الديمقراطية الزائفة في الوطن العربي
بقلم: د. مصطفى عبد الباسط
عندما كنا ندرس العلوم السياسية كنا أمام إشكالية كبيرة مؤداها هل كل ما ندرسه فعلا يصلح أن يُطبق على الواقع مهما اختلف المكان والزمان؟
ووجدنا أنه يوجد من النظريات التى لا تصلح أن تطبق فى الواقع فليس كل ما قيل فى الكتب والمراجع يصلح للواقع الذى نحن فيه، وهنا نقطة الاتفاق التى قد تجعلنا نتقبل ما نحن فيه، فليس كل ما درسناه عن الديمقراطية يلزم أن نجده مطبقاً فى الواقع حتى فى أعتى الدول ديمقراطية. ولذلك نحاول أن نجد معادلة بسيطة يمكننا من خلالها أن نتعرف هل ما نحن فيه ديمقراطية أم ماذا؟
فب طبيعة الحال، فى حال رضا الشعب أن يكون هناك عقد بينه وبين الحاكم وهى “الانتخابات” فعليهم القبول بالاتى:
- للديمقراطية صور عدة للتطبيق وتليها تبريرات أكثر عند التنفيذ فالديمقراطية ليست العلاج الكامل للمجتمع بل هى مُسكن مؤقت لحين اختيار أفضل طريقة تزن دفة الحكم ما بين الحاكم والمحكومين.
- آلية الانتخابات ليست الغاية للوصول إلى الديمقراطية وإنما هى أداة للوصول إلى أحد النقيضين إما ديمقراطية النظام أو ديكتاتوريته، وهناك من قد يقول أنه يوجد ضمانات للديمقراطية، بالفعل هناك ضمانات لكنها غير موجوده ببلادنا. فهل هناك أحزاب قوية من حيث التكتل والانتشار؟ هل هناك مجتمع مدنى ومنظمات حقوقية لها صقلها وتأثيرها على تغيير أخطاء النظام الحاكم؟.
- المنظومة القيمية للمجتمع التى تعتبر المنظار الذى يوضح لك طبيعة تقبل وتأقلم المجتمع لأى نوع من الأنظمة السياسية، فإن غاب الأصل تدهورت وفشلت الفروع. فالديمقراطية وحدها لا تكفى ولكن ما قبلها هو الأهم.
ولذلك يتحدث الكثير عن الديمقراطية وأملهم الصارخ فى تطبيقها، ولكن ينظرون لإطارها الشكلى وهو أن هناك مجموعة من الخطوات لتطبيق الديمقراطية لا بد من اتباعها لكنـــــــــهم: تركوا أصل تطبيق هذه الخطوات وهو المعنى الجوهرى المعنوى للديمقراطية: هل تستطيع أن تُطبق الديمقراطية على نفسك وانت لا تستطيع أن تتحمل شخص مُعارض لك؟ هل تستطيع أن تُطبق الديمقراطية وأنت ديكتاتورى الهوى والفعل فى حياتك الشخصية؟ هل تُؤمن بالديمقراطية المُطبقة لك أم المُطبقة عليك؟! فالديمقراطية ليس هى العلاج السحرى الذى سيُدخل عليك البهجة والسرور، فالديمقراطية إن طُبقت بحق فمن الممكن أن تضُر فئه على حساب آخرى. هل تستطيع أن تُطبق الديمقراطية وأنت لا تعِ أن للديمقراطية جانب مُظلم يتم اللجوء إليه أحيانا إن لم يكن دائما؟. وبناءاً عليه فإن الديمقراطية ما هى إلا أدة للوصول لغاية وهذه الغاية ليس من المشروط أن تكون محددة ولكن الغاية تختلف وتُحدد على حسب ثقافة كل مجتمع. فمجتمعنا العربى غايته بكل بساطه وعلى حسب طموحات طبقه عريضة من الشعب: العيش الآمن، ضمان الحصول على قوت اليوم، والحرية المسموعة، وأكثرهم إلحاحا هى أن ينام المواطن وهو مطمئن أنه عندما يستيقظ سيجد لنفسه ولأبنائه ما يرتزقون عليه. فلا يكترثون بالسياسة ولا يكترثون بالمناصب ولا يكترثون بالصفقات الفوقية بين القاده التى تُعقد. همهم الأكبر هو ضمان الحياة الكريمة لهم ولذويهم. إذن تمسكك بالفروع سيُفقدك الأصل وفى النهاية ستجد نفسك فى اللامكان.
ولذلك فإن سبب صعوبة تحقق الديمقراطية على أرض الواقع فى بلادنا ليس لتعدد الخلافات بين التيارات السياسية ولا لتعارض المصالح ولا لاعتياد الشعب على النظام الديكتاتورى الذى يميل للمركزية الشديدة. ولكن صعوبة تقبل الديمقراطية هى مشكلة اجتماعية ثقافية قبل أن تكون سياسية فنفسية المواطن المصرى والحاكم أيضاً بطبيعتها تحب السيطرة والزعامة ولا أجزم على الجميع ولكن المعظم.
ولذلك نحن نبحث عن شكل للديمقراطية وليس لجوهر لها يمكننا من خلاله أن نقول وها قد بدأنا أن نعِ ونشعر بنتائج الديمقراطية. ويحضرنى مشهد عبقرى للفنان محمد صبحى فى أحد مسرحياته عندما قال “أولى القرارات الديمقراطية التى اتخذتها هى إعلان الديكتاتورية فى البلاد”، وهذا ما يؤكد ضعف ثقافتنا المجتمعية، فنظام حكم لا يتقبل من يعارضه، وشعب يريد من يكبله بشرط أن يضمن له قوت يومه، وأفكار تقتل قبل أن تُولد، ونخبة متناحرة على الوطن لا من أجل الوطن بالطبع ستجد نظام مشوه.
وحين أردنا أن نطبق الديمقراطية لم نقتنع بأسلوب تطبيقها، فأخذنا الجزء الموحش منها.
فأصبحنا نتحدث بالديمقراطية كلاماً ونُنفِذ بالدكتاتورية فعلاً.
ولكن نعانى من إشكالية هامة وهى أن لكل مرحلة رئيس، ولكل أيديولوجية طريق، ولكل نظام ثقافة، لكن المتغير الذى يبقى ثابتا هو الشعب، فديمقراطية الرئيس أو ديكتاتوريته من الشعب، ومنطق الشعب فى التفكير يحدد أيديولوجيته، وثقافته تحدد مدى تقبل الشعب لطبيعة النظام الحاكم.
فالديمقراطية بطبيعة الحال ثقافة قبل أن تكون حكم، ولذلك فإن الديمقراطية أبسط معانيها هى: إننى أكره ما تقول ولكننى سأدافع عن حقك فى أن تقوله، الديمقراطية ياسادة تقبُل قبل أن تكون فرض، الديمقراطية تأتى من الجذور وليس من الفروع، الديمقراطية وسيلة وليس غاية، الديمقراطية آلية النظام لتحقيق رضا المحكومين، الديمقراطية ينجح تطبيقها كلما كان للمجتمع المدنى صوت ظاهر، الديمقراطية تطبق كلما كان للرأى العام مكانة مستقلة ورأى قوى لا تؤثر فيه توجهات النظام السياسى، الديمقراطية تحكم كلما كان الحاكم سوياً.
ولكننا فى نهاية المطاف أصبحنا نُغنّى بالديمقراطية كلاماً، ونُنفِذ بالديكتاتورية فعلاً، ونُشارِك بالديماجوجية، ونُمارِس حقنا بالغوغائية، ونستخدم الدين ليرضى أهوئنا الشخصية، وفى آخر المطاف نقول : لما يحدث لنا كل ذلك “فـ “إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ”.