ما أشبه ديمقراطية المنشأ بديمقراطية الحاضر
بقلم : عبد الحليم صابر
في مفهومها العام تعتبر الديمقراطية أحد أشكال الحكم التي يشارك فيها، نضريا، جميع المواطنين المؤهلين، حسب قانون كل دولة، على قدم المساواة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من خلال ممثلين عنهم منتخبين وذلك بتوظيف آلية الانتخابات، في تشكيل سلطتين تنفيذية وتشريعية. مهمة الأولى تقديم مشاريع قوانين تهم مختلف المجالات وتسيير الشأن العام وفقها، وتقوم الثانية باقتراح قوانين ومراقبة عمل السلطة التنفيذية…
وهي بهذا المعنى السائد، تعتبر آلية فقط لإنتاج السلط وفق اختيارات المواطنين “الحرة”، ويصبح معناه ضيقا لا يتجاوز “الديمقراطية التمثيلية”، بدل معناها الأوسع الذي يتمثل في نظام جامع لما هو اقتصادي واجتماعي وسياسي وحقوقي ومؤسساتي وقيمي… يؤمن به “غالبية المجتمع”؛ مستمر في الزمن لا يخضع للظرفية والقراءة الضيقة لواقع الحال.
مصطلح “الديمقراطية” إغريقي المنشأ، و يعني “حكم الشعب” لنفسه. مصطلح قد تمت صاغته من شقين ديموس” الشعب”، وكراتوس “السلطة” أو “الحكم” في القرن الخامس قبل الميلاد للدلالة على النظم السياسية الموجودة آنذاك في اليونان، وخاصة أثينا. ورغم جاذبية فكرته؛ في تنزيله لم يكن كذلك: من كان يحق له تسيير الشأن العام الداخلي والخارجي، آنذاك، قلة محظوظة من النخبة، أقلية العدد رفيعة الطبقة، بالمقارنة مع باقي طبقات التصنيف الأخرى، أكثرية العدد.
وبتطور العصور تطور المفهوم خصوصا مع فلاسفة عصر الأنوار وبداية اضمحلال تسلط السلطة الدينية على القرار السياسي بمعناه الشامل. فبرزت مقاربات أكثر تطورا “للديمقراطية” مع مفكرين أمثال إيغفي نيدليك وجون لوك ومنتسكيو…، من خلال مقاربات فصل السلط وتركيبتها واختصاصاتها داخل الدولة دعما لفكرة “السلطة والسلطة المضادة”، وحقوق الإنسان وكونيتها…
في الوقت الراهن، رغم تطور مفهوم “الديمقراطية” ليشمل عدة آليات كالديمقراطية التمثيلية، والتشاركية، والمباشرة من خلال “العرائض التشريعة…”، والمؤسسات الاستشارية…، يعترض تنزيله الفعلي، الهادف لفصل حقيقي للسلط، وامتلاك المواطن لحق المواطنة كاملا، وشيوع حقوق الإنسان في كونيتها والعدالة الاجتماعية في مختلف تجلياتها…، عدة إكراهات أهمها: عدم تملك جزء من المواطنين لثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان نتيجة نظام مجتمعي (أسرة، مؤسسات دينية، مدرسة، وسائل إعلام…) خلف مجموعة من الظواهر أبعد ما تفكر فيه شربة ماء ترويها وكسرة خبز تقيها حر الجوع بغض النظر عن طبيعة نظام الحكم السائد.