توجهات القيادة السياسية الروسية وتطور الدور الروسى فى النظام الدولى
إعداد الباحث :شريف مازن إسماعيل فرج – المركز الديمقراطي العربي
المقدمة:
تعد القيادة السياسية هى المحور الأساسى الذى يحدد طبيعة دور الدولة فى النظام الدولى فالقيادة السياسية هى من يتولى توظيف قدرات الدولة ومواردها على نحو يمكنها من الأرتقاء بمكانة الدولة فى هيكل النظام الدولى،وعادة ما يرجع التغير فى دور دولة ما على الصعيد الخارجى إلى الأختلاف فى سياسات وتوجهات القيادة السياسية الجديدة عن سابقتها فقد تضفى شخصية القيادة السياسية ثقل فى مكانة الدولة على الصعيد الخارجى على الرغم من محدودية مواردها وقد تؤدى القيادة السياسية إلى تراجع ملحوظ فى دور الدولة الخارجى على الرغم من امتلاكها موارد كافية ،وكان تراجع الدور الروسى فى فترة ما بعد الحرب الباردة راجعأ بالأساس إلى طبيعة القيادة السياسية التى تولت الحكم فى تلك الفترة وما أتخذته من سياسات وكذلك أيضاً كان الصعود الروسى منذ مطلع القرن العشرين راجعأ بالأساس إلى نمط سياسات القيادة السياسية الجديدة فى روسيا ،ومن ثم فى القيادة السياسية تعد هى ركيزة دور الدولة فى النظام الدولى.
وقد شهدت روسيا الأتحادية فى الفترة ما بعد إنهيار الأتحاد السوفيتى مرحلة من التدهور الشديد على الصعيدين الداخلى والخارجى فى دورها وذلك نتيجة لطبيعة السياسات الداخلية والخارجية التى تم أتباعها من جانب القيادة السياسية فى تلك الفترة والتى كانت تقوم على تراجع دور الدولة فى الحياة السياسية والاقتصادية والأجتماعية وتدشين سياسات الانفتاح داخلياً وكذلك تبنى سياسات التبعية تجاه دول غرب أوروبا خارجياً ،فعلى الصعيد الداخلى دخل الأقتصاد الروسى فى أزمة أقتصادية حادة ولم تنجح روسيا فى تطبيق سياسات التقارب الأقتصادى مع الغرب ،والتى كانت تعد فى مضمونها استمراراً لسياسات الأصلاح التى تم تدشينها من جانب الرئيس السوفيتى ميخائيل جورباتشوف ،فلم تتمكن روسيا من الأندماج فى الأقتصاد العالمى ولم تستطع الحصول على الحجم الكافى من الأستشمارات الخارجية ومن ثم عانى الأقتصاد الروسى فى هذه المرحلة من تدهور شديد.
وعلى الصعيد الخارجى شهدت هذه المرحلة تراجعأ ملحوظأ فى الدور الروسى دولياً ولم تتمكن عملية إعادة هيكلة السياسة الخارجية ،التى وضعها الرئيس جورباتشوف وتبنتها النخبة الحاكمة من بعده فى روسي الأتحادية، من مساعدة روسيا على استعادة مكانتها الدولية وأستمرت روسيا فى حالة من التدهور على الصعيدين الدخلى والخارجى فى ظل القيادة السياسية التى هيمنت على الحكم فى مرحلة ما بعد انهيار الأتحاد السوفيتى وقد وصل الأمر إلى أنه قد سُميت روسيا ب”الرجل المريض”،و ظل هذا النمط من السياسات مهيمناً فى فترة ما بعد الحرب الباردة ولكن بمجرد وصول الرئيس بوتين شهدت هذه السياسات تغييراً كبيراً فعلى الصعيد الداخلى أعُتمدت إستراتيچية تهدف لدعم سلطة الدولة المركزية، وتشديد قبضتها على المؤسسات الاقتصادية والسياسية وتقوية قدراتها الإستراتيچية وكذلك شهد النموذج الديمقراطى الروسى العديد من التعديات حيث أصبح يتم تعيين حكام الأقاليم الروسية بعد أن كان يتم أنتخابهم.
وقد مرت السياسة الخارجية الروسية بتغيرات نوعية كبيرة فقد أتجهت القيادة الروسية الجديدة برئاسة بوتين نحو تعزيز دورها الأقليمى لأستعادة المجال الحيوى السابق للأتحاد السوفيتى تدريجياً وعلى الصعيد الدولى بدأت روسيا فى تبنى سياسات مزاجمة نفوذ القطب الأوحد للتأكيد على إنهاء مرحلة الضعف والهوان ،وقد تبلورت هذه السياسات منذ وصول بوتين إلى الحكم فى فترته الأولى ولكن أضحت هذه السياسات أوضح ما يكون فى فترة ولايته الثانية،فتطور الدور الروسى فى النظام الدولى يمكن النظر إليه على أنه نتاجاً لسياسات القيادة السياسية الروسية الجديدة التى أختلفت عن سابقتها فى توجهاتها فقد اصبحت القيادة السياسية الروسية أكثر تحرراً من قيود الأيديولوجية فبدأت القيادة السياسية الروسية فى عهد بوتين بقطع علاقاتها بالماضى الشيوعى وركائز الحرب الباردة التى كان من أهمها الأعتماد على الأيديولوجيا الماركسية اللينينية وكذلك أختلفت القيادة السياسية الروسية عن سابقتها فى كونها أكثر ديناميكية وبرجماتية أى تعمل على بناء خط أستراتيجى يشمل تحقيق أليات السوق والتأكيد على الدور المركزى للدولة والحفاظ على وحدة التراب الروسى وعدم التفريط فيه.
المشكلة البحثية :
تمتلك القيادة السياسية القدرة على توظيف قدرات الدولة ،حتى وإن كانت محدودة ،على النحو الذى يمكن الدولة من الأرتقاء بدورها فى هيكل النظام الدولى فعلى الرغم من أهمية الموارد السياسية والأقتصادية والعسكرية والأعلامية والدبلوماسية المُحددة لدور الدولة على الصعيد الدولى إلا أنها لاتكفى وحدها لتفعيل دور الدولة وتحويلها إلى فاعل دولى فالأداة التى تمكن من أستغلال هذه الموارد والقدرات هى القيادة السياسية وفى هذا الأطار يرى البعض أن السبب الحقيقى وراء صعود الدور الروسى فى النظام الدولى هو تراجع مكانة الولايات المتحدة خاصة الأقتصادية بعد ظهور العديد من القوى الأقتصادية الجديدة المنافسة للولايات المتحدة وأهمها الصين، فى حين يرى أتجاه أخر أن السبب الحقيقى وراء تطور الدور الروسى هو سياسات وتوجهات القيادة السياسية الجديدة والتى تمكنت من توظيف قدرات وموارد روسيا على النحو الأمثل وانطلاقاً مما سبق تتمثل المشكلة البحثية فى :إلى أى مدى أثرت سياسات وتوجهات القيادة السياسية الروسية على تطور الدور الروسى فى النظام الدولى ؟
الأسئلة الفرعية:
وينبثق من هذا التساؤل العديد من التساؤلات الفرعية وأهمها :
1-ما هى طبيعة سياسات وتوجهات القيادة السياسية الروسية الجديدة ؟
2-ماهى طبيعة ملامح الدور الروسى الجديد؟
3-كيف أثر تطور الدور الروسى على طبيعة هيكل النظام الدولى ؟
4-ماهى أنعكاسات صعود الدور الروسى على دول الجوار الأقليمى؟
أهمية الدراسة :
الأهمية العلمية : يمثل هذا البحث إضافة لغيره من الأبحاث الأخرى حيث يساعد فى توضيح مفهوم القيادة السياسية وابعادها وتوجهاتها باعتبارها حلقة الوصل ونقطة التماس بين قدرات وإمكانيات الدولة من ناحية وبين مكانتها فى هيكل النظام الدولى من ناحية أخرى حيث أن القيادة السياسية هى التى تستطيع ان تترجم القدرات والإمكانيات لتحقيق مكانة متميزة للدولة فى النظام الدولى ،كما يساهم هذا البحث فى توضيح مفهوم الدور والعلاقة التفاعلية والتبادلية بين الدور والقيادة السياسية ،وكذلك يساهم فى توضيح طبيعة الدور الروسى الحالى فى النظام الدولى وكذلك طبيعة الدور الروسى فى المنطقة الأقليمية خاصة مناطق النفوذ السابق الخاصة بالأتحاد السوفيتى .
الأهمية العملية: يساهم هذا البحث فى التعرف على سياسات القيادة الروسية تحت رئاسة بوتين ومن ثم عقد المقارنات بين هذه السياسات وغيرها من سياسات النخب الروسية السابقة لمعرفة أسباب نجاح سياسات بوتين فى تحقيق مكانة فعالة نسبياً لورسيا سواء على المستوى الدولى أو على المستوى الأقليمى وأسباب فشل وقصور سياسات النخب السابقة فى تحقيق ذلك، كما يمكن الأستفادة من هذا البحث فى توقع إلى أى مدى من الممكن أن تستمر هذه السياسات حتى فى حالة تغير القيادة السياسية ووصول قيادى أخرى إلى السلطة.
نطاق الدراسة:
النطاق الزمانى :يمثل عام 2004 هو بداية دراسة البحث وذلك لأنه يمثل بداية فترة ولاية بوتين الثانية والتى بدأت سياسات القيادة السياسية الروسية فيها فى التبلور وعلى الرغم من أن بوتين قد تولى منصب رئيس الوزراء منذ 2008 وحتى 2012 إلا أنه كان ضمن القيادة السياسية الروسية ولعب دوراً هاماً فى أستمرار نمط السياسات التى قام بتدشينها منذ عام 2000 وتم ترسيخها بشكل لا يدع مجالاً للشك منذ 2004 ،ويمثل عام 2014 هونهاية فترة الدراسة وذلك لانه العام الذى شهد تطور واضحاً للدور الروسى فى محيطها الأقليمى خاصة بعد التدخل الروسى عسكرياً فى شبه جزيرة القرم وإدراك القوى الأوروبية لمخاطر تزايد لدور الروسى فى أوكرانيا ومن ثم فرض عقوبات إقتصادية على روسيا للتأثير على القيادة السياسية الروسية ودفعها إلى تغير سياستها إزاء أزمة شبه جزيرة القرم.
النطاق المكانى: تمثل روسيا هى محور دراسة البحث وذلك نظراً لحدوث صعود مفاجئ فى دورها الأقليمى والدولى يحرك الدوافع لضرورة التعرف على هذا الدور الجديد وأسباب تطور هذا الدور وتداعيات تطوره ومدى إمكانية أستمرار هذا الدور من عدمه.
النطاق الموضوعى :يمكن تسكين هذا البحث من بين فروع حقل العلوم السياسية فى فرع العلاقات الدولية وإن كان من الممكن النظر إليه على أنه دراسة بينية تجمع بين النظم السياسية والعلاقات الدولية إلا أن المنهج المستخدم وتقسيم الدراسة تؤكدا على وقوعه ضمن مجال العلاقات الدولية، فلن تتناول الدراسة أى مؤشرات تتعلق بطبيعة النظام السياسى الروسى وإنما سوف تركز على الأبعاد الخارجية للدور الروسى.
الأدبيات السابقة:
أولاً الأدبيات التى تناولت سياسات وتوجهات القيادة السياسية الروسية الجديدة:
1-تناولت دراسة ل جمال دملج بعنوان “البوتينية” مفهوم البوتينية وأهم محاور هذا المفهوم الجديد وكيف يختلف هذا المفهوم عن غيره من المفاهيم الأخرى خاصة الأستالينية ثم تطرقت الدراسة بعد ذلك إلى سياسات القيادة السياسية الروسية بزعمة الرئيس بوتين وكيف أن هذه السياسات خاصة الداخلية ساعدت فى استعادة روسيا لمكانتها على الصعيد الأقليمة والدولى ثم تعقد الدراسة مقارنة بين روسيا بوريس يلتسين و روسيا بوتين وتستغرق فى سياسات وتوجهات بوريس يلتسين، التى كانت أمتداداً لسياسات الأصلاح التى دشنها جورباتشوف والتى وصفها بكونها فاشلة،وكيف أختلفت هذه السياسات والتوجهات عن سياسات وتوجهات بوتين سواء على الصعيد الداخلى أو الخارجى ثم أوضحت الدراسة أبعاد مفهوم البوتينية أزاء المنطقة الأقليمية لروسيا والذى يهدف محاولة استعادة بعض وليس كل النفوذ الحيوى السابق للأتحاد السوفيتى وهو ما ظهر بوضوح فى حروب الشيشانية ثم تبلور فى أزمة شبه جزيرة القرم أنتهت الدراسة إلى أن مفهوم البوتينية اصبح بمثابة عقيدة واضحة وثابتة ومستمرة.
2-تطرقت دراسة أخرى ل انجمار غولدبرغ بعنوان “أستراتيجية روسيا القوى العظمى تحت زعامة بوتين و ميدفيديف” إلى أهداف سياسات وتوجهات القيادة السياسية الروسية خاصة تحت زعامة بوتين وأوضحت أن هذه السياسات لم تختلف كيفياً أو نوعياً تحت زعامة ميدفيديف فسياسات وتوجهات القيادة السياسية الروسية بعد بوريس يلتسين أشبه بالبنية الثابتة والراسخة بغض النظر عن محركيها أو أطرافها ثم تناولت الدراسة بعد ذلك سياسات بوتين الداخلية فى روسيا واستعادة سيطرة الدولة على بعض جوانب الحياة الأقتصادية وليس كلها وكذلك سياسات بوتين أزاء الأقليات فى روسيا ثم تناولت البعد العسكرى لسياسات بوتين الداخلية والتوجه نحو الحفاظ على السلام مع زيادة القدرات والأنشطة العسكرية الروسية والتدخل فى الأزمات الإقليمية تحت إدعاء الأمن القومى الروسى.
3-تناولت دراسة أخرى ل ريتشارد ساكوا بعنوان “شخصية وتداعيات القيادة البوتينية” أهم التحديات التى واجهت القيادة البوتينية خاصة التحديات الداخلية وركزت الدراسة على الأزمات الأقتصادية وكيف تعاملت معها القيادة الروسية ثم تطرقت بعد ذلك إلى أن شخصية بوتين أضفت نوع من الثقل على مكانة روسيا فى هيكل النظام الدولى وأوضحت تداعيات سياسات بوتين خاصة على الصيعد الأقليمى فيما يتعلق بالأزمة الجورجية و الأزمة الأوكرانية وتناولت الدراسة أهم التناقضات التى تتضمنتها سياسات بوتين الداخلية خاصة فى مجال المواطنة والديمقراطية الشكلية ثم تطرقت الدراسة إلى تداعيات سياسات بوتين على هيكل النظام الدولى حيث تحولت روسيا إلى قوة ليست كبرى بالمعنى الدقيق للكلمة وإنما قوة منافسة للولايات المتحدة ومن ثم ترى الدراسة أن النظام لدولى فى حالة التحول نحو التعددية خاصة مع صعود العديد من الدول الأخرى خاصة الصين.
4-تطرقت دراسة أخرى ل أحمد سيد حسين بعنوان “دور القيادة السياسية فى إعادة بناء الدولة دراسة حالة روسيا فى عهد بوتين” إلى طبيعة القيادة السياسية الروسية منذ رحيل ستالين وحتى وصول بوتين إلى الحكم وتناولت مفهوم الدولة الفاشلة بعد إنهيار الأتحاد السوفيتى والعوامل التى أدت فشل وتراجع مكانة روسيا فى هيكل النظام الدولى وتناولت بعد ذلك سياسات وتوجهات القيادة البوتينية وأبعاد القوة العسكرية والديموجرافية والأقتصادية والدبلوماسية للدولة الروسية الجديدة وأوضحت مفهوم إعادة بناء الدولة وأهم سياسات إعادة بناء الدولة والتى تشمل إنعاش الأقتصاد الوطنى والسيطرة على الثروات الروسية خاصة الغاز ثم التوجهه نحو بناء جيش قومى قوى على مستوى عالى من التدريب ومزود بأحدث الأسلحة و التخلص من بقايا ورواسب الأيديولوجية الشيوعية لجعل القيادة السياسية الروسية أكثر تحرراً فى صياغة سياساتها ويحكمها التوجه البرجماتى.
5- تناولت دراسة ل جلال عبدالله معوض بعنوان “علاقة القيادة بالظاهرة الأنمائية دراسة فى المنطقة العربية ” العلاقة بين القيادة السياسية وتحقيق التنمية فى المنطقة العربية وذلك من خلال دراسة سياسات وتوجهات القيادة السياسية والمشكلات الخاصة بالنخبة السياسية وأكدت الدراسة على وجود علاقة قوية أساسها التفاعل والـتأثر المتبادل بين القيادة السياسية وعملية تحقيق التنمية والرخاء فالقيادة السياسية هى بمثابة القطرة التى تسمح بخلق الترابط بين الأبعاد المتنوعة للعملية الأنمائية وأنتهت الدراسة إلى أن القيادة السياسية الصالحة والمعبرة عن ضمير ووعى الجماعة تكون قادرة على توفير إرادة التغيير والتى بدونها لاتنجح سياسات وتوجهات القيادة السياسية فى التوظيف الأمثل للموارد المتاحة لتحقيق التنمية والأرتقاء بدور ومكانة الدولة فى هيكل النظام الدولى والأقليمى.
ويمكن الأستفادة من هذه الأدابيات فى التعرف على طبيعة سياسات وتوجهات القيادة السياسية الروسية والعلاقة بين القيادة السياسية وعملية توظيف القدرات والأمكانيات لتخطى الأزمات وتحقيق التنمية وكذلك التعرف على أسباب نجاح سياسات بوتين فى أستعادة توازن الدولة الروسية داخلياً والتخلص من مرحلة الضعف والهوان التى كانت تسيطر على روسيا الأتحادية منذ أنهيار الأتحاد السوفيتى وحتى رحيل بوريس يلتسين وأخيراً التعرف على التناقضات التى تحويها هذه السياسات وما تحتاجه هذه السياسات من تطور وتعديل للتلائم مع التغيرات الداخلية والخارجية.
ثانياً الأدبيات التى تناولت تطور الدور الروسى :
1-تناولت دراسة ل بيكسن بعنوان “العلاقات الأمريكية الروسية وتطورها” التغير فى الدور الروسى والتحول من مرحلة التلائم والتوافق مع المصالح الأمريكية فى عهد الرئيس بوريس يلتسين إلى مرحلة استقلالية فى السياسة الخارجية الروسية، ثم التحول إلى مرحلة دور روسى فعال فى النظام الدولى والمنطقة الأقليمية ورصد الباحث أسباب تطور الدور الروسى وأرجعه إلى عاملين أساسيين:الأول أتجاه القيادة الروسية نحو مزيد من الواقعية والبرجماتية،الثانى تحول النظرة الأمريكية لروسيا من نظرة الشريك إلى نظرة المنافس الذى يجب إضعافه وعدم السماح بأحياءه مجدداً.
2-تطرقت دراسة أخرى ل عاطف معتمد عبد الحميد بعنوان “استعادة روسيا مكانة القطب الدولى ..أزمة الفترة الأنتقالية” إلى ما تمتلكه روسيا من قوى اقتصادية وبشرية والأسباب التى ساعدت روسيا على استعادة دورها وكان من أهم هذه الأسباب التخلى عن بعض المفاهيم الموروثة كما تطرقت الدراسة إلى الصعوبات والعراقيل التى واجهت الصعود الروسى سواء فى الداخل أو فى الخارج وأكدت الدراسة على أن الصعود الروسى كان له العديد من الأيجابيات ولكنه لم يخلُ من السلبيات وأنه يجب على القيادة الروسية أن تدرك هذه السلبيات وأن تسارع فى التعامل معها وتعد أبرز هذه السلبيات الردود الدولية أزاء محاولات الدب الروسى لتحقيق استراتيجية “الدولة ذات النفوذ الأقليمى” .
3-فى حين تناولت دراسة ل السيد لطفى الشيخ بعنوان “الصراع الأمريكى الروسى فى أسيا الوسطى” أبعاد تطور الدور الروسى وتداعيات هذا التطور على منطقة أسيا الوسطى حيث أوضح الباحث حدوث تطور فى العلاقات الأمريكية الروسية فى هذه المنطقة وتحولها إلى علاقات تنافسية ،وبدأ الباحث فى عرض عوامل التنافس والمصالح والأهداف الخاصة بكل دولة،وأستعرض الباحث التطورات التاريخية التى مرت بها المنطقة ، ورصد الباحث أن أهم تداعيات الصعود الروسى فى أسيا الوسطى هو أتباع الدب الروسى أستراتيجية مزاحمة الولايات المتحدة فى مناطق نفوذها.
4-وتناولت دراسة ل إيهاب عمر بعنوان “الأمبراطورية الروسية” يستعرض الباحث التاريخ الروسى منذ انشاء أولى الأمارات الروسية ثم الغزو المغولى و الاسلامي ، و قيام الامبراطورية القيصرية و حروبها مع العثمانيين و الفرس ثم فترة حكم بطرس الاكبر و كاثرين العظيمة ، و الحملة الروسية العسكرية لنجدة حاكم مصر على بك الكبير ، ثم الحملة العسكرية الروسية فى قلب عاصمة الخلافة العثمانية لفرملة جيوش مصر بقيادة إبراهيم باشا ثم يتناول الباحث الثورة الشيوعية فى روسيا وإنشاء الأتحاد السوفيتى ودوره فى الحرب العالمية الثانية ثم مرحلة الحرب الباردة وما تلاها من ضعف وهوان ،ويركز الباحث الضوء على فترة بوتين وما شهدته هذه الفترة من صعود روسى متواصل ويتناول الباحث أسباب هذا الصعود وموقف الدول الكبرى من هذا الصعود خاصة الولايات المتحدة وتداعيات هذا الصعود ويقدم الباحث فى النهاية تصور مدعوم بالمعلومات عن دور روسيا بوتين فى المستقبل.
5-تناولت دراسة ل محمود خليفة جودة محمد بعنوان “أبعاد الصعود الروسى فى النظام الدولى وتداعياته” أبعاد القوة الروسية (البعد الأقتصادى –البعد العسكرى-البعد العلمى والتكنولوجى) ،ثم تطرقت الدراسة بعد ذلك إلى أسباب الصعود الروسى وتداعيات هذا الصعود على العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا وكذلك تداعيات هذا الصعود على العلاقة بين روسيا والقوى الأسيوية والأتحاد الأوروبى ثم تناولت الدراسة أثار الصعود الروسى على إدارة الأزمات الدولية بالتركيز على الأزمة السورية.
ويمكن الأستفادة من هذه الأدابيات فى التعرف على طبيعة تطور الدور الروسى وأهم العوامل والأسباب التى أدت إلى حدوث صعود فى الدور الروسى ،وكذلك التعرف على ملامح هذا الدور الجديد وتداعياته على المنطقة الأقليمية لروسيا وانعكاسات هذا الصعود على العلاقة بين الدول الكبرى خاصة الولايات المتحدة الأمريكية و كذلك العلاقات بين روسيا والصين وغيرها من القوى الصاعدة فى أسيا كالهند وتداعيات الصعود الروسى على ازمات منطقة الثروات الملونة خاصة جورجيا وأوكرانيا.
ثالثاً الأدبيات الى تناولت العلاقة بين توجهات القيادة السياسية الروسية وتطور الدور الروسى وتداعياته:
1-تناولت دراسة ل بشار سعود بشير بعنوان”الدور الروسى الجديد فى النظام الدولى الجديد 2000-2006″ “مبدأ بوتين” التى تبلورت معالمه منذ عام 2004 وأهم توجهات هذا المبدأ على صعيد السياسية الخارجية الروسية وكذلك على صعيد السياسات الداخلية خاصة فيما يتعلق بالمجال العسكرى وكذلك المجال الأقتصادى ،ثم تطرق بعد ذلك طبيعة الدور الروسى الجديد فى عهد الرئيس بوتين وتداعيات هذا الدور على المنطقة العربية خاصة فيما يتعلق بالأزمة السورية وكذلك تداعيات هذا الدور على المنطقة الأقليمية الخاصة بروسيا خاصةً الأزمة الأوكراينة والجورجية و بدأ الباحث فى تحليل موقع روسيا فى هيكل النظام الدولى وكيف أن روسيا قد تحولت من قوة متصالحة مع الولايات المتحدة إلى قوة منافسة تزاحمها.
2-تناولت دراسة أخرى ل معمر عطوى بعنوان “طموح روسيا إلى عالم متعدد الأقطاب” براعة توجهات وسياسات الرئيس بوتين وذلك من أجل وضع حد لسيطرة القطب الواحد وإعادة تكوين التحالفات الدوليـة وفـق نسق جديد يأخذ في الحساب العامل الاقتصادي والأزمات الاجتماعية كأسـباباً أساسـية لحـدوث الخلل في التوازن الاقتصادي بين الدول، وكذلك سياسات الرئيس بوتين إزاء منطقة النفوذ السابق للأتحاد السوفيتى والرغبة قى توسيع النفوذ الروسى فى هذه المنطقة خاصة وأنها تضم العديد من الثروات التى قد تساعد الأقتصاد الروسى، وأخيراً يتناول الباحث السياسات الداخلية لبوتين خاصة فى المجال العسكرى والرغبة فى أمتلاك جيش على مستوى عالى من التدريب مزوداً بأحدث الأسلحة وخلص الباحث إلى أن روسيا قد أصبحث بمثابة قوة منافسة للولايات المتحدة التى بدأت فى التراجع خاصة بعد ظهور العديد من القوى الأخرى المنافسة كالصين وروسيا.
3-تطرقت دراسة أخرى ل ليليا شيفتسوفا بعنوان “روسيا بوتين” إلى الفترة منذ وصول بوتين للسلطة وحتى أنتخاب ميدفيديف وتناولت سياسات بوتين فى هذه الفترة والتى ساعدت روسيا على استعادة الهدوء مرة أخرى وكذلك تناولت كيف ساهمت سياسات بوتين الداخلية فى تحقيق التقدم الذى طال أنتظاره والذى أنهى مرحلة التبعية للمعسكر الغربى وتناولت الباحثة طبيعة سياسات بوتين الخارجية وأهداف هذه السياسات والمصالح التى تحكمها وتناولت ملامح الدور الروسى الجديد ومدى امكانية استمرار هذا الدور من عدمه فى المستقبل.
ويمكن الأستفادة من هذه الأدابيات فى التعرف على العلاقة بين توجهات القيادة السياسية الروسية تحت زعامة بوتين وتطور الدور الروسى وكيف أثرت هذه السياسات والتوجهات على حدوث صعود فى الدور الروسى وعلى الرغم من أن هذه السياسات لا تعد هى العامل الوحيد وراء الصعود والتطور فى الدور الروسى إلا أنه يمكن القول بأنها هى العامل الأكثر أهمية بين العومل الأخرى وكذلك التعرف على نظره بوتين لهذا الدور وطبيعة الأهداف المنتظرة منه سواء على الصعيد الأقليمى أو الصيعد الدولى.
الأطار المفاهيمى والنظرى:
أولاً الأطار المفاهيمى:
مفهوم القيادة السياسية:
تعرف القيادة السياسية على أنها قدرة وفاعلية وبراعة القائد السياسى بمعاونة النخبة السياسية فى تحديد أهداف المجتمع السياسى وترتيبها تصاعدياً حسب أولوياتها وأختيار أفضل الوسائل الملائمة لتحقيق هذه الأهداف بما يتفق مع القدرات الحقيقية للمجتمع وتقدير أبعاد المواقف التى تواجه المجتمع وأتخاذ القرارات اللازمة لمواجهه المشكلات التى تفرزها هذه المواقف ويتم ذلك كله فى إطار تفاعل تحكمه القيم والمبادئ الخاصة بالمجتمع.
أما عن التعريف الأجرائى فالقيادة السياسية هى ظاهرة جماعية أساسها التفاعل بين أربعة عناصر أساسية هى أولاً القائد يمثل هة العنصر الأكثر أهمية وتأثيراً فى صنع السياسات ليس فقط لمكانته المتميزة ولكن لتنوع وخطورة الوظائف التى يقوم بها فى الحياة السياسية ويؤدى تغير القائد السياسى إلى تغيرات داخل النظام السياسى والعملية السياسية،ثانياً النخبة السياسية وهى عبارة عن جماعة محددة العدد أعضائها ممن يمتلكون القدرة على الفعل السياسى سواء من خلال المشاركة فى صنع القرارات أو بالتأثير على القرارات التى يصدرها القائد السياسى ، ثالثاً الموقف وهو يشير إلى الأزمات والمشاكل التى تعترض طريق الجماعة وتمثل معضلة أمامها والتى تسمح للقائد بأظهار قدراته مستفيداً من مساندة النخبة المحيطة به حتى يحافظ على أهداف وقيم المجتمع ،رابعاً القيم وهى الأطار الثقافى والحضارى والأخلاقى للمجتمع وتلعب القيم دوراً أسياسياً عند تقييم المواقف وتحديدها وترتيب الأهداف وأختيار الوسائل وأتخذا القرارات،وتأخذ القيادة العديد من الأنماط أهمهت القيادة التقليدية ،القيادة الكاريزمية ،القيادة القانونية الرشيدة.
مفهوم الدور:
تعددت تعريفات الدور كمصطلح فى مجال علم الأجتماع وعلم النفس وعلم السياسة ولكننا سوف نركز على تعريف الدور فى مجال العلوم السياسية وعلى الرغم من تعدد تعريفات الدور فى مجال العلوم السياسية إلا أنه يمكن القول بأن الدور ما هو إلا ممارسات سلوكية لفاعل دولى تتميز عن المألوف وترتبط بوضع سياسى أو وضع إقليمى أو وضع دولى معين.
ويضم مفهوم الدور عدد من المؤشرات تتمثل فى أولاً توقعات الدور وتشير هذه التوقعات إلى مطالب المجتمع من كل شخص يشغل منصباً عاماً ثانياً توجهات الدور وتشير إلى الأفكار الخاصة بشاغل الدور والتى تعكس إدراكه لدوره وإدراكه لمطالب وتوقعات من حوله وإدراكه للقواعد التى يرتضيها المجتمع كضابط ومنظم لحركته ،ثالثاً سلوك الدور وهى الأفعال التى يقوم بها الفرد الذى يشغل منصباً معيناً حيث يتم التركيز على الفعل كما حدث لا كما يجب أن يكون ،ووفقاً لهذه المؤشرات الثلاثة فهناك ثلاث عناصر متفاعلة تصنع الدور هى مُشكل الدور ،شاغل الدور ،الفعل الذى يثوم به شاغل الدور، وعادة ما يمر الدور الخاص بالدولة بأربعة مراحل أساسية تتمثل فى أولاً مرحلة الأستكشاف للموقف فى ضوء الأمكانيات والدرات المتاحة للدولة،ثانياً مرحلة تحديد الدور القومى أو الدور الدولى للدولة فى غرافية غرافية ضوءالثوابت التى يتم على أساسها رسم السياسة الخارجية،ثالثاً مرحلة تكييف الدور الدولى أو الأقليمى مع طبيعة المتغيرات المحيطة بالبيئة وهو ما يعنى أن يكون الدور موافقاً ومكافئاً للموقف ،رابعاً مرحلة تحديد القيمة التى ترتبط بالدور.
مفهوم النظام الدولى
يعرف النظام الدولى على أنه “الترتيب البنيوى للفتعلين الدوليين المتمثلين فى الدول بالأساس وفقاً لقدراتهم المختلفة،الأقتصادية والعسكرية والسياسية والجغرافية والديموجرافية والثقافية، ويحكم العلاقات والتفاعلات فيما بينهم مجموعة من القواعد القانونية والأعراف التى تم الأتفاق عليها وأستقر العمل بها”،وبناءً على هذا التعريف نجد أن مفهوم النظام الدولى يضم ثلاث عناصر أساسية تتمثل فى الفاعلين فى النظام الدولى ،مجموعة القواعد التى تنظم العلاقة بين هولاءالفاعلين متمثلة بالأساس فى القانون الدولى والأتفاقيات الدولية ،ترتيب الفاعلين الدوليين ويعد هو السمة الأساسية والمميزة للنظام الدولى وهو ما يطلق عليه هيكل النظام الدولى وعادة ما يأخذ هضا الهيكل شكل هرم تحتل القوى الكبرى قمة الهرم ثم يليها الفاعلين الأقل قوة الذين ينحصر تأثيرهم على المحيط الأقليمى ،ثم يأتى فى قاعدة الهرم الدولى الدول التى يكاد ينعدم تأثيرها على النظام الدولى.
ويأخذ هيكل النظام الدولى ثلاث أنماط أساسية الأول نمط تعدد القوى الذى تسيطر فيه مجموعة من الدول الكبرى المتقاربة فى القدرات والأمكانيات على النظام الدولى كما هو الحال فى النظام الدولى حتى مطلع القرن العشرين ، الثانى نمط ثنائى القطبية الذى تتنازع فيه قوتين عظمتين تتناقض أيديولوجياً وتتنافس عسكرياً وأستراتجياً للسيطرة على النظام الدولى كما هو الحال فى النظام الدولى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى مطلع تسعينيات القرن العشرين ، الثالث نمط أحادى القطبية تهيمن فيه قوة واحدة عظمى على هيكل النظام الدولى وتنفرد بأدارة الشأن الدولى وتتدخل فى الأزمات الدولية متجاوزة القانون الدولى دون أن تستطيع القوى أن توقفها كما هو الحال فى هيكل النظام الدولى منذ تسعنيات القرن العشرين وحتى العقد الأول من القرن الواحد والعشرون.
ثانياً الأطار النظرى:
أولاً النظريات التى تناولت القيادة السياسية :تعدد النظريات التى تناولت دور القيادة السياسية ويمكن تقسيمها إلى نظريات تناولت سمات القيادة السياسية ونظريات تناولت البيئة المحيطة بالقيادة السياسية :
1-النظريات التى تناولت سمات القيادة السياسية :
1- نظرية مارجريت هيرمان والتى ركزت على السمات الشخصية والنفسية للقيادة السياسية فى عملة صنع السياسات ووضع التوجهات وقد قامت مارجريت هيرمان بدراسة ست سمات شخصية للقيادة السياسية هى (درجة الأنتماء القومى- الأعتقاد بالقدرة على السيطرة على الأحداث التى تجرى تجاه دولة أوداخل دولة أخرى-الحاجة إلى السلطة –الشعور بالحاجة إلى الأنتماء القومى والأرتباط بأشخاص أوجماعات أخرى- درجة التعقد المفاهيمى لدى القيادة السياسية –عدم الثقة بالأخرين)،وخلصت هيرمان إلى أن سمات القيادة السياسية ومعتقداتها تلعب دور أساسى فى تحديد سياساتها وتوجهاتها.
2-نظرية أليستر كول رأى كول أن دراسة القيادة السياسية لابد أن تشتمل على مجموعتين من العناصر ،المجموعة الأولى هى موارد القيادة وتتمثل فى (السمات الشخصية للقيادة السياسية وتشمل الشجاعة ووضوح الأهداف والذكاء السياسى –العوامل المتعلقة بالمنصب تتضمن الأطار الدستورى والتفاعل بين السلطات المختلفة والأحزاب والجماعات السياسية )،أما المجموعة الثانية وهى الضغوط البيئية تشمل (القيود الداخلية –القيود الخارجية-الفرص الداخلية –الفرص الخارجية) وخلص كول إلى أنه فى الدول الأستبدادية تتسم سياسات وتوجهات القيادة السياسية بالجمود وعدم القدرة على التعديل إلا فى أضيق الحدود فى حين ان سياسات القيادة السياسية فى الدول الديمقراطية تتسم بقدر كبير من المرونة .
3- نظرية السمات:تؤكد هذه الظاهرة على سمات القائد وخصائصه الذاتية بل وتدخل فى تفضيلات عميقة تصل إلى خصائصه الجسمانية والعقلية والأجتماعية والنفسية ،فسمات القائد السياسى وتوجهاته الأيديولوجية والنفسية والعصبية تؤثر على عملية صنع السياسات الداخلية والسياسات الخارجية وعادةً ما يسعى القائد السياسي إلى تنميط توجهات الدولة وسياساتها بأفكاره وتوجهاته هو ،وعادة ما يتبنى الأعضاء الأخرين فى القيادة السياسية توجهات القائد السياسى وسماته ويذكر هولاندر فى هذا الأطار أن التمييز بين توجهات القائد السياسية وتوجهات باقى الأعضاء الأخرون يكون غير كامل.
2-النظريات التى تناولت البيئة المحيطة بالقيادة السياسية :
1-نظرية المواقف:تقوم هذه النظرية على أن سياسات وتوجهات القيادة السياسية يتم تحديدها على أساس طبيعة البيئة المحيطة وما تشمله من فرص أو تهديدات وتؤكد على أن سمات القائد السياسى ليست عى العامل الوحيد المحدد لطبيعة السياسات الداخلية والخارجية ولا تقصر هذه النظرية مفهوم القيادة على النخب السياسية فقط بل أنها توسعه ليشمل كل الأفراد الذين يستطعون الوصول إلى منصب القيادة ،فترى هذه النظرية أن الأجدر هو دراسة البيئة المحيطة بالقيادة السياسية وليس سمات القيادة السياسية.
2-النظرية التفاعلية :وتقوم هذه النظرية على وجود تفاعل بين توجهات وسياسات القيادة السياسية وبين البيئة والعوامل المحيطة فعملية صنع السياسات وفقاً لهذه النظرية هى عملية تفاعلية أشبه بالفعل ورد الفعل فالقيادة السياسية تحدد سياساتها وفقاً للعوامل المحيطة فإذا تغيرت هذه العوامل تقوم القيادة السياسية بتعديل سياساتها وتوجهاتها لتتلائم مع الظروف والعوامل الجديدة.
3-النظرية الوظيفية :تنظر هذه النظرية إلى القيادة السياسية على أنها مجموعة من الوظائف والمهام التى يتم القيام بها وتنفيذها وتتوقف عملية القيام بمثل هذه الوظائف والمهام على طبيعة الظروف والبيئة المحيطة فقد تساعد البيئة المحيطة القيادة السياسية من تنفيذ سياساتها وفى كثير من الأحيان قد تكون البيئة المحيطة هى العقبة والمعضلة الأساسية التى قد لاتمكن القيادة السياسية من تنفيذ سياساتها وتوجهاتها فالقيادة السياسية هى مفهوم سلوكى وظيفى يتوقف على ظروف البيئة المحيطة بالأساس.
ثانياً النظريات التى تناولت الدور:
1-نظرية الدور الأقليمى :عادة ما ينصرف الدور الأقليمى إلى الأقليم الذى توجد فيه الوحدة الدولية فنادراً ما تطمح الوحدات الدولية إلى القيام بدور فى أقاليم لاتقع فيها جغرافياً بأستثناء الدول الكبرى التى قد تتوافر لها لها القدرات التى تمكنها من القيام بأعباء الدور فى أقاليم بعيدة عنها جغرافياً وقد تقوم الدول الكبرى بتغيير حدود الأقليم بما يتناسب مع طموحاتها كما سعت الولايات المتحدة إلى إعادة تعريف حدود الشرق الأوسط فى إطار مشروع الشرق الأوسط الأكبر بحيث تشمل دولاً تقع فى وسط وجنوبى أسيا،ويتثير نظرية الدور الأقليمى إشكاليتين :الأولى هى أن حدود الأقليم الذى يمارس فيه الدور كانت واضحة ومحددة فى حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث كان مفهوم الأقليمية ذاته واضحاً،الثانية هى أن الدولة قد تستطيع القيام بدور إقليمى فى إقليم بعيد عنها جغرافياً أى أنها لاتمارس دور إقليمى فى محيطها الأقليمى فقط با أنها تستطيع ممارسة دور إقليمى خارج نطاقها الأقليمى.
2- نظرية أشكال الدور :ووفقاً لهذه النظرية يمكن التمييز بين
أ-الأدوار الصراعية التداخلية :تشمل هذه الأدوار سعى الوحدة الدولية إلى تغير النظام الدولى أو النظام الأقليمى وذلك من خلال الدخول فى تحدى أو صراع مع الدول الأخرى الموجودة فى النظام الدولة أو النظام الأقليمى بأستخدام أدوات تتضمن دوراً ايجابياً للوحدة الدولية وتشمل تلك الأدوار ما يلى (قاعدة الثورة – المعادى لأيديولوجية –المدافع عن الأيديولوجية).
ب-الأدوار الصراعية السلبية :تشمل هذه الأدوار سعى الوحدة الدولية لتغيير النظام الدولى أو الأقليمى من خلال الدخول فى تحدى وصراع مع الدول الموجودة فى النظام الدولى أو الأقليمى ولكن دون اللجوء إلى أستخدام أدوات تتضمن عملاً إيجابياً للوحدة الدولية ويتم تفويض طرف أخر أو وحدة أخرى للقيام بمهمة العمل الأيجابى .
ت-الأدوار التعاونية التداخلية :تقوم على سعى الوحدة الدولية إلى تغير النظام الدولى أو الأقليمى وذلك من خلال التعاون مع القوى الأقليمية والدولية او تثبيت الأوضاع الأقليمية والدولية الراهنة والمساهمة فى تسوية النزاعات وتتضمن هذه الأدوار أستخدام أدوات تداخلية نشيطة للوحدة الدولية وتشتمل تلك الأدوار على (قائد التكامل الأقلية والدولى –الموازن الأقليمى والدولى –الوسيط الأقليمى والدولى-صانع السلام الأقليمى والدولى-المستقل النشط-القائد التنموى)
ث-الأدوار التعاونية السلبية: تقوم على سعى الوحدة الدولية إلى تغير النظام الدولى أو الأقليمى وذلك من خلال التعاون مع القوى الأقليمية والدولية او تثبيت الأوضاع الأقليمية والدولية الراهنة والمساهمة فى تسوية النزاعات ولكن دون أى عمل إيجابى نشط وتتضمن هذه الأدوار (الجسر الدولى –الحليف المخلص).
ج-الأدوار المحايدة: لاتتضمن تلك الأدوار الأشتباك أو التعاون مع القوى الأقليمية أو العالمية المسيطرة على النظام الأقليمى أو النظام الدولى ولاتتضمن القيام بأى دور خارجى نشط وتشمل تلك الأدوار (النموذج-صانع التنمية الداخلية –المحمية).
3- نظرية الدور الدولى:تقوم هذه النظرية على فكرة تداول القوة حيث قد تنزايد قدرات بعض الدول مما يؤدى إلى بروزها كقوة عظمى فى هيكل النظام الدولى ومن ثم يتزايد الدور الدولى لهذه الدول سواء من خلال إنشاء التحالفات أو التكتلات أو من خلال تدخلها كوسيط دولى لحل الأزمات والصراعات الدولية وما أن تتراجع قدرات هذه الدول حتى يتراجع دورها الدولى ويحل محلها دول أخرى شهدت زيادة فى قدراتها وهكذا.
4- نظرية الدور الوظيفية :تركز نظرية الدور الوظيفية عموما على السلوكات المميزة للوحدات الدولية التى تشغل مكانة ضمن النظام الدولى أو الأقليمى المستقر، فالأدوار تفهم هنا على أنها التوقعات المعيارية المشتركة التي تصف و تفسر تلك السلوكات، و يفترض بالفواعل في النظام الدولى أو الأقليمى أن يتعلموا تلك المعايير و يطابقوا سلوكهم مع تلك المعايير.
5-نظرية الدور المعرفية: تركز هذه النظرية على العلاقة بين توقعات الدور و السلوك، و يولى الاهتمام في نظرية الدور المعرفية للظروف الدولية والأقليمية التي تؤثر في تحديد التوقعات، و تقنية
قياس التوقعات و أثر التوقعات على السلوك الدولى والأقليمى للوحدة السياسية .
منهاجية الدراسة:
أولاً المنهج المستخدم فى الدراسة: سوف يتم الأعتماد فى الدراسة على منهج الدور فى العلاقات الدولية ويرتكز هذا المنهج على مجموعة من المقولات أهمها:
أولاً أن الفرد يعيش معظم حياته فى جماعات ويؤدى الفرد فى هذه الجماعات مجموعة من الوظائف والأخلال بهذه الوظائف يؤدى إلى جزاءات إجتماعية وعادة ما تسمى هذه الوظائف بالأدوار والأمر ذاته فى النظام الدولى حيث يكون لكل دولة دور فى النظام الدولى عادة ما يتحدد هذا الدور من خلال ما تتمتع به من قدرات وموارد فهناك دول يقتصر دورها على المحيط الأقليمى وهناك دول ينعدم دورها تماماً وتتبنى نموذج التبعية وذلك لأنها لا تمتلك القدرات والموارد اللازمة التى تمكنها من أن تمارس دور فعال فى النظام الدولى وهناك دول تمتلك دوراً فعالاً فى النظام الأقليمى والنظام الدولى وعادةً ما تحتل هذه الدول قمة هرم النظام الدولى
.
ثانياً عادة ما تتغير الأدوارمن مجتمع إلى أخر وفى نفس المجتمع من زمان إلى زمان إلى زمان أخر وهو الأمر ذاته فى النظام الدولى فقد يتحول دور دولة ما من دور محدود وضعيف إلى دور واسع التأثير وقوى وذلك نتيجة لحدوث تغيرات سواء فى البنية السياسية للدولة أو نتيجة لتراجع قدراتها سواء كانت الأقتصادية أو العسكرية أو الدبلوماسية وابرز مثال على ذلك تراجع دور بريطانيا بعد أن كانت تمتلك دور فعال وقوى فى الفترة الممتدة بين القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وتصاعد دور الولايات المتحدة الأمريكية منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية .
ثالثاً أن الدور يتكون من خليط من عنصرين هما مفهوم الدور وتوقع الدور وأنه عادة ما يترتب على تغير دور الفرد فى المجتمع مجموعة من التأثيرات على هيكل المجتمع ككل وعلى باقى أعضاء المجتمع وهو الأمر ذاته فى النظام الدولى حيث أن صعود أو هبوط الدور الخاص بدولة معينة يصاحبه العديد من التداعيات والتأثيرات على هيكل النظام الدولى خاصة الدول الكبرى فى النظام الدولى وكذلك على هيكل النظام الأقليمى ومنطقة النفوذ الحيوى لهذه الدولة،ولعل أبرز مثال على ذلك الصعود فى دور الدولة الألمانية منذ وصول هتلر إلى السلطة حيث ترتب على هذا الصعود العديد من الـتأثيرات على منطقة المجال الحيوى الألمانى أو ما يعرف ب”Lebensraum” وكذلك أدى إلى العديد من التأثيرات والتداعيات على هيكل النظام الدولى.
ثانياً أسباب اختيار هذا المنهج و كيفية تطبيقه:
يعتبر هذا المنهج هو الأكثر ملائمة لهذه الدراسة حيث أنه يساعد فى تحديد أهم العوامل التى أدت إلى حدوث صعود فى طبيعة الدور الروسى متناولاً التغيرات فى توجهات وسياسات القيادة السياسية الروسية الجديدة والتى تعد هى العامل الأساسى وراء حدوث هذا الصعود ثم يتناول طبيعة الدور الجديد للروسيا فى ظل القيادة السياسية الجديدة ويتتبع تداعيات هذا الدور سوا على المحيط الدولى أو على المحيط الأقليمى ،أما عن تطبيق هذا المنهج للوصول إلى تأثير سياسات وتوجهات القيادة السياسية الجديدة على صعود الدور الروسى وتداعيات هذا الصعود نجد أن المنهج يتكون من ثلاث محاور أساسية المحور الأول يتضمن أن كل دولة يكون لها دور يتكون من مجموعة من الوظائف والمهام وهذه الوظائف قد تكون سياسية أو أقتصادية أوعسكرية أو إعلامية أو دبلوماسية المحور الثانى أن هذا الدور بتغير من فترة إلى أخرى من دولة إلى أخرى وهناك العديد من العوامل التى تؤدى إلى حدوث تغير فى دور الدولة قد يكون بعضها نتيجة لحدوث تغير فى قدرات الدولة السياسية أو الأقتصادية أو العسكرية أو الدبلوماسية وقد يكون بعضها نتيجة لحدوث تغير فى القيادة السياسية ووصول قيادة جديدة تكون أكثر قدرة على التوظيف الجيد لقدرات وإمكانيات الدولة أو نتيجة لحدوث تراجع فى إمكانيات الدول الأخرى أما المحور الثالث يتضمن أن كل تغير فى الدور الخاص بدولة معينة يكون له العديد من التداعيات التأثيرات على النظام الدولى وعلى النظام الأقليمى الخاص بهذه الدولة .
فالمقولة الأولى يمكن تطبيقها من خلال التعرف على طبيعة الدور الروسى بوجه عام قبل حدوث تغيير فى القيادة السياسية لتحديد أهم ملامح هذا الدور والعوامل التى أثرت فى تحديد هذه الملامح وكيف اثرت توجهات وسياسيات القيادة السياسية الروسية منذ الحرب الباردة حتى مطلع القرن الواحد والعشرين على أستمرارية هذا الدور ،المقولة الثانية يمكن تطبيقها وذلك من خلال تفسير أهم الأسباب والعوامل التى أدت إلى حدوث تغير فى طبيعة الدور الروسى ومدى أستمرارية هذا الدور الجديد من عدمه فى السنوات التالية ،أما المقولة الثالثة فيمكن تطبيقها وذلك من خلال التعرف على تداعيات الصعود فى الدور الروسى على هيكل النظام الدولى وتداعيات هذا الصعود أيضاً على المحيط الأقليمى الخاص بروسيا خاصة بعد ظهور العديد من الأزمات فى المنطقة الأقليمية لروسيا.
تقسيم الدراسة:
وأنطلاقاُ من منهاجية الدراسة ومحاولة للأجابة على تساؤل الدراسة فسوف يتم تقسيم الدراسة إلى :
الفصل الأول: التغير فى أبعاد وسياسات القيادة السياسية الروسية والتحول فى الدور الروسى
المبحث الأول:محاور سياسات القيادة السياسية الروسية الجديدة .
المبحث الثانى: أبعاد قوة القيادة السياسية الروسية والصعود فى الدور الروسى.
الفصل الثانى: تطور الدور الروسى و العلاقات مع الدول الكبرى فى النظام الدولى.
المبحث الأول :العلاقات الأمريكية الروسية ما بين الصراع والتقارب.
المبحث الثانى: العلاقات الروسية الصينية واستراتيجية التحول نحو الشرق.
الفصل الثالث : تداعيات تطور الدور الروسى على منطقة الجوار القريب.
المبحث الأول: الصعود فى الدور الروسى والأزمة الأوكرانية.
المبحث الثانى: الدور الروسى الجديد وأزمة أوسيتيا الجنوبية.
الفصل الاول :التغير فى أبعاد وسياسات القيادة السياسية الروسية والتحول فى الدور الروسى.
شهدت السياسية الروسية سواء الداخلية أو الخارجية تحولاً وتغيراً كبيراً مع بداية عام 2004 فقد مثل هذا العام مرحلة جديدة لروسيا بدأ فيها الدور الروسى فى الصعود وتوجهت روسيا نحو المزيد من القطيعة مع السياسات السابقة التى سادت منذ إنهار الأتحاد السوفيتى ويرجع السبب الرئيسى وراء هذا التغير إلى التغير فى طبيعة القيادة السياسية الروسية ووصول نخبة جديدة تختلف عن سابقتها من حيث أولويتها وأهدافها فسياسات القيدة السياسية الروسية منذ إنهيار الأتحاد السوفيتى حتى عام 2004 كانت تقوم على السير على خطى النموذج الغربى وهو ما ترتب عليه المزيد من التراجع فى الدور الروسى فى هيكل النظام الدولى حيث لم تعد روسيا قادرة على بلورة مواقف خاصة بها إزاء القضايا الدولية المختلفة وكذلك لم تعد قادرة على تبنى وجه نظر خاصة بها تحتلف عن وجه النظر الغربية ،فقد كانت روسيا فى مرحلة أشبه ما تكون بالتبعية المطلقة للنموذج الغربى سياسياً وأقتصادياً وعسكرياً.
ولكن منذ وصول الرئيس بوتين إلى السلطة وضع هدف لسياساته وتوجهاته تتمثل فى المزيد من الاندراج في العمليات السياسية والاقتصادية والأمنية العالمية بالأعتماد على التطور الداخلي للدولة الروسية وطموحاتها الدبلوماسية في سياق العولمة، وكذلك ضرورة أن تصبح روسيا قوة عظمى حديثة، قوية اقتصادياً، متقدمة تقنياً، متطورة اجتماعياً، ومؤثرة سياسياً،ورأى بويتن أن تحقيق هذا الهدف يتوقف على تحقيق الأنتعاش اللازم فى الأقتصاد الروسى لذلك رأى ضرورة توفير أفضل الظروف الملائمة للنمو الأقتصادي وتشجيع نشاط رجال الأعمال الروس، وكذلك دخول روسيا في منظمة التجارة العالمية،بل وأعطت الإدارة الروسية أولية للمصالح الاقتصادية على المصالح السياسية والسياسية- العسكرية. لقد ساد الاعتقاد أن روسيا لن تحتل مكانة مرموقة في العالم ما لم تنتقل بسرعة إلى النمو الاقتصادي،فجوهر سياسات بوتين تقوم على ضرورة تحويل روسيا إلى قوة أقتصادية مكتفية ذاتياً.
فيمكن القول بأن سياسات بوتين الداخلية تمثلت بالأساس فى التحول نحو تحقيق المزيد من التقدم الأقتصادى الذى يمثل الأساس لبناء قوة عسكرية قوية ومزودة بأحدث الأسلحة والتقنيات وكذلك تحقيق مبدأ وحدة روسيا وسلامة أرضيها وذلك من خلال أتجاه روسيا إلى التمسك بمنطقة شمال القوقاز لعدة اسباب أهمها أن أستقلال دول شمال القوقاز سوف يؤدى تغير السياسة العرقية فى هذه المنطقة بعدد هجرة ونزوح العرقيات الأخرى غير الأسلامية ومن ثم ظهور مشكلة حماية مليونين ونصف مليون روسى بقطنون القوقاز وكذلك محاولة الأحتفاظ بالنفوذ الروسى فى كل من أوكرانيا وجورجيا وذلك بسبب أمتلاكها العديد من الثروات الطبيعية التى قد تساهم فى تدعيم الأقتصاد الروسى وكذلك العمل على الأرتقاء بالتنظيم الأدارى والمحلى فى روسيا والعودة إلى مؤسسات الدولة في حل المشاكل وتحديدا إلى مجلس الوزراء بعد ان أصبحت الإضرابات والاعتصامات تطغى على الحياة الروسية في ظل سيطرت الروس الجدد، تطوير الفيدرالية الروسية وذلك من خلال تقسيم روسيا إلى 7 أجزاء وتعين مندوب خاص يمثل الرئيس ويتول شؤون المنطقة تنسيقا مع الرئيس وإدارته.
أما عند السياسات الخارجية لبوتين فقد تمثلت فى العمل على إستعادة الدور الروسى فى المنطقة الأقليمية والتوجه نحو السيطرة على المناطق الحيوية السابقة للأتحاد السوفيتى والعمل على منع أى دولة من دول الجوار والمجال الحيوى لورسيا من الأنضمام إلى الأتحاد الأوروبى فعلى سبيل المثال يرجع التوغل الروسى فى كل من أوكرانيا وجورجيا إلى فوز المرشح الموالى للغرب فى الأنتخابات الرئاسية والذى كان يقوم برنامجه على ضرورة الأنضمام إلى الأتحاد الأوروبى ، وكذلك السعي إلى علاقات متميزة وتعاون إستراتيچي مع أصدقاء الاتحاد السوڤتي السابقين، لا سيما الهند وإيران والصين،بالأضافة إلى العمل على مزاحمة القطب الأمريكى فى بعض سياساته وتوجهاته وإنهاء الانفراد الأمريكي بموقع القمة، ووفقاً لرؤية القيادة الروسية فأنه يجب إتباع خطة إستراتيچية وعقلانية تفضي إلى إحلال التعددية القطبية محل السيطرة والهيمنة الأمريكية ليقم النظام العالمى على عدد من القوى الدولية ولاتنحصر القوى الدولية المؤثرة فى العلاقات الدولية على منطقة الغرب والولايات المتحدة وإنما تشمل أسيا متمثلة فى الصين و أوراسيا متمثلة فى روسيا و أوروبا متمثلة فى الأتحاد الأوروبى بجانب الولايات المتحدة.
وقد شهد الدور الروسى تحديداً منذ عام 2008 تطوراً كبيرأ خاصة على الصعيد الأقليمى مع أزمة جورجيا والتوغل الروسى فيها ثم تأكد هذا الدور بصورة لاتدع مجالأ للشك فى الأزمة الأوكرانية أما على الصعيد الدولى فقد ظهر الصعود فى الدور الروسى ومزاحمة الدور الأمريكة فى القضية السورية خاصة بعد التدخل العسكرى الأخير لروسيا فى سوريا وكذلك بداية إتجاه الولايات المتحدة نحو الأقتناع بالدور الروسى فى مساندة نظام الأسد ومن ثم أصبح الدور الروسى ليس مساوياً وإنما منافس حقيقى للدور الأمريكى على الساحة الدولية.
وقد أرتبط الدور الروسى الجديد بالعديد من التغييرات فى السياسة الخارجية الروسية حيث شهدت السياسة الخارجية الروسية فى عهد بوتين نهضة ملحوظة حيث عادت روسيا مرة أخرى للظهور على الساحة الدولة ساعية إلى تحقيق شرعية لدورها الجديد من خلال الاعتماد ليس فقط على الأداة العسكرية التقليدية وإنما من خلال الاعتماد على الاداة الاقتصادية وظهر ذلك بصورة واضحة بعد أن قامت روسيا بدفع ديونها فى نادى باريس فى إشارة واضحة من موسكو إلى قيامها بوضع حد للإنهيار المالى الذى تعانى منه منذ تسعنيات القرن العشرين وقد تجسد إستعادة بوتين رونق الدور الروسى والسياسة الخارجية الروسية من خلال عدة مؤشرات أهمها تمثل فى أستضافة روسيا لقمة الدول الثمانى الكبرى فى عام 2006 وكذلك قيامها باستضافة الأولمبياد الشتوية لعام 2014 بل وشاركت روسيا من خلال سفيرها فى المناقشات الخاصة بحلف الناتو على الرغم من عدم انضمامها سواء لحلف الناتو أو الأتحاد الأوروبى لكنها تشارك أيضاً فى سياسات الناتو من خلال مجلس التعاون الأطلنطى.
ومقارنة الدور الروسى فى الفترة قبل وصول بوتين للسلطة يمكن القول بأن السياسة الخارجية الروسية بصورة عامة والدور الروسى على وجه التحديد كان يتميز بالخضوع والتبعية شبه التامة للغرب بل وأنه قد وضعت الولايات المتحدة كنموذج التنمية الذى يجب على روسيا إتباعه ورجع ذلك بالأساس إلى سيطرة التيار الليبرالى الموالى للغرب على السلطة فى روسيا منذ إنهيار الأتحاد السوفيتى وحتى عام 2000 والذى كان مؤيداً لقيم الليبرالية الغربية وينظر للولايات المتحدة على أساس أنها الشريك الأساسى له ولكن تغير هذا الوضع بوصول بوتين للسلطة الذى ينتمى لتيار القوميون وهم الذين يرون ضرورة الأعتراف بروسيا كقوة كبرى والتعامل معها على هذا الأساس والحفاظ على منطقة النفوذ الحيوية لروسيا
المبحث الأول:محاور سياسات القيادة السياسية الروسية الجديدة .
تقوم سياسات بوتين على العديد من المحاور والنقاط الأستراتيجية فالمحور الأول لسياسات بوتين هو المحور الأقليمى ويتمثل فى الأعتماد على رابطة الدول المستقلة والمجال الحيوى السابق للأتحاد السوفيتى وذلك من خلال محاصرة “الثورات الملونة” (أوكرانيا وجيورجيا) ومنظمات المجتمع الأهلي المعتمدة لتفكيك بنيات هذه الدول وتعديل سياساتها وكذلك ترسيخ التحالفات مع(كازاخستان وأوزبكستان)، والأعتماد على دبلوماسية نشطة في مجال الطاقة، بغية إعادة تركيب بنية “رابطة الدول المستقلة”، عبر إقامة منظمات سياسية عسكرية واقتصادية، المحور الثانى هو المحور الدولى يتمثل فى العلاقة مع الاتحاد الأوروبي حيث تطمح روسيا إلى علاقة وثيقة ومستقرة بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الروسي وتبني نوعاً من الشراكة الأوروبية الروسية مما يمكنها من المشاركة في
القرارات والسياسات الأوروبية، خصوصاً ما تعلق منها بأوروبا الشرقية، وبمجال الاتحاد السوفييتي سابقاً ومواجهة إشكالية توسع الاتحاد الأوروبي والمزيد من انخراطه في بنية الحلف الأطلسي والتبعية للولايات المتحدة.
وفى إطار هذا المحور تبرز العلاقة مع الولايات المتحدة فبينما كان الاتحاد الروسي يطمح بعلاقة مع الولايات المتحدة سمتها العامة “شراكة إستراتيجية” محورها مكافحة الإرهاب والحد من تطوير أسلحة الدمار الشامل، وجدت روسيا نفسها مضطرة إلى خوض سباق التسلح وحماية كل مجالاتها الحيوية، أو العودة إلى ملامح الحرب الباردة، خصوصاً مع توسيع الحلف الأطلسي، وحملات الولايات المتحدة المعادية لروسيا تحت شعارات ترويج الديمقراطية وحقوق الإنسان،فقد بدأ هذا المحور فى التراجع خاصة بعد فى إطار الأزمة الأوكرانية والتى رأت فى إطارها الولايات المتحدة أنه لايجب التهاون مع روسيا وقامت بفرض عقوبات إقتصادية عليها وذلك لتغير سياستها إزاء هذه القضية ومنذ عام 2011 تحولت هذه العلاقة إلى عقيدة لدى القيادة السياسية الروسية تتمثل فى رفض الهيمنة الأحادية على العالم حيث أن طابع التهديدات يتعلق لحد كبير بطبيعة النظام السياسي العالمي فقد أصبح جلياً أكثر فأكثر أن قيادة العالم الأحادية التي تنطحت لها الولايات المتحدة شكلت عبئاً تنوء تحت ثقله الإدارة الأميركية، مهما كانت قوتها.
،وكذلك تبرز العلاقة مع الشرق الأسيوى وذلك من خلال تطوير منظمة شنغهاي حيث تعمل روسيا على ترسيخ التعاون والتحالف مع الشرق، بغية مواجهة التحالف الأميركو أوروبي حيث تسعى روسيا إلى تطوير هذه المنظمة لتصبح بمثابة المنظمة أو الحاف الذى يستطيع مواجهه الأتحاد الأوروبى أو يكون بمثابة العامل الموازن للأتحاد الأوروبى.
أما على الصعيد الداخلى فقد قامت توجهات القيادة السياسية الروسية على عدة محاور تتمثل فى المحور الأول المزيد من تدخل الدولة في الحياة السياسية والاجتماعية، وتعزيز أجهزتها وقدرتها على التدخل في الحياة العامة. ومن ذلك القانون حول “المنظمات غير الحكومية” الذي أعُتمد في مطلع العام 2006، بهدف تحقيق المزيد من مراقبة السلطات الحكومية والإدارية لهذه المنظمات واحتوائها وتقييد حركتها (الترخيص، الأنظمة، النشاطات، الأهداف، التمويل…)، وتشكيل “المجلس الاجتماعي” الذي يضم مؤسسات المجتمع المدني لتسهيل الحوار بين السلطات العامة والمجتمع،المحور الثانى تعمل الحكومة على توفير الاستثمارات اللازمة للمستثمرين المحليين لتمويل المشاريع الكبرى والأستراتيجية التي تحتاجها البلاد .
المحور الثالث استخدام العائدات الناجمة عن ارتفاع أسعار الموارد الطبيعية في تنمية الاقتصاد ورفع مستوى معيشة المواطنين الروس، وذلك مقابل تخفيض الضريبة على منتجات التكنولوجيا الرفيعة والصناعة التحويلية والمنشآت الصغيرة والمتوسطة ولقد كان ذلك بتعزيز تدخل الدولة الشديد في مجال النفط والغاز ،المحورالرابع اعتماد سياسة اجتماعية نشطة للغاية بفضل فوائض النفط وتوسيع سياسات الحماية الاجتماعية بتطوير أربعة برامج قومية تتعلق بالصحة والتعليم وبناء المساكن وتنمية الزراعة، والعمل على تطوير سياسات الحماية الاجتماعية والأمن ،المحور الخامس الشروع فى مكافحة الفساد من خلال الملاحقة القضائية لكبار الفاسدين، وسن التشريعات حول ضبط العلاقة بين موظفي الدولة ورجال الأعمال حيث ينمو الفساد والإفساد.
المحور السادس إستعادة الدولة السيطرة المباشرة على نمو الصناعات الإستراتيجية وعلى موقعها في الأسواق العالمية ،المحور السابع تقييد حرية المستثمرين الأجانب، أو منعهم من الاستثمار في الصناعات الإستراتيجيةمثل صناعات الفضاء، السكك الحديد، النووي المدني، المناجم، صناعة مدخلات إنتاج الأسلحة وغيرها من الصناعات،وفى حقيقة الأمر نجد أن معظم هذه المحتور تتركز على الجانب الأقتصادى وذلك لسببين أساسيين الأول أن الأقتصاد الروسى منذ مرحلة إنهيار الأتحاد السوفيتى وحتى تولى بوتين القيادة كان يعانى من أزمة حادة وذلك منذ تدشين سياسات الأنفتاح الأقتصادى التى وضعها جورباتشوف وتبنتها القيادة السياسية الروسية من بعده.
وفى حقيقة الأمر يضاف إلى هذه المحاور محوراً أو بعداً جديداً للدور الروسى يتمثل فى القوة الناعمة حيث استطاع بوتين أن يدرك أن كل من القوة الصارمة والقوة الناعمة يكمل كل منهما الأخر فى تعزيز الدور الروسى آليات السياسة الخارجية الروسية ،ويمكن القول بأن الرئيس بوتين أدرك أنه كان من الأفضل أن يتم استخدام القوة الناعمة فى الأومة الأوكرانية بدلاً من القوة العسكرية التى أدت إلى وقوع روسيا فى فخ العقوبات الأقتصادية ،وبالنظر إلى تاريخ القوة الناعمة بالنسبة لروسيا نجد أن الأتحاد السوفيتى قد تمتع بقدر كبير من القوة الناعمة بعد الحرب الباردة وذلك بسبب قيادته وزعامته ضد الفاشية ولكن سرعان ما خسر الأتحاد السوفيتى هذه القوة الناعمة وذلك بقيامه بغزو المجر ومن بعدها تشيكوسلوفاكيا ،وبالنظر إلى القوة الناعمة الحالية التى تمتلكها روسيا نجد أنه على الرغم من مساهمات روسيا فى الأدب والفن والموسيقى العالمية إلا أنه قلة من الأجانب يشاهدون الأفلام الروسية وهناك جامعة روسية وحيدة يأتى ترتيبها ضمن أفضل مائة جامعة على مستوى العالم أى أنها تتمتع برصيد منخفض من القوة الناعمة.
وترجع أهم الأسباب وراء تراجع القوة الناعمة لروسيا إلى أن المجتمع المدنى فى روسيا لا يتمتع بنفس القدر من التحرر الذى يتمتع به المجتمع المدنى فى الولايات المتحدة فالمجتمع المدنى فى روسيا لايستطيع انتقاد السياسيين ولا يستطيع معارضة التصرفات والسلوكيات الحكومية فجزء كبير من القوة الناعمة التى تتمتع بها الولايات المتحدة ترجع بالأساس إلى منظمات المجتمع المدنى والمنظمات غير الحكومية فى حين أن بوتين يسعى إلى تقليص دور المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدنى ،وقد ظهر إهتمام بوتين بالقوة الناعمة وذلك من خلال قيامه بإعادة تنظيم وكالة أنباء نوفوستى حيث قام بفصل 40% من موظفيها وأعلن إنشاء سبوتنيك وهى شبكة من مراكز الأنباء تمولها الحكومة .
ويتبلور فى هذا الأطار محور جديد أعتمد عليه بوتين بصورة كبيرة فى نجاح سياساته وتطلعاته يتمثل هذا المحور فى الطاقة حيث تقوم سياسة الطاقة الروسية على التعاون والتنسيق مع كبار منتجى الطاقة للحفاظ على السوق النفطية وضمان حد أدنى لسعلا النفط حيث يمكن إرجاع الطفرة الأساسية فى سياسات بوتين ودور الدولة الروسية بالأساس إلى أرتفاع أسعار النفط فى الفترة من 2004 وحتى 2006 خاصة وأن النفط والغاز يشكلان ثلثى الصادرات الروسية ونصف إيرادات الدولة كما أن روسيا تُوصف على أنها دولة ذات محصول واحد أى أنها تعتد على منتج واحد بالأساس فى عائداتها هو النفط خاصة مع زيادة الطلب الصينى والهندى على النفط ،وبصفة عامة يمكن القول بأن روسيا عملاق فى مجال الطاقة فهى أغنى الدول فى العالم من حيث الطاقة فهى تمتلك أكبر مخزن للغاز الطبيعى وهى الأولى فى إنتاجه وتصديره وهى ثانى أكبر دولة تمتلك إحتياطى نفط فى العالم بالأضافة إلى أنها تغطى أكثر من 10% من الإحتياج العالمى لليورانيوم وبالتالى يُرجع البعض الطفرة فى الدور الروسى فى الفترة الثانية من عهد بوتين إلى إعتماد روسيا على صادراتها من الطاقة خاصة النفط كما أن روسيا تشكل كما وصفها البعض محطة الطاقة للمنطقة الأوروبية.
ويمثل ذلك صعوبة كبيرة بالنسبة للدول الأوروبية فى التعامل مع روسيا فمن ناحية ترغب الدول الأوروبية فى إحتواء أو إستيعاب الدور الروسى والسلوك البوتينى فى أوكرانيا ومن ناحية أخرى ترغب الدول الأوروبية فى الإبقاء على روسيا بأعتبارها تمتلك دور أساسى وفعال فى القضايا الدولية خاصة مكافحة الأرهاب ومنع الإنتشار النووى ومن ثم فأن التوصل إلى إستراتيجية تعمل على تحقيق هذين الهدفين يمثل تحدى حقيقى للدول الغربية والولايات المتحدة فروسيا لايمكن إستبعادها من الخريطة الأوروبية بسهولة ،فعلى الرغم من إفراطها فى استخدام القوة العسكرية فى الحالة الأوكرانية وهو ما يتطلب فرض عقوبات إقتصادية على السلوك الروسى وذلك لمنع إنتهاك روسيا القاعدة الدولية المطبقة منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية المتمثلة فى منع ضم أى إقاليم تابعة لدولة أخر باستخدام القوة السعكرية إلا أن الدول الأوروبية تحتاج إلى الطاقة الروسية من ناحية كما أنها تحتاج إلى التعاون مع روسيا فى العديد من القضايا الدولية الهامة.
المبحث الثانى: أبعاد قوة القيادة السياسية الروسية والصعود فى الدور الروسى.
بالنظر إلى القوة الخاصة بالقيادة الروسية البوتينية نجد أنها تشمل العديد من الأبعاد سوف يتم التركيز على البعض منها مثل القوة الأقتصادية،القوة الأمنية الأقليمية ،القوة العسكرية ،فعلى صعيد القوة الأقتصادية نجد أنه عندما تسلم بوتين السلطة كانت روسيا تعانى من أزمة أقتصادية حقيقية لذلك فقد عمل على وضع سياسات إصلاح أقتصادى أسهمت فى التعامل الناجح نسبياً مع هذه الأزمة وبدأت تتبلور أهم ملامح القوة الأقتصادية الروسية من خلال أولاً الأعتماد فى تحقيق النمو الاقتصادي على الصادرات الروسية من المواد الخام، فروسيا تصدر النفط والغاز والفحم الحجري والأخشاب والمعادن النفيسة،ثانياً زيادة عائدات الدولة الروسية بشكل كبير وذلك بموجب قانون تخفيض الضرائب المعتمد الذى حدد معدل الضريبة ب13% ،ثالثاً ساهمت سياسات الأنضباط المالى الصارم فى إصلاح وهيكلة نظام المعاشات والأسكان والمرافق.
وعلى الرغم من ذلك إلا أنه يمكن القول بأن القوة الأقتصادية الروسية تأتى فى قاعدة هرم القوة ولايمكن أن تقارن بالقوة الأقتصادية الأمريكية أو القوة الأقتصادية الصينية فروسيا لاتمتلك أسواق ضخمة خارجياً كما أن عدد سكان روسيا في الوقت الحالي يقدر بنحو 141 مليون نسمة، وروسيا من الدول التي تعاني من تناقص عدد سكانها، بمعنى أن عدد الموتى أكثر من عدد المواليد، وإذا كان ازدياد عدد السكان بنسبة كبيرة (أي بما يزيد على 2.5 في المئة) يخلق اختناقات ويربك تخطيط البنية التحتية، فإن تناقص عدد السكان ولو بنسبة ضئيلة جداً معناه تنامي عدد المتقاعدين وتناقص عدد المنتجين، وهذا يؤدي إلى تناقص نسبة النمو الاقتصادي في أي اقتصاد منتج. وقد تكون أضراره أقل بالنسبة إلى اقتصاد ريعي كالاقتصاد الروسي ما لم تنضب مكامن النفط والغاز والفحم والمعادن،كما أنه على سبيل المقارنة نجد أنه تبلغ قيمة كل ما أنتجته روسيا من سلع وخدمات، أي قيمة الإنتاج الكلي، نحو 2.1 تريليون دولار، بينما تقدر قيمة الإنتاج الاقتصادي الكلي لدولة كإيطاليا بنحو تريليوني دولار. فقيمة الناتج الكلي في كل من روسيا وإيطاليا تكاد تكون متساوية على رغم أن عدد سكان إيطاليا نحو ثلث عدد سكان روسيا، وعلى رغم أن إيطاليا لا تصدر نفطاً أو غازاً أو حتى فحماً حجرياً فأجمالاً يمكن القول بأنه القوة الأقتصادية الروسية هى الأضعف من بين أبعاد القوة الأخرى.
أما عن القوة العسكرية فقد ورثت روسيا عن الأتحاد السوفيتى صناعة حربية متقدمة حتى، وإن كانت في المتوسط أقل من قدرات الصناعات الحربية الأميركية، ولكنها قادرة على المنافسة في المجال الحربي، فبعض أسلحتها فاعلة ولكن يمكن القول بأن مصدر التهديد الأساسى للولايات المتحدة الأمريكية بل والعالم كله هو ترسانتها من الأسلحة النووية وتشير العديد من المؤشرات بأن البعد العسكرى فى القوة الروسية قد أزداد بصورة واضحة أثناء فترة بوتين حيث تملك روسيا 15398 دبابة، أي حوالي مثلي ما تملكه الولايات المتحدة الأمريكية، و37 ضعف ما تملكه بريطانيا، فيما يملك الجيش الروسي من المدافع الذاتية الحركة ثلاثة أضعاف ما يملكه الجيش الأمريكي، و67 ضعف ما يملكه الجيش البريطاني. وتملك روسيا 3793 راجمة صواريخ، أي حوالي 3 أضعاف ما تملكه الولايات المتحدة، و90 ضعف ما تملكه بريطانيا،فى حين بلغ عدد أفراد القوات المسلحة الروسية العاملين 766 ألف جندي وضابط، بالإضافة إلى 2.5 مليون شخص هم جنود وضباط الاحتياط،وبلغت نسبة الأنفاق العسكرى الروسى حوالى 83.3مليار دولار وهو ما جعلها ثانى أقوى قوة عسكرية بعد الولايات المتحدة .
كما أن روسيا تمتلك برامج تطوير وتحديث عسكرى وتسليحى تقوم على سبع محاور أساسية أولاً رفع ميزانية الدفاع من 3.53% من الناتج المحلى الأجمالى عام 2012 لتصبح بمعدل 4.1% من الناتج المحلى الأجمالى عام 2014 ثانياً إعادة هيكلة القوات المسلحة وذلك من خلال إلغاء المناطق العسكرية لتحل محلها محاور إقليمية ،ثالثاً نظام التجنيد أتجهت روسيا إلى تخفيض الجنود الألزاميين والأعتماد على المتطوعين المحترفين ،رابعاً القوات البرية أتجهت القيادة العسكرية الروسية إلى تكوين عشر كتائب عمليات خاصة تتبع الرئاسة مباشرة من القوات البرية تتولى القيام بمهام مكافحة الأرهاب كما قامت القيادة بتحديث التدريبات التى تتلقاها القوات البرية حيث زادت ميزانية التدريبات بحوالى 40% ،خامساً القوات الجوية أستحدثت روسيا العديد من منظومات الدفاع الجوى ذات الأمكانيات الكبيرة بالأضافة إلى تطوير النظومات السوفيتية كما تعمل روسيا على تطوير طائراتها المقاتلة التقليدية ،سادساً القوات البحرية عملت روسيا على تطوير العقيدة البحرية لتشمل العمل فى المحيط الأطلنطى و جزر القطب الشمالى وكذلن إنشاء مدمرة حاملة للطائرات يمكنها أن تحمل أكثر من 70 طائرة،سابعاً الصناعات العسكرية الروسية فقد أصبح أهتمام روسيا هو تطوير التكنولوجيا العسكرية الذاتية فقد رفعت روسيا نسبة التحديث فى المعدات العسكرية من 17% عام 2010 إلى 20%عام 2015 فالصناعات العسكرية الروسية تشهد تقدماً ولكن ببطئ.
أما عن القوة الأمنية الأقليمية فهى تنصب بالأساس حول مبدأ “وحدة وسلامة الأراضى الروسية” والذى يقوم على منع الكيانات داخل روسيا الأتحادية من الأستقلال وتتركز هذه الكيانات فى شمال القوقاز بخاصة الشيشان وتتارستان وعملت الحكومة الروسية على تحقيق ذلك لعدة أسباب أن تخلى روسيا عن جمهوريات القوقاز يعنى تخليها عن القوقاز بأكمله وهو ما يعنى إقامة جمهورية القوقاز الأسلامية التى سوف تمثل تهديد على جنوب سوريا ،كما أن القوقاز يتمتع بأهمية جيو أستراتيجية تتمثل فى ما يمتلكه من أحتياطات نفطية ويمر عبره العديد من خطوط الغاز التى تمتد من روسيا إلى أسيا الوسطى ومن ثم تخلى روسيا عن القوقاز سوف يؤثر سلباً على الأقتصاد الروسى ،بالأضافة إلى ذلك تسعلا روسيا إلى السيطرة على مناطق النفوذ الخاصة بها والتى كانت تابعة لها مثل شبه جزيرة القرم وغيرها من المناطق وذلك كله لحمايه أمنها الأقليمى.
ويمكن القول بأن أبعاد القوة السابقة تواجهها العديد من التحديات فبالنسبة للقوة الاقتصادية يعانى الاقتصاد الروسى من تراجع ملحوظ بسبب تراجع اسعار النفط حيث أنه ليس من المتوقع أن يصل سعر النفط إلى أربعة أو خمسة أضعاف السعر الذى كان عليه فى الفترة من 2003 حتى 2008،كما أن قيمة الروبل العملة الروسية تعانى من تراجع شديد أمام الدولار الأمريكى ،وتكبد سوف الأوراق المالية الروسية العديد من الخسائر ،إضافة إلى العقوبات الاقتصادية الضخمة التى فُرضت على روسيا فى أعقاب إحتلالها لشبه جزيرة القرم وهو ما يدفع روسيا إلى تبنى سياسيات لأصلاح الهيكل الأقتصادى الروسى وعدم الأعتماد فقط على على الصادرات الروسية من الطاقة .
أما بالنسبة للعامل الديموغرافى أو السكان فقد أصبحت روسيا تعانى من تهديد خطير للغاية يتمثل فى الأنكماش الملحوظ فى متوسط عمر الفرد الروسى فقد أنحدر هذا المتوسط بمعدل عشر سنوات أى 65 عاماً مقارنة بمتوسط عمل الفرد فى الدول الأخرى المتقدمة خاصة دول أوروبا الغربية وذلك نظراً لما يعانى منه نظام الصحة فى روسيا من فوضى كبيرة أدى إلى زيادة معدل الوفقات وإنخفاض معدل المواليد، كما أنه تشير العديد من التقديرات من جانب الباحثين فى المجال الديموغرافيا أن عدد سكان روسيا سوف ينخفض من 145 مليون نسمة إلى 121 مليون نسمة
بحلول عام 2050،أما التحديات الأساسية للقوة العسكرية الروسية تتمثل فى أنه على الرغم من كون روسيا منتج أساسى للأسلحة العسكرية إلا أنه يمكن القول بأن هذه الأسلحة أقل تطوراً وكفاءةً مقارنة بالأسحلة التى يتم إنتاجها داخل الولايات المتحدة الأمريكية وبالتالى يجب على روسيا أن تعمل تطوير التكنولوجيا العسكرية الخاصة بها لتنافس الولايات المتحدة، إضافةً إلى أن الرئيس أوباما أشار إلى أن روسيا قوة عظمى إقليمية لكنها تتعامل مع جيرانها من موضع ضعف على أساس أنه يجب على روسيا بأعتبارها قوة إقليمية أن تعتمد على القوة الناعمة فى السيطرة على جيرانها لا على القوة التقليدية وقد تأكد ذلك بعد أن وجه الرئيس بوتين أنظاره إلى الأهتمام بالقوة الناعمة لروسيا حيث أدرك أن القوة التقليدية وحدها لاتكفى وأن القوة الناعمة تعمل على إكمالها، فدائماً ما كانت روسيا تُنتقد على لكونها تعتمد فقط على القوة التقليدية العسكرية بصورة أساسية وتتجاهل الأنماط الأخرى من القوة خاصة القوة الذكية والناعمة.
ونظراً لهذه التحديات يمكن القول بأن روسيا سوف تركز على قوتها النووية و سوف تتباطئ خطاها فى الجهود الدولية المختلفة للحد من انتشار الأسلحة وكذلك الجهود الدولية التى تهدف لحظر الأسحلة النووية وذلك لأنه إذا فقدت روسيا قوتها النووية سوف تفقد تباعاً لذلك مكانتها كدولة عظمى إقليمية وقوة كبرى فى ظل النظام العالمى ،وفى إطار ما سبق نجد أن روسيا وإن كانت تمتع بالعديد من أبعاد القوة التى وقفت وراء صعود دورها إلا أنه يمكن القول بأن هذا الأبعاد بدأت فى التراجع نتيجة لوجود العديد من التحديات التى يجب على الدولة الروسية مواجهتها حتى لاتصل إلى حالة من الإنحدار والأضمحلال.
الفصل الثانى: تطور الدور الروسى و العلاقات مع الدول الكبرى فى النظام الدولى.
مما لاشك فيه أن الصعود الروسى قد صاحبه تغيرات وتطورات فى العلاقات السياسية والأقتصادية والدبلوماسية بين روسيا والدول أو الفواعل الكبرى فى النظام العالمى وفى هذا الأطار يوجد تياران أساسيان أحدهما يرى أن روسيا أتجهت إلى تبنى علاقات تعاونية مع الدول الكبرى فى النظام الدولى أستناداً إلى أن روسيا قد أصبحت أكثر برجماتية بعد إنهيار الأتحاد السوفيتى وأصبحت تتحرك بحرية فى أتجاه مصالحها بعيدأ عن القيود الأيديولوجية ،فى حين ذهب الأتجاه الأخر إلى أستعادة رياح الحرب الباردة على أساس أن روسيا أتجهت إلى تبنى علاقات تحكمها مفاهيم المزاحمة والمواجهه مع الدولة الكبرى فى النظام الدولى فبخلاف التيار السابق الذى ينظر إلى أن النظام الدولى قد أصبح فى مرحلة أنتقالية نحو التعددية إن لم يكن فى مرحلة تعددية بالفعل يرى التيار الصراعى أن النظام الدولى لاتزال تسيطر عليه الولايات المتحدة وأنه على الرغم من صعود بعض القوى مثل الصين إلا أنها لا ترتقى لتصبح قوة مقابلة للولايات المتحدة.
ولكن قد أصبح واضح بدون أدنى شك أن هناك توجه سواء من جانب روسيا أو الولايات نحو أسيا خاصة جنوب شرق أسيا لما تشهده هذه المنطقة من صعود صينى حيث يرى كل من هذين التيارين أن هذا الصعود يمثل فرصة لروسيا وللولايات المتحدة ولكن يختلفان فى تفسير ذلك حيث يرى التيار الأول أن هذا الصعود سوف يفيد الولايات المتحدة وروسيا وذلك من خلال التعاون الأقتصادى مع الصين والأستفادة من النمو الأقتصادى المتصاعد فى هذه المنطقة أما التيار الثانى يفسر هذا الصعود على أنه فرصة صراعية بين الولايات المتحدة وروسيا لأستفادة من الصعود الصينى فهو ينظر إلى هذه الفرصة على أنها مبارة صفرية فإذا حصلت عليها روسيا خسرتها الولايات المتحدة والعكس صحيح.
وفى هذا الأطار سوف يتم التركيز على تداعيات الصعود الروسى على العلاقات مع الولايات المتحدة والصين لتوضيح إذا ما كان الدور الروسى الجديد يقوم على سياسيات تشجع العلاقات الصراعية مع الدول الكبرى أم أن روسيا ترتبط بالعديد من المصالح الأستراتيجية والأهداف بهذه الدول مما يجعل من يرجح كافة أستبعاد العلاقات الصراعية والتأكيد على العلاقات التعاونية البحتة بين روسيا وهذه الدول للحفاظ على مصالحها وتوازنتها.
ويدعم التيار الصراعى وجه نظره بأنه بالنظر إلى التاريخ المعاصر نجد أن الصعود الألمانى فى بداية القرن العشرين كان صعوداً إقليمياً فى البداية فى إطار الدول العظمى فى ثم أتجهت ألمانيا بعد ذلك إلى منافسة هذه الدول بل ومحاولة فرض رؤيتها الخاصة بها على النظام الدولى ولكن ينتقد التيار التعاونى هذا الأستناد على أساس أن ألمانيا كانت تسير فى سياساتها وعلاقاتها مع الدول الأخرى أستناداً إلى إيديولوجية راسخة واضحة المعالم وهى الأيديولوجية النازية أما الصعود الروسى الأن فهو صعود متحرر من أى قيود إيديولوجية ،وفى هذا الأطار يوضح أنصار التيار التعاونى أن العلاقات الأمريكية الروسية من ناحية والعلاقات الروسية الصينية هى علاقات تعاونية بحتة حتى وأن اشتملت على بعض شوائب صراعية إلا أنها فى مجملها علاقات تعاونية.
أما التيار التعاونى يرى أن هناك عدة دوافع تدفع روسيا إلى تبنى علاقات تعاونية مع الولايات المتحدة والصين وتتمثل أهم هذه الدوافع فى الحفاظ على الوضع الدولى لروسيا فى النظام الدولى ،العمل على تدعيم أنتعاش النمو الأقتصادى الروسى وذلك لعدم التعرض إلى أى مشكلة إقتصادية جديدة،و كذلك أيضاً الحفاظ على التأثير الروسى فى المنطقة الأقليمية بالقرب منها، فروسيا حتى وأن كان لديها بعض النوايا لتصبح قوة منافسة للولايات المتحدة إلا أن نقص الموارد الروسية يدفع روسيا إلى تبنى إطار تعاونى مع الولايات المتحدة والكتلة الأوروبية،فنظراً إلى كون روسيا دولة كبرى موازية للولايات المتحدة فى العديد من المنظمات الدولية خاصة مجلس الأمن دفع ذلك البعض إلى أعتبار أن الصعود الروسى يفرض على روسيا ضرورة أن تصبح قوة منافسة للولايات المتحدة فى النظام الدولى.
أما فيما يتعلق بالأتحاد الأوروبى فيمكن القول بأنه أصبحت الدول الأوروبية خاصة الغربية تعانى من إشكالية القدرة على تصميم استراتيجية تستطيع من خلالها أن السلوك الروسى خاصة فى الأزمة الأوكرانية من ناحية وكذلك تستطيع أن تضمن مشاركة روسيا فى المدى الطويل خاصة وأنه توجد العديد من القضايا التى تحتوى على مصالح مشتركة بين روسيا والغرب كما هو الحال فى قضايا منع انتشار الأسلحة النووية ومكافحة الأرهاب وبعض القضايا الإقليمية خاصة أفغانستان وإيران ويمكن القول بأن إمتلاك روسيا للأسلحة النووية وإمتلاكها لمخزون كبير من النفط والغاز الطبيعى بالأضافة إلى مهاراتها فى المجال التكنولوجى سوف يمكنها من إفتعال الأومات مع الغرب الأوروبى ،وعلى الرغم من بعض الدول الأوروبية ترى أن روسيا فى حالة إنحدار ملحوظ ومن ثم سوف يحل ذلك المشكلة وذلك بعد إنخفاض الناتج المحلى الإجمالى فى روسيا ليساوى سبع ما تمتلكه الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك تراجع أسعار النفط وغيرها من المؤشرات التى تؤكد على هذا الإنحدار إلا أنه يمكن القول أن هذه الرؤية غير صحيحة بل أن الإنحدار الروسى هذا يزيد من التهديدات الروسية على الدول الغربية والولايات المتحدة ويكفى أن نشير فى هذا الإطار أن روسيا هى الدولة الوحيدة التى تمتلك صواريخ نووية كافية لتدمير الولايات المتحدة الامريكية بالإضافة إلى المساحة الكبيرة للدولة الروسية والتى حمتها فى العديد من التجارب التاريخية خاصة الحروب النابوليونية والغزو الإلمانى على الأتحاد السوفيتى فى الحرب العالمية الثانية ،أى أنه يمكن القول أنه على الرغم من أن البعض يرى أن الدور الروسى فى حالة تراجع وإنحدار إلا أن ذلك لايعنى أن روسيا لا يمكن إعتبارها قوة كبرى فى النظام العالمى، أو أن تأثيرها محدود على مسار السياسة الدولية.
ويتبلور من الدور الروسى الجديد أن الهدف الأساسى للسياسة الخارجية الروسية لايتمثل فى مزاحمة القطب الامريكى وإنما خلق نوع من توازن القوى بين الدول الكبرى فى النظام الدولى مما يحول إنفراد دولة واحدة بالشئون الدولية ومن ثم إستعادة خبرة الأحادية القطبية وكذلك لاترغب روسيا أيضاً فى إستعادة أجواء الحرب الباردة وذلك لسبب بسيط هو أن الحرب الباردة كانت قائمة على تناقض إيديولوجى بين الأتحاد السوفيتى والولايات المتحدة ولكن يمكن القول أن روسيا الأن أصبحت أكثر برجماتية وأكثر تحرراً من القيود الإيديولوجية فى علاقتها مع الدول الكبرى وفى هذا الإطار تتبنى روسيا الفكر الواقعى فى العلاقة مع الدول والفاعلين الاساسيين فهى ترى أن فكرة الهيمنة الدولية ليست واقعية بالنسبة لها ولدورها ولكن من الممكن أن تتبع نمط الهيمنة الإقليمية خاصة وأن كافة دول الجوار لها تعد دول صغيرة وضعيفة وكذلك نمط توازن القوى بإعتباره هو الأكثر ملائمة لدورها،كما يتأكد التوجه الواقعى لدى بروسيا على نحو لايدع مجالاً للشك من خلال إدراك النخبة الروسية بأن النظام الدولى هو بالأساس بتعلق بالدول الكبرى والعظمى لذلك إذا يتركز الهدف الأساسى لروسيا فى أن ينظر إليها الأخرون على أنها دولة كبرى وأن يتعاملوا معها على هذا النحو وهى فى تحقيق ذلك تعمل على زيادة قوتها العسكرية والأقتصادية على الرغم من ما تواجهه من تحديات وصعوبات.
المبحث الأول: العلاقات الأمريكية الروسية ما بين الصراع والتقارب.
مع تولى الرئيس بوتين الحكم فى روسيا أصبحت العلاقات الأمريكية الروسية أحد أهم القضايا فى الأجندة الروسية وبدأ يحدث نوع من التقارب الواضح بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا خاصة فى قضية مكافحة الأرهاب الدولى وعلى الرغم من أستمرار المحاولات من جانب روسيا لتحسين العلاقات تدريجياً مع الولايات المتحدة خاصة بعد عقد إجتماع بين وزير الخارجية الروسية ووزيرة الخارجية الأمريكية فى ذلك الوقت هيلارى كلينتون لتحسين وتهيئة المناخ لتحسين العلاقات بين البلدين الإ أنه يمكن القول أن العلاقات الأمركية الروسية تمر بحالة من التوتر خاصة فى حالتى الأزمة الأوكرانية والأزمة السورية وفى ضوء هذا التوتر يرى البعض ان المسار الأقرب للواقع فى طبيعة نمط العلاقات الأمريكية الروسية هو المسار الصراعى على أساس أن روسيا تحاول أن تستعيد مكانتها كقطب عالمى من جديد مزاحم للولايات المتحدة ويرى البعض الأخر أن المسار الواقعى هو المسار التعاونى الذى يغلب على طبيعة العلاقات بين الدولتين فالصعود الروسى سوف يظل فى إطار تعاونى مع الولايات المتحدة .
يدلل أنصار التيار الأول على حقيقة الطبيعة الصراعية فى العلاقات بين البلدين من خلال مجموعة من القضايا أهمها قضية تشجيع الولايات المتحدة للثورات الملونة المعادية لورسيا فى جمهوريات الأتحاد السوفيتى سابقاً والتى لاتزال مجال حيوى هام لروسيا الأتحادية بل وأن روسيا تتهم الولايات المتحدة بأستخدامها للقوة الناعة لفرض الديمقراطية فى هذه الدول لذلك رأت روسيا أنه لابديل عن أستخدام القوة العسكرية للحفاظ على هذه المنطقة وظهر ذلك من خلال الأسيتلاء الروسى على شبه جزيرة القرم ،وكذلك قضية الدرع المضاد للصورايخ وهى الأزمة التى فجرتها الولايات المتحدة الأمريكية بأعلانها عن إقامة درع مضاد للصواريخ يتضمن نظام لرادار مضاد للصواريخ فى جمهورية التشيك ونشر عشر بطاريات مضادة للصواريخ فى بولندا الأمر الذى أدى إلى دفع روسيا إلى إعلان أن هذا النظام قد يحول أوروبا لتصبح بمثابة هدف للأسحلة الروسية النووية مما دفع الولايات المتحدة للعدول عن هذا الأمر.
وكذلك قضية التحركات الروسية فى منطقة أسيا الوسطى وراء أفغانستان لتأمين خطوط النفط الخاصة بها ورقابة الصين حيث عملت الولايات المتحدة على أستقطاب دولة قيرغيرستان خاصة وان هذه الدولة تعتبر من حلفاء روسيا وعضواً فى رابطة الدول المستقلة كما أنها تستضيف قاعدة عسكرية روسية على أرضها الأمر الذى أدى تبلور التوتر بصورة واضحة فى العلاقات بين الدولتين ،ووفقاً لهذه القضايا يرى هذا التيار ان الصراع هو الذى يحكم طبيعة العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وأنه نتيجة للصعود الروسى تتجه روسيا نحو تبنى أستراتيجية مزاحمة القطب الأمريكى وظهر ذلك بوضوح فى القضية الروسية حيث بدأت الولايات المتحدة تتجه تدريجياً إلى قبول الموقف الروسى المتمثل فى الإبقاء على نظام الأسد فى ظل المرحلة الأنتقالية كذلك الأزمة الأوكرانية فعلى الرغم من كافة العقوبات الأقتصادية التى فرضتها الولايات المتحدة والأتحاد الأوروبى إلى أنه روسيا لاتظل متمسك بموقفها فى الحفاظ على توجدها فى شبه جزيرة القرم .
ولكن فى حقيقة الأمر أن دور روسيا حتى وإن كان يشهد صعوداً متطوراً إلا أن القول بأن روسيا سوف تصبح قوة عظمى منافسة للولايات المتحدة وأن العالم سوف يستعيد حالة القطبية الثنائية هو قول غير دقيق ويفتقد للصحة وأن العلاقات الأمريكية الروسية وأن كانت تعانى من بعض التوترات إلا أنها فى مجملها علاقات تعاونية وذلك لعدة أسباب أهمها أولاً أن روسيا لا تريد عودة القطبية الثنائية مع الولايات المتحدة، فبوتين شخصيًا يرى أن عهد القطبية الثنائية قد انتهى، ولكن كذلك أنتهى عهد القطب الواحد الذي تُمثله الولايات المتحدة. ويؤمن بوتين أن النظام الدولي الحالي يقوم على تعدد الأقطاب، وأن روسيا هي أحد هذه الأقطاب مثلها مثل الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي وغيرها، وكل ما تريده روسيا هو أن يتعرف بها العالم كأحد القوى الكبرى في عالم التعدد القطبي ،ثانياً لا يُمكن العودة لأجواء الحرب الباردة لأن تلك الحرب قامت بين معسكرين وأيديولوجيتين، أحدهما على الأقل غير موجود الآن، بعد انهيار الأيديولوجية الشيوعية التي كانت تواجه الليبرالية الرأسمالية، كما أن روسيا تتبنى الأن الأيديولوجية الليبرالية ،ثالثاً هناك مساحة كبيرة من التوافق بين روسيا والغرب، فعلى سبيل المثال الموقف الروسى من البرنامج النووي الإيراني يقوم على رفض امتلاك إيران لقدرات عسكرية نووية وهو ذاته الموقف الأمريكى والأوروبي، ولكنّها تؤيد مطلب إيران في تطوير برنامج نووي سلمي، وترفض استخدام العقوبات الاقتصادية أو العمل العسكري ضد البرنامج النووي الإيراني، وهو أيضًا موقف الغرب الآن.
كما ان هناك حجم كبير من التعاون والعلاقات الأقتصادية تجمع بين الدولتين فالولايات المتحدة وروسيا مستثمرتان ففى التعاون فى عده مجالات أقتصادية مثل مجال الطيران ،صناعة بعض الألأت ،مجال أمن المعلومات ،كما أنه على الرغم من تراجع حجم التجارة الخارجية للولايات المتحدة مع الأتحاد الأوروبى بمقدار الثلث الإ ان التبادل التجارى بين روسيا والولايات المتحدة أنخفض بنسب محدودة للغاية تقدر بحوالى 6%.
ويمكن القول بأن العلاقات الأمريكية الروسية أقرب للتنافس منها إلى الصراع ويرجع هذا التنافس إلى عامل أساسى طرأ على الجانب الروسى يتمثل فى إنحدار الإيديولوجيا ليحل محلها مفهوم الجغرافيا السياسية فقد أولت روسيا اهتماما كبيراً في سياستها الخارجية بدول الاتحاد السوفييتي المستقلة -والتي تعتبرها روسيا داخل محيطها وتحت وصايتها- وهو ما بدا واضحاً في عدد من التحركات؛ أبرزها التدخل الروسي في الإنتخابات الأوكرانية 2004م، حين دعمت روسيا بأساليب معلنة وغير معلنة مرشحها الخاص، ودعمت المنظمات المدنية الموالية للمعسكر الغربي ومعها الحكومة الأمريكية المرشحين المنافسين،كما خاضت روسياً حرباً ضد جمهورية جورجيا، فقط لدعم جمهورية أوسيتيا الجنوبية الانفصالية ضد جمهورية جورجيا، صحيح أن الحرب دامت فقط لـ 6 أيام إلا أنها عبرت عن نية روسيا الواضحة لحماية حلفائها وكل ما يدعم الفخر الروسي الذي اهتز أواخر القرن الماضي ولكن بصورة عامة يظهر التنافس بين روسيا والولايات المتحدة فى منطقةأساسية هى أسيا حيث أن روسيا تبنت إستراتيجية إنتهازية تتمثل فى شن حرب غير تقليدية ضد أوروبا والتوجه نحو أسيا خاصة مع زيادة الطلب الصينى على النفط ،فى الوقت ذاته الذى تتوجه فيه الولايات المتحدة نحو الشرق وذلك سواء للإستفادة من فرص النمو الاقتصادى هناك من ناحية أو من أجل مواجهه الصعود الصينى وقد أتضح ذلك بصورة لاتجعل مجالاً للشك عندما أكد الرئيس أوباما على أن أسيا هى قارة المستقبل وأن التغيرات التى سوف تطرأ على هذه القارة هى التى سوف تؤثر على مستقبل الولايات المتحدة.
وإذا ما نظرنا إلى العلاقات الأمريكية الروسية منذ وصول بوتين للحكم وحتى عام 2014 نجد أن طبيعة العلاقات بينهما تتجه للتعاون وإن كانت هناك بعض الإنحرافات ،فالفترة الأولى للرئيس بوتين تميزت بإقامة شراكة جديدة مع الولايات المتحدة حيث تم إنشاء قاعدتين عسكريتين أمريكيتين في وسط اسيا وتقديم المعلومات التي ساعدت في هزيمة ” طالبان ” في افغانستان في خريف عام 2001 ، وبذلك قدمت روسيا نفسها كحليف للولايات المتحدة في مجهودات مواجهة الارهاب واتضح ان موسكو و واشنطن لديهم مصالح مشتركة في هزيمة ” تنظيم القاعدة ” خاصة وأن الشيشان الذى يطالبون بالأنفصال عن روسيا الإتحادية معظمهم مسلمين وتصفهم روسيا بالأرهابيين وتعتقد أن تنظيم القاعدة يلعب دور رئيسى فى مساندتهم ،ولكن حملت هذه المرحلة إنحراف فى العلاقات بين الدولتين حيث أعتقد بوتين أن الولايات المتحدة لن تنتقد الحرب الروسية فى الشيشان على أساس أن كل دولة عظمى من الطبيعى أن يكون لها تأثير على دول الجوار لها كما هو الحال فى أمريكا اللاتينية بالنسبة للولايات المتحدة.
أما بحلول عام 2008 يمكن أن تُوصف العلاقات الروسية الامريكية بأنها بمثابة ” شراكة انتقائية وعلاقات مجزأة ” حيث يتواجد التعاون في بعض الموضوعات وتتواجد المنافسة وعدم الاتفاق في بعض القضايا الاخرى ، فقد كان هناك تعاون مستمر بين الدولتين فى بعض القضايا مثل : مكافحة انتشار الاسلح النووية ومواجهة الارهاب إلا أن ذلك لم يكن يعنى عدم وجود خلاف كبير في وجهات نظر بين موسكو و واشنطن ،فقد اعترضت وجادلت روسيا بشكل مستمر على ان البرنامج النووي الإيراني المستمر والذى قدمت له مساعدات كبيره ليس مؤشرا على وجود برنامج ايراني للأسلحة النووية وقد رفضت الولايات المتحدة وجهة النظر هذه وعلى الرغم من تعاون روسيا مع مسؤولي الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي في صياغة قرار مجلس الامن التابع للأمم المتحدة بفرض عقوبات على إيران ، إلا أنه يمكن القول أنها شريك متردد فى هذه القضية،وظهر أيضاً الخلاف بين الدولتين فى الأزمة السورية ولكن يمكن القول بأن الرؤية الأمريكية بدأت فى التقارب مع الرؤية الروسية فى تسوية هذه الأزمة وتتمثل هذه التسوية فى عدم القيام بأى عمل عسكرى للإطاحة بنظام بشار وإدماجه فى المرحلة الإنتقالية ،كما أن ذلك الخلاف يتضح فى الأزمة الإوكرانية وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قد فرضت عقوبات إقتصادية على روسيا لدفعها لتغيير سلوكها إلا أن السبب الرئيسى وراء عدم رغبة الولايات المتحدة لتعميق هذه العقوبات هو أن روسيا تمتلك علاقات تعاونية كبيرة معها ومع الأتحاد الأوروبى.
المبحث الثانى: العلاقات الروسية الصينية واستراتيجية التحول نحو آسيا.
يمكن القول أن طبيعة العلاقة بين الصين وروسيا هي واحدة من كبرى المحددات للاستقرار في أوراسيا وآسيا والمحيط الهادئ كما أن هذه العلاقات تساهم في تشكيل النظام العالمي بالمفهوم الأوسع، وفى هذا الأطار تبلور المبدأ الروسى القائم على التوجه نحو أسيا فبعد أن بلغت العلاقات بين الصين ورسيا مستوى الشراكة الأستراتيجية من أجل إقامة نظام دولي متعدد الأقطاب يكسر تفرد أميركا بالقرار الدولي تحاول روسيا تعزيز جذور علاقتها مع الدول الصاعدة فى القارة الآسيوية خاصة فى جنوب شرق آسيا على أساس أن هذه المنطقة يعتبرها البعض ضمن إطار الهيمنة الصينية فروسيا تنظر إلى أسيا بأعتبارها تمثل المستقبل أنها هى الفرصة من خلال التبادل التجارى والأستثمارات المشتركة والتجارة الخارجية، كذلك تعد منطقة آسيا الوسطى من أهم مناطق النفوذ الأساسية لروسيا سواء من الناحية الأستراتيجية أو من الناحية الأقتصادية فهناك العديد من العلاقات الأقتصادية القوية التى تجمع بين روسيا وهذه المنطقة فعلى سبيل المثال بلغ معدل التبادل التجارى بين روسيا وباكستان 39.7% أى حوالى 4038.1 مليون دولار فى عام 2011 وكذلك بلغ تحتل كازخستان المرتبة الثالثة فى التجارة مع روسيا بعد أوكرانيا روسيا البيضاء.
أما عن العلاقات بين روسيا والصين فى عهد بوتين يمكن القول بأن التقارب الذي يشهده البلدان الآن لم يسبق له مثيل في العلاقات الثنائية بين روسيا وأي بلد آخر ،فجزء كبير من هذا التقارب أن لدى الصين وتائر نمو مخيفة لاقتصادها ولكن للاستمرار الصين في هذا الخط تحتاج إلى طاقة روسيا لذلك تم التوقيع على اتفاقية تحويل 10% من الغاز الروسي والذى سيباع الآن إلى الصين وسوف تحصل روسيا على مبيعات تقدر بحوالى 400 مليار دولار ومن ثم فأن الملف الأقتصادى بين الدولتين هو الملف الأبرز أو الأكثر أهمية وتتبلور هذه الأهمية من خلال الأتفاقيات الأقتصادية التى تجمع بين البلدين ففى مجال النقل أبرمت شركة السكك الحديدية الروسية وشركة سكك حديد الصين اتفاقية للتعاون الإستراتيجي في مجال تطوير البنية التحتية والعمليات. وتخطط الشركتان لتطوير المعابر الحدودية والبنية التحتية للسكك الحديدية بهدف زيادة حجم الحركة المرورية بين البلدين والعبور عبر أراضيهما.
وفى مجال القطاع المالى وقعت المصارف المركزية في كل من روسيا والصين اتفاقاً يمتد لثلاث سنوات ويقضي بتنفيذ عمليات لتبادل العملات بين الطرفين بقيمة تجاوزت 24 مليار دولار. ويهدف الاتفاق بالأساس إلى تعزيز وتنمية العلاقات الاقتصادية بين البلدين وزيادة استخدام عملتي البلدين الروبل واليوان في الأعمال التجارية والاستثمارية كما أنه فى مجال الطاقة أيضاً تم الاتفاق بين روسيا والصين أيضاً على إقامة مشروع مشترك لإنتاج الغاز الطبيعي المسال و من ثم فأن التقارب الروسى الصينى هو تقارب أقتصادى بالأساس ،كما أن الصين وروسيا أعضاء قى العديد من المنظمات الأقتصادية أهمها بريكس هذا بالأضافة إلى أن روسيا أصبحت عام 2015 مصدر النفط الأكبر للصين، بدلاً من المملكة العربية السعودية.
أما على فى الأطار الدفاعى والعسكرى تجري الصين وروسيا تدريبات عسكرية مشتركة منذ عام 2005 في إطار منظمة شنجهاي للتعاون التي تضم أيضا كزاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، والتي تدعو لتعزيز التعاون الإقليمي وتستهدف مواجهة النفوذ الأميركي، وتعدهذه أول مناورات بحرية عسكرية مشتركة بين البلدين ،وفى عام 2012 انطلقت مناورات بحرية عسكرية مشتركة بين روسيا والصين قرب السواحل الصينية، وسط توتر بين بكين والجيران الآسيويين بسبب المساع التوسعية من قبل الصين. وأستمرت هذه المناورات لستة أيام في البحر الأصفر قبالة السواحل الصينية الشرقية، وقد بلغت قيمة صفقات السلاح السنوية بين روسيا والصين ما يقارب المليار دولار في السنة، وعلى الرغم من أن روسيا كانت قد ترددت في الماضي في بيع أسلحة متقدمة لعدوتها العسكرية السابقة، لكن مؤخراً نشرت كل من الدولتين تقارير تشير إلى أن موسكو ستزود الصين بصواريخ أرض-جو من نوع “إس 400″، الأمر الذي عزز العلاقات بينهما.
ويمثل ذلك التيار الأول الذى يرى أن هذا التقارب المستمر بين روسيا والصين سوف يؤدى إلى إنهاء السيطرة الأمريكية على النظام الدولى والتحول نحو نظام متعدد الأقطاب ولكن هذا التيار أقرب ما يكون إلى المثالية فعلى الرغم من التقارب والتعاون الروسى الصينى الإ أن التيار الثانى هو الأكثر واقعية حيث أنه يرى أنه بالنظر إلى الأرث الكبير من إنعدام الثقة التاريخية بين الجانبين بالإضافة إلى أن هناك تنافس استراتيجي إقليمي بينهما وإن كانت الظروف والتغيرات الدولية قد فرضت نوعا من التقارب بينهما فلا يكمن القول بأن هذا التقارب في المدى القريب يمكن أن يشكلا حلفاً منسجماً وقوياً يكسر حدة الأحادية القطبية فالصين من جانبها ما تزال ترى في نفسها أنها لا تمتلك جميع أوراق لعب دور على الساحة الدولية ويقتصر دورها على الساحة الإقليمية فقط ومازالت لديها الكثير من المشاكل سواء قضية تايوان،وكذلك روسيا تؤكد على أنها لاترغب فى أن تكون قطباً عالمياً بل ترغب فى أن تكون قوة إقليمية مسيطرة ومن ثم قوة دولية مؤثرة فى إطار نظام تعددى،فهذا التيار يؤكد على أن كل من الصين وروسيا ترتبط بعلاقات بالولايات المتحدة تجعلها تميل إلى الجانب التعاونى وليس الجانب الصراعى فحتى وإن كان هناك تقارب بين روسيا والصين إلا أنه لايرتقى إلى درجة التحالف ولا يمثل تحدى للولايات المتحدة فعلاقات كل من الطرفين مع الولايات المتحدة تفوق علاقتهما مع بعضهما البعض.
وقد يبدو معقولاً للوهلة الأولى أن تفوق الولايات المتحدة فى مجال الطاقة قد يقابله شراكة صينية روسية ويبدو الأمر أكثر إقناعاً عندما تكون لهذه الشراكة سابقة تاريخية فقد تحالفت الصين الشيوعية بعد وصول ماو تسى تونغ إلى السلطة مع الاتحاد السوفيتى قبل أن يقوم الرئيس نيكسون بتبنى سياسة الإنفتاح على الصين ومن ثم توجه الصين إلى القطب الأمريكى لمواجه الاتحاد السوفيتى ولكن بعد إنهيار الاتحاد السوفيتى لم يعد لهذا التحالف معنى وأتجهت الصين إلى تعزيز العلاقات مع روسيا الإتحادية ،وسرعان ما وقعت الصين معاهدة “الصداقة والتعاون” فى عام 2001 ،وعلى الرغم من التقارب الصينى الروسى الملحوظ فى مجال المنظمات الاقتصادية وهو ما تمثل فى التعاون الواضح بين روسيا والصين فى مجلس الأمن وكذلك التعاون فى مجال منظمة شنجهاى ومنظمة بريكس ،يضاف إلى ذلك معاداة كل من الصين وروسيا للقيم الليبرالية الأمريكية يضاف إلى ذلك التعاون الأقتصادى الملحوظ كما سبق الإشارة خاصة بعد أن وقعت شركة جازوبروم الروسية عن إتفاقية إطارية لتسليم إقليم شينج جيانج 30 مليار متر مكعب من الغاز،كما أن الصين وروسيا قد أتخذتا سياسات متشابهة فى مجال تنظيم الأنترنت.
وعلى الرغم من هذه العلاقات الحميمة بين الدولتين إلا أن فكرة تبلور تحالف روسى صينى فى مواجهه الولايات المتحدة الأمريكية يبدو متسبعداً وتواجهه العديد من الصعوبات أهمها أولاً أن صفقات الغاز سوف تؤدى إلى تضخيم اختلال التوازن التجارى الثنائى حيث أن روسيا تقوم بتوريد المواد الحام إلى الصين فى مقابل الحصول على مصنوعات صينية ولاتساعد صفقات الغاز هذه على تطوير القدرات الروسية للوصول إلى التكنولوجيا الغربية التى تحتاجها لتتحول إلى قوة عظمى فى مجال الطاقة خاصة بعد إستغلال حقول القطب الشمالى ،ثانياً عدم شعور روسيا بالإرتياح بسبب الثقل الديموغرافى والعسكرى للصين ويظهر التفوق الصينى من الناحية الديموغرافية بوضوح فى الحالة السيبيرية حيث فى شرق سيبيريا يعيش 6 ملايين روسى فى حين أنه على الجانب الأخر يعيش 120 مواطن صينى ،ثالثاً أن قوة روسيا الاقتصادية والعسكرية فى إنحدار فى حين تتعاظم القوة الصينية وقد دفع الصعود الصينى العسكرى روسيا من إعلان عقيدة عسكرية جديدة تمكنها من الأستخدام الأول للأسلحة النووية ،رابعاً أن استعداد الصين للتحالف مع روسيا ليس بلا حدود حيث أن استراتيجية التنمية فى الصين تقوم على إندماجها المتواصل فى الأقتصاد العالمى والوصول إلى الأسواق الأمريكية كما أن شرعية الحزب الشيوعى بالأساس فى الصين تعتمد على النمو الاقتصادى ومن ثم لن يجازف الحزب بهذه الاستراتيجية للتحالف مع روسيا ،خامساً يظهر الإختلال بين روسيا والصين بصورة واضحة فى مجال المنظمات الدولية فالاقتصاد الصينى أكبر من اقتصاديات الأعضاء الأخرين فى مجموعة بريكس كما أن الصراع بين روسيا والصين فى اسيا الوسطى يحول دون تحقيق التقارب بينهما فى منظمة شنجهاى، ومن ثم يمكن القول أن استراتيجية الرئيس بوتين المتمثلة فى شن حرب غير تقليدية على الغرب والتوجه نحو الشرق لن تمكن روسيا من التحول إلى قوة دولية فى مجال الطاقة بل ستصبح بمثابة محطة وقود للصين.
قائمة المراجع:
أولاً المراجع باللغة العربية :
أولاً الكتب
1- أحمدنورىالنعيمى،السياسةالخارجية،الطبعةالأولى،(الأردن،دارزهران،2011)،ص1-350.
2- إيهاب عمر ،الأمبراطورية الروسية ، الطبعة الأولى ،(القاهرة ،سبارك للنشر والتوزيع ،2015)،ص1-490.
3-جمال دملج،البوتينية”أسس العقيدة السياسية الروسية الحديثة”، الطبعة الأولى،(القاهرة،دار المشرق،2016)،ص1-425.
4-طلال حرير العنزى وأخرون ،نظرية الدور، ،(جامعة الملك عبدالعزيز كلية الآداب والعلوم الإنسانية،2013)،ص1-85.
5-عاطف معتمد عبد الحميد ،استعادة روسيا مكانة القطب الدولى.. أزمة الفترة الأنتقالية،الطبعة الأولى ،(بيروت ،الدار العربية للعلوم،2010)،ص1-480.
متاح على الرابط التالى:http://www.geo-house.net/
6-ليلياشيفتسوفا
،روسيا بوتين ،ترجمة:بسام شيحا،الطبعة الثانية،(بيروت،الدار العربية للعلوم،2006)،ص1-500.
7-كمال الأسطل،محاضرات فى النظرية السياسية ،(فلسطين ،جامعة الأزهر،كلية الأقتصاد والعلوم الأدارية،1999)،ص1-90.
8-مصطفى علوى ، قضايا دولية معاصرة ،الطبعة الأولى ،(القاهرة، دار الزعيم،2015)،ص1-275.
9-معمر عطوى ، طموح روسيا إلى عالم متعدد الأقطاب،الطبعة الثانية ،(القاهرة ،دار المشرق،2009)، ص1-350.
10-نورهان الشيخ ،نظرية السياسة الخارجية ، الطبعة الأولى،(جامعة القاهرة ،كلية الأقتصاد والعلوم السياسية ،2014)،ص1-270.
ثانياً الرسائل العلمية
1-أحمد سيد حسين ،دور القيادة السياسية فى إعادة بناء الدولة دراسة حالة روسيا فى عهد بوتين ،رسالة دكتوراه ،جامعة القاهرة ،كلية الأقتصاد والعلوم السياسية ،2013،1-175.
2-بشار سعود بشير،الدور الروسى فى النظام الدولى الجديد فى الفترة 2000-2006،رسالة ماجستير،الجامعة الأردنية ،كلية الدراسات العليا،2007،1-150.
3-جلال عبد الله معوض ،علاقة القيادة بالظاهرة الأنمائية :دراسة فى المنطقة العربية ،رسالة دكتوراه،جامعة القاهرة ،كلية الأقتصاد والعلوم السياسية ،1985،ص1-200.
4-رشا أحمد الديسطى ،الدور الصينى فى النظام الأقليمى لدول جنوب شرق أسيا فى الفترة من1991 حتى 2008،رسالة ماجستير،جامعة القاهرة ،كلية الأقتصاد والعلوم السياسية ،2012،ص1-280.
5-عبد القادر دندان ،الدور الصينى فى النظام الأقليمى لجنوب أسيا بين الأستمرارية والتغير 1991-2006،رسالة ماجستير، جامعة الحاج لخضر ،كلية الحقوق،2008،ص1-230.
6-مبارك مبارك أحمد عبدالله ،التغير فى القيادة السياسية والتحول الديمقراطى فى النظم السياسية العربية فى التسعنيات،رسالة ماجستير،جامعة القاهرة ،كلية الأقتصاد والعلوم السياسية ،ص1-250.
7-محمود خليفة جودة محمد ،أبعاد الصعود الروسى فى النظام الدولى وتداعياته،رسالة ماجستير،جامعة القاهرة ،كلية الأقتصاد والعلوم السياسية،2015،ص1-320.
8-محمود محمد الكركى،العلاقات الأمريكية الروسية فى عهدى الرئيسين فلاديمير بوتين وجورج بوش(2000-2008)،رسالة ماجستير،جامعة مؤتة،كلية العلوم الأجتماعية ،2009،ص1-245.
9-مصطفى أمين مصطفى ،العلاقات الروسية الجورجية منذ عام 1991،رسالة ماجستير ،جامعة القاهرة ،كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ،2013،ص1-290.
10-منى حسين أحمد القلاف ،السياسة الخارجية الأمريكية تجاه روسيا الأتحادية ،رسالة ماجستير،جامعة القاهرة ،كلية الأقتصاد والعلوم السياسية،2012،ص1-390.
11-مهدي علي مهدي، تطور العلاقات الامريكية – الروسية منذ عام 2003- الواقع وافاق المستقبل،رسالة ماجستير،كلية العلوم السياسية ،جامعة النهرين،2012 ،ص 1-190.
12-موسى عبد الوالى ابو قاعود،الدور الأقليمى لإيران فى الشرق الأوسط خلال الفترة من1991 وحتى 2010،رسالة ماجستير،جامعة القاهرة،كلية الأقتصاد والعلوم السياسية ،ص1-320.
ثالثاً الدوريات العلمية
1-أحمد دياب ،أحداث قيرغيرستان …تنافس أم توافق بين واشنطن وموسكو؟،السياسة الدولية،العدد:2010،196،1-200.
2-أحمد عبدالله الطحلاوى ،استعادة الدور:المحددات الداخلية والدولية للسياسة الخارجية،المركز العربى للبحوث والدراسات،2014،ص1-45.
متاح على الرابط التالى:http://www.acrseg.org/
3-خالد ممدوح ، بوتين وروسيا: فلاديمير بوتين مؤسس الدولة الروسية الحديثة والقوية،الحوار المتمدن ،العدد:51،2011.
متاح على الرابط التالى:http://www.ahewar.org/
4-دلال محمود السيد ،الميراث العسير:هل تعيد القوة العسكرية روسيا قطباً عالمياً،السياسة الدولية،العدد:202 ،2015،ص1-45.
5-سعد السعيدى،تداعيات الأزمة الروسية الجورجية على العلاقات الأمريكية الروسية ،دراسات دولية ،العدد:42 ،2010،ص1-150.
6-عبد العزيز مهدى الرواى،توجهات السياسة الخارجية الروسية فى مرحلة ما بعد الحرب الباردة،دراسات دولية،العدد:35،2014،ص1-180.
متاح على الرابط التالى: http://www.iasj.net
7-عمر كوش ،الأستراتيجية الروسية بعد الحرب الباردة،مركز الجزيرة،2009.
متاح على الرابط التالى : http://www.aljazeera.net
8-لمى مضر الأمارة ،الأستراتيجية الروسية الجديدة،مركز دراسات الصين وأسيا،2010
متاح على الرابط التالى:http://www.chinaasia-rc.org/
9-محمد أحمد النابلسى ،روسيا تستعجل نهاية الآحادية القطبية،المركز العربى للدراسات المستقبلية ،العدد:45،2014.
متاح على الرابط التالى : http://www.mostakbaliat.com
10-مونيكا غاتر تورلر،القيادة وأساليب ممارسة السلطة،رؤى،العدد :36،2012،ص1-70.
متاح على الرابط التالى : http://www.qattanfoundation.org
11-نعيم أمين الدين،أبعاد الخطة الروسية فى أوكرانيا،مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط،العدد:48،2015،ص1-80.
12-نورهان الشيخ ،روسيا وأزمة أوسيتيا الجنوبية ..توازن جديد للقوى الدولية،السياسة الدولية،العدد:174 ،2008،ص1-250.
رابعاً الصحف
1-جوزيف عبدالله ،( مسار وآفاق الصعود الروسي في ترتيب النظام العالمي)،العرب والعولمة ،2010.
متاح على الرابط التالى : http://www.kobayat.org/
2-جوزيف ناى،(استراتيجية غربية للتعامل مع روسيا المضمحلة)،جريدة الشبيبة،2014،ص1-3.
متاح على الرابط التالى :www.shabiba.com
3-جوزيف ناى ،(بوتين وحساباته على الأمدين القصير والبعيد)،الجريدة ،2014-ص 1-3
متاح على الرابط التالى: http://www.aljarida.com
4-جوزيف ناى ،(بوتين وقواعد الجاذبية)،الجريدة الكويتية،2014،ص 1-3.
5-جوزيف ناى،(تحالف صينى روسى جديد؟)،الجزيرة،2014،ص1-2.
متاح على الرابط التالى:http://www.aljazeera.net
6-جوزيف ناى ،(تحدى الإنحدار الروسى)، جريدة الشبيبة،2014،ص1-2
متاح على الرابط التالى: www.shabiba.com
7-عبد الله عيسى ،(خطر حرب بين روسيا وأوكرانيا كما فى عام 2008 مع جورجيا )،العالم،2014.
متاح على الرابط التالى:http://www.alalam.ir
8-عبد الخليل زيد ،(ماذا تبقى لروسيا فى آسيا الوسطى؟)،الرياض،2014
متاح على الرابط التالى : http://www.alriyadh.com/
9-عبد الجبار أبو سفيان،( الدور الروسي العالمي الجديد: حقيقته، تجلياته وأثره على واقع العلاقات الدولية الحالية)،البرلمان،2014.
متاح على الرابط التالى : http://www.barlamane.com
10-علوان نعيم أمين ،(الأستراتيجية العسكرية الروسية الجديدة:قدرات عالية وتقنية فائقة)، العربية ،2015،ص1-5.
متاح على الرابط التالى:http://arabiyaa.com
11-على بن طلال ،(الأقتصاد الروسى)،الحياة،2014.
متاح على الرابط التالى: http://www.alhayat.com
12-على حسين باكير، (روسيا وسياسة المحاور في مواجهة الولايات المتحدة)،العصر،2005.
متاح على رابط التالى:http://alasr.me/
13-طارق فرحات ،(إنتقام بوتين تقارب روسى صينى يهدد سيطرة الدولار)،ساسة بوست،2014.
14-محمد كمال ،(السيسى فى موسكو وروسيا التى لانعرفها)،المصرى اليوم ،2015.
متاح على الرابط التالى:http://www.almasryalyoum.com
15-محمود على ،(الصين وروسيا ..تحالف يثير قلق أوروبا وأمريكا)،البديل،2015.
متاح على الرابط التالى: http://elbadil.com
16-هانى شادى ،(السياسة الخارجية الروسية … العودة إلى المتوسط)،الحرية،2013.
17-(التقارب الروسى الصينى ..فرص نجاح الشراكة الروسية الصينية)،الجزيرة،2015.
متاح على الرابط التالى :http://www.aljazeera.net
18-(تسلسل الأحداث وتصعيد الأزمة فى أوكرانيا)،روسيا اليوم،2014.
متاح على الرابط التالى:http://arabic.rt.com/news/661767
ثانياً المراجع باللغة الأنجليزية:
1-Goldberg Jeffery ,(The Obama doctrine),The Atlantic ,2016,pp1-23.
Available on :http://www.theatlantic.com
2-Govella Kristi, Aggarwal, Vinod ,The Fall of the Soviet Union and the Resurgence of Russia ,Responding to a Resurgent Russia,(USA,2012),pp1-20.
Available on :http://basc.berkeley.edu/ .
3-Hermann Margret, Assessing leadership style :a trait analysis, Social Science Automation ,1999,pp1-27.
Available on :https://socialscience.net
4-Marie Anne, International Relations, Principal Theories, Max Planck Encyclopedia of Public International Law, United Kingdom,2011,pp1-17.
Available on:http://opil.ouplaw.com
5-Oldberg Ingmar, Russia´s Great Power Strategy under Putin and Medvedev, Swedish Institute of International Affairs ,Volume one ,2010,pp1-75.
Available one :http://www.ui.se/ .
6-Sakwa Richard, Putin’s Leadership: Character and Consequences ,Routledge” Europe Asia Studies”, Volume 66 ,2008,pp1-50.
Available on: https://core.ac.uk .
7-Zha Beixin, American Russian relationships: what is coming?,china institute for international studies, volume13,2010,pp1-30.
Available on: http://www.ciis.org.cn/