مقالات

المثقف المشتبك

بقلم: عبدالمجيد أبوالعلا

 

استشهد المثقف والمناضل الفلسطيني باسل الأعرج فجر الاثنين 6 مارس 2017 في منزل تحصن به في البيرة قرب رام الله بالضفة الغربية المحتلة, بعد معركة خاضها بمفرده في مواجهة قوة صهيونية خاصة زاد عدد أفرادها عن ال50 من أفراد جيش الاحتلال, استمرت ساعتين حتى نفاد ذخيرته .

“بدك تصير مثقف, بدك تصير مثقف مشتبك, ما بدك مشتبك, لا منك ولا من ثقافتك” .
تعد تلك المقولة من أبرز ما قال الشهيد الأعرج, والتي مثلها بحياته عبر دراساته وأبحاثه واشتباكاته ومعاركه .

أثار باسل في حياته إشكالية علاقة المثقف بالمجتمع والسلطة والثورة, وأراد أن يجسد بموته ما هو أكثر تعبيرا من كل الكتابات والنظريات عن تلك الإشكالية .

إن أول الأسئلة التي يمكن أن تطرح هي:

ما المقصود بالاشتباك؟
ببساطة ألا يعيش المثقف في عزلة عن مجتمعه وقضاياه وعدوه, وألا يختصر المثقف في دوره في تقديم النصائح وكتابة الأبحاث والدراسات والتأصيل للنظريات دون أن يترجم ذلك بأفعال على أرض الواقع, وألا يكتفي بعلمه وثقافته وفهمه لذاته دون أن يكون لذلك مردود على مجتمعه ولو بأن يكون هذا الدور هو تمرير وتوزيع الثقافة والعلم على المجتمع, وأن يدرك أن دوره لا ينحصر على مكتبه لأنه مهما بلغ مردود ذلك الفعل فإنه لا يرتقي به لمكانة المثقف العضوي المشتبك, بكلام آخر أن يشتبك المثقف مع قضاياه وجها لوجه كما يشتبك معها بكتبه وقلمه.

مع من نشتبك؟
على المثقف أن يشتبك مع قضاياه مباشرة, وأن يحتك بالمجتمع الذي يشكل هو طليعته, وفي حالة باسل الأعرج فإن الاشتباك على جبهتين الأولى جبهة الاحتلال الصهيوني عبر التأريخ للثورة الفلسطينية, والتأصيل النظري للمقاومة وللقضية وللحق العربي, وعبر النضال بالسلاح والمقاومة بالفعل المادي ومطاردة جنود الاحتلال, والجبهة الثانية هي السلطة الفلسطينية تلك التي احتجزت باسل ورفاقه وأفرجت عنهم بسبب إضرابهم عن الطعام وبسبب الضغط الشعبي, اشتباك باسل مع سلطات الاحتلال يمكن تفسيره وتوضيحه من خلال كلمات د.عصمت سيف الدولة في كتابه (التقدم على الطريق المسدود) حين قال “مواصلة الاشتباك مع العدو في كل وقت و زمان و بكل أسلوب هي الخط الأساسي للنضال العربي الذي يجب أن يبقى متصلا مهما كانت الظروف الدولية التي تحكم عناصر الصراع الأخرى . و يصبح متعينا على كل عربي ، أيا كان موقعه ، أن يدخل هذا الاشتباك في حياته اليومية و أن يمارسه بنفس الاطراد و الإصرار و الاستمرار و “السهولة” أيضا التي يمارس بها الاستيقاظ من النوم كل صباح . أعني أن يصبح الاشتباك مع العدو و يقصد تحريم الأمن و الاستقرار عليه “عادة عربية” عادة على المستوى الجماعي و عادة على المستوى الفردي .”, أما عن اشتباكه مع السلطة الفلسطينية فتفسيره بأن من واجب المثقف دوماً أن يفضح ممارسات السلطة الغير وطنية, وما فعله باسل ورفاقه أنهم اضطروا السلطة الفلسطينية لاعتقالهم وإخفائهم ومحاكمتهم في ظل ما تسميه بالتنسيق الأمني مع “إسرائيل”, فباسل بمقدار ثقافته كان يدرك أن السلطة المطبعة والمهادنة مع المحتل الصهيوني تمثل عائق في وجه المقاومة وأن فضحها وإزالتها لا يقل أهمية عن المعركة ضد الكيان الصهيوني, أو بكلام آخر فإن المعركة مع سلطات أوسلو ووادي وعربة وكامب ديفيد لا تقل أهمية عن المعركة مع سلطة تل أبيب لأن تلك السلطات تعيق المعركة ضد المحتل بسياستها .

كيف نشتبك؟
أجاب الشهيد باسل الأعرج على هذا السؤال بالأفعال, فقد كرس حياته لمشروع توثيق الثورة الفلسطينية والندوات التثقيفية ولإعداد الأبحاث والدراسات التي تفيد القضية الفلسطينية والوعي بها وقام بالعديد من الجولات, وبذلك يكون قد أدى الواجب النظري للمثقف المتعلق بالتثقيف والوعي بالالتحام مع الجماهير والاشتباك بالقضية النضالية عبر نشر الوعي والمساعدة في تأصيل القضية علميا وبحثيا, أما المحور الثاني من الاشتباك فقد رأى فيه أن قضية كتحرير فلسطين لا يكفي الاشتباك البحثي العلمي فيها فخاض الاشتباك العسكري مع جنود الاحتلال, فبحسب حديث سابق لباسل فهو يرى أهمية العضلات بجوار العقل في معركة كالمعركة العربية الصهيونية, أي أهمية القتال بجانب البحث والتثقيف, وخاض الأعرج اشتباك ثالث مع السلطة الفلسطينية والأنظمة العربية عبر التظاهرات والتحركات والاحتجاجات الرامية إلى مقاطعة الكيان الصهيوني ورفض التطبيع, فالاشتباك عند باسل تنظير وحركة وقتال .

لماذا نشتبك؟
اختصر باسل الأعرج الإجابة على هذا التساؤل حينما قال للمثقفين غير المشتبكين “لا منك ولا من ثقافتك ولا في فائدة منك” .

كما أن المثقف لدى باسل لابد أن يكون مشتبك لأن المثقف الحق هو من يدرك أنه لا يوجد خلاص فردي, فيضطر للبحث عن الخلاص الجماعي, فيحمل مشروع سياسي, ويتحول لثائر ببرنامج ورؤية وأهداف ووسائل, ويحتك بالجماهير في إطار السعي نحو تحقيق المشروع السياسي الهادف للخلاص الجماعي .

اشتباك المثقف المصري:
وبطبيعة الحال فإنه على المثقف في مصر وفي أي رقعة من الوطن العربي أن يشتبك وأن يراعي في اشتباكه أن يبدأ من حيث بدأ باسل, من القضية المركزية بصياغة موقف واضح من الاحتلال الصهيوني والقضية الفلسطينية, وأن يقيم السلطات العربية على أساس هذا الموقف, وعليه فإن المثقف العربي عليه أن يتخذ موقف واضح من أي سلطة تتخذ من أوسلو وكامب ديفيد ووادي عربة دساتيرً تحكم سياستها ومواقفها وقراراتها, وبعد تقييم السلطة بالبوصلة واتخاذ موقف واضح منها على المثقف أن يلتحم مع الجماهير في اشتباكه بألا يمارس هذا الاشتباك في عزلة عنهم سواء عبر الكتابات أو الأفعال الفردية, فالإيمان بالخلاص الجماعي يسهم في صياغة حركة مشتبكة جماعية تزداد فعاليتها وقوتها باضطراد وتخلق الظهير والسند والداعم الشعبي .

كما أن على المثقف أن يشتبك بقضايا مجتمعه, وألا يناضل في عزلة عن المجتمع من فوق أبراج, أو برؤى خيالية, بل أن ينطلق من حيث ما تمليه عليه مبادئه الفكرية ومطالب الأفراد واحتياجاتهم .

ببساطة على المثقف العربي أن يشتبك بقضاياه بين مجتمعه في مواجهة عدوه .

3/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى