عاجل

الأسس الفلسفية للعلمانية لعادل ضاهر قراءة وتعريف بمحتويات الكتاب

 عرض الباحث : محمد عدي

 

كثيرة هي المؤلفات التي تدافع عن العلمانية وتنافح عنها، وتزخر المكتبة العربية بدراسات عديدة تتناول الموضوع، ولكن سبب اختيارنا لكتاب الأسس الفلسفية للعلمانية، هو نفسه ما يوضحه عنوان الكتاب، أي أنه ليس مجرد مرافعات إيديولوجية عن العلمانية بل هو رجوع إلى أصولها الفلسفية التي تنبني عليها، مما يجعل الكتاب مهما من ناحية البحث العلمي الرصين، فعادل ضاهر لم يكتف بمجرد الوعظ الإيديولوجي الذي لا يختلف عن الوعظ الديني، بل كتابه يمد القارئ بالجانب الفكري والفلسفي لهذا الموضوع ليشكل بذلك مرجعا لا غنى عنه للباحث سواء اتفق إيديولوجيا مع الباحث أو اختلف معه.

يتألف الكتاب من إثني عشر فصلا موزعا على ثلاثمائة وسبعة وتسعين صفحة، ومن أهم المواضيع والإشكاليات التي تطرق إليها الكتاب بعد أن وضع القارئ في إطار أسئلته المركزية أن حاول الإجابة عن السؤال المبهم حول مفهوم العلمانية كخطوة أساسية لتجاوز التوظيفات غير الفلسفية لهذ المفهوم، كما حاول وضع الخطوط العريضة بين المعرفة الدينية والمعرفة العلمية وطبيعتها ليتطرق في فصول أخرى إلى الاختلافات بين المعرفة بالعقل والمعرفة بالوحي، ومن أهم الإشكاليات التي تطرق إليها كذلك هي العلاقة بين الدين والأخلاق، وعلاقة العلمانية بالإسلام وكذا علاقة العلمانية بالعقلانية.

يشكل التراجع الذي عرفه الفكر العلماني في الساحة العربية أحد أهم الأسباب التي دفعت الكاتب إلى التأليف في هذا الموضوع، وذلك بسبب التنازلات التي يقدمها المنتمون والمنتسبون للعلمانية في بعض محاولاتهم التوفيقية والتلفيقية بين مبادئ العلمانية ومحتويات النصوص الدينية، أو بعض المفكرين القوميين الذين لا تربطهم أي انتماءات بحركات الإسلام السياسي ممن يتهاونون في الفصل بين الديني والسياسي، وأظنه يشير في ملاحظته الثانية إلى محمد عابد الجابري المعروف بموقفه من العلمانية الذي لا يعتبرها إشكالية تعنينا بقدر ما ركز صاحب مشروع نقد العقل العربي على الديمقراطية كمطلب أساسي يتجاوز في أهميته مطلب العلمانية، وفي المقابل يشيد الكاتب بموقف محمد أركون من العلمانية باعتباره مفكرا تناول العلمانية ”بوصفها موقفا من قضية المعرفة”،كما يرفض الكاتب حتى المحاولات التي تحاول إثبات ضرورة  فصل الدين عن السياسة من خلال النصوص الدينية حيث إنه سيكتفي باعتبارات ”فلسفية ومنطقية ومفهومية (اعتبارات عقلية خالصة)” ليثبت أن ”العلاقة بين الدين والسياسة لا يمكن أن تتجاوز كونها علاقة تاريخية، أي جائزة لا ضرورية”.

يقدم عادل ظاهر مفهوما للعلمانية يختلف عن الفهم السائد لها بين المؤيدين لأطروحاتها أو المخالفين لها على حد تعبيره، ويرجع هذا إلى غياب الخلفيات الفلسفية للمفهوم عند كلا الطرفين، حيث إن غياب هذه الخلفيات أفضى بهم إلى توظيف إيديولجي بحت للعلمانية يجعلها بعيدة عن أسسها المعرفية التي تؤسس للعلاقة بين الإنسان والطبيعة وكل أشكال المعرفة، حيث يؤكد عادل على ضرورة الطرح الإبيستيمولوجي المحايد الذي يجعل العلمانية بعيدة المنال عن التوظيف الإيديولوجي ضد المعرفة الدينية، كما أنها لا تستلزم الأخذ بهذه المعرفة أيضا، ليكون الطرح الإبيستيمولوجي لا يستوجب بالضرورة موقفا دينيا أو موقفا إلحاديا، بل هو موقف معرفي متجاوز لكل هذه التوظيفات وكل هذه المواقف.

بعد أن فحص مطول من طرف الكاتب لطبيعة المعرفة الدينية وقلب مختلف صورها المنطقية يتوصل إلى أن هذه المعرفة ضرورية وثابتة، كما قام الكاتب بفحص المعرفة العملية التي توصل الكاتب بعد نفس المنهج المنطقي إلى أنها معرفة جائزة ومتغيرة، وبناء على ضرورية وثبوتية المعرفة الدينية وجواز وتغير المعرفة العملية فإنه على حد تعبير الكاتب لا يشتق الجائز من الضروري، وكل هذا لا ليرفض الكاتب تدخل المعرفة الدينية في الزماني وحسب بل ليرفض رفضا تاما حتى لمحاولات تأويل النصوص الدينية عقليا، حيث يؤكد الكاتب أولية العقل واستقلاليته التامة عن تأثيرات النص الديني الذي ينظر إليه الكاتب نظرة تاريخية لا يتجاوز تأثيره فترته الزمنية، وكل تعامل غير هذا فهو تعامل غير علمي بحد ذاته.

وبقيت ملاحظة أخيرة لأشير إليها في معرض هذا التعريف الموجز بالكتاب، وهو أن عادل ظاهر عندما يتحدث عن المعرفة الدينية ويفحصها منطقيا، فإنه لا يقصد دينيا معينا على حد تعبيره، يؤكد الكاتب أن ”مفهوم المعرفة الدينية الذي يعنينا في هذ السياق هو المفهوم الذي يجد تطبيقه ضمن إطار الديانات التوحيدية وضمن التقليد الإبراهيمي”.

وكما سبق أن أشرت فإن الكتاب بغض النظر عن الخلفيات الإيديولوجية لصاحبه فإنه يشكل مرجعا لا غنى عنه للباحث، وذلك لمراعاة الباحث لشروط البحث العلمي، وتفاديه لبعض المصادرات الخالية من الاستدلال، ليكون الكتاب بحثا معرفيا يستفيد منه المتفقون مع أطروحات الموقف العلماني أو المخالفين معه، وفي الختام نؤكد أن هذه السطور هي مجرد تعريف بالكتاب عبر إشارات بسيطة لمحتوياته وإلى أسباب تأليفه للرجوع إلى ما يحتويه إليه في مضانه.

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى