بريطانيا وخروجها من الاتحاد الاوروبي
بقلم : د.خالد ممدوح العزي – كاتب صحافي وباحث في العلاقات الدولية
ازمة جديدة وقعت على رؤوس البريطانيون الذين لم يستطيعوا الخروج من الاستفتاء الذي اجرته الحكومة البريطانية بتاريخ 23 حزيران \يونيو الحالي، والذي إخراج بريطانيا خارج الاتحاد . حاول منظمو الاستفتاء ان يطرحوا محوره بسؤال البقاء او الخروج عن الاتحاد الاوروبي ، فالبريطانيون بهذه النتيجة سجلوا انتصارا كبيرا للتطرف من خلال الادلاء بأصواتهم بالخروج من الوحدة الاوروبية، حيث حسم بذلك الاستفتاء وقرروا مصيرهم بالخروج وابقوا مصير اوروبا في ازمة سياسية. اذا علينا القبول بنتائج الانتخابات ، هذه قواعد الديمقراطية بالرغم من قول ونستون تشرشل :”بان الديمقراطية هي أسوأ نظام حكم باستثناء كل الأنظمة الأخرى”.
لقد جرت المنافسة الشديدة بين اليمين المتطرف الذي استطاع اخذ البلاد نحو التطرف والتقوقع الخاص به وبأفكاره والتي رفضته اوروبا سابقا وتحديدا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، حيث دفعت في تلك الحرب اثمان ذلك التطرف، اثمان كبيرة وباهظة طالت البشر والحجر ـ وبين صوت الاعتدال الذي لم يتمكن من فرض نفسه، وعقلنته على نشر ثقافة المحبة والسلام والتعاون بين اوروبا وبريطانيا . كانت بريطانيا تعيش اقوى الحملات الاعلامية والاضخم في تاريخ الترويج والدعاية ومحاولة التأثير على الراي العام ، حيث رفع كل من المعسكرين شعاراتهم التي تحث الناس على التصويت لصالح فريق من الفريقين، حيث دعت الحملة الرسمية من اجل البقاء في الاتحاد الاوروبي على كل وسائل التواصل الاجتماعي “تحدوا المطر وصوتوا من اجل البقاء”، بينما حث معسكر مؤيدي الخروج الناخبين على “عدم تفويت فرصة التصويت من اجل الخروج”. نجحت دعاية اليمن وقد لاقت صدى كبير داخل الشعب البريطاني الذي صوت لشعارهم بان لا يفوتوا فرضت الخروج. ان انتصار اليمن سبق الاخرين بالرغم من ان الدول الاوروبية وشعوبها كانت تنتظر عملية التصويت بفارغ الصبر، لأنه كما يبدو فان مصير الاتحاد الاوروبي السياسي والاجتماعي والاقتصادي كان قد ارتبط بهذا التصويت سلبا او ايجابا وهذا ما دعت اليه المستشار الالمانية انغيلا ميركل لاجتماع طارئ لدول الاتحاد الاوروبي فور اعلان النتائج .فالجميع بات يعلم بان خروج بريطانيا من الاتحاد سيكون لها تأثيره السلبي على شعوب الاتحاد الاوروبي التي ستعمل بدورها على الخروج من هذا الاتحاد من خلال تنظيم الاستفتاءات واعطاء جرعات حيوية فعلية لليمن الاوروبي بالنهوض مجددا نحو التطرف . وهذا ما اكدته أيسلندا بانها ستعمل على اجرى استفتاء ثاني من اجل الخروج عن سيطرة بريطانيا ، مما يعني بان التطرف البريطاني بمحاولة خروجه هذه قد دق الاسفين في نعش الوحدة الاوروبية التي باتت تنتظر الاستفتاءات على مصيرها القادم . فالخوف القادم من تطور فكرة التطرف لدى اليمن ستكون من المملكة نفسها التي ستدفع بالدول الصغيرة التي تدخل في اتحاد مع المملكة بالخروج مما يخشى بحدوث بلقان جديدة في اوروبا الغربية . فاليمن البريطاني كان يحلم بالخروج من الوحدة، كان يعمل بكل قوته على نجاح الاستفتاء والخروج وكانت تشير الاستطلاعات والمعلومات بان بريطانيا كانت تتوجه نحو الخروج،وبالرغم من تدخل جميع القادة الاوروبيين لدعوة البريطانيين الى البقاء لان خروج بلادهم يمكن ان يؤدي الى تفكك الاتحاد الاوروبي وقدوحذرت كل المؤسسات الدولية من صندوق النقد الدولي الى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية من ان خروج بريطانيا سيؤدي الى عواقب سلبية على المدى البعيد علاوة على التبعات الاقتصادية الفورية على البلاد مثل التقلبات القوية في الاسواق واحتمال انهيار الجنيه الاسترليني.
لم ينتصر الاعتدال البريطاني ولم يستطع قطع الطريق امام كل محاولات التطرف الاوروبي ، ولم تتنفس اوروبا الصعداء ، وذهب الشعب البريطاني نحو التطرف، وقد انصاع لمطالب التطرف بكل اشكاله، وبكل انواعه. لقد استطاع جر بريطانيا نحو التقوقع بالرغم من الثقافة التي تملكها المملكة، والتي تصل الى مئات السنين من التجارب الديمقراطية وثقافة الوعي والعدالة والانسانية والاعتدال لكنها ذهبت نحو التقوقع الانطواء في داخلها وعلى ذاتها من خلال تبني شعارات وهمية وحاقدة. ربما كان اليمن يستخدم شعارات نارية استطاع من خلالها التأثير على الناخب البريطاني واخذه نحو توجهاته السياسية الخاصة لتنفيذ حلم شوفني متطرف . وربما موت النائبة الشابة البريطانية عن حزب العمال جو كوكس بتاريخ 18 حزيران \يونيو الحالي، كانت صدمة فعلية للجمهور البريطاني الذي خاف من تصرفات اليمن، او ربما لم يكن الوقت كافا لكي يفكر الشعب البريطاني تفكيرا مبدئيا بمعاقبة حكومته ودولته على التقصير ببعض القضايا وخاصة مشكلة اللجوء والوضع الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي ، لكن الصدمة كانت العلاج الفعلي للشعب البريطاني الذي فهم سريعا بان بريطانيا ستذهب نحو التطرف، والتعصب، والمشاكل الداخلية، وخاص بعد اعتقال قاتل النائبة وعرضه امام القضاء البريطاني والذي لعب الاعلام دورا كبيرا في نوايا اليمن وتحديدا عندما اطلق شعارته الحاقدة “الموت للخونة، الحرية لبريطانيا”. وبالرغم من اجراء عملية الاستفتاء وانتصار اليمن في هذه المغامرة الخطرة . فان النسبة قريبة جدا 53 % لصالح الخروج من الاتحاد الاوروبي و47 % لصالح البقاء فان الامر لا يشكل كارثة ، ولايزال هذا الرقم يشكل نصرا فعليا لقوة الاعتدال ، فالمطلوب من الدولة ومجلس العموم البريطاني والنخب والاعلام البريطاني الوقوف امام هذه الشعارات والعمل على ايجاد حلول جديدة لها كي لا تبقى في يد اليمن والتلويح بها ساعة يشاء، ويجذب الشارع باتجاه .
من هنا لابد من القول بان هذا الهزيمة التي اصابة الجسد البريطاني في عملية الاستفتاء اعلن الخطر في اوروبا والعالم من نمو التطرف الارهابي المذهبي او القومي التي جسدتها القوى البريطانية هو حالة باتت تعيشها دول العالم كله ،لكن انتصار التطرف هو ضربة للوحدة البريطانية والوحدة الاوروبية التي باتت تتطلب رسم سياسة خاصة مستقلة من اجل لعب دورا رياديا في العالم، وخاصة بان شعوب الاتحاد الاوروبي ،والعالم كله يعول على اعادة تفعيل دور دول الاتحاد الاوروبي الذي بات بحكم المغيب .
Khaled el-izzi