مقالات

مستقبل الحياة السياسية في مصر

بقلم : د. محمد عجلان

يشير تعبير “الحياة السياسية” إلى العلاقة المتبادلة والتفاعلية بين المؤسسات الرسمية للدولة، وبين القوى غير الرسمية الممثلة في الأحزاب والنقابات ومنظمات الشباب .. الخ. وعندما يدور الحوار حول مستقبل الحياة السياسية في مصر، يظهر توجهان في هذا الأمر، أحدهما يركز على محورية دور الدولة في صنع أي نهوض بالحياة السياسية، في حين يرى الطرف الآخر أن هذه مهمة الأحزاب والقوى السياسية بالأساس، وأنه يجب عليها أن تكون على قدر المسئولية وتخلق حياة سياسية قادرة على إقناع الجماهير بها. وتستند كل من وجهتي النظر إلى حجج منطقية وموضوعية، فالأولى ترى أن الدولة في مصر – بالذات – محورية بحكم جذورها التاريخية، فهي أقدم دولة في التاريخ، ومازالت محتفظة بكيانها المركزي حتى الآن، وبالتالي فإن أي تغيير على أي صعيد سواء كان سياسياً أو غير ذلك لابد أن يمر عبر الدولة. في حين يرى الطرف الآخر أن تنشيط الحياة السياسية الحقيقية يقع على كاهل القوى السياسية المدنية بالأساس، وأنه على هذه القوى أن تسعى بشكل جاد كي توجِد لنفسها مكاناً على الأرض، من خلال تواصلها مع القاعدة الجماهيرية التي تمثل عصب أي ديمقراطية حقيقية، وأنه كلما قويت هذه الرابطة بين القوى السياسية والقاعدة الشعبية فإنها ستجبر الدولة على أن تكيف مساعيها على بوصلة المصلحة الوطنية.

إلا أنه من وجهة نظري لن يحدث التغيير المرجو إلا بالتكاتف بين المحورين (الدولة – المجتمع) والذي تمثلهما وجهتا النظر السابقتان. لأنه على الرغم من محورية دور الدولة وعمقه التاريخي في مصر على وجه الخصوص، إلا أن ثمة متغيرات وقعت في ظل ثورة الاتصالات أدت إلى تحجيم دور الدولة بشكله التقليدي، وصبت في صالح قوى غير تقليدية، وبالتالي لم تعد الدولة مطلقة اليد ولا كاملة السيادة بالمعنى السابق على ظهور العولمة. إلا أنه في الوقت نفسه فإن تحركات القوى السياسية المدنية لن تجد – في الغالب – إن لم تسندها الدولة، خاصة أنها تمر بحالة هزال بعد عقود طويلة من الكبت والتضييق، فلو كانت المسألة مجرد رغبة من القوى السياسية يعقبها تحرك على الأرض، فأعتقد أن هذا حدث في ظل حكم مبارك بشكل أو بآخر، ولكن الدولة كانت تحاربه بكل ما لديها من قوة، سواء بالمواجهة المباشرة، أو من خلال إفساد هذه الكيانات من الداخل، وبالتالي، رغم محورية دور القوى السياسية وضرورته، إلا أنه لن يكون مجدياً بالشكل المطلوب والمحقق لطموحاتنا السياسية في حياة سياسية حقيقية، إلا بإرادة سياسية تدعم ولا تعوق تحركات هذه القوى، طالما أنها تتحرك وفقا للدستور الذي ارتضاه الشعب.

ولابد من التأكيد على أن القوى غير الرسمية الممثلة للجانب الآخر من الحياة السياسية ليست ترفاً أو ديكوراً تجميلياً كي نظهر كدولة بالشكل الحديث، ولكنها ضمانة تحقيق الأهداف المجتمعية، ففي ظل غياب أحد طرفي هذه العلاقة، وفى الغالب يكون الطرف غير الرسمي، لن تجد الجماهير أمامها مساحة للاختيار، خاصة أن القوى السياسية تمثل الطرح البديل، من خلال برامج ورؤى تظهر معايب النظام السياسي من جانب، وتقدم أطروحات بديلة للحل من جانب آخر، وفى ظل حياة سياسية عرجاء يفتقد الشعب مساحة الاختيار بين البدائل، ويجد نفسه مجبراً على اختيار واحد أيا كانت عيوبه، والكارثي هو حال الدولة في ظل حدوث أية مفاجآت، سواء تمثلت في تحركات ثورية، أو كانت مفاجآت قدرية ممثلة في موت الحاكم مثلاً، أو عدم قدرته على أداء مهامه السياسية. فالحياة السياسية الحقة هي التي لا تجعل شعباً كاملاً عرضة لمثل هذه المفاجآت بتوفير ما يلزم من البدائل وقت الحاجة.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى