المرأة من السياسة إلى الرئاسة
لم يدر فى خلد أحد ممن دعوا إلى حصول المرأة على حقوقها السياسية أن الطريق ستطول وستكثر فيها العقبات، وأن بعض هذه العقبات سيفرض العودة إلى الوراء.
فهناك اعتقاد فى أغلب المجتمعات العربية بوجود تعارض بين الدين ووجود المرأة على الساحة السياسية، أو حتى على مستوى العمل. ويدور النقاش حول المرأة والسياسة، انطلاقا من مقولات معظمها دينية، بغض النظر عن مدى إدراك المشاركين فى هذا النقاش لها أو لدلالتها، أو إدراكهم أنها قد ترتبط بتقاليد اجتماعية وليس بثوابت دينية. وتشتد سخونة هذا النقاش عندما يصل إلى رئاسة الدولة وحق المرأة فى تولى هذا الموقع من عدمه.
ومن هنا تأتى أهمية هذا الكتاب، الذى يقدم مؤلفه الأستاذ محمد عبد المجيد الفقى، دراسة فقهية مقارنة يعرض فيها مواقف المؤيدين والمعارضين للدور السياسى للمرأة فى الفكر الاسلامى بأسلوب سهل للقارئ.
وتتسم الدراسة بموضوعية، ساعد المؤلف عليها إلمامه الواسع بموضوعه وتمكنه منه وأمانته فى عرض وجهتى النظر المتعارضتين. وهو لا يخفى ميله إلى أحد هذين الرأيين. وهذا رأيه الذى قد يختلف معه البعض ويتفق معه البعض.
ويتضمن الكتاب مقدمة وثمانية فصول نقدم هنا موجزا لها، يبدأ بعرض تاريخى لدور المرأة السياسى ثم يلقى ضوءا على أربع قضايا رئيسية ما زالت تثير جدلاً:
1- تولى المرأة القضاء.
2- تصويت المرأة فى الانتخابات.
3- ترشيح المرأة لعضوية المجالس النيابية.
4- تولى المرأة منصبا وزاريا.
5- تولى المرأة رئاسة الدولة وقضية الإمامة العظمى.
أولا: صور تاريخية لدور المرأة السياسى فى صدر الإسلام
1- المرأة مستخلفة فى الأرض مثلها مثل الرجل
يعد امتحان المهاجرات ونزول نص قرآنى صريح فى ذلك واحدا من أعظم الأدلة على اعتبار الإسلام لمسئولية المرأة، وتحقق معنى كونها مستخلفة فى الأرض، بنفس درجة تحققه فى الرجل.
الفروق البيولوجية لم تمنع المرأة من الجهاد السياسى
إذ هاجرت زينب بنت رسول الله (ص) رغم حملها، ومع جماعة ومنفردة، وبإرشاد غير مسلم يدلها على الطريق.
2- امرأة تناظر النبى (ص) سياسيا
هند بنت عتبة ناظرت النبى(ص) قبل أن تبايعه على الإسلام، فى حضور كبار الصحابة فى قصة مشهورة، ولم يحجر النبى (ص) على حقها فى التعبير وأفسح لها المجال كاملا للإعراب عن آرائها.
3- بيعة النساء للحاكم: اختيارية أم وجوبيه؟
يرى أكثر العلماء أن بيعة النساء للحاكم كانت اختيارية، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِى إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ)[الممتحنة: من الآية12] أى: إذا جاءت المرأة للمبايعة فبايعها، وليست البيعة التى يُنَصَّب بها الحاكم والإمام واجبة على النساء إلا إذا كان ذلك مما يتحقق به نصرة الإسلام على الكفر، كما فى بيعة العقبة، أو إذا كانت البيعة على الإسلام والإيمان، واستدلوا بأنه لم يثبت يقينا فى سيرة الخلفاء الراشدين اشتراك المرأة فى بيعتهم مع وفرة الدواعى التى تؤيد مشاركة المرأة وانتفاء الموانع فى ذلك الوقت، حين بلغت المرأة شأوا عظيما برفع الإسلام لمكانتها، حتى قال عمر رضى الله عنه: فلما جاء الإسلام وذكرهن الله رأينا لهن بذلك حقا علينا من غير أن يدخلهن فى شىء من أمورنا.
4-لماذا اختفى اسم المرأة عند مبايعة الخلفاء الراشدين؟
كيف نكشف السر فى التناقض الحادث بين الواقع التاريخى الذى صورته المصادر لمبايعة الخلفاء، وبين الواقع التاريخى قبله على عهد رسول الله؟ وكيف نفسر التناقض بين عموم الخطاب القرآنى للرجل والمرأة دون قصر التكليف على جنس أو تحديد تكليف الجنسين معا وبين غياب المرأة فى بيعة الخلفاء من جهة أخرى، وعدم تحقيقها لهذا الخطاب كما قد يبدو من ظاهر اختفاء اسمها عند مبايعات الخلفاء الراشدين.
ذكر الباحثون لغيابها أسبابا ثلاثة هى:
1- تأثير الظروف التاريخية الصعبة على نظم اختيار الخلفاء الراشدين مما جعل الصورة الإجرائية الكاملة لم تكن متحققة تماما.
2- أثر الطبيعة الاجتماعية فى صدر الإسلام.
3- عِِلمُهُن بأن غيابهن ليس خطرا على الخلافة فى هذه المرحلة فلم يكن يعنيهن إلا مقاصد الدين. وهذا هو السبب الأوضح فى تفسير هذا الغياب.
وخلاصة القول:
إن غياب المرأة لم يكن أصلا شرعيا يُعمل به ولا سنة راشدة تجب متابعتها، وليس له دلالة على الرجوع عما كانت عليه مبايعات النساء للنبى ، وليس فيه معنى إهمال النساء لأمر الخلافة وشأنه ما قدمنا.
وادعاء أن الذكورة شرط يجب توافره فيمن يختارون الإمام غير صحيح بالمرة ولا دليل عليه من كتاب ولا سنة.
المرأة بايعت البيعة الكفائية والعينية، وتعد نسيبة بنت كعب نموذجا على هذا، فقد بايعت الرسول (ص) على الجهاد فى بيعة العقبة الثانية، وقاتلت فى غزوة أحد وغزوة خيبر ويوم اليمامة، كما بايعت بيعة الرضوان على الموت، وهو ما يدل على التزامها بالبيعة.
5- مسئولية المرأة فى الشورى
أ- تشارك المرأة فى المسائل التشريعية ذات الصبغة الفقهية، إذ أن لها بالإجماع حق الاجتهاد والفتوى وهو واجب كفائى.
ب- وتشارك فى الشورى فى المسائل الفنية المتخصصة، إذ أن العبرة فيها بالأهلية بمعنى القوة والأمانة، وهى واجب كفائى.
ج- كما تشارك فى الشورى على المسائل العامة باعتبارها فردا فى الأمة وهى مشاركة واجبة وجوب عين.
د- وتشارك فى الشورى على المسائل الخاصة بفئة معينة من خلال العمل النقابى الذى تتأسس مشاركتها فيه على حقها فى العمل المهنى، ومن خلال الاستفتاءات المحدودة إذا كانت ضمن فئة ذات مصلحة خاصة.
ويلاحظ أنه برغم دخول النساء فى الساحة الفقهية، والعلاقة المهنية، والرابطة الايمانية، فإن المرأة يظل لها بعض الأحكام الخاصة فى الشرع، وبعض المصالح الخاصة فى الواقع، وهو ما يستلزم الرجوع لعامة النساء قبل اتخاذ قرارات تخصُّهن فى الدولة الإسلامية، وهذا هو ما فعله الرسول فى عصره فى أكثر من مناسبة، وهو ما فعله خلفاؤه الراشدون كعمر بن الخطاب.
عمر بن الخطاب يشاور المرأة حتى يتخذ قرارا صائبا: فقد استشار حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضى الله عنها ليعلم منها كم تصبر المرأة على خروج زوجها للجهاد، واتخذ قرارا بناء على رأيها مستهديا به فأمر القادة ألا يؤخروا الجنود عن زوجاتهم أكثر من أربعة أشهر
عمر بن الخطاب يعدل القرار بعد صدوره بناء على وضعية المرأة:
فقد أصدر قرارا العطاء لأطفال المسلمين بعد الفطام فعجلت النساء فطام أطفالهن حتى يأخذن العطاء مما كان له أثر سلبى عليهم، فعدل عمر عن قراره لما تبين له الضرر المترتب عليه.
عمر بن الخطاب يتراجع عن إصدار قرار لمعارضته لمصالح المرأة أو لحكم الشرع: فقد أراد عمر تحديد حد أقصى للمهور فعارضته امرأة وهو على المنبر بقول الله تعالى: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانا وَإِثْما مُبِينا) [النساء:20] فرجع عمر عن رأيه.
6- دور المرأة فى التنشئة السياسية
عن الشعبى: أن امرأة دفعت إلى ابنها يوم أحُد السيف فلم يطق حمله، فشدَّته على ساعده بنسعة، ثم أتت به النبى فقالت: يا رسول الله، هذا ابنى يقاتل عنك، فقال النبى: (أى بُنَى احمل هاهن، أى بُنَى احمل هاهنا)، فأصابته جراحة فأتى به النبى فقال: (أى بنى لعلك جزعت) قال: لا يا رسول الله.
إن الأم الصحابية قامت بدورها فى التنشئة السياسية والتلقين الواعى لابنها الصغير حتى أقدم على المعركة وهو صغير لا يطيق حمل السيف، لكنها وابنها كانا حريصين على الدفاع عن الإسلام ضد الوثنية الظالمة، وظهر فى الحديث مدى حرصها على تقديم ولدها فداء لدينه، ولما أصيب الصبى أراد النبى أن يطمئن على ثباته وصبره فأجاب بما يطمئن قلبه.
ثانيا: القضايا الكبرى المثيرة للجدل
1- تولى المرأة القضاء
اختلف العلماء قديما فى مسألة تولى المرأة لوظيفة القضاء بين مانع رافض لوجود المرأة على كرسى القضاء مطلقا، وبين مؤيد مجيز لذلك مطلقا، وبين مقيد لجواز توليها القضاء، فلا يجيزه لها إلا فى حالات محددة ، ولقد تجدد الخلاف فى عصرنا بين أهل العلم فى هذه المسألة المهمة، وفيما يلى آراء المذاهب الفقهية:
أولا: المانعون مطلقا: وهم جمهور الفقهاء، وعلى رأسهم المالكية والشافعية والحنابلة وهو رأى الشوكانى، ورأى الزيدية عموما، وغيرهم.
المانعون من أعلام العلماء ولجان الإفتاء فى واقعنا المعاصر:
ومن العلماء والباحثين المعاصرين الذين منعوا المرأة من تولى القضاء:
1) السيد جمال الدين الأفغاني.
2) لجنة الإفتاء فى الأزهر “سنة 1952”.
3) د. محمد عبد القادر أبو فارس فى كتابه القضاء فى الإسلام.
4) الشيخ سلمان بن فهد العودة فى كتابه حوار هادئ مع الغزالى.
5) د. عبد المجيد الزندانى فى كتابه الإسلام وحقوق المرأة السياسية.
وغيرهم الكثير.
ثانيا: المجيزون لتولى المرأة القضاء فى بعض الأمور: هم الحنفية وابن القاسم من المالكية و بعض المعاصرين
أجاز الحنفية للمرأة المسلمة أن تتولى وظيفة القضاء فى غير الحدود والقصاص لأنه لا يجوز أن تكون شاهدة فيهما. وقال أبو حنيفة: يجوز أن تكون المرأة قاضيا فى الأموال).
فالحنفية يذهبون إلى جواز قضاء المرأة فى كل شيء إلا فى الحدود والقصاص، فيصبح قضاؤها فى كل ما تقبل فيه شهادتها صحيحا، وشهادتها لا تقبل فى الحدود والقصاص وتقبل فى كل ما عدا ذلك.
رأى ابن القاسم من المالكية: أجاز ابن القاسم للمرأة أن تتولى القضاء فيما لا يتجاوز الأموال وما لا يطلع عليه الرجال.
المجيزون لتولى المرأة القضاء مطلقا (فى كل الأمور) :
وهو رأى ابن جرير الطبرى، ورأى ابن حزم الظاهرى، وقيل إنه رأى الحسن البصرى
رأى كبار علماء عصرنا: أجاز تولى المرأة منصب القضاء مطلقا كثير من أعلام العلماء المعاصرين، منهم على سبيل المثال:
• الشيخ محمد الغزالى “رحمه الله” فى كتبه الأخيرة.
• د. يوسف القرضاوى فى كتابه فتاوى معاصرة.
• د. عبد الكريم زيدان فى كتابه المفصل فى أحكام المرأة والبيت المسلم.
• د. محمد بلتاجى – رحمه الله – فى كتابه مكانة المرأة.
• د. توفيق الواعى فى كتابه المسلمات الداعيات … وغيرهم الكثير.
تفنيد أدلة منع المرأة من تولى القضاء
– المرأة لا تقبل شهادتها ولو كان معها ألف امرأة ما لم يكن معهن رجل
– وهذا الاستدلال قاله فقهاؤنا فى عصر إفراد القاضى، ولا ريب أن الفتوى تتغير مكانا وزمانا وشخصا وحالا. وكما هو معلوم أن الشافعى لما جاء إلى مصر تغيرت كثير من آرائه الفقهية. وفى زمننا استقرت النظم القضائية الحديثة على أنه يجلس للقضاء فى كل دائرة هيئة قضائية مكونة من رئيس وعضوين يتشاورون جميعا، ويتعاونون فى مراحل القضية المتتابعة لتحرى الحق والحكم به، ولو غفل أحدهم عن اعتبار ما فيها ذكَّره الآخران به، سواء كان الجميع ذكورا أو إناثا فإذا غفلت واحدة ذكرتها زميلتها الأولى أو الثانية، والآية عالجت القصور “النسيان” بتذكير الأخرى لها، وهذا يمكن أن يحدث فى القضاء كما يحدث فى الشهادة.
مرونة التشريع الإسلامى تسمح بتنظيم القضاء وفقا للعصر والأوان
بعض النظم الغربية الحديثة تلجأ لنظام المُحلّفين الذى ينظر فى القضية على مستويين متوازيين يدير القاضى فيه الجلسات، ليُِكِّون المحلفون رأيهم بأناة ثم يخبرون به القاضى، وقد يبلغ عدد المحلفين عشرة أفراد أو أكثر. ومن الملحوظ أن النصوص الشرعية اكتفت بالتوجيه نحو الحكم بالعدل وتَحِّريه، وتركت أمر التنظيم القضائى للمجتهدين فى كل عصر.
معنى القوامة لا يلغى حق المرأة فى تولى القضاء
قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)[النساء: من الآية34].
ليس فى الآية ما يمنع من تولى المرأة القضاء، وقول المانعين إن الآية تدل على قوامة الرجل على المرأة، وتوليتها للقضاء يجعلها هى صاحبة الولاية والقوامة على الرجال وهى ممنوعة من ذلك شرعا – قولهم – ليس صحيحا على إطلاقه.
سياق الآية يوضح أن الكلام كله عن المرأة الزوجة خاصة، وقوامة الزوج عليها، والآيات بعض العبارات القرآنية الدالة على ذلك: (وبما أنفقوا من أموالهم)، (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما..)
قوامة الرجل لاتلغى دور المرأة بل تتم فى رحاب الشورى
ليس معنى قوامة الرجل على الأسرة، أن يستبد الرجل ويلغى دور المرأة، بل ينبغى أن يكون للمرأة دورها، وأن يؤخذ رأيها فيما يهم الأسرة، كما أشار القرآن فى مسألة إرضاع الرضيع فى قوله تعالى: (فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) فهذا الأمر اليسير وهو إرضاع الطفل يعلمنا الإسلام أنه ينبغى أن يتم فى رحاب الشورى والتراضي!، وكما روى فى الحديث: (آمروا النساء فى بناتهن)
لم يرد ما يمنع ولاية بعض النساء على بعض الرجال- خارج نطاق الأسرة- بل الممنوع هو الإمامة العظمى ورئاسة الدولة
– حديث “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة” عن الولاية العظمى
النبى (ص) يتحدث فى أمر الولاية العظمى أى الخلافة العامة ورئاسة الدولة فليس فيه ما يمنع من تولى المرأة القضاء يقول د. مصطفى السباعى: (الولاية بإطلاقها ليست ممنوعة عن المرأة بالإجماع، بدليل اتفاق الفقهاء قاطبة على جواز أن تكون المرأة وصية على الصغار وناقصى الأهلية، وأن تكون وكيلة لأية جماعة من الناس فى تصريف أموالهم وإدارة مزارعهم، وأن تكون شاهدة، والشهادة ولاية كما نص الفقهاء على ذلك، ولأن أبا حنيفة يجيز أن تتولى القضاء فى بعض الحالات والقضاء ولاية، فنص الحديث كما نفهمه صريح فى منع المرأة من رئاسة الدولة العليا، ويلحق بها ما كان بمعناها فى خطورة المسئولية، أما سائر الوظائف الأخرى فليس فى الإسلام ما يمنع المرأة من توليها لكمال أهليتها… لكن يجب أن يتم ذلك وفق مبادئ الإسلام وما وضعه من قيود).
شهادة خزيمة بن ثابت النصارى تعدل شهادة رجلين(وفقا لقول النبى صلى الله عليه وسلم)، لكنها لا تعنى أنه أفضل من أبى بكر وعمر، وكذلك شهادة المرأة نصف شهادة الرجل لا تعنى أنها أقل منه منزلة ولكنها خصوصية الحال والمقام.
خطاب الرجل فى الحديث والكتاب يقصد به الرجل والمرأة
وقد جاء على طريقة العرب فى تغليب جنس المذكر كما هو الحال فى أغلب الآيات القرآنية، وَمثَل هذا الحديث كمثل قول النبى: “طلب العلم فريضة على كل مسلم” قال العلماء: أى: ومسلمة.
والخلاصة هو أنه لا مبرر لمنع المرأة من تولى وظيفة القضاء، بل الواجب هو توفير الضمانات الشرعية التى تَكْفُل تأديتها وظيفتها دون مخالفات شرعية. والمهم أنه لا يوجد نص صحيح قطعى الثبوت و الدلالة يمنع المرأة من تولى القضاء فنرجع إلى الأصل، وهو الجواز والإباحة.
كما ذكر من قبل وهو أن النص ورد فى خصوص منع المرأة من تولى رئاسة الدولة أو الإمامة العظمى. ونظرا للاختلاف الشاسع بين الولاية العظمى وبين القضاء من حيث السلطات والصلاحيات والواجبات وغيرها، فإننا نقول إن هذا قياس مع الفارق لأن رئاسة الدولة غير النظر فى خصوص قضية محددة الجوانب فيها خلاف بين خصمين أو خصوم، لذا فلا نُسلِّم قياس القضاء على الإمامة العظمى.
قاضيات فى أزهى العصور الإسلامية
الفاروق عمر يولى “الشفاء بنت عبدالله” الحسبة
استدل المجيزون لتولى المرأة وظيفة القضاء بمأثور الصحابة وهو ما ورد من أن عمر بن الخطاب ولَّى الشفاء بنت عبد الله- امرأة من قومه- السوق أى الحسبة فى السوق. ومن المعلوم أن الحسبة فى السوق ولاية عامة وهى الرقابة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والإلزام، وهذه الوظيفة تشبه وظيفة القضاء من أكثر من جهة، فكلتاهما من الولايات العامة التى يوكلها الإمام أو نائبه إلى من اشتهر علمه وعدله وفضله وخلقه، وذلك للحفاظ على حقوق الناس وأداء مصالحهم، ولذلك نقيس القضاء على الحسبة وما صلح أن يكون دليلا على شرعية قيام المرأة بوظيفة الحسبة، يصلح أيضا على جواز توليها وظيفة القضاء. ومن المعلوم أن ابن حزم من حفاظ الحديث، وكذا ابن الأثير وابن عبد البر والحافظ وكل هؤلاء أورد الخبر دون إشارة إلى تضعيفه.
“سمراء بنت نهيك” تتولى الحسبة.. وتؤدب بالسوط
كما ثبت أن عمر بن الخطاب ولىَّ سمراء بنت نهيك الأسدية حِسْبَة السوق، وأنه أعطاها سوطا كانت تؤدب به المخالفين والمخالفات.
“ثمل القهرمانة” قاضية فى قصر الخليفة يجلس الفقهاء بين يديها
وفى العصر العباسى، فى عهد الخليفة المقتدر، أشارت كتب التاريخ إلى امرأة مسلمة هى ثمل القهرمانة، تولت القضاء فى قصر الخليفة، وكانت تجلس بدار المظالم برصافة بغداد، وتنظر فى رقاع الناس كل يوم جمعة، ويحضر مجلسها الفقهاء والقضاة والأعيان، واطمأن الناس إلى عدالتها فى الحكم، واعترفوا بفضلها، ومقدرتها القضائية.
2- مشاركة المرأة فى التصويت فى الانتخابات
قال تعالى: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) [البقرة: من الآية282].
استدل بعض العلماء بهذه الآية قائلين: إذا كانت شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل فكيف تُصَوِّتْ فى الانتخابات فيتساوى صوتها بصوت الرجل؟
لقد سوَّى القرآن بين الرجل والمرأة فى مباهلة أهل الكتاب، والمباهلة شهادة فى حقيقتها موثقة بابتهال إلى الله تعالى أن يجعل لعنته على الكاذب من الفريقين فيما يزعمه ويدَّعيه4، قال تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) [آل عمران:61] وكذلك نص القرآن الكريم على أن المرأة كالرجل- سواء بسواء- فى شهادات اللعان، وهو ما شرعه القرآن بين الزوجين حينما يقذف الرجل زوجه وليس له شهود على ما يقوله، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ).
شهادة النساء مفردات مقبولة عند الجمهور فى بعض الحقوق
شهادة النساء مفردات- أعنى: النساء دون الرجال- فهى مقبولة عند الجمهور فى حقوق الأبدان التى لا يطلع عليها الرجال غالبا، مثل الولادة، والاستهلال، وعيوب النساء ولا خلاف فى شيء من هذا.
الغزالى: “هل من مصلحة الأمن العام إهدار شهادة المرأة فى قضايا يقع ألوف منها بمحضر النساء؟”
قال الشيخ محمد الغزالي- رحمه الله: “وأنا أقرر قبول شهادة المرأة فى كل شيء وفق النصاب الثابت فى دينناإذا كان اللصوص يسرقون البيوت ليلا أو نهارا فما معنى رفض شهادة المرأة فى حد السرقة؟، وإذا كان العدوان على النفس والأطراف يقع كثيرا بمشهد من النساء فما معنى أن ترى المرأة مصرع آلِهَا أو أقرب الناس إليها ثم تُرفض شهادتها؟، ولماذا لم يُلْتَزم نصاب الشهادة كما ذكره القرآن الكريم؟ إن ابن حزم فى تمحيصه للآثار المروية يؤكد أن رفض شهادة النساء فى الحدود والقصاص لا يوجد له أصل فى السنة النبوية، ومما قاله الغزالى أيضا: “هل من مصلحة الأمن العام إهدار شهادة المرأة فى قضايا يقع ألوف منها بمحضر النساء؟”
إن النص القرآنى لم يُفَرِّق بين الرجل والمرأة فى الشهادة لنقص إنسانيتها أو كرامتها، بل لأنها بفطرتها واختصاصها- لا تشتغل عادة بالأمور المالية والمعاملات المدنية، وهذا واقع إلى حد كبير حتى فى عصرنا.
وأخيرا لا دليل فى تنصيف شهادة المرأة على منعها من التصويت فى الانتخابات، والحق أن الشريعة الإسلامية لم تفرق بين المرأة والرجل دائما فى الشهادة، فقد اعتبرت الشريعة شهادة المرأة الواحدة فى بعض القضايا المهمة كثبوت الحيض والولادة والرضاع وغيرها من شئون النساء، وكذلك شهادات النساء وحدهن فى باب الجنايات من بعضهن على بعض فى المجتمعات التى لا يحضرها الرجال عادة، مثل الأعراس والحمامات، فيشهدن بما رأين، ولا يهدر القضاء شهادتهن، حتى لا تضيع الحقوق.
تفنيد قول “شاوروهن وخالفوهن”
استشار النبى أم سلمة فى صلح الحديبية، فصار دليلا لاستشارة المرأة الفاضلة، ولفضل أم سلمة ووفر عقلها، و قال إمام الحرمين: لا نعلم امرأة أشارت برأى فأصابت إلا أم سلمة، لكن اعترض عليه بابنة شعيب فى أمر موسى عليه السلام.
3- حكم ترشح المرأة لعضوية المجالس النيابية
ليس فى نصوص الإسلام الصريحة ما يسلب المرأة أهليتها للعمل النيابى كتشريع ومراقبة
رأى الدكتور يوسف القرضاوى
يقول د. يوسف القرضاوى فى التكييف الفقهى لمهمة المجالس النيابية: إن مهمة المجالس النيابية ذات شقين: (1) المحاسبة (2) التشريع
المحاسبة: وهى ما يسمى بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والنصيحة فى الدين وهى واجبة لأئمة المسلمين وعامتهم، وفى الحديث: الدين النصيحة6، ولم يجعل الإسلام ذلك مقصورا على الرجال وحدهم. ولقد رأينا المرأة ترد على أمير المؤمنين عمر فى المسجد فيرجع إلى رأيها ويقول: “أصابت المرأة وأخطأ عمر”. وقد استشار النبى أم سلمة فأشارت عليه يوم الحديبية بالرأى السديد وقد بادر إلى تنفيذه، فكان من ورائه الخير. وطالما أن المرأة بصفتها الفردية من حقها النصح والمشورة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فلا يوجد دليل شرعى يمنع من عضويتها فى مجلس يقوم بهذه المهمة، والأصل فى أمور العادات والمعاملات الإباحة إلا ما جاء فى منعه نص صحيح صريح.
التشريع: ويقصد به هنا الاجتهاد فى الاستنباط والتفصيل والتكييف، والاجتهاد فى الشريعة الإسلامية باب مفتوح للرجال والنساء جميعا، ولم يقل أحد إن من شروط الاجتهاد الذكورة، وقد كانت عائشة من مجتهدات الصحابة ومن المفتيات بينهن، ولها مناقشات واستدراكات على علماء الصحابة جُمعت فى كتب معروفة، مثل كتاب الزركشى الإجابة لاستدركات عائشة على الصحابة. صحيح أنه لم ينتشر الاجتهاد بين النساء فى تاريخنا انتشاره بين الرجال، وذلك راجع إلى عدم انتشار العلم بين النساء لظروف تلك العصور وأوضاعها إلا أن ذلك لا يعنى حرمانها من الاجتهاد أو العلم.
وهذا هو معنى التشريع كوظيفة من وظائف المجالس النيابية لأن البعض يضخم هذه المهمة، والأمر أيسر من ذلك فمما لا جدال فيه أن التشريع الأساسى إنما هو لله سبحانه، وأن أصول التشريع الآمرة الناهية هى من عند الله سبحانه، وإنما عَمَلُنا نحن البشر هو استنباط الحكم فيما لا نص فيه، أو تفصيل ما فيه نصوص عامة، أو بعبارة أخرى عملنا هو (الاجتهاد)
رأى د. محمد بلتاجي
يرى فضيلته أن الذى يربط بين النائب وبين من يختارونه إنما هو فى حقيقته عقد نيابة ووكالة عنه، ولا نجد فى القرآن ولا فى السنة الصحيحة نصا يمنع المرأة من أن تنوب وتُوَكَّل عن مجموعة من الناس على هذا النحو، وكل ما يشترطه الفقه الإسلامى فى ذلك كما يقول ابن رشد- بحق-: (ألاَّ يكون الوكيل ممنوعا بالشرع من تصرفه فى الشيء الذى وُكِّل فيه)
فلا يصح توكيل المرأة مثلا فى عقد النكاح عند من يشترط الولى من الفقهاء
المرأة مشرعة منذ عهد عمربن الخطاب
ولا ريب أن ثمة أمورا فى التشريع تتعلق بالمرأة نفسها وبالأسرة وعلاقتها من المفيد، بل من الواجب، أن يؤخذ رأى المرأة فيها، ولعلها تكون أنفذ بصرا فى بعض الأحوال من الرجال، ومن الأمثلة على ما ذكرنا: المرأة التى ردت على عمر بن الخطاب فى المسجد، لقد كان ردها متصلا بأمر تشريعى يتعلق بالأسرة، وهو تحديد المهور بحد أقصى، وكانت مناقشة المرأة سببا فى عدول عمر بن الخطاب عن إصدار قانونه لتحديد الصداق، ومن الأمثلة على ذلك أيضا أن السبب فى إصدار عمر أمرا لعماله بإعطاء عطاء لكل مولود فى الإسلام سواء فطم أم لا هو امرأة. ومن الأمثلة على ذلك أيضا النساء اللاتى أخبرن عمر بن الخطاب بمدى صبر المرأة على غيبة زوجها، وعلى رأسهن أم المؤمنين حفصة بنت عمر، فكن سببا فى أمره أن يعود الجند قبل مدة أربعة أشهر، والأمثلة على ذلك كثيرة25. فالمرأة المسلمة فى الأمثلة السابقة مارست دورا تشريعيا حيث استمعت وناقشت واعترضت وأبدت آراءها، وأسهمت فِعْلِيَّا فى تشريعات و قوانين صدرت، وهى:
• قانون عدم تغيب الزوج فى الجيش عن زوجته أكثر من أربعة أشهر (وقيل: أكثر من ستة أشهر).
• قانون فرض العطاء لكل مولود فى الإسلام.
• عدول عمر عن إصدار قانون تحديد المهور.
وهكذا ينتهى بنا الأمر إلى القول بأن عمل المجلس النيابى ما هو إلا تشريع ورقابة، وأن المرأة المسلمة فى عصرى النبوة والراشدين، مارست هذا الحق بالأسلوب الذى تناسب مع عصرها، وأنه لا يوجد فى شريعتنا ما يمنع المرأة من ممارستها هذه الوظيفة وبالأسلوب الذى يتناسب مع عصرنا.
4- حكم تولى المرأة منصبا وزاريا
يرى بعض أهل العلم أنه يجوز للمرأة أن تتولى الوظائف العامة مثل الوزارة وغيرها ولا تمنع إلا من الإمامة العظمى لورود الحديث بشأنها خاصة، وممن ذهب إلى هذا الرأى أى جواز تولى المرأة الوزارة من العلماء والباحثين فى العصر الحديث: الشيخ محمد الغزالى و د. يوسف القرضاوى و د. محمد بلتاجى وغيرهم.
تولى المرأة الوزارة فى العصر الحديث تعنى مشاركتها فى مسئولية جماعية
إن المجتمع المعاصر فى ظل النظم الشورية حيِن يولى المرأة منصبا عاما كالوزارة أو الإدارة أو النيابة، أو نحو ذلك، فلا يعنى هذا أنه ولاَّها أمره بالفعل وقلَّدها المسئولية عنه كاملة. فالواقع المشاهد أن المسئولية جماعية والولاية مشتركة، تقوم بأعبائها مجموعة من المؤسسات والأجهزة، والمرأة إنما تحمل جزءا منها مع من يحملها.
السيدة عائشة قامت على رأس جيش للإصلاح السياسى
– لقد شاركت المرأة فى الشئون السياسية الكثيرة على عهد الرسول حيث شاركت فى الهجرة و البيعة ونصرة الإسلام والدفاع عنه والمشاركة بالرأى، والجهاد فى سبيل الله، كما شاركت فى اختيار الخليفة الثالث، وقامت أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها على رأس جيش ولا غرض لها إلا الإصلاح السياسى.
الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان
– عدم تولى المرأة الولاية لا يعد دليلا على منعها منها، إذ أن عدم حصول الشيء لا يعنى عدم مشروعيته، فذلك مرتبط بتطور المجتمع، وهو ما يدخل فى تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان، ولا يقال: إنه لو كان جائزا لحصل، لأنه معلوم أن الرسول وصحابته لم يعملوا كل المباحات، فهل عدم حصول أمر مباح من قبل دليل على عدم جوازه؟ ونحن الآن ننظم مجتمعاتنا تنظيما لم يكن موجودا من قبل، ونستخدم وسائل لم تكن معروفة من قبل.
بلقيس ملكة امتدح القرآن عقلها وحكمها الشورى
ما جاء فى القرآن الكريم عن ملكة سبأ من إدارة مملكتها على أساس من العدل والشورى، وقيادة قومها إلى الإسلام (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِى فِى أَمْرِى مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أمرا حَتَّى تَشْهَدُونِ * قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِى مَاذَا تَأْمُرِينَ * قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) [النمل34:32]. وفى الآيات ما يدل على حصافة رأى المرأة ومقدرتها على المناورة فى السياسة، والمشاركة فى الوظائف العامة التى تتصل بمصلحة المجتمع، ومنها الوزارة.
أم سلمة مستشار سياسى للرسول ومشورة خالدة عبر العصور
أخذ النبى بمشورة أم سلمة يوم الحديبية، عندما دخل عليها غاضبا، وقال: لقد هلك الناس، وذلك لامتناعهم عن تنفيذ أمره لما قال لهم: (قوموا فانحروا ثم احلقوا) فلم يقم منهم أحد، فقالت أم سلمة: يانبى الله: اخرج لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بُدْنَك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج رسول الله فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بُدْنَه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا.
6- تولى المرأة رئاسة الدولة ومسألة الإمامة العظمى
اتفق عامة أهل العلم على حرمة تولية المرأة الإمامة العظمى و”رئاسة الدولة”، فرئاسة الدولة عندهم كالإمامة العظمى مخصوصة بالرجل دون المرأة واستدلوا بحديث: “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”.
“لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”: تنديد بالاستبداد..لا بالنساء؟!
حينما بلغ النبى أن أهل فارس قد ملَّكوا عليهم بنت كسرى لعدم وجود من يتولى المُلْك من البنين، لأن الله تعالى أبادهم بدعائه حين أرسل كتابه إلى كسرى فمزقه، فدعا عليهم بأن يمزقوا كل ممزق، فاستجاب الله تعالى الدعاء، ولم يقم لهم بعد ذلك أمر نافذ وأدبر عنهم الإقبال وأقبل عليهم البين، فقتل بعضهم بيد بعض… حتى جرَّ ذلك إلى أن ملَّكوا عليهم المرأة، فجر ذلك إلى تلاشى ملكهم ومزقوا كل ممزق جزاء وفاقا، وانتصر المسلمون عليهم بعد سنوات وقضوا على إمبراطوريتهم فى خلافة سيدنا عمر كما هو معروف.
وقد استدل العلماء بالحديث السابق على منع المرأة من تولى الإمامة العظمى وكذا رئاسة الدولة.
قال ابن حزم: الولاية الممنوعة منها المرأة هى الولاية العظمى” أى الخلافة أو رئاسة الدولة”.
ولقد ذهب الكثير من العلماء إلى توسيع دائرة هذا الحديث، حيث منعوا به المرأة من تولى القضاء والوزارة وكل ولاية تَرْأُس فيها الرجال.
رأى الغزالى: دروس فى فقه الاجتهاد…وإنصاف للنساء
أ- رأيه القديم: الشيخ الغزالى من العلماء الذين أفنوا عمرهم فى خدمة الدعوة الإسلامية، وحمل لوائها فى كل مكان، وهو رجل معروف بالغيرة على الدين ودفع الشبهات التى ألصقها به أعداؤه الماكرون وأبناؤه الجاهلون، ولقد تحدث فضيلته عن قضايا تخص المرأة فى ثنايا العديد من كتبه، وكان فى بداية حياته العلمية يتبنى رأى جمهور أهل العلم فى منع المرأة من وظيفة القضاء وكذا منعها من الوزارة، حيث قال فى كتابه من هنا نعلم “وتكليف الإسلام أن يُعَيِّنهُنَّ- يعنى النساء- قاضيات أو وزيرات ظلم للطبيعة وفتئات على المصلحة”.
وقال فى نفس الكتاب أيضا: “القضاء منصب له جلاله وللقاضى على الناس ولاية عامة وسلطان واسع، فإذا كان الإسلام يجعل الرجل قواما على المرأة فى البيت وهو المجتمع الصغير فكيف يجعل المرأة قوامة على الرجل فى المجتمع الكبير؟
ب- أسباب تغير رأى الغزالى: ثم تغير رأى الشيخ بعد عدة عقود من إصدار كتابه الأول من هنا نعلم فأصدر كتابه سر تأخر العرب والمسلمين، وقال فيه “وللمرأة ذات الكفاية العلمية والإدارية والسياسية أن تلى أى منصب ما عدا منصب الخلافة العظمى”.
ج- رأى الشيخ محمد الغزالى الأخير: و هو ما جاء فى كتابه السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث فى مسألة تولى المرأة رئاسة الدولة:
“لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”: واقعة عين لا عموم
اجتهد الشيخ الغزالى (رحمه الله) اجتهادا جديدا، لم يسبق إليه -فيما أعلم- حيث ذهب إلى أن حديث (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) لا يفيد النهى العام عن تولى المرأة رئاسة الدولة، بل هو من وجهة نظره واقعة عين لاعموم لها فيقول: “ونحب أن نلقى نظرة أعمق على الحديث الوارد، ولسنا من عُشَّاق جعل النساء رئيسات للدول أو رئيسات للحكومات! إننا نعشق شيئا واحدا، أن يرأس الدولة أو الحكومة أكفأ إنسان فى الأمة… ويقول: وقد تأملت فى الحديث المروى فى الموضوع، مع أنه صحيح سندا ومتنا، ولكن ما معناه؟ ثم يجيب قائلا: عندما كانت فارس تتهاوى تحت مطارق الفتح الإسلامى كانت تحكمها ملكية مستبدة مشئومة. الدين وثني! والأسرة المالكة لا تعرف شورى ولا تحترم رأيا مخالفا، والعلاقات بين أفرادها بالغة السوء، قد يقتل الرجل أباه وإخوته فى سبيل مآربه، والشعب خانع منقاد وكان فى الإمكان وقد انهزمت الجيوش الفارسية وأخذت مساحة الدولة تتقلص أن يتولى الأمر قائد عسكرى يوقف سيل الهزائم، ولكن الوثنية السياسية جعلت الأمة والدولة ميراثا لفتاة لا تدرى شيئا، فكان ذلك إيذانا بأن الدولة كلها إلى ذهاب… فى التعليق على هذا كله قال النبى الحكيم كلمته الصادقة، فكانت وصفا للأوضاع كلها. ثم يقول الغزالى: ولو أن الأمر فى فارس شورى، وكانت المرأة الحاكمة تشبه جولدا مائير اليهودية التى حكمت إسرائيل، واستبقت دفة الشئون العسكرية فى أيدى قادتها لكان هناك تعليق آخر على الأوضاع القائمة…).
امرأة ذات دين خير من ذى لحية كفور
ثم يستدل الشيخ الغزالى على صحة قوله بنجاح ملكة سبأ فى قيادة قومها إلى الإيمان والفلاح بحكمتها وذكائها، وَبأنَّ حمل الحديث على عمومه يتنافى مع القرآن ويناقضه وهو مستحيل، ويتساءل الشيخ قائلا: هل خاب قوم ولوا أمرهم امرأة من هذا الصنف النفيس؟ ويجيب: إن هذه المرأة أشرف من الرجل الذى دعته ثمود لقتل الناقة ومُرَاغَمة نبيهم صالح، قال تعالى: (فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ) [القمر:29]، فالشيخ يرى أن تعميم دلالة الحديث يجعله يتناقض مع القرآن ومع الواقع التاريخى، ويستشهد الشيخ بشواهد تاريخية كنجاح مارجريت ثاتشر وأنديرا غاندى وجولدا مائير فى قيادة شعوبهن، ثم يقول فضيلته: (امرأة ذات دين خير من ذى لحية كفور).
مناقشة رأى الشيخ الغزالى الأخير:
1- الغزالى يقارن بين امرأة تتوافر فيها شروط الكفاءة للمنصب ورجل لا تتوافر فيه هذه الشروط والمقارنة العادلة تكون بين امرأة ذات كفاءة ورجل لا يقل عنها كفاءة.
2- كما هو معلوم عند أغلب الأصوليين أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والأصل هو أن يُحْمَل الحديث على عمومه، وهكذا فهمه كل الفقهاء القدامى فصار إجماعا على منع المرأة من تولى منصب الإمامة العظمى أو رئاسة الدولة، ولم يحدث فى تاريخ الإسلام (بصورة صريحة) ولا مرة واحدة أن تولت امرأة رئاسة الدولة, فأى إجماع أروع وأبلغ من هذا الإجماع, فهو إجماع ليس لعصر واحد, بل على مدى عصور.
3- إن هذا المنصب يتطلب القيام بأعمال خطيرة، والنهوض بأعباء جسيمة، فقد يتحتم أن يدعو الإمام مثلا لتجييش الجيوش، قد يتخذ بعض القرارات المصيرية تقطع العلاقات مع بعض الدول أو إبرام المعاهدات أو عقد تحالفات، ونحو ذلك من أعمال، وكل هذا- كما هو ظاهر- فوق ما تتحمله المرأة على الأقل فى بعض الفترات.
4- صحيح أن هناك قلة من النساء تبوأن منصب الرئاسة العامة أو ما يشابهها ونجحن فى أعمالهن كملكة سبأ وشجرة الدر وغيرهما من النساء اللاتى نجحن فى قيادة بلادهن من غير المسلمين كأنديرا غاندى ومارجريت ثاتشر وجولدا مائير، إلا أن ذلك كما هو واضح من الندرة جدا إذا ما قيس عددهن بعدد الرجال الذين قادوا الدول، وما ذلك إلا لأن الناس أدركوا بحكم تجاربهم أن رئاسة الدولة لا يصلح لها إلا الرجال، وقد خلا التاريخ الإسلامى من اسم امرأة تولت الرئاسة العظمى باسم الخلافة منذ عهد الراشدين وإلى سقوط الدولة العثمانية، والحالات التى ذكرناها من النساء اللاتى تولين منصب رئاسة الدولة هى الشذوذ الذى يؤكد القاعدة وكما قالوا: الشاذ لا حكم له ولا قياس عليه.
5- لفظ الحديث عام، فكلمة (قوم) تشمل كل قوم، وكلمة (امرأة) تشمل كل امرأة والله أعلم.
6- من الحق أن نقول إنه يجب الاهتمام بأسباب الورود للأحاديث النبوية – وقد ورد ما يفيد ذلك عن ابن عباس وابن عمر وغيرهما ـ وإلا حدث التنبط فى الفهم ووقع سوء التفسير كما تورط فى ذلك الحرورية من الخوارج وأمثالهم، الذين أخذوا الآيات التى نزلت فى المشركين فعمموها على المؤمنين، فسبب نزول الآية يجب أن يرجع إليه فى فهم النص وكذلك سبب ورود الحديث، ونحن نفهم من الحديث فى ضوء سبب وروده منع المرأة من الولاية الكبرى أو الإمامة العظمى، وهى التى ورد فى شأنها الحديث ونلحق بها رئاسة الدولة، كما أن لفظ الحديث (ولَّوا أمرهم) وفى رواية: (تملكهم امرأة) فهذا إنما ينطبق على المرأة إذا أصبحت ملكة أو رئيسة دولة ذات إرادة نافذة فى قومها، لا يرد لها حكم، ولا يبرم دونها أمر، وبذلك يكونون قد ولوها أمرهم حقيقة، أى أن أمرهم العام قد أصبح بيدها وتحت تصرفها.
رأى للشيخ القرضاوى فيه ميل واضح لرأى الشيخ الغزالى السابق:
1- أنه يجب فهم الحديث فى ضوء سبب وروده، وقد نوقش هذا القول من قبل.
2- يرى أن الحديث لو أخذ على عمومه لعارض ظاهر القرآن، وهذا كقول الغزالى السابق.
قال: (يؤكد صرف الحديث عن العموم: الواقع الذى نشهده، وهو أن كثيرا من النساء قد كن لأوطانهن خيرا من كثير من الرجال. وأن بعض هؤلاء (النساء) لَهُوَ أرجح فى ميزان الكفاية والمقدرة السياسية والإدارية من كثير من حكام العرب والمسلمين.
3- يرى فضيلته أن المجتمع المعاصر فى ظل النظم الديمقراطية حين يُولى المرأة منصبا عاما كالوزارة أو الإدارة أو النيابة أو نحو ذلك، فلا يعنى هذا أنه ولاها أمره بالفعل، وقلدها المسئولية عنه كاملة، فالواقع المشاهد أن المسئولية جماعية والولاية مشتركة، تقوم بأعبائها مجموعة من المؤسسات والأجهزة، والمرأة إنما تحمل جزءا منها مع من يحملها. “وإلى هنا يفهم من كلام فضيلته جواز توليها الوزارة وما دونها من المناصب، وهو ما رجَّحناه سابقا، ولكن خاتمة قوله تُبين أنه يقصد أكثر من ذلك، حيث يقول فضيلته: (وبهذا نعلم أن حكم (ثاتشر) فى بريطانيا، أو (أنديرا غاندي) فى الهند، أو (جولدا مائير) فى فلسطين المحتلة، ليس هو- عند التحقيق والتأمل- حكم امرأة فى شعب، بل هو حكم المؤسسات والأنظمة المحكمة، وإن كان فوق القمة امرأة. إن الذى يحكم هو مجلس الوزراء بصفته الجماعية وليست رئيسة مجلس الوزراء، فليست هى الحاكمة المطلقة التى لا يُعصى لها أمر، ولا يُرفض لها طلب، فهى إنما تترأس حزبا يعارضه غيره، وقد تُجرى هى انتخابات فتسقط فيها بجدارة، كما حدث لأنديرا غاندى فى الهند، وهى فى حزبها لا تملك إلا صوتها، فإذا عارضتها الأغلبية غدا رأيها كرأى أى إنسان فى عرض الطريق ؟!.
4- يجب أن ننبه إلى أن الشيخ القرضاوى ساق كلامه السابق فى عدة مواضع من كتبه فى ثنايا حديثه عن الحقوق السياسية، وحديثه عن جواز عضوية المرأة فى المجالس النيابية. وقد أعطاها فضيلته حق تولى الوزارة، والقضاء والحسبة، وعضوية المجالس النيابية، ولا أستطيع أن أقول إنه أعطاها حق تولى رئاسة الدولة، ولا أنه منعه عنها، ولكن تارة يعتصم بآراء السابقين واتفاقهم على عدم الجواز، وأخرى يثير اعتراضات تصل إلى درجة الصراحة على منعهم لها من تولى رئاسة الدولة.
نرى فيما يتعلق بالاعتراض الأخير، وهو تغير المفاهيم من القيادة الفردية إلى حكم المؤسسات، فالحق أنه مهما كانت درجة المؤسسية فى الحكم، فإن الحاكم الأعلى هو فرد واحد على رأس تلك المؤسسات وولايته ولاية عظمى وقد منع النص النبوى المعصوم المرأة من تولى الولاية العظمى فلنتمسك به فإن الخير يأتى من ورائه.
رأى د. محمد سليم العوا:
يقول: (وأصح الأقوال فى الحديث أنه ليس على إطلاقه، بل هو مقيد، وأن المقصود به- على كل حال- هو الولاية العامة التى تسمى فى فقهنا بالخلافة).
والدكتور سليم العوا يفرق بين الخلافة ورئاسة الدولة فيمنع المرأة من الخلافة العامة، ويجيز لها رئاسة الدولة.
ويرى المؤلف أن الصواب منعها من رئاسة الدولة لما سبق من أدلة.
رأى شيخ الأزهر د. محمد سيد طنطاوى:
قال: أما عن حكم ولاية المرأة الولاية العامة (رئاسة الدولة) فى الإسلام، فهذه مسألة خلافية، يرى جمهور الفقهاء أن الولاية العامة بمعنى رئاسة الدولة لا تكون إلا للرجال، للحديث النبوى الشريف (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) وهناك قلة من العلماء ترى أن هذا الحديث فى واقعة حال، أى قاله الرسول فى مناسبة معينة.
وبعد شهرين أفتى فضيلته لوكالة الأنباء الاندونيسية بجواز تولى المرأة رئاسة الدولة.
الجواب: الرأى الراجح هو رأى جمهور العلماء سلفا و خلفا بألا تولى امرأة رئاسة الدولة والعلم عند الله تعالى.
رأى أحد علماء الشيعة:
الشيخ محمد مهدى شمس الدين الرئيس السابق للمجلس الإسلامى الشيعى الأعلى بلبنان يقول فى كتابه أهلية المرأة لتولى السلطة ظاهر الحديث فى المرأة التى تولت السلطة من غير اختيار القوم، بل فرضت نفسها و استبدت بالسلطة ولم تتقيد بالمشورة، وهذا يناسب صيغة الدولة التى يستبد فيها الحاكم بالشعب، ولا يخضع لمراقبة أو محاسبة، وهو ما كان سائدا فى الإمبراطورية الفارسية فى ذلك الحين- حين قال الرسول هذا الحديث – وعُرف بالكسروية فى السنة الشريفة التى ورد فيها تحذير المسلمين ألا يقعوا فيها.
الجواب: يجاب على كلامه بما سبق ذكره فى الجواب على كلام الشيخ الغزالى السابق.
مما سبق كله يتبين أن قول عامة أهل العلم من منع المرأة من تولى “الإمامة العظمى”و”رئاسة الدولة” هو القول الصواب لورود الحديث فى منعها من الولاية العظمى ولضعف استدلالات من أجاز لها ذلك- على فضله وعظم شأنه.