الشرق الأوسطعاجل

مصر والأرجنتين: علاقات واعدة في إطار التجارة الحرة مع الميركوسور

بقلم : د. محـسن منجـيـد – باحث جامعي من المغرب – مدير المرصد الإلكتروني لأمريكا اللاتينية
 
  • المركز الديمقراطي العربي

 

تعكس زيارة نائبة رئيس جمهورية الأرجنتين غابرييلا ميكتي لمصر أهمية خاصة على المستوى العربي، فهي تتزامن مع استكمال الإجراءات المسطرية لدخول أول اتفاقية للتجارة الحرة حيز التنفيذ بين دولة عربية ممثلة في مصر والسوق المشتركة لأمريكا الجنوبية المعروفة بالميركوسور.

فالأرجنتين التي تتولى حاليا الرئاسة الدورية للميركوسور، أهم تجمع اقتصادي جهوي في أمريكا اللاتينية يضم إلى جانب الأرجنتين كلا من البرازيل والباراغواي والأوروغواي، اختارت زيارة مصر من أجل تدشين مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي والتجاري بين الجانبين.

يرجع مسلسل التقارب مع الميركوسورإلى مطلع سنة 2004 عندما قدمت مصر طلبا من أجل التفاوض حول اتفاقية للتجارة الحرة مع الميركوسور، ولهذا الغرض وقع الطرفان في صيف نفس السنة على اتفاق إطار يهدف إلى تقوية العلاقات وتحرير التجارة بشكل مشترك.

وبالفعل أجرى الجانبان ست جولات من المفاوضات استمرت لمدة ست سنوات وانتهت في غشت سنة 2010 بالتوقيع على اتفاقية للتجارة الحرة، حيث ستساهم هذه الاتفاقية في رفع حجم المبادلات التجارية بين مصر والميركوسور من خلال منح تفضيلات جمركية أمام حوالي 9800 منتوج، وستستفيد هذه المنتجات من تفضيلات على مدة عشر سنوات وخلال أربع مراحل، فبعض المنتجات ستستفيد من تفضيلات مباشرة حال دخول الاتفاقية حيز التنفيذ ومنها من سيدخل في السنة الرابعة وأخرى في السنة الثامنة ثم السنة العاشرة. وبالنسبة لمصر فإن 26% من المنتجات المسجلة في الاتفاقية ستستفيد من التفضيلات الجمركية في نفس تاريخ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ.

ورغم أهمية الاتفاقية بالنسبة لكلا الطرفان فهي لم تدخل حيز التنفيذ مباشرة بعد تاريخ التوقيع عليها، وذلك بسبب وجوب استكمال مسطرة المصادقة عليها من طرف برلمانات الدول الأعضاء في الميركوسور. وهكذا، وفي ماي الماضي خلال جلسة خاصة صادقت المؤسسة التشريعية الأرجنتينية على هذه الاتفاقية لتكتمل بذلك مختلف المصادقات وتنتهي الإجراءات المسطرية لدخول الاتفاقية حيز التنفيذ.

وبالنظر لحجم السوق المصري ومستوى تغطية حاجياته، يعتبر هذا الاتفاق من بين أهم الاتفاقيات التي وقع عليها الميركوسور من خارج منطقة أمريكا اللاتينية، كما أن مميزات التوافقات التي تمت بشكل ثنائي بين مصر ودول الميركوسور زادت من مستوى الاستفادة من مقتضيات الاتفاقية.

وحسب معطيات مركز التجارة الدولي للأمم المتحدة (ITC) لسنة 2016 يصل حجم المبادلات التجارية بين مصر والميركوسور إلى 3.3 مليار دولار، استوردت منها مصر 3.2 مليار دولار ولم تصدر إليها سوى 114 مليون دولار، ومن المنتظر أن تساهم اتفاقية التجارة الحرة في تنشيط العلاقات الاقتصادية ورفع مستوى الصادرات المصرية دون أن ننسى إمكانية استقبال مصر لاستثمارات نوعية من دول الميركوسور وخاصة من البرازيل والأرجنتين.

وعلى مستوى العلاقات الثنائية تعتبر الأرجنتين الشريك الثاني لمصر في أمريكا اللاتينية بعد البرازيل، وبلغت صادراتها نحو مصر 1.4 مليار دولار خلال سنة 2016، حيث تشكل الأعلاف والحبوب نسبة 80% من مجموع الصادرات الأرجنتينية، ومن المرتقب أن تتمكن بوينس أيرس من خلال اتفاقية التجارة الحرة المشار إليها، من رفع صادراتها نحو مصر من المنتجات الزراعية والصيدلية والصلب والمواد الكيماوية.

وفي المقابل فإن صادرات مصر باتجاه الأرجنتين تقدر ب 7.7 مليون دولار، وهي تتكون أساسا من غازات النفط والهيدروكربونات الغازية بنسبة 27% من مجموع الصادرات، بالإضافة إلى ألياف الخيوط بنسبة تقارب 21% والرخام بنسبة 10.5% حسب معطيات سنة 2016.

وتشكل زيارة نائبة رئيس الأرجنتين فرصة لتنويع الشركاء الدوليين لمصر وتقوية العلاقات التجارية الثنائية وإشراك الفاعلين من القطاع الخاص، وهي فرصة يمكن استغلالها من طرف جمعية رجال الأعمال المصريين وغرفة تجارة القاهرة لاقتراح تنظيم زيارة للعاصمة بوينس أيرس في أقرب فرصة لمواكبة دخول اتفاقية التجارة الحرة حيز التنفيذ على مستوى السوق الأرجنتينية.

وإلى جانب العلاقات التجارية، ترتبط مصر بعلاقات سياسية جيدة مع الأرجنتين تعززت بالزيارة التي قامت بها الرئيسة السابقة كرستينا فيرنانديز للقاهرة سنة 2008، وتثمن الأرجنتين مجهودات مصر في البحث عن حلول لقضايا المنطقة العربية، كما يتفق البلدان على ضرورة دعم العمل داخل المنتديات المتعددة الأطراف للدفاع عن الدول النامية ومكافحة الإرهاب.

ون جهة أخرى، يمكن أن تشكل هذه الزيارة فرصة للتفكير في تطوير التقارب بين شعبي البلدين من خلال بحث إمكانية إشراك الدبلوماسية الشعبية في دعم العلاقات المصرية الأرجنتينية. ومملا شك فيه أن زيارة نائبة رئيس جمهورية الأرجنتين لمصر قادمة من المغرب ستساهم في دعم دينامية التعاون التي أطلقت بين العالم العربي وأمريكا الجنوبية بما يخدم القضايا العادلة لشعبي الجانبين.

1/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى