بعد تبني “الدولة الإسلامية” لهجمات الكرك ما هي إلا بداية الحرب وأيام عصيبة تنتظر الأردن
بقلم : شمس الدين النقاز – كاتب صحفي تونسي
كما كان متوقعا، وقع المحظور، واستهدف تنظيم الدولة الإسلامية الأردن مرة أخرى، موقعا عددا من القتلى والجرحى في صفوف قوات الأمن الأردنية وآخرين من المدنيين والسياح الأجانب.
هجوم الكرك الذي حمل في طياته بصمات التنظيم منذ لحظاته الأولى وفق ما أكد ذلك مراقبون، كان مفاجئا للقوات الأردنية المتواجدة بالمدينة كما كان مفاجئا للمسلحين الأربعة الذين قتلوا بعد اشتباكات عنيفة دارت لساعات طويلة بينهم وبين القوات الأردنية.
من المؤكد أن القوات الأمنية الأردنية المتواجدة لحماية مدينة الكرك وقت اندلاع الإشتباكات، كانت في موقف لا تحسد عليه خلال بداية المواجهات يوم الأحد الماضي، فنفاذ الذخيرة الحية ومطالبة الأهالي بإخراج ما بحوزتهم من ذخائر لمساعدتهم، خير دليل على ضراوة الإشتباكات ومباغتة المسلحين للقوات الأمنية المتواجدة في المدينة.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فرغم وصول التعزيزات الأمنية الكبيرة إلى المدينة والإعلان عن انتهاء العملية الأمنية بالقضاء على أربعة مسلحين يحملون الجنسية الأردنية بينهم شقيقان، عادت المواجهات لتندلع من جديد صباح الثلاثاء، ليسقط 4 قتلى في صفوف الأمن الأردني وعدد من الجرحى، جراء الإشتباكات الجديدة التي قيل إنها اندلعت جراء مداهمة قامت بها قوة أمنية لأحد منازل المشتبه بهم بالوقوف وراء هذه العملية.
الرواية الرسمية المضحكة والتي ذكرها وزير الإعلام والناطق باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، ذكرت أن العملية الآخيرة بدأت بتحديد مطلوب مرتبط بالخلية الإرهابية التي تم تصفية منفذيها وعددهم 4 أشخاص من قبل الأجهزة في قلعة الكرك، حيث أن أحد المطلوبين اعترف بعلاقته بعملية قلعة الكرك وأن لديه في بيته عدد من الأسلحة وأمورا أخرى يجب التوثق بها، وعند الوصول المطلوب لبيته ترافقه قوه أمنية، أغلق الباب وهرب إلى سطح البيت وفي الحال تناول سلاحه وأطلق النار على رجال الأمن وقتل أحدهم، ومن ثم التحق به مجموعة من المسلحين تسانده، قبل أن تهرع للمكان قوّات الدرك والأجهزة الأمنية.
في حقيقة الأمر لا نعلم هل نضحك من هذه الرواية الرسمية المثيرة للدهشة أم نلتزم الصمت ونصدّقها، فلا نعلم كيف يمكن لقوة أمنية قامت باعتقال مشتبه فيه، أن تسمح له بالدخول بمفرده إلى بيته ومن ثم إغلاق الباب والإشتباك المباشر معهم، ورغم أننا نستبعد صحة هذه الرواية، إلا أن مجرد ذكر الوزير لها، يشير إلى تقصير أمني غير معهود في صفوف الأجهزة الأمنية الأردنية المعروفة بصرامتها في التعامل مع الملفات والقضايا الإرهابية.
هجوم الكرك الأول الذي تبناه تنظيم الدولة الإسلامية بعد يومين من وقوعه، كان مفاجئا للقوات الأمنية الأردنية كما فاجئ المنفذين في نفس الوقت وذلك لحجم الأسلحة والمواد المتفجرة التي تم العثور عليها وفق الرواية الرسمية، كما أثار هذا الهجوم موجة غضب بالشارع الأردني حيال التعاطي الأمني مع مثل هذه الأحداث على غرار ما حدث في هجمات سابقة، وهو ما يطرح أكثر من سؤال عن مدى استعداد الأردن للتصدي إلى التهديدات المحتملة على البلاد.
من حقنا أن نتساءل كمتابعين، ماذا كان سيحدث لو لم تلعب الصدفة دورها وتم الكشف عن هذه الخلية المتمركزة في مدينة الكرك، فمن المؤكد أن الخسائر المادية والبشرية كانت ستكون أكبر بكثير خاصة وأنه تم العثور داخل الشقة التي كان يتحصن بداخلها المسلحون، على كميات كبيرة من الذخائر والأسلحة والأحزمة الناسفة، إضافة إلى تصريح وزير الداخلية الأردني سلامة حماد، إثر انتهاء العمليات، بأن كميات الأسلحة التي عثر عليها بحوزة منفذي هجوم الكرك تشير إلى عملية أكبر كان يخطط لها.
إن مقتل سبعة من رجال الأمن ومدنيين اثنين وسائحة كندية، وإصابة العشرات أغلبهم من الأمنيين والدرك، في الأردن ليس مجرد أرقام عابرة لدى النظام الأردني وعدوه اللدود المتمثل في تنظيم الدولة الإسلامية، فالعداء التاريخي بين الطرفين وسعي كل واحد للإثخان في الآخر والتنكيل به قصة يعرفها المراقبون الذين يتابعون مسار الأحداث بينهما، فالأردن الدولة المشاركة في التحالف الدولي في حرب التنظيم عسكريا واستخباراتيا ولوجستيا، كان يتوقع أن يتم استهدافه من قبل الجهاديين في أي وقت يسمح لهم بذلك، لكن طريقة الإستهداف والأطراف المنفذة لم يكونا متوقعين ومعلومين لدى أحد أقوى أجهزة الإستخبارات العربية، وما من شك أن هجمات الكرك التي ستعيد خلط الأوراق وإعادة ترتيب البيت الداخلي في قادم الأيام، كانت بمثابة الطامة الكبرى على رأس النظام الأردني الذي يعاني من مشاكل داخلية عديدة خلال الفترة الأخيرة.
في نهاية المطاف يمكننا القول، إن العلاقة المتوترة المبنية على الإثخان في الآخر بين تنظيم الدولة الإسلامية والنظام الأردني ستواصل الإلقاء بظلالها على الداخل الأردني، ولا نستبعد أن يواصل تنظيم الدولة سلسلة هجماته في الداخل الأردني متى ما أراد ذلك ومتى ما تهيأت له الظروف خاصة وأنه سبق وأن توعد النظام الأردني في أكثر من رسالة بالإنتقام لما أسماه مشاركة الأردن قي “التحالف الصليبي” وفي حرب “دولة الإسلام”.