اعداد الباحثة: لبنى عبدالله
عندما أندلعت ثورات الربيع العربى والتى استخدمت ما يمكن أن يطلق عليه الإعلام البديل المتمثل فى شبكات التواصل الاجتماعى وعلى رأسها الفيس بوك، اعتقد أن هذه الثورات ستمتد لجميع القطاعات وفى مقدمتها الإعلام. الإعلام الذى غابت عنه معايير الدقة والأمانة والموضوعية والنزاهة، والذى لم تعد له مهمه غير تقديم فروض الولاء والطاعة إلى شخص الحاكم بل ذهب البعض إلى تبرير تصرفات النظام الفاسدة.
فكانت الحاجة إلى تطهير الإعلام ملحة، فالإعلام بطبيعته هو رسالة تترك تأثيرها على الفرد والمجتمع. فيفترض أن يقوم الإعلام بمهمة الرقابة على الحكومة والكشف عن الفساد والأخطاء، مما يساعد على تحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية وحماية الحقوق والحريات.
كما أن تواجد شبكات التواصل الاجتماعى – التى يطلق عليها البعض الإعلام البديل- التى أصبحت منبر جاذب وبشدة للمواطنين، لأنها تعطى فرص متساوية للحوار وتبادل الأفكار ونشر المعلومات والأخبار. وما يرجح كفتها أنها فى الغالب لا تخضع لشخص الرئيس وحكومته ونظامه بالكامل، ولا تتقيد بالقيود السلطوية التى تفرضها النظم الاستبدادية على الإعلام من أجل تزييف الوعى وتشويه الحقائق وتضليل الرأى العام. وما يزيد من كفاءة مناخ الإعلام البديل أنه ليس به صحفيون وإعلاميون فاقدون للمسئولية وتكاسلت ضمائرهم المهنية وتناسوا رسالتهم فى نقل الحقائق وتشكيل وعى عام ناضج.
ولكن سرعان ما تدرك النظم الاستبدادية خطورة هذا الإعلام، فتبدأ فى فرض القيود وأغلاق صفحاته بل وإلقاء القبض على القائمين به بحجج واهية كزعزعة أمن واستقرار الوطن. وفى الحقيقة أذا كان هذا الإعلام يزعزع أمن واستقرار فهو أمن واستقرار النظام الاستبدادى الحاكم وليس أمن الوطن.
لكن الإعلام فى البلدان العربية هو صناعة هدفها الربح وزياد الأموال، قبل أن يكون مهنة أو رسالة للتنوير وأداة جادة للرقابة. وبالتالى يفتقر الإعلام إلى الاستقلال ويكون دائمًا عرضة للانتهاكات والتدخلات السافرة فى مضمونة سواء من الحاكم ونظامه أو من صاحب رأس المال ورؤساء التحرير.
فيبدو الإعلام وكأنه صفقه بين طرفين أحدهما يسعى إلى زيادة ثروته الاقتصادية، والأخر يسعى لزيادة مكاسبه السياسية. فغياب سياسة تحريرية معلنة للجميع ومكتوبة، يجعل من الإعلام أداة غير مستقلة عن الأهواء والاتجاهات والأيديولوجيات الخاصه بالنظام الحاكم أو أصحاب رأس المال.
لذلك لم يكن الإعلام قادر على عكس مطالب الشعوب العربية التى خرجت فى ثورات هزت عروش حكام ما كان يعتقد أنهم سيرحلون عن الحكم، تلك المطالب التى تمثلت فى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
وأن تردد الإعلام فى تأييد ما يحدث فى بداية أندلاع ثورات الربيع، لكن بعد أن تأكد من رحيل بعض الأنظمة أسرع الكثيرون فى تأييد الثورات وتحويل برامجهم وصحفهم لمنابر لأصوات الشباب الذى فجر الثورات. لكن بعد مرور بعض السنوات وعاد الاستبداد ليحكم من جديد، أجبر بعض الإعلاميون المتمسكون بأظهار الحقيقة على الاختفاء من شاشات التلفزيون احترامً لأنفسهم ومهنتهم.
وأصبح الأعلام كله يغرد فى سرب النظام ويمجد من إنجازاته ولا يهتم باحتاجات المواطنين ومشاكلهم وإظهار الرأى الأخر وعاد الإعلام كما كان وكأن شئ لم يحدث.
لذلك فإن الحاجه ملحة لتطهير الإعلام الفاسد الذى يعمل على قلب الحقائق، وتزيف الوعى، وتضليل الرأى العام، وتدعيم الاستبداد، وصناعة الفرعون، وقلب المعايير رأسًا على عقب ليوجه المواطنين إلى قرارات غير رشيدة تخدم مصلحة النظام الحاكم.
فتطهير الإعلام يكون على عدد من المحاور: أولها: تعديل ترسانة القوانين التى تنتهك حرية الإعلام وتعمل على إجهاض الفكر الحر ومحاصرة الإعلام بسياج أمنى لا يمكن أختراقه وبالتالى يصبح الإعلام أداة فى يد السلطة لا أداة للرقابة عليها.
ثانيًا: وجود وضع دستورى وقانونى يضمن حرية الصحفى ويمنع حبسه بسبب قضايا تتعلق بإبداء الرأى ويحمى الصحف من الهجمات الشرسه التى قد تتعرض لها من إغلاق ووقف.
ثالثًا: حرية الوصول إلى المعلومة، فالمعلومة هى المادة الخام للعمل الإعلامى، فحرية الإعلام بلا حرية الوصول للمعلومة يحول الإعلام لكونه منابر للصراخ والشائعات وأنصاف الحقائق ومنبر للتكهنات.
رابعًا: العمل على رفع مستوى الاحتراف والمهنية فى الأداء وإتاحة الفرصة لكافة فئات المجتمع للتعبير عن رأيها ومشكلاتها. خامسًا: ضمان استقلال الإعلام ومنع الانتهاكات والتدخلات السافرة فى مضمون الإعلام سواء من جانب الحاكم ونظامه أو أصحاب رأس المال ورؤساء الصحف.
سادسًا: العمل على بناء إعلام حكومى مستقل وطنى، وليس بإعلام تابع للنظام الحاكم ويقدم فروض الولاء والطاعه للحاكم.
فيجب أن يتم تغيير مفهوم الإعلام الوطنى الحكومة من كونه تابع للنظام الحاكم إلى كونه منبر لصوت الشعب ويعبر عن مشاكلهم ويعرض وجهات النظر المختلفة.سابعًا: اتجاه الإعلام نحو التنوع وعرض مختلف وجهات النظر التى تساعد على أثراء الحوار وجعل منه أضافة إعلامية، فيجب أن يتوقف الإعلام عن استضافة نفس الضيوف والوجه التى لم يعد لديها جديد لتقدمه.
فيجب أن تتاح الفرصة لوجوه جديدة شابة بأفكار بكر تصب فى مصلحة الوطن.
ثامنًا: يجب أن يتوقف الإعلام عن كونه منصه للحكم فهذا مواطن شريف لأنه يغرد فى نفس سرب النظام، وهذا مواطن خائن وعميل للخارج لأنه يغرد خارج السرب ويرفض أن يسكت عن الفساد والظلم، فالإعلام يفترض أن يكون منصه لنقل المعلومه بكل شفافية للمواطنين، وليس منصه لتصنيف المواطنين.
فقط فى هذه الحالة سنستطيع أن نتحدث عن إعلام وطنى حر ومستقل، بعيد عن سيطرة رأس المال أو التبعية لنظام أو جماعة معينة. فحرية التعبير وديمقراطية الإعلام هى البداية لتحقيق التنمية على كافة الأصعدة سواء السياسية والاقتصادية والثقافية. فحرية الإعلام ليست غاية فى حد ذاتها بقدر ما هى وسيلة لبعث النبض فى الحياة، والقضاء على الفساد السياسى والاقتصادى والتدهور الأخلاقى. فالإعلام هو مرآة للبيئة السياسية والاقتصادية والثقافية والبوليسيه المحيطه به.
فلا يمكن أن تستمر الأوضاع الهزليه فى الإعلام، من سكوت عن كشف المظالم التى يتعرض لها الشعوب من انتهاكات واختفاء قسرى والاستمرار فى ترهيب الشعوب من الإرهاب والفوضى وغيرها من الجرائم التى تقيد شعوب ثارت وضحت بأبنائها من أجل الحرية، والاستمرار فى بث خطاب كراهية لبعض فئات المجتمع بدل من العمل على تقديم مبادرات لاستيعاب مختلف الفئات مما يقضى على الفكر الإرهابى والمتطرف ويساعد على تحقيق التعايش المجتمعى. فلا يمكن أن يستمر الإعلام فى بيع الأوهام للشعوب والوعود بوجود مشروعات كبرى وإنجازات لا يشعر بها المواطن.