نهاية الليبرالية … وروح امريكا
إعداد : محمد حامد – المركز الديمقراطي العربي
الدكتور وحيد عبد المجيد المحلل السياسي والاستراتيجي، نائب رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ونائب رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب .
“نهاية الليبرالية: باراك أوباما.. وروح أمريكا”هو أحدث إصدارات الدكتور وحيد ويقع في 951 صفحة تنتظم في خمسة فصول . يقدم من خلاله رؤية استشرافية مستقبلية للولايات المتحدة الأمريكية، سعياً إلى معرفة إمكانية استعادة الوجه الليبرالى العقلانى المنفتح المعتدل لهذه الدولة، بما له من انعكاسات على العالم العربى والإسلامى.
ويناقش الكتاب الاتجاه السائد بأن قدوم أوباما إلى البيت الأبيض هو الأمل الوحيد لاستعادة أمريكا الليبرالية المنفتحة الإنسانية التى اختفت خلال النصف قرن الأخير، لتبرز أمريكا المتغطرسة العدوانية التى بلغت الذروة خلال إدارة جورج بوش.
و لكنه يميل إلى عدم الإغراق فى التفاؤل، وهو لا يتفق مع هذا الاتجاه، ويقول “لا أجد فى تصريحات أوباما ولا الفريق الذى اختاره، أى شىء مبشر بالخير الذى اختاره، ولا أظن أن الآمال المعلقة على أوباما ستتحقق، وسوف تضيع فرصته لأنه لن يستطيع الصمود أمام القوى الاقتصادية والعسكرية الأمريكية، وسيتجه إلى التكيف مع هذه القوى بدلاً من مواجهتها”.
يمثل هذا الحالة الأمريكية بين نموذجين؛ أحدهما يعبر عنه تمثال الحرية، والآخر يرمز إليه معتقل جوانتانامو، وكلاهما يجسدان حالة الصراع التي شهدتها الانتخابات الأمريكية الأخيرة.
فبينما تقمص المرشح الجمهوري جون ماكين الروح الأمريكية المتغطرسة، التفح باراك أوباما برداء الليبرالية الإنسانية التي يتشدق بها الأمريكيون ويتطلع إليها الكثيرون في شتى أنحاء المعمورة، خاصة بعد نجاح تجربة ذلك المرشح الأسمر ذات الأصول الإفريقية في الدولة الأكبر في هذا العالم، وبما يحمل معه مزيدًا من الأمل في التحول المنشود، وما يمكن أن تحدثه تلك الظاهرة”الأوبامية” من تغيير ونوعه ومداه. ويتساءل الكاتب هل يمكن أن يصبح عهد أوباما بداية التحول نحو أمريكا الليبرالية الإنسانية المعتدلة، أم أن الفشل في استثمار تلك الفرصة التي قد تصبح الأخيرة – لاستعادة أمريكا الغائبة ودورها المفقود منذ عقود- يصبح إيذانًا بنهاية الليبرالية من الوجود؟
ذلك هو التساؤل الجوهري الذي يطرحه د. وحيد عبد المجيد، وإن ذهب إلى أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة علي بعث النموذج الليبرالي من جديد، مستندًا إلى وقائع التاريخ والشواهد التي تبدد الأمل في أوباما. غير أنه يعيد التساؤل من جديد؛ هل يعني سقوط الرهان على أوباما غروب العصر الليبرالي وأن شعلة الحرية في طريقها للأفول؟
وفي الفصل الثاني من كتابه بعنوان “أمريكا والعالم” يرصد د. وحيد عبد المجيد ملامح العلاقة بين أمريكا والعالم، وما يمكن أن تؤول إليه الآمال المعقودة على مجيء أوباما على قمة البيت الأبيض انتظارًا لعالم مغاير عن ذلك الذي ملأه سلفه جورج بوش كآبة وتشاؤمًا وليس حربًا وتوترًا فحسب، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة رغم الاحتفاظ بكونها القوة الأكبر في العالم إلا أنها قد فقدت الكثير من مكانتها العالمية خلال السنوات الثماني الماضية، متسائلاً: هل ينجح أوباما في استعادة ما بدده سلفه؟
ويعقب د. عبد المجيد قائلاً: “هذه المشكلة لا تصعب معالجتها إذا ما توفرت الإرادة والقدرة على تحويل مجري السياسة الأمريكية في اتجاه يجدد دور الولايات المتحدة العالمي ويصححه ويستعيد بها قيادة العالم عبر الحوار والتوافق، وليس من خلال الإجبار والإرغام”. خاصة مع صعود قوى دولية أخرى إلى قمة النظام العالمي ليصير نظامًا متعدد الأقطاب، فضلاً عن المعطيات الأخرى التي قد يحملها المستقبل؟
تحت عنوان “أمريكا والشرق الأوسط” يذهب د. وحيد عبد المجيد إلى أنه رغم التحديات الكبرى التي تواجه إدارة باراك أوباما إلا أن مشكلة الشرق الأوسط ستظل هي التحدي الأكبر مثلما كانت من قبل وإن اختلفت الصورة أو تباين الاتجاه علي نحو مغاير، مشيرًا إلى أن ثمة مبالغة في ثورة التوقعات التي راهنت على أوباما منذ بدء حملته الانتخابية. واضعًا يده علي ثلاثة اتجاهات رئيسية في سياسة أوباما تجاه القضايا الرئيسية في الشرق الأوسط. أولها إيجابي ويتعلق بأزمتي العراق والبرنامج النووي لإيران، أما الاتجاه الثاني فيراه د. وحيد سلبيا ومنذرًا بخطر كبير ويتعلق بأزمة دارفور، أما الاتجاه الثالث والخاص بقضية فلسطين فيعد – في أفضل الأحوال – امتدادًا لسياسة جورج بوش في عامه الأخير، والتي تسعى إلى إيجاد مسار لعملية السلام باعتباره هدفًا في حد ذاته لا وسيلة لتسوية سلمية شاملة.
وفي الفصل الرابع من كتابه بعنوان “الحلم الأمريكي.. والحلم المصري” يضعنا د. وحيد عبد المجيد على المحك في مواجهة التجربة الأمريكية التي صعدت بأوباما على قمة السلطة محققة بذلك حلم قطاع كبير من الأمريكيين الذين سئموا من الطبقة السياسية القديمة وتطلعوا إلى عصر جديد يسدل فيه الستار علي العنصرية البغيضة التي امتلكت زمام الأمور في كثير من الانتخابات السابقة، وراودهم حلم أثير بأمريكا ليبرالية متفتحة وأكثر تسامحًا، وإن لم تحمل تلك التجربة بشرى النصر لمن تطلعوا إلى تجديد واسع النطاق.
ويعرج د. وحيد في هذا السياق علي انعكاسات تلك التجربة على الواقع المصري مشيرًا إلى أنه في الوقت الذي أثبت فيه الأمريكيون قدرتهم علي التغيير، بدا المصريون الداعون إلى التغيير في وضع يستند على الشفقة راديكاليين كانوا أو معتدلين، وصار القسم الأكبر من المصريين عازفين عن التغيير نظرًا لأن تجميد الحياة السياسية قد خلق ميلاً تدريجيا ومتزايدًا في ذات الوقت تجاه الجمود في ثقافة المجتمع. فضلاًعن عدم ثقة معظم المصريين في الحكومة والحزب الحاكم. وأضحت هناك حالة من التوجس تجاه التغيير أو التجديد. ومن ثم يتطلب الأمر مبادرة جسورة لإزالة حاجز عدم الثقة لدىأكثر المصريين.
أما الفصل الأخير من الكتاب فحمل عنوان “ليبرالية محبطة..وإحباط ليبرالي” ويعرض فيه المؤلف لملامح الصورة الإيجابية لليبرالية وإمكانية استعادتها في ظل المتغيرات الجديدة بعدما شهدت تراجعًا ملحوظًا في ظل المد الليبرالي الجديد، والذي صبغها بصبغة متوحشة ولا إنسانية بلغت ذروتها مع انهيار أسواق المال في الآونة الأخيرة بدءًا من الولايات المتحدة وانتشارًا في أنحاء العالم المختلفة وما انبثق عنها من تداعيات فادحة الثمن، أفرزتها سياسات ليبرالية لتيار فكري سياسي اقتصادي لا يتجاوز عمره نصف قرن، أدى جموحه إلى ظهور نمط جديد في النظام الرأسمالي. فهل تشهد المرحلة “الأوبامية” عودة البريق الليبرالي المفقود أم ستشهد إعلانًا لسيطرة تلك الليبرالية التي يطمح إليها الكثيرون فيهذا العالم؟