مقالات

الانقلاب التركي والرئيس اردوغان

بقلم الباحث : محمد كريم جبار

امور عديدة حدثت وجرت في الايام السابقة مليئة بالاثارة وربما بالمغامرة ،اثارتها انها جاءت في وقت وصلت الامور فيه داخليا في تركيا الى حد الهيجان الشعبي نتيجة الحوادث الارهابية التي ضربت تركيا واخرها مطار اتاتورك وما اوقعته من ضحايا مادية وبشرية،اما من ناحية مغامرتها ،فانها كانت نتيجة تخطيط وتنفيذ بعض القيادات المهمة على الصعيد العسكري ومساندة بعض من الضباط الصغار والجنود ،بصدد التحليل السياسي للظاهرة ،نجد بعض المعطيات والمؤشرات التي ربما قد تكون سببا في الانقلاب والذي هو في حقيقة الامر تمردا اقرب منهالى الانقلاب وذلك لان الانقلاب عادة ما يكون مدعوما من قبل الشخصيات السياسية الرئيسية في بلد الانقلاب بالاضافة الى وجودقيادة حقيقية لتسيير شؤون البلد وهذا ما لوحظ بعدم اصدار قائد الانقلاب بيانا رسميا يوضح فيه اسم قائده والمخطط له ،ومن ابرز المعطيات التي مهدت لحركة التمرد :

داخليا/نجد ان الشارع التركي وان كان ناقما على السياسة الخارجية التركية وما اوصلته طموحات ر ئيسه اردوغان وحلم العثمانية الجديدة التي يسعى للوصول اليها وبشتى الطرق حتى وان تطلب الامر تصفية اصدقاء الامس فكانت التضحية بمهندس السياسة الخارجية احمد داود اوغلو الرجل الثاني في سلم القيادة على مستوى الدولة التركية وحزب العدالة والتنمية ومنذ سنوات ،فسياسة تصفير المشاكل ،اضحت عبئا على سياسة تركيا وليست سندا لها ،فتازمت علاقاتها مع دول الجوار ومصر والسعودية وسوريا وتدخلات هنا وهناك ،فضلا عن التوترات الاوربية ورفض دخولها الى الاتحاد الاوربي لاسباب تتعلق بملف حقوق الانسان فيها اضافة الى دوافع تاريخية تتعلق بمسالة مجازر الارمن ،وعلى الرغم من الانتعاش الاقتصادي الواضح في عهد اردوغان وحزب العدالة والتنمية ومنذ اعتلائه سدة الرئاسة منذ بدايات الالفية الجديدة ،وعلى الرغم من ذلك فنجد ان انعكاسات ذلك تمثلت بعدم المحافظة على المنجز الاقتصادي بتدخلات خارجية ربما كانت من وجهة نظر قادتها ،تعود بالنفع على تركيا واعتبارها من الاطراف المؤثرة في الشرق الاوسط،اضف الى هذا كله ،تصارع القوى الداخلية التركية ومن ابرزها الصراع مع جماعة فتح الله كولن والتصفيات القضائية التي ارادها اردوغان نتيجة تهم الفساد التي طالت ابرز القيادات في حزبه في عام 2013،وانتظر الفرصة المناسبة للقضاء عليها وان طال الزمن،ولهذا ساعدت البيئة الداخلية بتنامي الشعور لدى السلطة القضائية بانها مستهدفة من قبل حزب اردوغان وانها تنتظر الوقت المناسب للانقضاض عليها واستبدالها باخرى موالية لحزب العدالة والتنمية والتستر على قضايا وملفات فساد شابت بعض رموز الحزب ،اما فيما يخص جماعة فتح الله كولن وتنامي شعبيتها داخل صفوف السلطتين القضائية والعسكرية ،مما جعل ذلك بمثابة مؤشرا مهما لدى اردوغان بان تلك الجماعة تمثل خطرا حقيقيا للديمقراطية التركية وتهديدا مباشرا للمبادى الاتاتوركية والتي تمثل الاساس التي ترتكز عليه الدولة التركية ،ان تهديدهذه الجماعة قد يكون فعالا من الناحية السياسية من خلال النخب السياسية التعليمية والثقافية وتنامي صعودها على مستوى الجامعات والقضاء وغيها من مفاصل الدولة الرئيسة والتي تشكل من وجهة النظر الاردوغانية خطرا حقيقيا يتطلب التعامل معه بواقعية ،فكانت التهمة جاهزة والاحداث ربما تدل على ذلك من خلال ان المستفيد من الانقلاب هي حركة فتح الله كولن على الرغم من وجوده في الولايات المتحدة الامريكية فكان ذلك بمثابة اتهام مبتشر من قبل الحزب وعلى لسان رئيسه بان كولن يمثل تهديدا ارهابيا ينبغي لامريكا تسليمه لتركيا لمحاكمته وارجاع الصاع صاعين له .

خارجيا/ان الانقلاب العسكري يمثل تهديدا لمبادئ حقوق الانسان وخاصة ان هذا الملف ما فتئ ان كان السبب الرئيسي لعدم دخول تركيا مظلة الاتحاد الاوربي ،اضافة الى اعتبتر ان حكم العسكر يقوض الحكم الديمقراطي القائم على اساس،الفكرة الانتخابية ومن خلالها يكون حزب فائز فيها يشكل الحكومة،وعلى الرغم من ان تركيا هي معروفة بمثل تلك الانقلابات اذ شهدت خلال العقود الخمسة الماضية اربعة انقلابات عسكرية تفاوتت في دمويتها في قلب الحكم المدني وليس اخرها الانقلاب الابيض على حكم نجم الدين اربكان ،والذي كان اول شخصية اسلامية تتولى الحكم في تركيا العلمانية والتي كان مؤسسها اتاتورك ،ولهذا فان العاقة التركية مع الانقلابات العسكرية مستمرة ،فعلى صعيد الدعم الدولي ،نجد ان الولايات المتحدة وعلى لسان رئيسها اوباما ووزير خارجيتها كيري ،سارعت الى دعم الشرعية الديمقراطيةوالمتمثلة بالانتخابات والتي افرزت وصول حزب العدالة والتنمية للحكم ولغاية الان ، وتوالت ردود الافعال الدولية التي تدعو للحفاظ على الديمقراطية وعدم تاييد الانقلاب ،وعلى الرغم من وجود مؤسس الحركة فتح الله كولن في الولايات المتحدة ،فان اصابع الاتهام المباشر لكولن قد صدرت من قبل اردوغان،فان ذلك لم يكن مدعاة استجابة من الولايات المتحدة الا بتسليم امريكا دلائل على ضلوع كولن باحداث الانقلاب كي تسلم الولايات المتحدة كولن لتركيا ،.سارع كولن لنفي اي تاييد للانقلابيين وانه ليس لديه معرفة بهم ،اما من ناحية المعارضين،فان حادثة التمرد العسكري اضحت فرصة لارودغان لتحويل خصومه عن سياساته الى جهة اخرى ،اذ نرى ان ابرز احزاب المعارضة سارعت الى التنديد بذلك العمل المهدد للديمقراطية والحكم العلماني في تركيا ومنها حزب الشعوب الديمقراطية ،ولهذا ساعد ذلك اردوغان الى استثمار حالة الرفض الشعبي للحادثة مما ادى الى تعزيز شعبيته لدى الجماهير التركية وتحويا نظرها عن السياسات الخارجية والتي اوصلت تركيا لهذا الوضع وبالتالي كانت فرصة مثالية له لتدعيم شعبيته وحلمه بتحويل الحكم التركي من برلماني الى رئاسي ليكون اردوغان هو الاوحد لتركيا

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى