الشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

تقدير استراتيجي : السياسة الخارجية المصرية تجاه سد النهضة الاثيوبى

اعداد الباحثة: : دينا شيرين محمدشفيق ابراهيم – المركز الديمقراطي العربي

في الوقت الذي تمر فيه مصر بمرحلة شديدة الحساسية والخطورة، ‬منذ ثورة ‬25 ‬يناير ‬2011، ‬وصولا لأحداث ‬30 ‬يونيو ‬2013، تتعاظم التحديات الإقليمية التي تواجه السياسة الخارجية المصرية، حيث تضعف قدرة الدولة على مواجهة هذه التحديات بحكم الانشغال بمصير الوطن، والانكفاء على الهم الداخلي. ‬ولا شك في أن استكمال إنشاء سد النهضة الإثيوبي يعد بمثابة أخطر التحديات التي تواجه مصر حاليا ومستقبلا.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
فوفقا لتحليلات الخبراء، ‬سوف يؤثر هذا السد في حصة مصر المائية من مياه النيل، ‬وهو الأمر الذي يعد تهديدا مباشرا للأمن القومي المصري.‬ وتلك الأزمة التي تتكشف ملامحها الآن لا تقتصر على الخلاف المصري – ‬الإثيوبي فقط، لكنها ‬تتشابك جذورها بجميع دول حوض النيل، ‬وتشكل تداعياتها خطورة كبيرة على دور مصر ومصالحها في القارة الإفريقية.‬‬‬‬‬‬‬‬

وتعود بداية هذا الخلاف إلى الاتفاقية الإطارية “‬عنتيبي”‬، التي وافقت عليها حتى الآن ست دول، ‬وهي إثيوبيا، ‬وأوغندا، ‬ورواندا، ‬وتنزانيا، ‬وكينيا، ‬وبوروندي، في حين رفضتها كل من مصر والسودان، ‬لأنها تنهي الحصص التاريخية للدولتين (‬55.‬5) ‬مليار متر مكعب لمصر، ‬و(‬18.‬5) ‬مليار متر مكعب للسودان، ‬المقررة لهما والثابتة، ‬والتي أكدتها اتفاقية ‬1959.‬ ‬وتري مصر أن توقيعها الاتفاقية بشكلها الحالي سيحرمها من حقوقها التاريخية المكتسبة في مياه النيل، وسيجردها من مزايا أكدتها اتفاقية ‬1929، ‬على أساس أن التخلي عن هذه الحقوق سيلحق ‬ضررا بأمنها القومي.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

ومن الناحية العملية، ‬أقدمت إثيوبيا على تدشين حجر أساس بناء سد النهضة في ‬2 ‬أبريل ‬2011، ‬مستغلة الوقت الذي كانت فيه مصر منشغلة بإعادة بناء نظامها السياسي من جديد، ‬عقب الثورة المصرية، ثم شكلت لجنة ثلاثية تضم مصر، ‬والسودان، ‬وإثيوبيا، ‬وبعض الخبراء الدوليين للنظر في الأضرار المتوقعة من بناء السد على كل من مصر والسودان.‬ واستمرت إثيوبيا في أعمال البنية التحتية، وقامت بتحويل مجري النيل الأزرق، ‬تمهيدا لبدء منشآت السد على مجري النهر دونما انتظار لتقرير اللجنة الثلاثية، الأمر الذي أثار قلق وتوتر الرأي العام المصري من أن يحجب هذا السد عن المصريين مياه النهر الذي قامت عليه حضارتهم منذ فجر التاريخ، بدون أن ينازعهم منازع، ‬مما عد ‬حقا تاريخيا مكتسبا وفقا للقانون الدولي.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

فإثيوبيا تجاهلت قواعد القانون الدولي المنظمة لمجاري الأنهار الدولية، مثل قاعدتي عدم الضرر، والإخطار المسبق، وأنكرت كافة الاتفاقيات الدولية التي أقرت حقوق مصر والسودان التاريخية المكتسبة في مياه النيل، ‬منها اتفاقيتا ‬1929، ‬و1959، ‬وحجتها في ذلك أن معظم هذه الاتفاقيات تمت في عصور الاستعمار، ‬وأنها ‬غير ملتزمة باتفاقيات لم تشارك فيها، وهي بذلك تهدم القواعد القانونية التي قام عليها المجتمع الدولية، ‬ومنها قاعدة التوارث الدولي للحدود والأوضاع الإقليمية.‬

والخطير في الأمر أن النظام الإثيوبي يجعل من بناء هذا السد هدفا قوميا للإثيوبيين، رغم تأكيد أن الاستمرار في بناء السد، ‬بالمواصفات المعلنة، قد يشكل تهديدا لحياة المصريين، ‬وفناء لحضارتهم، ‬على أساس أن نهر النيل المصدر الوحيد لحياتهم.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

وتقدر تكلفة انشاء سد النهضة حوالى 4.7 مليار دولار، وتبلغ سعته التخزينية حوالى 70 مليار متر مكعب، وتقدر القدرة المبدئية للسد على توليد الكهرباء بحوالى 6000 – 7000 ميجاوات، وأعلن الجانب الأثيوبي أن الهدف من بناء السد هو توليد الكهرباء، حيث يستفيد حوالي 17% فقط من سكان أثيوبيا بالكهرباء (مقارنة بـ 97.6% في مصر)، مؤكدا أنه لا نية للإضرار بحصة مصر من المياه التي لن تتأثر بصورة كبيرة.

ولكن طبقا لراى الخبراء فإن ‬العجز المتوقع أثناء فترة ملء السد ‬يتراوح ما بين ‬15 ‬و19 ‬مليار متر مكعب من المياه، ‬التي تمتد لست سنوات.‬ ولتوضيح أثر ذلك، ‬يكفي القول إن مقدار النقص في المياه بمعدل أربعة مليارات متر مكعب من شأنه تبوير نحو مليون فدان من الأراضي الزراعية، ‬وتشريد مليوني أسرة ريفية، يقابل ذلك نقص في إنتاج الطاقة الكهرومائية من السد العالي في حدود ‬40٪ ‬لمدة ‬6 ‬سنوات أيضا، فضلا عن نقص الإنتاج الزراعي بمعدل ‬12٪ ‬وتكليف الدولة مليارات الدولارات لتوفير مواد ‬غذائية، ‬ولتحلية مياه البحر، علاوة على زيادة ملوحة التربة، ‬وعجز في تشغيل محطات مياه الشرب، ‬نتيجة انخفاض المناسيب. ‬وما يزيد من خطورة المشكلة أن هناك نقصا في الاحتياجات المائية الحالية لمصر يقدر بنحو سبعة مليارات متر مكعب، ‬في ظل حالة الفقر المائي التي تعيشها مصر، ‬بالإضافة إلى حزمة كبيرة من الأضرار السياسية، ‬والاقتصادية، ‬والاجتماعية.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

وعلى الرغم من إعلان الحكومة الأثيوبية عن بناء سد النهضة العظيم في عام 2011 و الاتفاق على تشكيل لجنة ثلاثية لتقويم تأثيرات السد على دولة المصب ( مصر والسودان ) في سبتمبر من نفس العام فإن مصر لم تدرك أبعاد هذا الخطر القادم من الجنوب إلا في 28 مايو 2013 عندما قامت أثيوبيا بتحويل مجرى النيل الأزرق إيذاناً ببدء مرحلة للتنفيذ الفعلي.

لقد كان رد الفعل المصري الذي جسده لقاء رئيس الجمهورية محمد مرسي بالسياسيين والناشطين يجمع بين مشاهد المأساة و العبثية في آن واحد. ولعل ذلك يعني ضمناً تراجع مصر في محيطها الإقليمي.فلقد عجز الفكر الاستراتيجي المصرى عن فهم متغيرات المحيط الإقليمي لمصر وظل حبيس الأوهام القديمة التي تنظر إلى مصر بحسبانها قوة أقليمية مهيمنة مع بقاء الأوضاع علي ما هي عليه في دول حوض النيل. ونستطيع أن نشير إلى ثلاثة تحولات كبرى أثرت على التفاعلات المائية في دول حوض النيل وأفضت الى أزمة سد النهضة الحالية:

أولاً: الإتجاه نحو التكتل السياسي والأقتصادي في منطقة شرق أفريقيا والذي اتخذ طابعاً مؤسسياً عام 1999 حينما تم التوقيع على اتفاقية تجمع شرق أفريقيا والذي أصبح يضم كينيا و أوغندة و تنزانيا و رواندا و بوروندي و جميعها من دول أعالي النيل . ولا شك أن هذه الحركة الإقليمية بدأت تطالب بضرورة إعادة النظر في الاتفاقيات الدولية الخاصة بنهر النيل ولا سيما اتفاقية 1929 بين مصر والمملكة المتحدة ، واتفاقية مياه النيل بين مصر والسودان عام 1959 والخاصة بإنشاء السد العالي في مصر. وهو ما يعني رفض النظام القانوني الحاكم لحوض النيل والموروث عن العهد الاستعماري.

ثانياً: استراتيجية السدود و المياه الأثيوبية. و التي تبناها رئيس الوزراء الأثيوبي الراحل ميلس زيناوي وهي ترمي إلى تعظيم استخدام الإمكانيات المائية لأثيوبيا من خلال الاستثمار في مجال البيئة التحتية للمياه . و تهدف هذه الرؤية إلى بناء أكثر من عشرين سداً ، على رأسها سد النهضة العظيم , بما يحقق هدف تحويل أثيوبيا إلى دولة أقليمية كبرى مصدرة للطاقة الكهرومائية . و تسعى أثيوبيا إلى إنتاج حوالي ثمانية ألاف ميجا وات من الكهرباء ، على أن تقوم بتصدير الفائض إلى جيرانها مثل جيبوتي وكينيا و أوغندة والسودان ومصر.

ثالثاً: التوقيع على مبادرة حوض النيل عام 1999 حيث تبنت جميع الدول النهرية بما فيها مصر رؤية جديدة تسعى إلى تحقيق تنمية أقتصادية واجتماعية مستدامة من خلال الإستخدام المنصف والعادل لمياه النيل. وقد استمرت العملية التفاوضية إلى أن تم التوصل إلى اتفاقية التعاون الإطاري عام 2010 و التي رفضتها كل من مصر والسودان نظراً لأنها لم تنص على الحقوق الطبيعية والتاريخية لدولتي المصب في مياه النيل. كما أنها سحبت حق النقض الذي تمتعت به مصر تاريخياً فيما يتعلق بالمشروعات المائية التي تقوم بها دول أعالي النيل.

ثم تبلور الموقف الرسمي المصري من سد النهضة، ‬بعد صدور تقرير اللجنة الثلاثية، في البيان الذي ألقاه رئيس الوزراء أمام مجلس الشوري في ‬10 ‬يونيو ‬2013، ‬حيث أكد أن مصر لم ولن تفرط يوما في حقها التاريخي الذي تكفله المواثيق الدولية لها، ‬في إطار الحفاظ على مواردها المائية من نهر النيل، مشددا على أن صانع القرار المصري لديه خطة واضحة للتحرك هدفها الأساسي هو الحفاظ على أمن مصر المائي، ‬وعدم المساس بأي قطرة من مياه النيل، ‬موضحا أن هناك بدائل عديدة ومتنوعة، ‬منها الفنية، ‬والدبلوماسية، ‬والقانونية، ‬في إطار التصدي للمخاطر المحتملة من بناء سد النهضة، مشيرا إلى أن مصر دولة عريقة، ‬وستسعي – ‬طبقا للاتفاقيات الدولية – ‬لحماية شعبها في هذا الإطار.‬ وقد أعقب ذلك زيارة وزير الخارجية المصري لأديس أبابا، ثم قام نائب وزير الخارجية الإثيوبي بزيارة القاهرة، وربما وجدت المفاوضات الدبلوماسية طريقا لحل الأزمة.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وقد وضع خبراء مصريون في مجال المياه والشؤون الأفريقية والعسكرية ثلاثة سيناريوهات في قراءة مستقبل الخيارات وبدائل السياسة الخارجية المصرية

بشأن سد النهضة الإثيوبي:
 الخيار العسكري، وهو بالغ الصعوبة في حالة اللجوء إلية لأن ضرره أكثر من نفعه. وقد أعلن الرئيس الراحل أنور السادات أنه مستعد لاستخدام القوة العسكرية لتدمير أي منشآت مائية في أثيوبيا قد تضر بالأمن المائي المصري. كما أن تسريبات دبلوماسية أفادت أن الرئيس السابق حسني مبارك طلب اقامة قاعدة عسكرية جنوب الخرطوم لتمكين القوات المصرية من ضرب الأهداف المائية الأثيوبية على النيل الأزرق. وعلى أية حال فإن أي عمل عسكري مباشر ضد سد النهضة قد يؤدي إلى فيضانات واغراق للأراضي فضلاً عن نتائج غير محسوبة تضر بالعلاقات المصرية الأثيوبية بوجه خاص والعلاقات المصرية الأثيوبية بوجه عام.
 الخيار التفاوضي، وهو الأكثر ترجيحاً حيث أن العلاقات بين مصر وأثيوبيا لم تصل إلى حد الصراع المكشوف. فعلى الرغم من أن سد النهضة ليس جزءاً من أي اتفاق دولي بين البلدين، وعلى الرغم من توقف المفاوضات مع أثيوبيا بشأن اتفاقية التعاون الاطاري فإن الطرفين لم يغلقا باب الحوار والتفاوض. ولعل تشكيل اللجنة الثلاثية المتعلقة بتقييم آثار سد النهضة يمثل دعماً للمسار التفاوضي الذي يمكن البناء عليه. غير أن الصعوبة الحقيقية التي تواجه هذا المسار تتمثل في عدم التوفيق بين أهداف كل من مصر وأثيوبيا الخاصة بإدارة واستغلال مياه النيل.
 خيار الضغط الدبلوماسي، وهذا الخيار يدعم ويكمل الخيار التفاوضي،حيث يمكن النظر إلى سد النهضة باعتباره أحد مستويات الصراع الدنيا بين البلدين والتي لا تصل إلى حد العمل العسكري المباشر.

وبعد فشل المفاوضات الأخيرة حول سد ازمة النهضة وتعنت أديس أبابا للوصول لحل توافقي يرضي جميع الأطراف رغم بدء المفاوضات بين الدول الثلاث منذ فترة طويلة والتي انتهت بتقرير اللجنة الدولية الثلاثية والذي اثبت ان هناك مخاطر شديدة عند بناء سد النهضة علي الامن المائي المصري ، إلا أن الوضع باقِ علي ما هو عليه فالجانب الإثيوبي مستمر في عملية البناء ومصر مصرة علي اعتراضها علي بناء السد.. اعقبها بعد ذلك ثلاثة اجتماعات ومناقشات امتدت لأكثر من ثلاثة أشهر ،حول مشروع سد النهضة ، لمناقشة آثاره علي دول المصب، ومحاولة للوصول إلي حل يرضي جميع الأطراف، ولكن دائما تنتهي الاجتماعات بالتأجيل دون حل أو اتفاق، والتي كان اخرها اجتماع الرابع والخامس من يناير الجاري، الذي انتهي بدون اتفاق .

بدأت مناقشات الاجتماع الثالث بين وزراء الموارد المائية والري لكل من مصر والسودان وإثيوبيا، لمحاولة الوصول إلي حل يرضي جميع الأطراف ولكنه بات بالفشل . وانهي وزراء الري و الخبراء الفنيون في الدول الثلاث مباحثاتهم المغلقة المطولة والتي استمرت علي مدار يومين بالخرطوم دون التوصل الي اتفاق بين الدول الثلاث علي النقاط الخلافية محل التفاوض و البحث، وانحسب وزير الري المصري لعدم قبول الوزير الاثيوبي للمقترحات المصرية وتمسك الجانب الإثيوبي بشروط خاصة بنقاط عمل فريق الخبراء الدوليين تفرغه من مضمونه، وتحول دون تحقيق الهدف الاساسي منه وهو تمكين اللجنة الفنية الدولية من حل أية خلافات قد تطرأ بين الدول الثلاث خلال فترة عملها كما استمر الرفض من جانب الوفد الإثيوبي لمناقشة ورقة بناء الثقة المصرية المقترحة و تمسك بمواقفه دون ابداء اي مرونة.

كما رفض الوفد الاثيوبي برئاسة وزير المياه و الكهرباء اليمتهوا مناقشة النقطتيين العالقتين و المتبقيتين من الاجتماع الاخير بالخرطوم ديسمبر الماضي حيث تتعلق النقطة الاولي بتشكيل فريق الخبراء الدوليين الذي اقترحت مصر ان يعمل الي جانب عمل اللجنة الثلاثية الإثيوبية – السودانية – المصرية المقترحة لمتابعة الدراسات المزمع إعدادها وفقا لتوصيات تقرير الخبراء الدوليين، وذلك بهدف تقديم الرأي الفني المحايد في حالة حدوث اختلافات بين اعضاء اللجنة خلال فترة عملها لمدة عام.

والنقطة الثانية محل الرفض الاثيوبي تتعلق بورقة المبادئ الخاصة بتعزيز بناء الثقة بين دول حوض النيل الشرقي، والتي اقترحتها مصر والتي رفضتها ايضا الجانب الآثيوبي اجراء نقاش حولها رغم انها تستهدف تسهيل عمل اللجنة الثلاثية والمساعدة في توفير ضمانات لدولتي المصب من أية اثار سلبية قد تنجم عن بناء السد، علما بأن مصر قد راعت عند اعداد تلك الورقة اتساقها مع المواقف المعلنة للمسئولين الاثيوبيين تجاه المصالح المائية لدولتيالمصب. وانتهي الاجتماع دون احراز اي تقدم يذكر بشأن النقاط الخلافية الحالية والمستمرة والذي وصفته الخبراء بالفشل .

وقد حمل محمد عبد المطلب وزير الرى المصر ى الوفد الاثيوبى فشل المفاوضات لتعنته ورفضه مناقشة المقترحات وقال “قدمنا الكثير من البدائل وإثيوبيا رفضت ، مضيفا أن مصر لديها مسارات بديلة في التحرك لمواجهة أزمة سد النهضة وكل السيناريوهات مفتوحة لحل الخلافات بين مصر وإثيوبيا بما يحافظ علي الحقوق المصرية من مياه النيل ، مشيرا إلي أن مصر ستتوجه إلي المسارات الأخري، وسيتم اتخاذ خطوات وتحركات منها سياسية ودبلوماسية وغيرها سيعلن عنها في حينها للحفاظ علي حصة مصر المائية بل وزيادتها.. وقال إن الجهات المسئولة في مصر، ستقوم بإقناع الجهات المانحة بان السد له آثار سلبية لابد أن تؤخذ في الاعتبار، وإطلاع الرأي العام العالمي بتلك الاثار الضخمة نتيجة بناء هذا السد بدون توافق الدول الواقعة علي شاطيء النيل الازرق الذي سيقام عليه”

وبعد تعثر الجولة الثالثة من المفاوضات مع اثيوبيا ووصولها لطريق مسدود برفضها للمقترحات المصرية وضع خبراء المياه المعنيين بملف النيل سيناريو بديلاً للخروج من أزمة سد النهضة الإثيوبي ، مطالبين بضرورة البدء في التحرك إفريقيا و دوليا من أجل حل أزمة سد النهضة وتأثيراته السلبية علي مصر، وتقديم شكوي للاتحاد الإفريقي .وفي هذا الصدد قال خبراء المياه إن إثيوبيا دخلت في مرحلة العناد، الذي اتضح بعدم قبولها لاي مقترحات من الجانب المصري، ورفضهما لجميع العروض المقدمة، مقترحين علي الحكومة المصرية بالسير في عدة اتجاهات أو اختيار احداهما، الأول ترك أمر سد النهضة الي رؤساء الدول الثلاث واعتبارها محادثات سياسية في المقام الأول، و المقترح الثاني، تدخل وسيط آخر غير دولة السودان، مرجحين في الوقت ذاته اللجوء إلي دولة الصين كوسيط بين الطرفين،والمقترح الثالث، ان تقوم مصر بتدويل القضية علي جميع المستويات واللجوء الي المنظمات الدولية والجهات المانحة للضعظ علي الجانب الاثيوبي من أجل وقف بناء السد ، واللجوء الي المحكمة الدولية واتخاذ خطوات عاجلة وهي مطالبة الأمم المتحدة بتشكيل لجنة من خبراء دوليين لتقصي الحقائق عن موضوعات محددة وهي حجم السد وأبعاده وسياسة التشغيل وضمانات السلامة المائية، ثم التحرك نحو وقف عملية البناء فوراً حتي الانتهاء من الدراسات الفنية، ثم التوصل إلي آلية لفض النزاعات من خلال دراسة الأزمات المشابهة في الأنهار الدولية المتنازع عليها، بجانب التقارب علي وجه السرعة مع السودان الشقيق.

وإذا كانت أزمة سد النهضة قد كشفت عن تراجع الدور المصري في إفريقيا، فإنها في المقابل قد أكدت حتمية العودة للقارة الإفريقية مجددا، ليس فقط لمجرد تأمين مصادر المياه، ولكن بحكم كون إفريقيا امتدادا طبيعيا وتاريخيا لمصر والعرب جميعا.‬ ولكن إفريقيا الآن تغيرت، فقد أصبحت بيئة تنافسية لبعض القوي الكبري (‬الولايات المتحدة، ‬والصين)‬، ‬والقوي الصاعدة (‬البرازيل، ‬والهند)‬، والقوي الإقليمية (‬إيران، وتركيا، وإسرائيل)‬، وهذا يفرض تحديا أمام صانع القرار.‬ كما أن إفريقيا قارة واعدة في المجال الاقتصادي، حيث أصبحت من أكثر وأسرع مناطق العالم نموا، وناتجها السنوي تجاوز مبلغ ‬1.‬6 ‬تريليون دولار عام ‬2008، ‬وأصبحت مقصدا لحركة الاستثمارات العالمية.‬ومن ثم، ‬فإن كل المتغيرات تحتم ضرورة العودة لإفريقيا بإعطائها الأولوية المناسبة في استراتيجية العمل الخارجي.‬ كما أن إعادة صياغة العلاقات المصرية – ‬الإفريقية تحتاج بالضرورة إلى حشد كافة الخبرات المصرية في التعامل مع إفريقيا، واتباع وسائل التفاعل الايجابى والقدرة على بناء الثقة المتبادلة والمصالح المشتركة مع الأشقاء في إفريقيا، من خلال ما تبقي لمصر من رصيد إيجابي لدي الكثير من الشعوب الإفريقية. كما يجب اتباع المنهج الصحيح في التعامل مع أزمة سد النهضة بما يحقق المصالح المتبادلة بين الدولتين، ‬ويحول دون فرض أمر واقع على مصر، ولا يحرم إثيوبيا من تحقيق خططها التنموية، لأن أدوات وآليات التعامل التي ستتبعها مصر في هذه الأزمة ستؤثر في كل علاقاتها بالدائرة الإفريقية، ويمكن اللجوء للوساطة من قبل بعض حكماء إفريقيا، ‬وسيكون ذلك محل تقدير من مصر لهم.‬

وهناك ثمة إجراءات يتعين على مصر اتخادها للتعامل مع تحدى سد النهضة خصوصا،واستراتيجة السدود الاثيوبية بصفة عامة :-
1. تشكيل لجنة ادارة أزمة وطنية للتعامل تحديداً مع سد النهضة ويكون من سلطتها اقتراح السياسات والبدائل المتاحة على أن يتجاوز تشكيل هذه اللجنة الاعتبارات السياسية والحزبية الضيقة. نحن أمام خطر يتهدد المجتمع المصري مباشرة. والمعتاد أن يتضمن تشكيل هذه اللجنة خبراء المياه والدبلوماسيين وأجهزة الأمن والاستخبارات بالاضافة إلى بعض السياسيين والأكاديمين ذوي الخبرة.
2. تشكيل وفد تفاوضي مصري على مستوى رفيع لادارة عملية التفاوض مع أثيوبيا بشكل يجعل سد النهضة عملاً مشتركاً يحقق صالح أثيوبيا ودولتي المصب. فالخطورة دائماً تكمن في ترك أثيوبيا وحدها تدير عملية انشاء السد وتنفيذه. وعليه ينبغي أن يعتمد الوفد المصري على مجموعة من الدراسات الرصينة التي تقدر مزايا السد وعيوبه. وتصبح المهمة المصرية متمثلة في أن تشارك مصر في عملية ملئ خزان السد والتحكم في كمية المياه داخله.
3. مشاركة مصر في مختلف مراحل تنفيذ سد النهضة بحيث تصبح شريكاً أساسياً لأثيوبيا ويصنع السدعلى أعينها بما يضمن انشاؤه وفقاً للمواصفات الفنية التي تراعي اعتبارات البيئة والتنمية المستدامة وبما يخدم مصالح أثيوبيا ودولتي المصب.ولعل من المزايا التي يمكن أن يحققها السد حسن ادارة واستغلال الموارد المائية.
4. استخدام وسائل الترغيب والترهيب ويشمل ذلك تسخير امكانات الدولة المصرية وأدوات قوتها الناعمة بالاضافة إلى أدوات الضغط الدبلوماسي والاستخباراتي الأخرى لدعم قوتها التفاوضية في ادارة ملف سد النهضة.
5. تبني خطاب سياسي واعلامي تصالحي تجاه اثيوبيا ودول حوض النيل والبعد عن لغة التصعيد والتهديد التي تأتي دائماً بنتائج عكسية. ولعل الخطاب الأمثل هو الذي يركز على بعد مياه النيل كمصدر من مصادر التعاون والتنمية المستدامة لجميع الشعوب القاطنة على ضفتي النهر.
أما اللجوء إلى خطاب المصالح التاريخية وعدم الاعتداد بالمطالب التنموية الملحة لدول أعالي النيل فهو أمر غير واقعي ولا يراعي تحولات الصياغة الجيواستراتيجية الجديدة في منطقة حوض النيل.ولعل الشعار الأكثر قبولا اليوم هو انه “لا ضرر ولا ضرار” في التفاعلات المائية بين دول حوض النيل.

قائمة المراجع:
• أبو بكر الدسوقى،سد النهضة وحتمية العودة لافريقيا ،مجلة السياسة الدولية، العدد 193،ويوجد على اللينك:
http://www.siyassa.org.eg/NewsQ/3171.aspx
• حمدى عبد الرحمن، ماذا بعد التصعيد الاثيوبى..الخيارات المصرية تجاه سد النهضة، معهد العربية للدراسات،يونيه2013، ويوجد على اللينك:
http://studies.alarabiya.net/files/%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B5%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AB%D9%8A%D9%88%D8%A8%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D9%87-%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9
• ثلاث سيناريوهات مصرية لمفاوضات سد النهضة، الجزيرة،ويوجد على اللينك ادناه:
http://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2015/12/14/%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB%D8%A9-%D8%B3%D9%8A%D9%86%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D9%88%D9%87%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%85%D9%81%D8%A7%D9%88%D8%B6%D8%A7%D8%AA-%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%
• حمدى كامل، ماذا بعد التصعيد الاثيوبى..الخيارات المصرية تجاه سد النهضة!، مصرس،يناير 2014، ويوجد على اللينك ادناه:
http://www.masress.com/elakhbar/233273
• د.امانى الطويل،استعادة المكانة:ابعاد تغير السياسة الخارجية المصرية تجاه افريقيا، مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، العدد58،بونيه2015،ويوجد على اللينك ادناه:
http://democracy.ahram.org.eg/News/1654/-%C2%AB%D8%A7%D8%B3%D9%80%D9%80%D9%80%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%83%D9%80%D9%80%D9%80%D8%A7%D9%86%D8%A9%C2%BB-%D8%A3%D8%A8%D8%B9%D9%80%D9%80%D8%A7%D8%AF-%D8%AA%D8%BA%D9%8A%D9%80%D9%80%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%80%D9%80%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%80%D9%80%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D9%80%D9%80%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AC%D9%80%D9%80%D8%A7%D9%87-%D8%A5%D9%81%D9%80%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D9%80%D9%80%D8%A7.aspx
• رأجى بيبرس،مصر وأثيوبيا وما وراء سد النهضة،الاشتراكى،مارس2015، ويوجد على اللينك ادناه:

مصر وإثيوبيا وما وراء سد النهضة

دينا شيرين محمدشفيق ابراهيم

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى