الإقتصاد الرقمي و العلاقات الدولية: الإيجابيات و السلبيات

اعداد : فؤاد الصباغ – باحث اقتصادي دولي
- المركز الديمقراطي العربي
إن ما شهده العالم مؤخرا من ثورة حقيقية في مجال المعلومات و الإتصالات الرقمية تعد من أبرز ملامح و سيمات الحداثة العالمية و التطور في العلاقات الدولية في ظل عالم رقمي متكامل الأبعاد و الآفاق. إذ يشكل الإقتصاد الرقمي اليوم أهم قطاع معلوماتي و خدماتي في جميع أجهزة الدول المتقدمة. كما أصبح يمثل هذا القطاع الحيوي مجال واسع بحيث يساهم إيجابيا في تقريب الشعوب و تقليص المسافات و تسهيل كافة العمليات المالية و التجارية و ذلك في وقت و جيز جدا مقارنة بالتقنيات التقليدية القديمة التي لم تعد في مجملها صالحة لعصرنا الحالي. بالتالي لوضع الإطار الحقيقي لأهمية الإقتصاد الرقمي و تكنولوجيات الإتصال الحديثة في تعزيز روابط العلاقات الدولية, سأنطلق بتحديد الإيجابيات و السلبيات للإقتصاد الرقمي من خلال إستعمال هذه الوسائل الحديثة و مدي تأثيرها علي العلاقات الدولية بين مختلف دول العالم.
إذ علي الرغم من مزايا هذه التقنيات في إيصال المعلومات بكل دقة و سرعة و التواصل مع مختلف الشرائح و الفئات من المواطنين و ذلك عبر إستخدام منصات التواصل الإجتماعي و البريد الإلكتروني و إنشاء المواقع و المدونات الإلكترونية إلا أن السلبيات تمثل تهديد للمعطيات الشخصية و تكشف العديد من الأسرار التي تهم حرمة الفرد و علاقاته داخل الأسرة أو مع المجتمع. كما أن مختلف دول العالم أصبحت تعتمد علي هذه الوسائل علي الرغم من خطورتها, إذ في هذا الإطار سارعت وزارة الخارجية البريطانية و الأمريكية و أيضا بعض رؤساء الدول المتقدمة بإعتماد وسائل التواصل الإجتماعي خاصة منها الفايسبوك و التويتر للتقرب أكثر من صوت المواطن و التواصل معه و الإستماع لأرائه و مقترحاته و متابعة تعليقاته. كما تم أيضا تفعيل دور هذه الوسائل في مختلف البعثات الدبلوماسية قصد التحكم في المنظومة المعلوماتية و تبسيط الإجراءات الإدارية و تعزيز مكانة العلاقات الإقتصادية و السياسية بين الدول.
إذ تمثل تكنولوجيات الإتصال الحديثة مكسب و نقمة معا نظرا لما تخلفه من منافع أو أحيانا من مضار تمس حياة الفرد أو مصالح الدول. أولا نذكر أبرز الإيجابيات الرئيسية لهذه التقنيات الحديثة التي تتمثل في ما يلي:
- التواصل مع أكبر عدد ممكن من المواطنين و مناقشة مختلف القضايا الإقتصادية, الإجتماعية و السياسية بكل شفافية و ديمقراطية.
- إستخدام وسائل التواصل الإجتماعي للتفاعل مع مختلف الشرائح العمرية و الإستماع لمشاغل الرأي العام و إهتمامات المجتمع المدني.
- مشاركة العديد من المواطنين في تقديم المقترحات و التفاعل مع التعليقات لإيجاد حلول تتماشي مع جميع الأطراف.
- تقريب الشعوب و تعزيز العلاقات الدولية و تبادل التكنولوجيات بين الدول خاصة من خلال قمم المعلومات التي ترعاها الأمم المتحدة, إذ نذكر أهمها قمة المعلومات بتونس سنة 2005 التي جمعت العديد من الدول و المنظمات و الجمعيات.
- تقديم المساعدات التقنية عن بعد لتسهيل و تبسيط الإجراءات و العمليات الإدارية الإلكترونية.
- إنشاء المدونات و المواقع الإلكترونية و إدارة الحملات الترويجية التي أصبحت اليوم تستغل لتقديم برامج إقتصادية و سياسية و توفر منابر للحوار و النقاش عبر التعليقات و إضافة المقالات.
- بروز ظاهرة العمل عن بعد و أيضا كسب المال الشرعي خاصة من خلال إستغلال منصات التواصل الإجتماعي و ذلك عبر الترويج و البيع بالعمولة للمنتجات الإلكترونية, أيضا التداول بالأسواق المالية العالمية و أهمها التدريس عن بعد و مراكز النداء و خدمات الترجمة و التحرير.
- الإستفادة من نقل التكنولوجيات الحديثة من الدول المتقدمة إلي الدول النامية أو السائرة في طريق النمو, بحيث تساهم هذه التقنيات في تقليص الفجوة الرقمية و تحفيز النمو الإقتصادي و بالتالي تحقيق التنمية المستدامة.
أما ثانيا فسلبيات هذه التقنيات الحديثة تشكل خطرا و تهديدا حقيقيا لحياتنا اليومية و أحيانا للعلاقات الدولية و للأمن القومي, إذ نذكر أهمها:
- مساهمة هذه التكنولوجيات الحديثة خاصة عبر وسائل التواصل الإجتماعي و المدونات في إسقاط بعض الأنظمة السياسية خلال فترة ما يسمي بالربيع العربي. كما ساهمت هذه الوسائل في تأجيج الإضطرابات و الإعتصامات و الفوضي, بحيث تحولت أغلبها إلي منصات لتنظيم عمليات التخريب و التظاهر ضد هذه الأنظمة خاصة في تونس, مصر, البحرين, سوريا, اليمن, إيران و ليبيا. إذ خلال فترات ما تعرف بالإحتجاجات الممتدة من سنة 2011 إلي الآن كانت هذه الوسائل الأكثر نشاطا لإدارة حملات التشوية و التصعيد و إشعال فتن الفوضي في جميع تلك الدول.
- كشف أسرار أمن الدول و خاصة منها إختراق البريد الإلكتروني لرؤساء بعض دول العالم و نذكر في هذا الصدد العمل الذي قام به “جوليان أسانج” من خلال ما يسمي بالويكيليكس وذلك بتقديم معلومات في غاية من السرية لوسائل الإعلام الدولية مما أحدث أزمات دبلوماسية و إضطرابات في العلاقات الدولية.
- علي الرغم ما يحتويه الهاتف الذكي من خاصيات و مزايا متطورة إلا أنه يحمل العديد من السلبيات خاصة أنه لا يحمي بالقدر الكافي مستخدميه مما يعرض صاحبه لإنتهاك معطاياته الشخصية. إذ يمكن إختراق هذا الهاتف بكل سهولة و التنصت علي جميع الإتصالات بين جميع الأطراف. إذ أغلب رؤساء الدول المتقدمة لا يستخدمون هذه النوعية من الأجهزة المحمولة للهواتف الذكية نظرا لخطورتها و سهولة إختراقها.
- خطورة تواجد التلفاز الذكي بالمنزل لأنه يمكن أن يتحول إلي جهاز تنصت و تصوير و تجسس خاصة عبر نوعية من الكام فيروس و التي تستخدمها بعض أجهزة المخابرات العالمية.
- سرعة تداول المعلومات عبر وسائل التواصل الإجتماعي و خاصة منها الإشاعات التي يمكن أن تحدث أحيانا فوضي في المجتمع مثل الإضراب العام أو فوضي عارمة.
إن عالمنا اليوم أصبح يعتمد بالأساس علي التكنولوجيات الحديثة لتبسيط الإجراءات الإدارية و الإتصالات بين الأفراد و الدول. كما أصبحت جميع القطاعات الحيوية للإقتصاد الدولي تعتمد علي منافع الإقتصاد الرقمي و تكنولوجيات الإتصالات الحديثة التي تسهل مختلف العمليات المالية و التجارية و الخدمات الرقمية. بالتالي أصبح الإقتصاد الرقمي عنصر فعال في إدارة العلاقات الدولية و مؤسس للعولمة العالمية في شتي القطاعات و المجالات. إلا أن هذا الإقتصاد الرقمي مازال يحمل في جعبته بعض السلبيات التي تهدد السرية في المعاملات و العلاقات بين الأفراد أو الدول.