الوحدات الاقليمية في العلاقات الدولية
اعداد الباحث في الشؤون الدولية: محمد كريم جبار الخاقاني
شهد العالم تراجعاً في دور الدولة وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية, وذلك بعد التطورات التكنولوجية و انتشار الامراض والاوبئة والفقر في العالم الامر الذي اثر بشكل كبير في قدرة الدولة لحل المشاكل التي تواجهها بمفردها, كان هذا بمثابة دافعاً الى تكوين المنظمات بصبغة اقليمية , لهذا يمكن ان نعرف تلك المنظمات الاقليمية بأنها محاولة التأثير أو التحكم في افعال الاخرين من خلال فرض السيطرة على منطقة جغرافية معينة والاشياء التي توجد فيها ,وكذلك هي مجموعة من الدول التي تنتمي الى اقليم واحد وتربطها عوامل مشتركة في المصلحة والولاء, وتقوم على اساس الشعور الذاتي والتعاون في كل المجالات ومنها الامنية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها, وعليه فأن الفكرة الاقليمية تنبع من الجوار الحغرافي وذلك بأنضمام مجموعة من الدول لمنظمة اقليمية تشترك بخصائص متوفرة فيما بينها فتكون حافزاً لهم لتحقيق مصلحة معينة وهدفاً مشتركاً , فأذن هي عملية تكييف التعاون السياسي والاقتصادي بين دول أو اطراف تنتمي الى منطقة جغرافية واحدة وغالباً مايكون هذا التعاون في المجالات التجارية لغرض الوصول الى مرحلة التكامل الاقتصادي بينها وربما يصل الحال الى الاندماج الكامل بين تلك الدول , حيث يمكن ان نلاحظ ذلك من خلل ازالة الحواجز الكمركية والقيود المفروضة على حركة التجارة بين الدول المنضوية في تنظيم اقليمي , لهذا فأن الاقليمية تتميز بأنها تتم بين دول متجانسة في الخصائص الجغرافية مثل ان تكون في اطار اقليم معين أو على اقل تقدير ان تكون متقاربة من حيث تبنيها لنفس التوجهات السياسية أو المستوى الاقتصادي, لذا فأن الدول تربطهم مصالح وهذا الترابط في المجالات التي تخص الامن والاقتصاد وغيرها يفضي الى تكوين منظمة اقليمية تجمعهم , ولقد استخدم مصطلح الاقليمية منذ الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين وتطور استخدامه ولاسيما في المشاريع الاوربية وخصوصاً في الشؤون الاقتصادية والسياسية والعلاقات الدولية .
ان الاقليمية كمصطلح مشتق من كلمة الاقليم وهو مفهوم مكاني يحدده البعد الجغرافي من جهة ومن الناحية الاخرى ,التبادل التجاري والمشاركة في المؤسسات والتجانس الثقافي ومن خلال هذا التبادل يتم تحديد معدلات نمو التفاعلات الاقتصادية والاجتماعية لمنطقة معينة عن طريق حركة تبادل البضائع والاشخاص ضمن رقعة جغرافية معينة , لهذا فأن الاقليمية لم تقتصر على الشؤون الاقتصادية والتجارية بل يتعداها الى الشؤون السياسية , حيث نلاحظ انشاء العديد من المنظمات الاقليمية ذات طبيعة سياسية وتهتم بالشأن السياسي, وعليه اصبحت الوحدات الاقليمية من الوحدات الاساسية والمهمة في العلاقات الدولية.
ان ما تسعى اليه الاقليمية من اهداف ومن ضمنها , تحسين توزيع الدخل بين الاقاليم وتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي وبالخصوص في الدول التي تعاني من الاختلالات العرقية والقومية وكذلك تهدف التنظيمات الاقليمية الى ازالة الفوارق الاقتصادية بين الدول المكونة لها, وايضاً تحقيق التوازن السكاني .
ان من اسباب التوجه نحو انشاء منظمات اقليمية ولاسيما بعد الحرب العالمية الثانية يتعلق بالتماثل في المستويات الاقتصادية لهذا تعمل الدول الى توحيد جهودها في هذا المجال وصولاً الى الاتفاق على تشكيل منظمة اقليمية تتوحد فيها رؤاهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية , كما يدفع بهم نحوايجاد صيغة اقليمية لتطوير تلك العلاقات التعاونية للاستفادة من هذه التماثلات والتقارب في المستويات ,وكذلك الاحساس بالحاجة الى تعزيز الجانب الامني اي بمعنى حاجة الدول الى الامن وخصوصاً بعد اشتداد المنافسة بين الكتلتين الاقوى في حينها وتوزع مناطق النفوذ بين الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي بقصد الحصول على مناطق مختلفة في العالم ولقد عمل ذلك الى تكثيف الجهود لغرض تكوين منظمات اقليمية ,لهذا سعت الدول الى بناء تكتلات اقليمية لفترة مابعد الحرب الباردة وذلك بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانفراد الولايات المتحدة الامريكية بقيادة العالم وفقاً لأهدافها وتوجهاتها من خلال تعميق الصيغ التعاونية الاقليمية ومواجهة التحديات الخارجية أو التدخلات الداخلية لهذا تسعى الدول من خلال الانضمام لمثل تلك التشكيلات الاقليمية الى لعب ادوار اكبر في السياسة الدولية .
ان تغييرات مابعد الحرب الباردة انعكس على مستوى التنظيمات الاقليمية من خلال الانتشار السريع لظاهرة العولمة , من حيث ان الدول تهدف الى الانتاج وبكثرة فأنها تأمل من ذلك فتح اسواقاً لها في الخارج لتصريف منتجاتها وباتالي التوسع في الاسواق , وهناك هدف سياسي يتمثل لتلك الدول بأن انضمامها لمثل تلك التجمعات الاقليمية يساهم في التقليل من الصراعات من خلال التشابك الاقتصادي بين دولها مما يعني زيادة الثقة فيما بينها داخل تلك المنظمات وبالشكل الذي يعني الابتعاد عن الصراع السياسي , لهذا فأن الدول التي لا تستطيع مواجهة المشاكل التي تقف في طريقها سواء كانت سياسية أو اقتصادية فأنها تفضًل الانضمام في تجمع اقليمي اذا ما توفرت الشروط الموضوعية المطلوبة ,لهذا فأن الدول تتبنى سياسات تعاونية فيما بينها لحل المشاكل التي تواجهها وبما ان المصالح متضاربة ونتيجة استمرارية لصراع القوى الكبرى خلال الحربين العالميتين الاولى والثانية كل هذا ادى الى صعوبة اقتناع الدول بأن تحقسق التوافق في مصالحها اصبح من الامور الصعبة ولهذا فأنها وفي سبيل ذلك ولضمان مصالح وغايات تلك الدول فأنه اصبح من السهولة لها ان تنظم شؤونها في تنظيمات اقليمية .
ان فشل نظام الامن الجماعي والذي ظهر بعد الحرب العالمية الاولى وكان سبباً في تأسيس عصبة الامم ونشوء منظمة الامم المتحدة بعد احداث الحرب العالمية الثانية للمحافظة على السلم والامن الدوليين , لهذا لجأت الدول الى تنظيم نفسها في المنظمات الاقليمية, وعليه فأن الاقليمية قامت اساساً على فكرة التكتل والتعاون بين دول المنطقة الواحدة من اجل النهوض بأقتصادياتها.
لقد شهد مفهوم الاقليمية تطورات كبيرة خلال الفترة الاخيرة من القرن العشرين من حيث تطوير المفهوم ليظهر مفهوما جديداً يعرف بالاقليمية الجديدة والتي كانت نتيجة منطقية لظاهرة العولمة , وهي تسعى الى تفعيل دور القطاع الخاص والاندماج في الاقتصاد العالمي ولهذا تمثلت في شكل تكتلات تجارية بيم الدول وعلى شكل مناطق تجارة حرة وصولاً لمرحلة الاتحاد الاقتصادي بين الدول المنضوية في تلك التكتلات الاقليمية كما هو الحال في الاتحاد الاوربي وبشكل تكتلات صناعية قائمة على اساس التخصصية في العمل والتقسيم لتلك الصناعات بين الدول .