندية قائمة على أسس الديمقراطية والحماية الذاتية والانتقال نحو تحقيق تطلعاته في مسيرته التطويرية من أجل إرساء دعائم الديمقراطية وتثبيت دعوتها.
فالأنظمة المركزية لم تعد تفي بالغرض ولا يمكنها تحقيق ذلك التطلع بحكم إنها تقوم على تنظيم ذاتها على أساس السلطة والحكم بمنطق عدم وجود طرف أو رأي أو اتجاه آخر. وهذا ما يوضحه السيد أوجلان في أحدى مرافعاته بقوله: (كفاحاتُ الأمةِ المتطلعةِ إلى الدولةِ والدولةِ المتطلعةِ إلى الأمة، هي المؤثِّرُ المِحوريُّ في الواقعِ الدمويِّ للعصر. وتحقيقُ مُلاقاةِ الأمةِ مع السلطةِ والدولة، هو المنبعُ العَينُ لقضايا عصرِ الحداثة، والتي إذا ما قارنّاها مع القضايا الناجمةِ من الدولِ الديكتاتوريةِ والسلالاتية، سنَجِدُ أنّ القضايا في عصرِ الحداثةِ تنبعُ من أمةِ الدولة، وأنّ هذا الوضعَ يُشَكِّلُ أكبرَ فارقٍ بينهما. فالدولةُ القوميةُ التي هي إحدى أشدِّ المواضيعِ تعقيداً في علمِ الاجتماع، تُعرَضُ وكأنها عصا سحريةٌ وأداةٌ لحلِّ جميعِ القضايا المناهِضةِ للحداثة. بينما مضموناً تَجعَلُ من القضيةِ الاجتماعيةِ الواحدةِ أَلفاً. والسببُ في ذلك يَعودُ إلى تسريبِها لجهازَ السلطةِ حتى أدقِّ الأوعيةِ الشعريةِ للمجتمعات).
وفي تسليط هذه النظرية على واقعنا المعاش، نجد أن عوامل تشكيل الأمة الديمقراطية نابعة من الأساس الطبيعي للتكوين البشري الرافض للتضاد، والساعي نحو حياة مشتركة سِمَتُها الأساسية القبول وإدراك الحالة الطبيعية لوجود الآخرين. وهي حالة ضرورية وهامة باعتبارها تعطي حالة الاختلاف جوهر ومعنى اتحادي على أسس نابعة من ضرورات الحفاظ على الذات وتمثل وحدة حقيقة للمجتمع رغم حالة التعدد والتنوع.
ايتها السيدات أيها السادة
إن روج آفا اليوم تتكاتف بتنوعها القومي والعرقي والاثني وبلغاتها المتعددة وأحزابها واعلامها حول هذا المفهوم مفهوم الأمة الديمقراطية حالة الاتحاد ضمن التنوع والاختلاف وتلتقي على أسس الحياة والوجود المشترك، وإن الشكل الذي تتم فيه الإدارة قائمة على أساس اعتبار الشعب هو المصدر المعتمد على شكل وصيغة الإدارة التي تناسبه وتضمن حالة التنوع في الهوية والوجود، وما الاجتماع الذي حصل في مدينة رميلان في 17-18 آذار من العام الجاري، ومناقشة الأطراف المتعددة في روج آفا، واعتماد شكل الإدارة المناسب، والتوصل إلى قرار اعتماد نموذج الاتحاد الفيدرالي الديمقراطي لروج آفا –شمال سورية، ما هو إلا إختبار حقيقي لمدى تحقيق نظرية الامة الديمقراطية في هذه المنطقة كحل لحالة المجتمع الذي مارست فيه الأنظمة السلطوية أعلى درجات القمع. وإن الأساس الحقيقي لتطوير أي مجتمع هو إيمان ذلك المجتمع بحقيقة ذاته ونضاله من أجل هذه الحقيقة.
وفي الختام أشكر السادة الحضور وكذلك القائمين على المؤتمر، وأندد بشدة تلك العزلة المفروضة على القائد والزعيم الأممي عبد الله أوجلان. ولابد من أن تقوم المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان بأداء واجبها حول ممارسة الدولة التركية بحق السيد أوجلان، خاصة بعد ما شهدته معظم مناطق العالم من مظاهرات منددة بتلك العزلة وظروف الاعتقال. وإن ذلك واجب على جميع الأحرار في العالم ومناصري الإنسانية.
- عضو قيادي في حركة المجتمع الديمقراطي Tev-Dem في سورية و النص القي في كونفراس “السلام والاستقرار في الشرق الاوسط في فكر اوجلان” الذي انعقد من تاريخ 20-22-7- 2016