الدراسات البحثيةالمتخصصة

تداعيات الندرة البيئية على الأمن الاقتصادي للدول

اعداد : فاطمة أمحمدي – باحثة دكتوراه – الدراسات الاستراتيجية والأمنية – جامعة قسنطينة 3
– المركز الديمقراطي العربي

 

الملخص:

تسلط هذه المداخلة الضوء على تداعيات الندرة البيئية على الأمن الاقتصادي من مقاربة استراتيجية باعتبار الندرة البيئية من اهم القضايا التي دخلت حقل الدراسات الأمنية بعد الحرب الباردة واصبحا القضايا البيئية قضية امنية بامتياز نظرا لزيادة التنافس على الموارد البيئية خاصة تلك التي قابلة للنضوب، والاشكالية التي تواجه تحقيق الأمن الاقتصادي للدول باعتباره احد قطاعات أمن الدولة التي حددها باري بوزان، الأمن الاقتصادي الذي يؤدي البحث عن تحقيقه ربما إلى حروب محتملة نتيجة التنافس على الموارد البيئية.

Abstract:

This presentation shed on the repercussions of scarcity and environmental on the economic security, of the strategic approach as environmental scarcity of the most important issues that entered the security studies field after the Cold War and have become environmental issues security issue par excellence due to the increased competition for environmental resources , especially those that are depleted , and the dilemma facing security economic nations as one of the state security sectors identified by Barry Buzan , the economic security that leads Find achieved perhaps to potential wars as a result of competition for environmental resources .

مقدمة:

تعد الندرة البيئية Scarcity Environnemental احد مظاهر القضايا البيئية بحيث تمثل اشكالية دفعت  إلى الاهتمام  على عدة مستويات أكاديمية ووطنية ودولية، تمس في الجانب الاكاديمي عدة ابحاث أما في الجانب الوطني فكان انعكاس لسياسات الكثير من الدول ومستوى دولي تمثل في نشاط المنظمات الدولية ابتداء من مؤتمر استكهولم عام 1972. وقد مست الندرة البيئية عدة ابعاد من حياة الانسان خاصة الاقتصادية منها.

وبالتحول في مفهوم التهديد خاصة في فترة ما بعد الحرب الباردة ظهرت قطاعات جديدة خاصة في حل الدراسات الأمنية حددها باري بوزان في خمسة قطاعات تماشيا مع التنوع في التهديد اضافة للتهديدات العسكرية، ظهرت تهديدات اقتصادية اجتماعية سياسية وبيئية. على هذا الأساس جاء ينظر إلى امن الدولة في نظر التقليديين محاولة منهم التكيف مع المستجدات، وبهذا شغل الأمن الاقتصادي  للدول بال كثير من الباحثين.

اهداف المقال:

يهدف هذا المقال إلى محاولة ايجاد علاقة بين تهديد مصالح الدول في بئات دول اخرى وقضايا البيئة المثارة على المستويات الثلاث الأكاديمي والوطني والدولي.

إشكالية:  وعليه يعمل المقال إلى تسليط الضوء على اهم القضايا البيئية المطروحة على الساحة الامنية وهي اشكالية الندرة وتداعياتها على الامن الاقتصادي للدول وفق مقاربة استراتيجية، بحيث يطرح المقال الإشكالية التالية:

   هل يمكن لندرة المصادر الطبيعية ان تؤدي إلى صراع بين الدول؟

فرضية: الضغط المتزايد على نظم دعم مصالح الدول والاستهلاك المفرط للموارد غير المتجددة يحملان أخطار تهدد وجود الدول وهي لا تقل في درجتها عن التهديدات العسكرية.

ويعالج هذا المقال في شكل ثلاث محاور كالآتي:

المحور الأول: الأمن الاقتصادي والندرة البيئية علاقة مفاهمية

المحور الثاني: المشاكل البيئية التي تهدد الاقتصاد

المحور الثالث: تداعيات الندرة البيئية على الامن الاقتصادي

المحور الأول: الأمن الاقتصادي والندرة البيئية علاقة مفاهمية

بعد نهاية الحرب الباردة وتغير طبيعة التهديد حاولت النظريات التقليدية ادخال ابعاد جديدة في مفهوم الأمن تماشيا والتهديدات الجديدة وبهذا قسم باري  بوزان مفهوم الأمن إلى خمسة قطاعات اضافة للقطاع العسكري القطاع الاقتصادي، السياسي، اجتماعي، بيئي، وانه لا يمكن النظر لأمن الدولة بعزل هذه القطاعات عن بعضها البعض .  ومنه فأمن  الدولة هو عبارة عن اجراءات التي تتخذها الدولة في حدود طاقتها للحفاظ على كيانها في الحاضر والمستقبل مع مراعاة التغيرات الإقليمية والدولية.

وهناك مدرستان مختلفتان لدراسة موضوع أمن الدولة هما:

  • المدرسة الاستراتيجية: وتركز على الجانب العسكري والتهديد الخارجي كوحدة تحليل وحيدة في العلاقات الدولية..
  • المدرسة المعاصرة التنموية: ويرى اصحاب هذه المدرسة ان مصادر التهديد لا تقتصر فقط على التهديد الخارجي وانما ايضا على التهديد الداخلي ويقدمون نظرة توسعية لمجال امن الدولة الذي يشمل ابعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية.[i]

وانطلاقا من النظرة التوسعية نحاول تقديم مفهوم للأمن الاقتصادي الذي يعتبر المؤشر الرئيسي لأمن الدولة عموما، وتتنوع الوحدات المرجعية في هذا القطاع من الأفراد والدول فالنظام المعقد للاقتصاد العالمي بقواعده ومعاييره ومبادئه، غير انه يرتبط بالدرجة الأولى بمدى قدرة الدول الوصول إلى الموارد والأسواق والتمويلات الضرورية للحصول على المستويات المقبولة من الرفاه والسلطة في النظام الدولي. غير أنه ينتفي الاجماع حول الطريقة التي يحصل بها هذا النوع من الأمن لأن السوق يعمل ببساطة وفق مبدأ المخاطرة.[ii]

ووفق مقاربة التنمية فالأمن الاقتصاد يحسب منظمة الأمم المتحدة هو ” ان يملك المرء الوسائل المادية التي تمكنه من أن يحي حياة مستقرة، ومشبعة من خلال امتلاك ما يكفي من النقود لإشباع الحاجات الأساسية وهي الغذاء، المأوى اللائق،  والرعاية الصحية الأساسية، التعليم[iii] أي ان الأمن الاقتصادي يشمل تدابير الحماية والضمان التي تؤهل الانسان للحصول على حاجاته الاساسية وضمان الحد الادنى للمستوى المعيشي.

وهناك من عرف الأمن الاقتصادي بانه يعني التنمية: إذ ان ظاهرتي التنمية والامن الاقتصادي مترابطان بحيث يصعب التمييز بينهما فكلما تقدمت التنمية تقدم الامن، وكلما نظم المجتمع اموره الاقتصادية لمد نفسه بما يحتاج إليه فأن درجة مقاومته للتهديدات الخارجية سوف تتزايد بدرجة كبيرة، والتنمية كما هو معروف مركب: فهي عملية وليست حالة، واتجاها مستمرا في النمو ولا وضع طارئ ، كما أنها آلية إلى جانب كونها وسيلة لتحقيق أهداف مرحلية ضمن اطار غايات انسانية وحضارية وذات ابعاد مجتمعية.[iv]

الندرة لغة تعني قلة الشيء وأنه عزيز في الوجود وشحيح وصعب المنال، ونسبة الحصول عليه ضئيلة جدا، وهي في علم الاقتصاد لا تبتعد كثيرا عن المعنى اللغوي للكلمة، لكنها تصبح مخصصة بموضوع علم الاقتصاد واهتماماته ومن بينها موارد الاقتصاد والتي من بينها الموارد الطبيعية، فتكون الندرة عند الاقتصاديين بمعنى النقص في كميات الموارد المحدودة في العالم، وهي تختلف من منطقة لأخرى، أو بعبارة أخرى فالندرة تعني النقص في الموارد الاقتصادية. ومنه القول ان مفهوم الندرة عند ربطها بالاقتصاد تعني موارد مدودة في العالم وثروة طبيعية قليلة مقابل حاجات ورغبات غير محدودة.[v]

هذا من جانب الأمن الاقتصادي أما في الحديث عن الندرة البيئية نجد أن مصطلح الندرة أول ما ظهر كان في علم الاقتصاد وعند ربط ذلك بالبيئة نتيجة تفاقم مشاكلها نجده يعني: الحالة التي يكون فيها التزويد بالموارد الطبيعية ليست كافية لتلبية الطلب[vi].هناك ثلاثة أسباب لزيادة ندرة الموارد في البيئة:

  • الندرة الناجمة عن الطلب: وتنتج عن زيادات في معدلات الاستهلاك
  • الندرة الناتجة عن العرض: وتنتج عن زيادة التدهور البيئي كالتلوث والتغير الطبيعي.
  • الندرة الناتجة عن الموارد الطبيعية العابرة للحدود الوطنية: وتنتج هذه الندرة لسوء ادارة توزيع الموارد.

وفي دراسة العلاقة بين المفهومين (الأمن الاقتصادي، والندرة البيئية ) نجد أن كلا المفهومين:

  • يعتمدان على عنصر مشترك ألا وهو الموارد
  • الهدف من الأمن الاقتصادي هو تلبية حاجات الإنسان المتعددة وهذا الإشباع لن يتحقق إلا من الموارد البيئية ويقع الخلل في حالة ندرتها.
  • الإنسان وسلوكه هو المحور الأساسي في الأمن الاقتصادي وكذا في الدراسات البيئية.
  • تتمثل المشكلة الاقتصادية أو بالأحرى اللاأمن الاقتصادي في الندرة النسبية للموارد.

ويمكن فهم العلاقة بين الندرة البيئية ولاقتصاد من خلال العلاقات التبادلية القائمة بين الاقتصاد والبيئة والتي يمكن التعبير عنها بالتالي:

  • إن البيئة تقدم للاقتصاد الموارد الطبيعية التي تتحول عبر عملية الانتاج والطاقة المستهلكة إلى سلع استهلاكية، ثم تعود هذه الموارد الطبيعية والطاقة في النهاية إلى البيئة في صورة مخلفات غير مرغوبة.
  • يتلقى المستهلكون أيضا خدمات بيئية مباشرة كالهواء النقي والمياه العذبة والترفيه والصيد والرحلات الخلوية وفي النهاية يستخدمون البيئة كمستودع للتخلص من المخلفات الناتجة عن استهلاك السلع والخدمات وبالتالي توصف العلاقة بين البيئة والنظام الاقتصادي بأنها نظام مغلق[vii]

المحور الثاني: المشاكل البيئية التي تهدد الاقتصاد

يؤدي الحديث تعداد المشاكل البيئية إلى ما معناه اللأمن البيئي ويمكن أن نجمع اهم الاخطار التي تتعرض لها البيئة فيمايلي:

لقد تزايدت معدلات تلوث البيئة خلال السنوات الأخيرة كنتيجة للزيادة الكبيرة في عدد المصانع والمعامل ووسائلا لنقل والمصافي، ومحطات توليد الطاقة الكهربائية والزراعة المكثفة للأراضي وعدم كفاءة نظم الري والصرف، وكذا الحروب الأهلية والإقليمية، ونتيجة لذلك كثرت المشكلات البيئية بشكل بات يهدد مسيرة التنمية الاقتصادية، بل ويهدد حياة سكان الكرة الأرضية الذين يتزايد عددهم باطراد والذين تعاني قطاعات كبيرة منهم من سوء التغذية والمرض والكوارث المناخية نتيجة تلوث البيئة والذين فصله فيمايلي:

لقد تدهورت الموارد الطبيعية ( المياه الصالحة للاستعمال التربة، الغابات، والطاقة والتنوع الحيوي)، وزادت نسبة الملوثات في الجو بشكل يؤدي إلى تسخين المناخ والتغير في تركيب الغلاف الجوي ونوعية الغازات الموجودة فيه و كميتها وزيادة نسبة الغازات السامة المخربة لطبقة الأوزون التي تعد القناع الواقي للأرض من تأثير الأشعة فوق البنفسجية الضارة.

وقد خلصت بعض الأبحاث إلى أن التعرض المستمر للأشعة فوق البنفسجية نتيجة لتدمير طبقة الأوزن قد يؤدي إلى تدمير المحاصيل الزراعية والطحالب والأعشاب البحرية وتقليل مناعة الإنسان بشأن مقاومة الأمراض المعدية، ولقد تم أيضا إفساد دورة المياه في الطبيعة بالإضافة إلى استنزاف الموارد المائية في العالم أو تلوثها على حد سواء في الدول الصناعية والدول النامية وطالت التعديات البشرية الغابات بالإزالة أو الحرق، وقد أدى تدهور الغابات إلى إلحاق أضرار كبيرة بالمناطق الجبلية المجاري المائية، حيث ارتبط حدوث الفيضانات والجفاف في العديد من المناطق بإزالة الغابات، وقد ترتب على تقلص الغابات مع عوامل أخرى كالزراعة الأحادية للأرض وسوء نظم الري والتسميد، تنامي ظاهرة التصحر وانجراف التربة الزراعية، ويشكل التصحر خطرا مباشرًا على التوازن البيئي ويؤدي إلى انجراف التربة وانخفاض إنتاجيتها مما يجعلها عاجزة عن الوفاء بالاحتياجات الغذائية للإنسان والحيوان كما يؤدي التصحر إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية وتزايد الفيضانات، مما يدفع السكان إلى الهجرة بحثا عن ظروف أفضل وقد ينتج عن هذه الهجرة مشكلات بين المهاجرين والمقيمين بسبب اختلاف الثقافات وأنماط الحياة والتنافس على الموارد المحدودة، وقد يفضي هذا في النهاية إلى زعزعة استقرار المجتمع وتفشي الجريمة فيه، ومن عوامل التلوث أيضا النفايات السامة وخصوصا النفايات الكيماوية والنفايات النووية، حيث يتم التخلص منها بطرق غير سليمة بيئيا كإغراقها في مجاري المياه أو إلقائها في البلدان النامية الفقيرة كي يتم طمرها في أراضيها مقابل مساعدات مالية وتشكل هذه النفايات تهديد  للمياه  البحار وكائناته او للمياه الجوفية.

لقد أدى التلوث إلى تدهور الحياة الفطرية، حيث انقرضت بعض الأنواع الحيوانية والنباتية وذلك نتيجة لتدمير بيئاتها، والإسراف في استعمال المبيدات الكيماوية والصيد الجائر وهذا من شأنه الإخلال بالتوازن البيئي الذي هو ضرورة لدعم الحياة البشرية إذ أن الحفاظ على التنوع الحيوي ضرورة لتوفير بيئة متوازنة متكاملة تمد الإنسان باحتياجاته من الغذاء والدواء.

ويمكن اجمال كلما تم الحديث عنه في مجموعة من المشاكل على شكل عناصر كالآتي:

  • التلوث البيئي :Pollution

ويشمل تلوث الهواء والماء والغذاء ومعناه: حدوث أي تغيرات في خواص البيئة مما يؤدي بطريقة مباشرة او غير مباشرة إلى الاضرار بالكائنات الحية وممارسة الانسان لحياته الطبيعية.

  • التصحر: Désertification

وهو تردي الأراضي في المناطق القاحلة نتيجة عوامل تغير المناخ والانشطة البشرية غير المسؤولة ويعرف على انه زحف البيئة الصحراوية على الأراضي الخضراء ومن اهم مظاهر انحسار الغطاء النباتي، نشاط الكثبان الرملية الثابتة، انجراف التربة وتملحها ونقص خصوبتها وزيادة كمية الغبار في الهواء.

  • إزالة الغابات Déforestation

وبتالي زيادة آثار ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ثم ارتفاع درجات حرارة العالم وانخفاض رطوبة هواء المنطقة.

  • الاحتباس الحراري ( الدفيء الكوني) Global Warning

وهو احد المظاهر المتصلة بإفساد البيئة، فالغازات التي تحافظ على حرارة الجو وازدياد تركيزها بفعل النشاطات الإنسانية وهذا ما يطلق عليه ظاهرة البيوت الزجاجية، إذ تحتجز الحرارة التي تحملها الشمس.

  • النفايات السامة: وتتخذ أشكال ابخرة وغازات أو سائل يتجلى أثره السلبي في زيادة ثقب الأوزون والتلوث بأنواعه. [viii]
  • استنزاف الموارد الطبيعية نتيجة للثورة الصناعية في الغرب، والتوسع الزراعي المكثف في البلدان النامية الذي أجهد التربة، والحروب حدثت ناقص حاد في الموارد الطبيعية وخصوصاً المياه الصالحة للاستخدام والأراضي الصالحة للزراعة والمحصول السمكي في البحار، مما قد يهدد بنشوب نزاعات دولية في المستقبل القريب بسبب التزاحم على هذه الموارد. والحقيقة أن العلاقة بين ندرة الموارد الطبيعية والنزاعات الدولية ليست موضوعا جديدا ولكن بخلاف مفهوم الأمن القومي التقليدي بشأن تلك النزاعات والذي يركز بالأساس على الموارد غير المتجددة مثل المعادن والبترول نجد أن المفهوم البيئي يركز على الموارد المتجددة التي لا تتأثر بالاستنزاف والتبديد إذا تمت المحافظة عليها بشكل سليم وتعد موارد المياه ومصائد الأسماك أوضح الأمثلة للموارد المتجددة التي تمثل مصدرا للصراع الدولي، فلقد قدرت مؤسسات الاستخبارات الامريكية في منتصف عقد الثمانينيات أن هناك عشرة أماكن في العالم – نصفها في الشرق الأوسط- قد تندلع فيها حروب بسبب نقص إمدادات المياه العذبة ومن أخطر تلك الأماكن نهر الأردن الذي تتقاسم مياهه كل من الأردن وإسرائيل ولبنان، ونهر النيل الذي تتقاسم مياهه كل من مصر والسوادان وإثيوبيا، ونهر الفرات تتقاسم مياهه كل من العراق وتركيا وسوريا.

وبالنسبة للمناطق التي تزدهر فيها الثروة السمكية، فقد تفجر تحولها عدة منازعات دولية في العقد الحالي وخلال العام 1995 وحده نشب ثلاث ونزاعًات حول مصائد الأسماك وكان من بينها نزاعات استخدمت فيها القوة وقد هددت الدول التي انخفضت كميات الأسماك التي تصطادها من مصائدها بسبب عمليات الصيد التي تمارسها أساطيل الصيد التي تجوب البحار المجاورة باستعمال القوة لمنع الأساطيل التي تضبط وهي تمارس الصيد بإسراف حتى ولو كانت تقوم بالصيد خارج مناطق الصيد التابعة لتلك الدول.

وهكذا فان اتجاه الأمن البيئي يعطي بديلاً واضحًا للمفهوم التقليدي بشأن النزاعات الدولية حول الموارد الطبيعية المتجددة وهذا يعني أن المشكلة الرئيسية هي كيفية المحافظة على هذه الموارد وعدم استنزافها وذلك لتظل قادرة على سد احتياجات البشر مستقبلاً بدلاً من محاولة السيطرة على موارد هي في طريقها للنضوب.

  • الهجرة البيئية: عند الحديث عن الهجرة فهناك عدة مصطلحات ومفاهيم ضمن الادبيات التي تمت إليها حول الموضوع :نجد الهجرة البيئية، الهجرة المدفوعة بأسباب التغيرات المناخية، اللاجئين الأيكولوجيين، أو اللاجئين البيئيين، وترجع صعوبة تحديد مصطلح حول الهجرة المدفوعة بأسباب مناخية إلى:

–     صعوبة الفصل بين العوامل البيئية وغيرها من العوامل الدافعة للهجرة     غير ان هناك اجماع على أن التدهور البيئي يسبب تقلص الانتاج الغذائي وتدهور الظروف المعيشية ومستوياته يؤثر على ضعف أمن السكان ويؤدي تغيرات حركات في رؤوس الأموال والأشخاص. [ix]

ويثير هذا النوع من الهجرة إشكالية كبيرة لدى المجتمعات المضيفة والمهاجرين على حد سواء فمن جهة المهاجرين تجد صعوبة الاندماج الاجتماعي والثقافي، ومن جهة المجتمعات المضيفة يكون عليها عبء اقتصادي إضافة إلى انتشار الجريمة في وسطها قد تؤدي هذا نوع من الهجرة إلى صراعات داخلية أو حتى دولية.

  • التدهور البيئي والمياه: قد ينشأ غياب الأمن المائي عن الندرة المادية، الناتجة إما عن عوامل مناخية أو جغرافية، أو عن الاستهلاك غير المستدام، أو الاستنزاف بالإفراط في الاستغلال؛ كما يمكن أن تكون له أصول اقتصادية أيضا، حيث يمنع ضعف البنية التحتية أو القدرات من الوصول إلى الموارد المائية المتاحة، أو قد يحدث حيث يؤدي التلوث أو التلويث الطبيعي إلى تعذّر الوصول إلى الموارد المائية. بالفعل يؤثر غياب الأمن المائي وندرة المياه على أجزاء كبيرة من العالم النامي. وقد شهد القرن الماضي زيادة قدرها ستة أضعاف في الطلب العالمي على المياه. ويعيش ما يقرب من ثلاثة مليارات نسمة (حوالي 40 % من سكان العالم) في مناطق يزيد فيها الطلب على إمدادات المياه ومن المتوقع لهذا الوضع أن يتفاقم خلالا لعقود القادمة مع تزايد السكان، ونمو الاقتصادات، و توسّع نطاقي الزراعة والصناعة.

ثمة خطر إضافي يحدق بالأمن المائي، يأتي من تغيّر المناخ؛ إذ يشهد العالم احترار المسيب قله مثيل، وتزيد درجات الحرارة الآنبنحو 0.5 درجة مئوية عن معدلاتها المتوسطة خلال الفترة ما بين 1961-1990.

وحقًّا أثر تغيّر المناخ على موارد المياه في جميع أنحاء العالم. وأفضى –على سبيل المثال- إلى زيادة متوسط مستوى سطح البحر بمعدل 1.75 ملم سنويا خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وتسبب في انحسار واسع النطاق للأنهار الجليدية غير القطبية، مما قلّص تدفق المياه في فصل الجفاف، وزيادة درجات حرارة الحفريات وكذلك حرارة البحار.

تعمل الطاقة الشمسية المحتبسة في الغلاف الجوي بفعل غازات الدفيئة على توجيها لدورة الهيدرولوجية، وأية زيادة ستؤدي إلى تكثيف ملحوظ في الدورة، مما يغيّر من أنماط سقوط الأمطار ويُفاقم الظواهر المتطرفة، مثلا لجفاف والفيضانات.

المحور الثالث: انعكاسات الندرة البيئية على الاقتصاد:

يعبر الاقتصاد عن مسار البشرية عبر التاريخ وحجم العلاقات التي تربطها فالثورة الصناعية التي شهدها العالم اثر النهضة العلمية في القرن الثامن عشر لم يكن أحد ليقدر آثرها السلبية آنذاك بقدر ما كانت آثارها ايجابية ملموسة على مختلف النواحي الاجتماعية والاقتصادية. ليعود حاليا نفس العقل البشري وبفضل التقدم التكنولوجي الذي حققه ليدق ناقوس الخطر ويعلن ان العالم يعاني من مخلفات العقود فالتقدم له مخاطر تفوق فوائده حيث أنه يحطم ما بناه. فالغازات السامة المنبعثة من المصانع والنفايات والاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية من اهم الأسباب المباشرة للتلوث البيئي والذي بدورها هذه المشاكل التي تؤدي إلى الندرة البيئية تنعكس مرة أخرى سلبا على الأمن الاقتصادي وبالتالي هناك علاقة تبادلية بين الندرة البيئية والامن الاقتصادي.

هذا اضافة إلى تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري ومن هذا المنطلق يعد القطاع الاقتصادي بمختلف مجالاته( السياحة الزراعة، الموارد المائية) الأكثر حساسية للتأثيرات المحتملة للتغير المناخي بشكل مباشر أو غير مباشر، ما يجعل أي عملية اقتصادية لا تأخذ العوامل المناخية والبيئة في الحسبان غير موضوعية وهي تعرض امن الدولة للخطر[x]

والحديث عن المشاكل التي تسببها الندرة للاقتصاد نجد أن مفهوم الندرة يشكل قيدا على النمو الاقتصادي كما يرى مالتوس وخاصة تلك المواد القابلة للنضوب[xi]

وعلى العموم تؤثر الندرة البيئية كما اسماها هامر ديكسون على الاستقرار عامة ، فهي تعمل على زيادة العنف المدني بما في ذلك حركات التمرد والاشتباكات العرقية ، وفي دراسة قام بها هامر ديكسون حول الندرة البيئية والعنف حدد ثلاث مواقف في هذا النقاش الأول هو النقاش النيو مالتوسيان الذي يؤكد على تأثير الموارد المحدودة على النمو والازدهار الاقتصادي، أما النقاش الثاني وهم انار المتفائلون الاقتصاديون الذين يؤكدون أن العنف أسبابه الأساسية على الاثار المترتبة على التوزيعات المختلفة للثروة والسلطة والنقاش الثالث يرى فيه هامر ديكسون للوصول إلى النمو والرفاه يجب اعتماد استراتيجية ادماج المتغيرات البيئية والاجتماعية ( ديناميكيات السوق، الهياكل الاقتصادية والاجتماعية ) في نموذج واحد يؤكد على اهمية العتبات والترابط والتفاعل ضمن بيئة معقدة[xii]

وبالعودة لنقاط ضعف الامن الاقتصادي يتعلق الام بتعريف الندرة بحيث لا تمثل بالضرورة عدم كفاية الامدادات او الزيادة في الطلب على مورد بل يتعلق بندرة الناتج أيضا في الأساس نتيجة عوامل سياسية واجتماعية مما يعني ان الندرة قد تدعمها مصالح اجتماعية او سياسية وليست هي ندرة حقيقة.

خاتمة:

النتيجة هي أنه لاشك ان الندرة البيئية خاصة ندرة الموارد الطبيعية هي من المشكلات الرئيسية التي يعاني مها الامن الاقتصادي اليوم. فالندرة البيئية كانت ذات أثر مباشر على قيام العديد من الحروب الأهلية خاصة في افريقيا، فالندرة هي الخطر الأساسي الذي يهدد الوجود البشري. في معضل اقتصادية ناتجة عن الرغبات اللامتناهية للآسان مقابل موارد محدودة وبهذا يمكن القول أن الندرة البيئية هي مشكل امني بامتياز.

الهوا

[i] وهيبة تباني، الأمن المتوسطي في استراتيجية الحلف الاطلسي دراسة حالة: ظاهرة الارهاب، رسالة ماجيستر (تيزي وزو، جامعة مولود معمري، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، مدرسة الدكتوراه في القانون والعلوم السياسية، 2014)، ص 41

[ii] سليم قسوم، الاتجاهات الجديدة في الدراسات الامنية: دراسة في تطور مفهوم الامن عبر منظارات العلاقات الدولية، رسالة الماجيستر ( الجزائر3، كلية العلوم السياسية والاعلام، 2010)،ص 113.

[iii]ستيتي الزازية، الثروة البترولية والامن الاقتصادي العربي، مجلة المستقبل العربي، العدد: 432، 2015، ص 52.)

[iv]  حسين عبد المطلب الأسرج، تحديات الامن الاقتصادي للإنسان العربي على الرابط

www.swmsa.net/art/s/1925

[v] حسين بن ابراهيم الهنداوي، ندرة الموارد وعلاقاتها بالبيئة من وجهة نظر اسلامية، مجلة الاسلام في آسيا، العدد: الأول،، 2014، ص 08.

[vi]  The Unted Nation, Renwable Resources And Conflict, Gudance Not For Practitioners, 2012.p 09.

[vii]البيئة ولاقتصاد علاقة تبادلية، على الرابط

[viii]Econcept Of Ecosystem :http://livinglandscapes.be.ca/cbasin/oldgrowthforest/capter.pdf

[ix] منظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، بيان الفريق العالمي المعني بالهجرة بشأن تأثير تغير المناخ على الهجرة، 2011 على الرابط

www.unep.org

[x]بوسبعين تسعديت، أثر التغيرات المناخية على الاقتصاد والتنمية المستدامة مع الاشارة لحالة الجزائر، مداخلة مقدمة في ملتقى وطني حول البيئة والتنمية المستدامة، جامعة العقيد مولود معمري، البورة

[xi]Robert U. Ayres , Resource, scarcity, Growth And The Enviroment, Centr For The Mangment Of Eviromental Resource INSEAD, Boulevard De Constance , Avril 2001.p 06.

[xii]Tomas F. Hamer.Dexon, The Eenviroment, Scricity And Violence,Promceton, Nj :Proinceton University Press, 1999. p 253 .

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى