مقالات

إشكالية زواج القاصرات في مصر بين التوصيف والمعالجة

بقلم : دكتور أيمن رمضان الزيني – المركز الديمقراطي العربي

 

 

زواج “القاصرات”دون السن القانوني وهو 18 عاما ، يعد واحدة من أخطر المشكلات الاجتماعية الخطيرة التي تواجه المجتمع المصري ،فهذه الظاهرة تنتشر في عدد لابأس يه من القري المصرية التي تقع تحت خط الفقر وتتدني ثقافة قاطنيها .

حيث تعد هذه الظاهرة نتاج لعادات وتقاليد وقيم سلبية أفرزها المجتمع أخصها ارتفاع معدلات الفقر وتدني الثقافة وزيادة الضغوط الحياتية والاقتصاديةوانتشار ثقافة الاستهلاك،وانتشار ثقافة القطيع، بجانب اختفاء دور رجل الدين الحقيقي.وفي الغالب الاعم من الحالاتيتم اللجوء للزواج العرفي، حتي تبلغ الطفلة السن القانونية أوو تسنين الطفلة أو الطفل بعد اخفاء شهادات الميلاد.

فعلي الرغم من نص المادة 31 مكرر من قانون الطفل المصري رقم 126 لعام 2008، علي عدم جواز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة، واشتراطسابقة الفحص الطبي للراغبين في الزواج للتحقق من خلوهما من الأمراض التي تؤثر على حياة أو صحة كل منهما أو على صحة نسلهما، لتوثيق العقد ، ومعاقبة كل من يوثق زواجًا بالمخالفة لأحكام هذه المادة ، إلا أن هذا القانون، ورغم تطبيقه بشكل صارم في المدن، لا يجد استجابة حقيقية له في معظم القرى والنجوع المصرية، التي اعتادت فيها الأسر على تزويج أبنائها في سن مبكرة وبمجرد البلوغ، وربما قبل ذلك.

وتحديد المشرع المصري للسن القانوني للزواج جاء حفاظاً علي حقوق الزوجة وحماية للطرفين في ذات الوقت. ففي حالة ما إذا كان سن الزوج يقل عن 18 عاماً ، فالزواج في هذه الحالة سيدخل في نطاق مايسمىالتصرفات الدائرة بين النفع والضرر، بمعنى انه اذا ماكانهذا التصرف نافعا نفعا محضا له جاء صحيحاً قانوناً ويصير باطلاً اذا ماكان ضاراً بالزوج ، وعند مطالبة الزوجة بحقوقها سيعد الزواج تصرفا باطلا للزوج الذي يقل عمره عن 18 عام .

كما ان الفتيات اللاتي يتزوجن في سن صغيرة يصيرن عرضة للكثير الأمراض النفسية والعصبية أخصها الاهتزاز النفسي والأمراض السلوكية، كما يتعرضن لكثير من الاضرار البيولوجية واخصهاتهتك الأجزاء التناسلية.

وعلي صعيد المعاهدات والاتفاقيات الدولية ، فقد اولت الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة بضرورة أهتماماً خاصاً بتحديد سن أدنى للزواج نظرا لأهمية هذه المؤسسة وخطورة الآثار المترتبة عنها،

فنصت المادة الثانية من اتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج و تسجيل عقود الزواج  على  ضرورة قيام الدول الأطراف في هذه الاتفاقية باتخاذ التدابير اللازمة لوضع حد أدنى لسن الزواج ، وعدم انعقاد الزواج قانونا دون هذا السن”.

كما أكدت في ديباجتها على ضرورة أتخاذ كافة الدول جميع التدابير المناسبة مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة القضاء على تلك الأعراف و القوانين القديمة ، والقضاء بالكامل  على زواج الأطفال و خطبة الفتيات الصغيرات قبل سن البلوغ ، وإنزال عقوبات ملائمة أينما يتطلب الأمر، وإقامة سجل مدني أو غيره يتم خلاله تسجيل كافة الزيجات”.

كما نصت الفقرة الثانية من المادة 16 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة علىضرورة عدم منح ثمة اثر قانوني لخطوبة الطفل أو زواجه ، وضرورة ان وضعحد ادني تشريعي لسن”.

كما أكدت عدد من المؤتمرات الدولية على ضرورة رفع الحد الأدني لسن الزواج ، نظرا للمخاطر التي تهدد زواج الصغار، ومن ذلك ما جاء في تقرير مؤتمر بيجين الفصل الرابع – ج – الفقرة 93 ، والذي تضمن إن الأوضاع التي تضطر الفتيات إلى الزواج والحمل، والولادة في وقت مبكر، تشكل مخاطر صحية جسيمة، ولا يزال الحمل المبكر يعوق إحداث تحسينات في الوضع التعليمي والاقتصادي والاجتماعي للمرأة في جميع أنحاء العالم، وبصورة عامة فإن الزواج المبكر والأمومة المبكرة للشابات يمكن أن يحدا بدرجة كبيرة من فرص التعليم و العمل، ومن المرجح أن يتركا أثرا ضارا طويل الأجل على حياتهن وأطفالهن”.

وأكدت الفقرة 107 من تقرير المؤتمر علي ضرورة إعطاء الأولوية إلى كل من البرامج التعليمية الرسمية وغير الرسمية ، التي تدعم المرأة و تمكنها من تنمية احترام الذاتواكتساب المعرفة، واتخاذ القرارت وتحمل المسؤولية فيما يتعلق بصحتها مع التركيز بصورة خاصة على البرامج الموجهة إلى كل من الرجل والمرأة، والتي تؤكد على القضاء على الزواج المبكر بما في ذلك زواج الأطفال، ودعا المؤتمر إلى ضرورةسن القوانين المتعلقة بالحد القانوني الأدنى لسن الرشد، والحد الأدنى لسن الزواج، وإنفاذ تلك القوانين بصرامة ورفع الحد الأدنى لسن الزواج عند الاقتضاء”.

أوصت لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة في التوصية العامة رقم 21 بوجوب أن يكون الحد الأدنى لسن الزواج هو ثمانية عشرة سنة لكل من الرجل والمرأة ، ذلك أن زواج الرجل والمرأة يرتب عليهما مسؤوليات هامة ، وبالتالي ينبغي ألا يسمح بالزواج قبل بلوغهما سن النضج الكامل والأهلية الكاملة للتصرف.

واذا كانت أغلب التشريعات الحديثة قد حددت سن الزواج في 18 سنة بالنسبة للجنسين معا ، تماشيا مع ما تقتضيه الاتفاقيات الدولية التي حددت أمد انتهاء الطفولة في هذا السن،
إلا أن ذلك لم يمنع من نصبعض التشريعيات الأوروبية على استثناءات تسمح بإبرام عقد الزواج قبل اتمام الفتاة أو الفتى لسن 18 سنة.

ففي القانون الفرنسي يمكن لوكيل الجمهورية الاعفاء من شرط السن في حالة توافر أسباب جدية، ولا يتم الزواج في هذه الحالة إلا بموافقة والدي القاصر، طبقا لنصي المادتين 145 و148 من القانون المدني الفرنسي.

وفي القانون الاسباني يجوز ابرام عقد زواج حتى وان كان أحد طرفيه قاصرا وذلك متى توافرت أسباب جدية ، وبعد صدور اذن قضائي وموافقة العائلة، طبقا لنصي المادتين 45 و46 من القانون الاسباني.

وفي القانون البلجيكي يسوغ لمحكمة الشباب أن تمنح صلاحية تزويج من هم أقل من 18 سنة في حالة وجود أسباب خطيرة.

والوصول لحلول جذرية لهذه الإشكالية يتطلب حملات توعية للأسر من مخاطر هذه الزيجات ، بالإضافة لتجريم قانون العقوبات لكافة اشكال وسلوكيات زواج القاصرات ، وفرض عقوبات رادعه علي مقترفيها ،حيث لا يوجد ثمة قانون فى مصر يجرم تزويج القاصرات دون الـ 18 عاما.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى