مقالات

التنين الاصفر يغزل طريق الحرير من جديد

كتب: دكتور  أحمد عثمان  – المركز الديمقراطي العربي

 

يعود تاريخ طريق الحرير الي القرن الثاني قبل الميلاد وعبره كانت تتحرك قوافل التجاره من الصين القديمه الي بلاد الشرق الاوسط ووأوربا لتحمل معها البضائع باهظه الثمن التي كان من اهمها الحرير والاقمشه والتوابل من الشرق الي الغرب
ولقرون طويله ظل طريق الحرير يلعب دوره كممر ثقافي وتجارى بين الشرق والغرب رابطا حضارات مختلفه مساهما في نقل ثقافات وأديان ومعتقدات مازالت ملامحها واضحه حتي الان تشهد بفاعليه وأهميه هذا الطريق الطويل في التاريخ الانساني
واليوم يعمل التنين الصيني بجد ونشاط لا يكل ولا يعرف الملل وبإستثمارات ضخمه تجاوزت الاربعين مليارا من الدولارات من اجل اعاده إحياء طريق الحرير القديم تحت أسم جديد هو استراتيجيه حزام واحد وطريق واحد وذلك من خلال انشاء شبكه ضخمه من السكك الحديديه والطرق البريه والبحريه والتي ستربط الصين بحوالي 60 دوله في آسيا واوربا وأفريقيا
فما الذى يجعل التنين الصيني الاصفر يمنح إحياء هذا الطريق التاريخي كل هذه الاهميه ويجعل من اعاده غزل هذا الطريق الحريرى اهميه استراتيجيه كبرى في اعلي سلم اولويات السياسات الاقتصاديه والديبلوماسيه للصين في زمن اصبح العالم فيه قريه كونيه صغيره بفضل وسائل السفر الحديثه ؟
إن تراكم الفوائض الماليه الصينيه الضخمه عبر سنوات من النجاح الاقتصادى المتواصل للصين التي احتكرت لنفسها اكبر معدلات النمو الاقتصادى عالميا لسنوات طويله جعلها تواقه الي ايجاد اسواق جديده وفرص استثماريه واعده من اجل توجيه هذه الاستثمارات اليها بما يعود علي الصين بفوائد اقتصاديه ضخمه فعلي سبيل المثال أوضحت الدراسات أن الصين تسعى إلى زياده تجارتها مع الدول العربية من 240 مليار دولار العام الماضى إلى 600 مليار دولار خلال سنوات قليله مقبلة بالإضافة إلى الوصول بحجم تجارتها مع أفريقيا إلى 400 مليار دولار بحلول 2020
وهذه ليست الامكانات القصوى لهذا الطريق الذى ربما تصل اجمالي إستثماراته خلال سنوات لا تزيد عن عقد واحد الي ما بين اربعه الي ثمانيه تريلونات دولار بما يمثل قسطا محترما من التجاره العالميه وهو ما يؤدى لزياده نفوذ الصين السياسي والعسكرى عبر مناطق شاسعه من العالم كنتيجه مباشره لزياده دورها الاقتصادى المتمثل في انشاء هذا الطريق الطموح الذى سيربط تجمعات اقتصاديه وسكانيه ضخمه وسينتج عنه بروز مجتمعات صناعيه وتجاريه جديده بما يغير من شكل الاقتصاد العالمي ككل ويرسخ لقياده الصين له
بل إن التنين الصيني الذى طالما تحدثت التحليلات السياسيه الغربيه عن ما لديه من مكر ودهاء وحكمه متوارثه ومستمده من خبرات الحضاره الصينيه التي يصل عمرها الي الاف السنين ربما يهدف الي الانطلاق عبر غزل طريق الحرير الي آفاق جديده من السياده العالميه بشكل هادىء بما يتناسب مع القدرات الاقتصاديه للصين والتي ستمتلك اكبر اقتصاد عالمي بحلول عام 2030 وفق الكثير من التقديرات
ولعل ما يؤكد سعي الصين لترسيخ نفوذها في مقابل تحجيم قوى تقليديه منافسه لها مثل روسيا هو أن المسار الرئيسي لطريق الحرير يمر من الصين الي كازاخستان التي اطلق منها الرئيس الصيني مبادره احياء الطريق ثم الي اذربيجان ثم الي تركيا وهو ما يهدد مكانه روسيا التي كانت دائما تحتكر طرق التجاره عبر القارات كما ان هذا الطريق يوجه ضربه قاصمه الي الاتحاد الجمركي الاوراسي الذي وحد اقتصادات روسيا وكازاخستان وبيلاروسيا والذى كانت روسيا تهدف من خلاله لاحياء النفوذ السوفيتي في اوسط آسيا
بل إن التنين الصيني الان يمد شبكات الطرق ويمنح المساعدات لدول وسط آسيا لتقويه البني التحتيه لديها لتتحمل التبعات الاقتصاديه لطريق الحرير وهو ما يعني هيمنه اقتصاديه وسياسيه صينيه علي هذا الجزء الهام من آسيا المتمثل في جمهوريات أوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان وطاجكستان وقيرغيزستان والتي تصل مساحتها الي 4 ملايين كيلومتر وهي شديده الثراء بالموارد الطبيعيه و التي كانت ولعهود طويله منطقه نفوذ تقليديه لروسيا
وفي دلاله لافته علي تصاعد قوه وتأثير النفوذ الصيني هناك هو الغاء تركمانستان وأوزبكستان وكازاخستان كثير من المشروعات الاستثمارية و خطط التعاون في مجالات الطاقه مع روسيا واحلال الصين محلها
ولعل وصول أول قطار نقل بضائع صيني إلى جورجيا يوم الأحد 13 ديسمبر2015 بعد رحله عبر أذربيجان وكازاخستان وتركيا إلى الاتحاد الأوروبي بالالتفاف على روسيا يؤكد أن أيام نفوذ الدب الروسي في آسيا الوسطي ربما قاربت علي أن تكون مجرد تذكار من الماضي
وهو ايضا ذات الامر الذى يهدد نفوذ الولايات المتحده التي كانت تضع دول وسط آسيا علي رأس اولوياتها وكيف لا وقد سارعت عقب انهيار الاتحاد السوفيتي الي إقامه قواعد عسكريه ضخمه بالمنطقه مثل قاعده كارش في اوزبكستان وقاعده ماناس في قيرغيزستان
ايضا بغزل التنين الاصفر لطريقه الجديد فإنه يقوم بخلق مجال حيوى سياسي واقتصادى بديل عن المجال التقليدى في شرق آسيا حيث النفوذ الامريكي القوى في كوريا الجنوبيه والفلبين والمنافسه الشرسه القادمه من اليابان
وهكذا فإن التنين الاصفر يعرف طريقه جيدا ويعرف ايضا ان هذا امر احياء الطريق لن يكون سهلا ومفروشا بالورود فالتقارب الروسي التركي وتجاوز روسيا بوتين عن مقتل السفير الروسي واسقاط طائرتها ربما يكون في اطار تبادل مصالح يهدف لغلق المنافذ البحريه التركيه في وجه طريق الحرير وهو ما يؤدى الي مروره اجباريا في ارضي روسيا التي تريد جزء من الكعكعه مقابل مسانده روسيه لاردوغان وهكذا فإن دوى القطارات الصينيه لو نجح في التواصل عبر طريق الحرير لن يكون محملا فقط بالبضائع الصينيه ولكن ايضا بالكثير من آمال التنين الصيني في ان يسود العالم .

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى