الغالب و المغلوب
بقلم : عماد ادهم مصطفي – باحث في “المركز الديمقراطي العربي”
من الظواهر التي الاحظها جلياً فى العالم الاسلامي و العربي عموًما و فى مصر بشكل خاص ما يسميه البعض التغريب و البعض الاخر يسميه التقليد الاعمي و اخرون يقولون انه ولع المغلوب بتقليد الغالب كما اشار ابن خلدون فى مقدمته الشهيرة .. ولكن ما يجب ان نقف عليه حقا هو ظاهرة ربما ليست جديدة على الحضارة الانسانية منذ نزول ادم علي الارض و لكنها باتت جليه و واضحة فى العصر الحالي و هي ما اسميه ثقافة استيراد المشاكل و الازمات و من ثم استيراد الحلول من الاجنبي .
نجد الان بعض المفكرين الشرقيين فى عملهم لتوصيف المسألة الشرقية مشكلاتها و ازمتها الحالية وما هي الحلول تجد دائما وتلاحظ استيراداً للمشاكل التي كانت موجودة فى القارة الاوروبية فى عصور معينة واسقاط هذه المشاكل على عالمنا العربي باعتبار ان البشر جمعيا يجب ان يمروا بنفس المراحل من التطور ليصلوا الي ما وصلت اليه الحضارة الغربية و من ثم بدون دراية يتم استيراد مشاكل الغرب و بالطبع كل مشكلة تحتاج الي حل فتجدهم يبحثون عن الحلول التي ساقها الفكر الاوروبي لمشاكله و كأن الله كتب علينا استيراد كل شىء حتي المشكلات .
القضية لا تتعلق فقط بالنية الحسنة او الرغبة فى الاصلاح ولكنها تتعلق بالولع الدائم من قبل المغلوب و هو العرب فى حالتنا الي تقليد الغالب وهو الغرب و من نتائج ذلك هو ما اسميه استيراد المشاكل . فمثلا يدعو المفكرين المعتنقين للعلمانية – و مشتقاتها السياسية و لوازمها كالليبرالية السياسية و الاقتصادية ..الخ – الي تطبيقها فى العالم العربي و الاسلامي و ضرورة فضل الدين عن الحياه و نحذو حذو فرنسا و اوربا بفصل الكنيسة عن الحياه العامة باعتبار ان العالم الاسلامي الان يواجه مشاكل تتعلق بالدين و الرؤية العامة للاله و نظره الانسان العربي او المسلم للكون و الطبيعه و الاله يجب ان تتغير و لابد ان نتعلم من الغرب كيف استطاع ” الحفاظ على المسيحيه” بابعادها عن كل ماهو دنيوي و تركها تتعالم مع الاخرويات داخل ابواب الكنيسة فقط .
القضية هي انه يجب ان نسلم ان لدي المسلمين كنيسة و ان لديهم رجال دين كما كان لدي اوربا فى العصور الوسطي و انهم يتحكمون فى حياتهم و دنياهم يحللون و يحرمون طبقا للهوي و يقفون بين العبد و الرب بهيراركية كنسية و يعطون صكوكا للغفران و ما الي ذلك من ممارسات عانت منها المسيحية كدين قبل ان يعاني منها الاوروبيون و لكن بنظره ولو سطحية للدين الاسلامي او لنقل الحضارة الاسلامية – التي كان الدين كعقيدة فى قلبها مكونا رئيسيا و محوريا تدور حوله باقي المكونات- نجد ان المسلمين لم يعرفوا اطلاقا المفهوم الثيوقراطي ولا مفهوم الكنيسة باعتبارها مهبط الرسائل الالهيه و لم يعرف المسلمون رجل الدين باعتباره خليفة للاله يحكم باسمه فلم يدعي ابو حنيفه ولا الشافعي يوما انه على اتصال برب العباد و لم يقل حتي اشدهم استبدادا كالحجاج او يزيد انه تأتيه رسائل من الرب وانه يحكم باسمه و ظله و هكذا و التاريخ الاسلامي منذ ان حكم رسول الله المدينة المنورة الي ان سقطت الخلافة العثمانية فى القرن الماضي حافل بمشاهد و مواقف تنفي تماما فكره ان الدين الاسلامي يحتاج الى العلمانية باعتباره دين مثل اي دين يسري عليه مايسري علي غيره ” المسيحية”
لنورد بعض الامثلة البسيطة فنجد مثلا انه بمجرد انتقال النبي الي جوار ربه اجتمعت النخبة ان جاز لنا القول فى السقيفه ليختاروا حاكما جديدا للدولة الاسلامية و اختلفوا ثم اتفقوا على ابو بكر الذي قال للانصار منكم الامراء و منا الخلفاء فهل يعقل انه لو كان الاسلام كالمسيحية ان يجلس الناس ليختاروا حاكمهم اوليس المفترض ان الحاكم مختار مسبقا من قبل الرب وهل يعقل ان يتشاور اتباعه في اختيار من يحكم يختلفون و يتفقون بل و يقول الحاكم المختار انه يحكم بما امر الله وان خالفه فلا طاعه لمسلم له هل هذا حاكم ثيوقراطي ! – فى خلافة عمر رضي الله عنه ناداه احدهم بخليفة الله فما كان من عمر الا ان نهره قائلا بل خليفة رسول الله و الفارق واضح لا مراء فيه بين المعنيين فخليفة الله ” فى اوربا ” اما الثانية فهو بشر يخلف بشر لا اكثر – و المثال الاخير سيكون عن النبي صاحب الدين و صاحب الدولة الذي كان يشير المسلمين فى امور الحرب و العسكرية فيسالون اهذا وحي من السماء ام امر من امور الدنيا فاذا قال من السماء قضي الامر واذا قال امر من امور الدنيا تناقش المسلمون فيه و فى امور كثيرة يتم ترجيح غير كفة النبي كما فى غزوة الخندق التي كانت باشارة من سلمان الفارسي رضي الله عنه .
اما الخلافة الاسلامية فالمسلمون اكثر من ثاروا على حكامهم و اكثر من شهدت قصور ملوكهم صراعات بل ان الاسلام افرز فرقة الخوارج وهي فرقة قائمة بذاته على الثورة حتي وان كان السواد الاعظم من المسلمون يختلفون معها شكلا و مضمونا و يزخر الفقة الاسلامي بانه يحتوي على باب لا غني عنه وهو باب الامامة الذي لم يخلو منه عصر الا وان كتب فيه الكثير من المفكرين و الفقهاء و علماء الكلام و تجادلت الفرق الاسلامية فى صفات الحكام و وظيفته و الثورة عليه و تنصيبه وما الي ذلك من امور لا يمكن ان تدور الا علي حاكم يحكم الدنيا باسلوب الدنيا لا حاكم يحكم بامر الاله كما كان فى اوربا .
من مظاهر استيراد المشكلات من الغالب ان بعضهم يقول ان مشكلة مصر كمثال هي انه لابد من وجود حياه نيابية سليمة و برلمان قوي يحاسب الرئيس الحاكم او ربما يسلبه سلطاته باعتبار ان النظام الاغلب فى اوربا هو الديموقراطية النيابية التي هي بالطبع نتيجة عوامل و ظروف اقتصادية و سياسية و اجتماعية تخص المجتمع الاوربي و ليس من الضروري ان تخص غيره فيأتي البعض يستورد لنا مشاكل الغرب و يسقطها على مجتمعاتنا بدعوي ان تلك هي المشكلة الاصعب فى حين ان المجتمع الاسلامي او العربي لم يشهد تلك التغيرات التي كانت فى اوربا فى عصور الظلام و بعدها فى التنوير ولم يشهد التفاعلات التي ادت الي الاستقرار علي هذا النظام بعد سنوات عديدة كتب فيها من كتب و قتل من قتل .
لقد وصل الحال ببعضهم الي القول ان الشرق متخلف بذاته و بطبعه لا شىء عارض و الحل هو الالتحاق بالثقافة الغربية و التقاليد الغربية و طريقة الحياه الغربية بل حتي كيفية الجلوس على مائدة الطعام باعتبار انهم اذا اردنا الالتحاق باوربا فعلينا ان نكون اوروبيون فكريا و سياسيا و دينيا و اقتصاديا بصريح العبارة علينا ان نكون اي شىء اخر غير ان نكون انفسنا .. ما هذه الانهزامية و ما هذا الانسحاق العجيب . اليس من حق الشرق ان يخوض تجربته الخاصة ؟؟
دائما ما تصدق عبارة ابن خلدون ان المغلوب مولع دائما بتقليد الغالب و اذا كان لهذه الامة ان تنهض و ترتفع حالتها بين الامم فلابد ان ينتهي عمل هذه الجملة فى عقول المسلمين و العرب فكل امة لها ظروفها الخاصة و احوالها و تفاعلاتها التي تميزها عن غيرها من الامم و مشاكلها التي لا تحتاج الي زيادتها باستيراد مشاكل من الغالب و الواجب ان نبحث فى جذور مشاكل العرب و المسلمين بالنظر الي تاريخهم و حضارتهم نهضتها و افولها و كيف انهزمت و كيف كانت تنتصر و من ثم نستطيع ايجاد حلول لمشاكل تنخر فى جسد الامة منذ قرون ولت.