كارثة يونيو : ومحطات سحق المشروع الصهيونى لمصر
كتب السفير : د. عبدالله الأشعل
- المركز الديمقراطي العربي
فى الخامس من يونيو 2017 تمر خمسون عاماً على هذه الكارثة .خلال هذه السنوات برز درس بالغ القسوة لم يدركه الطرف المصري ضحية المعادلة وهو أن الديمقراطية اليهودية ذات المشروع الصهيونية قد سحقت الدكتاتورية العسكرية فى مصر التي ربما أسهمت مع الإنجليز والأمريكان في قدومها فأصرت الأولي بمضي الوقت علي سحق الثانية وصار بقاء المشروع مرتبطا بقاء الثانية وتستميت الأولي لعدم تحول مصر الي الديمقراطية وهذا يسر زع إسرائيل من ثورة يناير وارتياحا لحركة يونيو علي الأقل لأنها هزمت الثورة بكل مكوناتها وأعادت الأمور الي مسار المشروع وبخطي أسرع وتلك ملاحظتي القابلة للنقاش وأدعو الله أن أكون مخطئا لأن هذه النظرية تعني فناء مصر كقوة إقليمية وهو كابوس يطاردني في صحوي ومنامي وأخشي ما أخشاه أن تكشف إسرائيل بالوثائق عما اجتهدت فيه بالتحليل السياسي حيث بدأت في الإفراج عن وثائق هذا الحدث وموقفها من عبد الناصر.
ولذلك يخطئ من يظن أن هذه الكارثة كانت منقطعة الصلة عن أهم عاملين وهما طبيعة نظام الحكم فى مصر والمشروع الصهيونى. أما نظام الحكم فى مصر منذ عام 1952 فقد نشأ فى ظل الحكم البريطانى والاحلال الأمريكى محل البريطانى replacement policy ولم يكن هناك خلاف بين رموز هذا الحكم وبين بريطانيا والولايات المتحدة حتى أدرك الحكم العسكرى متأخرا بعد مذبحة غزة 1955 أن إسرائيل هى الوليد الوحيد للولايات المتحدة وأن نظام الحكم فى مصر يجب أن يتماهى مع المشروع الصهيونى ولكن جمال عبدالناصر رفض هذه المعادلة إدراكا منه لحقيقة المشروع الصهيونى ولكنه لم يقدر أن الحكم العسكرى فى مصر هو الذى سيؤدى بمصر إلى أن تكون بعد ذلك من عوامل تمدد المشروع الصهيونى فى المنطقة العربية. وخلال حكم جمال عبدالناصر شاع الاعتقاد بأن الحكم العسكرى ضرورى لمواجهة إسرائيل ولكن الحكم العسكرى الذى احتكر اتخاذ القرار كان يستعين بكافاءات مدنية تركت بصمات العصر الناصرى . ولم تكن المقولة صحيحة كما لم يكن عبد الناصر ليستقيل فعلا إدراكا لمصلحة مصر بعد هذا الهوان.
وهزيمة الجيش المصرى والدولة المصرية فى عام 1967 لابد أن توضع فى السياقين معاً ، سياق نظام الحكم العسكرى فى مصر وسياق المشروع الصهيونى الذى انطلق منذ هزيمة 1967 إلى افاقه البعيدة. والطريف أن نفس الحكم العسكرى الذى عادى إسرائيل دون أن يحاربها هو الذى ساعد إسرائيل بعد ذلك فى المشروع الصهيونى .
كارثة 1967 كانت طبيعية فى ظل نظام انكر الحريات واحتكر العسكريون فيه كافة مقاليد السلطة وأنشأ تنظيماً للشباب مسانداً له ولم يفكر لحظة واحدة أن مصلحة النظام وسيطرته شئ ومصلحة الوطن شئ آخر بل إن النظام اعتبر أنه هو الوطن وأى فصل بين النظام والوطن مؤامرة على النظام الوطنى وهو ثورة مضادة على الثورة التى قادها النظام .
ولو انتصرت مصر عام 1967 على إسرائيل لكن ذلك يشير إلي خلل فادح فى ظل أوضاع مصر وعبثية القيادة السياسية والعسكرية فى ادارة البلاد. ويكفى أنه لم تقم جهة محايدة بعيدة عن النظام بدراسة ما حدث عام 1967 وما أسفر عنه.
لذلك كان طبيعياً أيضاً أن تحدث 6 أكتوبر، وإذا كانت مصر قد انتصرت على إسرائيل فى ذلك التاريخ وهو ما تؤكده مصر خلافاً لما تقوله إسرائيل فلماذا سلمت مصر لإسرائيل فى كامب ديفيد بناءاً على الثغرة وعلى تداعياتها ولماذا لم يقبل جمال عبدالناصر تسوية أفضل مع إسرائيل قبل أن يهزم عام 1967 وقبل أن تؤدى 1973 إلى كامب ديفيد.؟!
الغريب أن الجمعية الدولية لدراسات الشرق الأوسط فى واشنطن التى يهيمن عليها اليهود فى الولايات المتحدة تعتزم أن يكون مؤتمرها السنوى عام 2018 دراسة الانتصار الكبير للمشروع الصهيونى عام 1967 . وفيه ستظهر إسرائيل خبايا الملحمة.
أما سياق الحكم العسكرى فلم يكن ممكنا أن يتخلى عن السلطة رغم الهزيمة الماحقة عام 1967 ولذلك لم أصدق مطلقا ما سمى بخطاب التنحى لأن الحكم العسكرى تم تداوله عن طريق الاستفتاء بين شخصيات عسكرية حتى الآن ولا أصدق أنهم يريدون التخلى عن السلطة واتاحة الفرصة للشعب لكى يكون طرفاً فى انشاء نظام سياسى بمؤسسات حقيقية خاصة بعد أن تحصن النظام بتحالفات داخلية واقليمية ودولية لها مصلحة فى بقائه .
أما المشروع الصهيونى فقد تمدد بشكل ظاهر عام 1967 حيث احتلت إسرائيل كل فلسطين وسيناء والجولان ثم فاوضت مصر على سيناء وحدها واستعادتها مؤقتا ريثما تسمح الظروف باسترداد إسرائيل لها وساعدت مصر إسرائيل بسياساتها المعروفة فى سيناء والتى لا مفر من أن تقع مرة أخرى فى أيدى إسرائيل .
وفى عام 1979 قادت مصر طريق الاستسلام للمشروع الصهيونى ولم تدرك عقلية الحاكم الفرد في مصرأنه قد أبحر بعيداً نحو ضياع مصر والمنطقة العربية لصالح المشروع . فبعد كامب ديفيد ضرب المفاعل النووى العراقى واحتلت إسرائيل بيروت وانضمت مصر إلى المعسكر الأمريكى الصهيونى ووقعت الاردن اتفاقية وادى عربه ووقع عرفات اتفاقية اوسلو وكلها محطات فى طريق المشروع الصهيونى المزدهر.
والطريف أن العقليات المدنية التى فضلت مصالحها مع السلطة العسكرية على حساب المصلحة الوطنية تفننت فى تكريس السلطة العسكرية فى كل هذه المحطات فاقترح أحدهم ممن انخرط فى نظام مبارك أن يتم المبالغة بالاحتفال بنصر مصر فى السادس من اكتوبر والا تتم الاشارة مطلقاً إلى هزيمة 1967 وهذه العقلية العسكرية والمدنية التى تروج لنفسها على حساب الوطن لم تكترث باجراء دراسة امينة داخلية على الأقل بعيدا عن المبالغات والمجاملات لما حدث فى جميع المواجهات أو التحالفات مع إسرائيل خاصة وأن مصر هى الخاسر الأكبر عندما أرغمت العرب على الاستسلام لإسرائيل وهى المسؤولة قطعا عما حل بالعالم العربى من دمار وتفتيت. فهل ياتى جيل آخر يتنبه إلى هذه الحقائق وهل يجد وثائق تعينه على الوصول إلي ما يريد بعد أن تم تزييف الشهادات والوقائع والتاريخ وسجل كتبة السلطان الانتصارات الباهرة للسلطان المظفر ؟وهل يجرؤ منصف بعد ذلك أن يضع حرب 1967 وكامب ديفيد وغيرها فى منظور المصلحة الوطنية الخالصة؟!
الغريب أن هذه المحطات كانت وقود المعارك المؤسفة بين القوي والنخب. قد احتفلت القوي الإسلامية بهزيمة 1967 لأنها عندهم هزيمة لعبد الناصر عدو الإخوان وهزيمة لنظام علماني وهزيمة للقوي القومية وهكذا غفل الجميع عن دلالة الهزائم والمحطات مع استمرار تمسك النظام العسكري بالسلطة دون أن يتدبر أحد مسار المشروع ومصائب مصر ولاتزال الحسابات الشخصية تعلو علي مصالح الوطن ولاتزال مصر ضحية تصفية الحسابات بين هذه القوي ومصر تنحدر إلي براثن المشروع الصهيوني.
تلك خواطر مهموم عاصر الحدث الذي كان فتحا عظيما للمشروع ولكن المرحوم هيكل صوره بأنه انتصاربدليل أن النظام العسكري المهزوم لم يسقط ولايعلم أن النكبة كانت جرحا غائرا لم نستفق منه فأعقبه الإعصار فكانت تلك قمة الملهاة ، والمهم يسقط الوطن ويبقي النظام مادام النظام هو الذي يهم… قمة الوطنية .
وتلك قاعدة في العالم العربي بقيادة مصر فهل تجرؤون علي مناقشة هذا الحدث بأمانة حرصا علي وطن حتي لايأتي يوم يطفو النظام علي جثته؟.اللهم هل بلغت اللهم فاشهد وتلك شهادتي للتاريخ